فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} عطف على جملة: {وما من دابّة في الأرض إلاّ على الله رزقها} [هود: 6].
والمناسبة أنّ خلق السماوات والأرض من أكبر مظاهر علم الله وتعلقات قدرته وإتقان الصنع، فالمقصود من هذا الخبر لازمه وهو الاعتبار بسعة علمه وقدرته، وقد تقدم القول في نظيرها في قوله: {إنّ ربّكُمْ اللّهُ الذي خلق السموات والأرض في ستة أياممٍ ثم استوى على العرش} في سورة [الأعراف: 54].
وجملة: {وكان عرشه على الماء} يجوز أن تكون حالًا وأن تكون اعتراضًا بين فعل (خلق) ولام التعليل.
وأما كونها معطوفة على جملة: {وما من دابّة في الأرض إلاّ على الله رزقها} [هود: 6] المسوقة مساق الدليل على سعة علم الله وقدرته فغير رشيق لأنّ مضمون هذه الجملة ليس محسوسًا ولا متقررًا لدى المشركين إذ هو من المغيبات وبعضه طرأ عليه تغيير بخلق السموات فلا يحسن جعله حجة على المشركين لإثبات سعة علم الله وقدرته المأخوذ من جملة: {وما من دابة في الأرض} [هود: 6] إلخ.
والمعنى إن العرش كان مخلوقًا قبل السموات وكان محيطًا بالماء أو حاويًا للماء.
وحمل العرش على أنّه ذات مخلوقة فوق السموات هو ظاهر الآية.
وذلك يقتضي أن العرش مخلوق قبل ذلك وأن الماء مخلوق قبل السموات والأرض.
وتفصيل ذلك وكيفيته وكيفية الاستعلاء مما لا قبل للأفهام به إذ التعبير عنه تقريب.
ويجوز أن يكون المراد من العرش ملك الله وحكمه تمثيلًا بعرش السلطان، أي كان ملك الله قبل خلق السموات والأرض مُلكًا على الماء.
وقوله: {ليبلوكم} متعلق بـ: {خلق} واللاّم للتعليل.
والبلو: الابتلاء، أي اختبار شيء لتحصيل علم بأحواله، وهو مستعمل كناية عن ظهور آثار خلقه تعالى للمخلوقات، لأن حقيقة البلو مستحيلة على الله لأنّه العليم بكلّ شيء، فلا يحتاج إلى اختباره على نحو قوله: {إلاّ لنَعْلَم مَن يتّبعُ الرسول} في سورة [البقرة: 143]. وجُعل البلو علة لخلق السموات والأرض لكونه من حكمة خلق الأرض باعتبار كون الأرض من مجموع هذا الخلق، ثم إن خلق الأرض يستتبع خلق ما جعلت الأرض عامرة به، واختلاف أعمال المخاطبين من جملة الأحوال التي اقتضاها الخلق فكانت من حكمة خلق السموات والأرض، وكان التّعليل هنا بمراتب كثيرة، وعلة العلة علّة.
و: {أيكم}: اسم استفهام، فهو مبتدأ، وجملة المبتدأ والخبر سادّة مسدّ الحال اللاّزم ذكرها بعد ضمير الخطاب في: {يبلوكم}، نظرًا إلى أن الابتلاء لا يتعلق بالذوات، فتعدية فعل (يبلو) إلى ضمير الذوات ليس فيه تمام الفائدة فكان محتاجًا إلى ذكر حال تُقَيّد متعلق الابتلاء، وهذا ضرب من التعليق وليس عينه.
وفي الآية إشارة إلى أن من حكمة خلق الأرض صدور الأعمال الفاضلة من شرف المخلوقات فيها.
ثم إن ذلك يقتضي الجزاء على الأعمال إكمالًا لمقتضى الحكمة ولذلك أعقبت بقوله: {ولئنْ قلت إنّكم مبعوثون} إلخ.
{وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الموت لَيَقُولَنَّ الذين كفروا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ}
يظهر أن الواو واو الحال والجملة حال من فاعل: {خلَق السماوات والأرض} باعتبار ما تعلق بالفعل من قوله في: {ستة أيام}، وقوله: {ليبلوكم}، والتقدير: فعل ذلك الخلق العجيب والحال أنهم ينكرون ما هو دون ذلك وهو إعادة خلق الناس.
ويجهلون أنه لولا الجزاء لكان هذا الخلق عبثًا كما قال تعالى: {وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين} [الدخان: 38].
فإنْ حمل الخبر في قوله: {وهو الذي خلق السموات والأرض} على ظاهر الإخبار كانت الحال مقدّرة من فاعل: {خلَق} أي خلق ذلك مقدّرًا أنكم تنكرون عظيم قدرته، وإن حمل الخبر على أنه مستعمل في التنبيه والاعتبار بقدرة الله كانت الحال مقارنة.
ووجه جعلها جملة شرطية إفادة تجدد التكذيب عند كلّ إخبار بالبعث، واللاّم موطّئة للقسَم، وجواب القسَم: {ليقولن} إلخ، فاللام فيه لام جواب القسم.
وجواب (إنْ) محذوف أغنى عنه جواب القسَم كما هو الشأن عند اجتماع شرط وقسم أنْ يحذف جواب المتأخر منهما.
وتأكيد الجملة باللام الموطئة للقسم وما يتبعه من نون التوكيد لتنزيل السامع منزلة المتردد في صدور هذا القول منهم لغرابة صدوره من العاقل، فيكون التأكيد القوي والتنزيل مستعملًا في لازم معناه وهو التعجيب من حال الذين كفروا أن يحيلوا إعادة الخلق وقد شاهدوا آثار بدء الخلق وهو أعظم وأبدع.
وقرأ الجمهور: {إلاّ سحرٌ} على أنّ: {هذا} إشارة إلى المدلول عليه بـ (قُلتَ)، ومعنى الإخبار عن القول بأنّه سحرٌ أنهم يزعمون أنّه كلام من قبيل الأقوال التي يقولها السحرة لخصائص تؤثر في النفوس.
وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف: {إلاّ ساحرٌ} فالإشارة بقوله: {هذا} إلى الرّسول صلى الله عليه وسلم المفهوم من ضمير: {قلتَ} أي أنه يقول كلامًا يسحرنا بذلك.
ووجه جعلهم هذا القول سحرًا أن في معتقداتهم وخرافاتهم أنّ من وسائل السحر الأقوال المستحيلة والتكاذيب البهتانيّة، والمعنى أنّهم يكذّبون بالبعث كلّما أخبروا به لا يترددون في عدم إمكان حصوله بله إيمانهم به.
و: {مبين} اسم فاعل أبان المهموز الذي هو بمعنى بَانَ المجرد، أي بَيّنٌ وَاضحٌ أنه سحر أو أنه ساحرٌ. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَهُوَ الذي خَلَق السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الماء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}.
صرح في هذه الآية الكريمة أنه خلق السماوات والأرض لحكمه ابتلاء الخلق، ولم يخلقهما عبثًا ولا باطلًا. ونزه نفسه تعالى عن ذلك، وصرح بأن من ظن ذلك فهو من الذين كفروا وهددهم بالنار، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السماء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الذين كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النار} [ص: 27] وقال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى الله الملك الحق لاَ إله إِلاَّ هُوَ رَبُّ العرش الكريم} [المؤمنون: 115-116] وقال: {وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وقال: {الذي خَلَقَ الموت والحياة لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2] إلى غير ذلك من الآيات. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}
وقد تعرض القرآن الكريم لمسألة خلق الأرض والسماء أكثر من مرة.
وقلنا من قبل: إن الحق سبحانه وتعالى قد شاء أن يخلق الأرض والسموات في ستة أيام من أيام الدنيا، وكان من الممكن أن يخلقها في أقل من طرفة عين بكلمة كن وعرفنا أن هناك فارقًا بين إيجاد الشيء، وطرح مكونات إيجاد الشيء. ومثال ذلك ولله المثل الأعلى حين يريد الإنسان صنع الزبادي، فهو يضع جزءًا من مادة الزبادي وتسمى خميرة في كمية مناسبة من اللبن الدافئ، وهذه العملية لا تستغرق من الإنسان إلا دقائق، ثم يترك اللبن المخلوط بخميرة الزبادي، وبعد مضي أربع وعشرين ساعة يتحول اللبن المخلوط بالخميرة إلى زبادي بالفعل.
وهذا يحدث بالنسبة لأفعال البشر، فهي أفعال تحتاج إلى علاج، ولكن أفعال الخالق سبحانه وتعالى لا علاج فيها؛ لأنها كلها تأتي بكلمة كن.
أو كما قال بعض العلماء: إن الله شاء أن يجعل خلق الأرض والسموات في ستة أيام، وقد أخذ بعض المستشرقين من هذه الآية، ومن آيات أخرى مجالًا لمحاولة النيل من القرآن الكريم، وأن يدَّعوا أن فيه تعارضًا، فالحق سبحانه وتعالى هنا يقول: {وَهُوَ الذي خَلَق السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [هود: 7]. وجاءوا إلى آية التفصيل وجمعوا ما فيها من أيام، وقالوا: إنها ثمانية أيام، وهي قول الحق سبحانه: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ العالمين وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ ثُمَّ استوى إِلَى السماء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 912]. وهنا قال بعض المستشرقين: لو كانت هذه قصة الخلق للأرض والسموات لطابقت آية الإجمال آية التفصيل. وقال أحدهم: لنفرض أن عندي عشرة أرادب من القمح، وأعطيت فلانًا خمسة أرادب وفلانًا ثلاثة أرادب، وفلانًا أعطيته إردبين، وبذلك ينفد ما عندي؛ لأن التفصيل مطابق للإجمال.
وادَّعي هذا البعض من المستشرقين أن التفصيل لا يتساوى مع الإجمال. ولم يفطنوا إلى أن المتكلم هو الله سبحانه وتعالى، وهو يكلم أناسًا لهم ملكة أداء وبيان وبلاغة وفصاحة؛ وقد فهم هؤلاء ما لم يفهمه المستشرقون.
هم فهموا، كأهل فصاحة، أن الحق سبحانه وتعالى قد خلق الأرض في يومين، ثم جعل فيها رواسي وبارك فيها، إما في الأرض أو في الجبال، وقدَّر فيها أقواتها، وكل ذلك تتمة للحديث عن الأرض.
ومثال ذلك: حين أسافر إلى الإسكندرية فأنا أصل إلى مدينة طنطا في ساعة مثلًا وإلى الإسكندرية في ساعتين، أي: أن ساعة السفر التي وصلت فيها إلى طنطا هي من ضمن ساعتي السفر إلى الإسكندرية. وكذلك خلق الأرض والرواسي وتقدير القوت، كل ذلك في أربعة أيام متضمنة يَوْمَىْ خَلْق الأرض، ثم جاء خلق السماء في يومين.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الماء} [هود: 7]. كل هذه المسائل الغيبية لها حجة أساسية، وهي أن الذي أخبر بها هو الصادق، فلا أحد يشك أن الأرض والسموات مخلوقة، ولا أحد يشك في أن السموات والأرض أكبر خلقًا من خلق الناس، وليس هناك أحد من البشر ادَّعى أنه خلق الأرض أو خلق السموات.
وكل المخترعات البشرية نعرف أصحابها، مثل: المصباح الكهربي، والهاتف، والميكروفون، والتليفزيون، والسيارة، وغيرها.
ولكن حين نجيء إلى السموات والأرض لا نجد أحدًا قد ادعى أنه قد خلقها.
وقد أبلغنا الحق سبحانه أنه هو الذي خلقها، وهي لمن ادّعاها إلى أن يظهر مُعارِض، ولن يظهر هذا المعارض أبدًا.
وكل هذا الخلق من أجل البلاء: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: 7].
أي: ليختبركم أيكم أحسن عملًا، ولكن من الذي يحدد العمل؟
إنه الله سبحانه وتعالى.
وهل الحق سبحانه في حاجة إلى أن يختبر مخلوقاته؟
لا، فالله سبحانه يعلم أزلًا كل ما يأتي من الخلق، ولكنه سبحانه أراد بالاختبار أن يطابق ما يأتي منهم على ما عمله أزلًا؛ حجة عليهم.
وهكذا فاختبار الحق سبحانه لنا اختبار الحجة علينا.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الموت لَيَقُولَنَّ الذين كفروا إِنْ هاذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} [هود: 7].
وهنا يصور الحق سبحانه وتعالى تكذيب المعاندين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم يلقون بالألفاظ على عواهنها من قبل أن تمر على تفكيرهم.
فلو أنهم قد مروا بهذه الكلمات على تفكيرهم؛ لاستحال منطقيًا أن يقولوها.
والرسول صلى الله عليه وسلم يخبرهم ببلاغ الحق سبحانه وتعالى لهم بأنهم مبعوثون من بعد الموت.
وهذا كلام إخباري بأنهم إن ماتوا وهم سيموتون لا محالة سيبعثهم الله سبحانه، فما كان منهم إلا أن قالوا: {إِنْ هاذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} [هود: 7].
والخبر الذي يقوله لهم هو خبر، فما موقع السحر منه؟ إنهم يعلمون أنه صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك إلا من نص القرآن الكريم، وهم يقولون عن القرآن الكريم إنه سحر، فكأن النص نفسه من السحر الذي حكموا به على القرآن.
وأوضحنا من قبل أن إبطال قضية السحر في القرآن الكريم دليله منطقي مع القول؛ لأنهم إن كانوا قد ادعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أن محمدًا في عرفهم قد سحر القوم الذين اتبعوه.
فالساحر له تأثير على المسحور، والمسحور لا دخل له في عملية السحر، فإذا كان محمد قد سحر القوم الذين اتبعوه، فلماذا لم يسحر هؤلاء المنكرين لرسالته؛ بنفس الطريقة التي سحر بها غيرهم؟
وحيث إنهم قد بقوا على ما هم عليه من عناد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا دليل على أن المسألة ليست سحرًا، ولو كان الأمر كذلك لسحرهم جميعًا.
وقولهم: {إِنْ هاذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} [هود: 7].
يدل على أنه سحر محيط، لا سحر لأناس خاصين، فكلمة: {سِحْرٌ مُّبِينٌ} تعني: سحرًا محيطًا بكل من يريد سحره.
وبقاء واحد على الكفر دون إيمان برسول الله يدل على أن المسألة ليست سحرًا. اهـ.

.قال أبو حيان في الآيتين:

{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}
لما ذكر تعالى ما يدل على كونه تعالى عالمًا، ذكر ما يدل على كونه قادرًا، وتقدّم تفسير الجملة الأولى في سورة يونس.
والظاهر أنّ قوله: وكان عرشه على الماء، تقديره قبل خلق السموات والأرض، وفي هذا دليل على أنّ الماء والعرش كانا مخلوقين قبل.
قال كعب: خلق الله ياقوتة خضراء فنظر إليها بالهيبة فصارت ماء، ثم خلق الريح فجعل الماء على متنها، ثم وضع العرش على الماء.
وروي عن ابن عباس أنه وقد قيل له: على أي شيء كان الماء؟ قال: كان على متن الريح، والظاهر تعليق ليبلوكم بخلق.
قال الزمخشري: أي خلقهن لحكمة بالغة، وهي أنْ يجعلها مساكن لعباده، وينعم عليهم فيها بفنون النعم، ويكلفهم فعل الطاعات واجتناب المعاصي، فمن شكر وأطاع أثابه، ومن كفر وعصى عاقبه.
ولما أشبه ذلك اختبار المختبر قال: ليبلوكم، يريد ليفعل بكم ما يفعل المبتلي لأحوالكم كيف تعملون.
(فإن قلت): كيف جاز تعليق فعل البلوى؟ (قلت): لما في الاختبار من معنى العلم، لأنه طريق الله، فهو ملابس له كما تقول: انظر أيهم أحسن وجهًا، واستمع أيهم أحسن صوتًا، لأنّ النظر والاستماع من طرق العلم انتهى.
وفي قوله: ومن كفر وعصى عاقبه، دسيسة الاعتزال.
وأما قوله: واستمع أيهم أحسن صوتًا، فلا أعلم أحدًا ذكر أن استمع تعلق، وإنما ذكروا من غير أفعال القلوب سل وانظر، وفي جواز تعليق رأي البصرية خلاف.
وقيل: ليبلوكم متعلق بفعل محذوف تقديره أعلم بذلك ليبلوكم، ومقصد هذا التأويل أن هذه المخلوقات لم تكن بسبب البشر.
وقيل: تقدير الفعل، وخلقكم ليبلوكم.
وقيل: في الكلام جمل محذوفة، التقدير: وكان خلقه لهما لمنافع يعود عليكم نفعها في الدنيا دون الأخرى، وفعل ذلك ليبلوكم.