فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ}
اعلم أنه تعالى لما ذكر أن عذاب أولئك الكفار وإن تأخر إلا أنه لابد وأن يحيق بهم، ذكر بعده ما يدل على كفرهم، وعلى كونهم مستحقين لذلك العذاب.
فقال: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنسان}
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
لفظ: {الإنسان} في هذه الآية فيه قولان:
القول الأول: أن المراد منه مطلق الإنسان ويدل عليه وجوه: الأول: أنه تعالى استثنى منه قوله: {إِلاَّ الذين صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} والاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لدخل، فثبت أن الإنسان المذكور في هذه الآية داخل فيه المؤمن والكافر، وذلك يدل على ما قلناه.
الثاني: أن هذه الآية موافقة على هذا التقرير لقوله تعالى: {والعصر إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} [العصر: 1- 3] وموافقة أيضًا لقوله تعالى: {إِنَّ الإنسان خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشر جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الخير مَنُوعًا} [المعارج: 19- 21] الثالث: أن مزاج الإنسان مجبول على الضعف والعجز.
قال ابن جريج في تفسير هذه الآية يا ابن آدم إذا نزلت لك نعمة من الله فأنت كفور، فإذا نزعت منك فيؤس قنوط.
والقول الثاني: أن المراد منه الكافر، ويدل عليه وجوه: الأول: أن الأصل في المفرد المحلى بالألف واللام أن يحمل على المعهود السابق لولا المانع، وهاهنا لا مانع فوجب حمله عليه والمعهود السابق هو الكافر المذكور في الآية المتقدمة.
الثاني: أن الصفات المذكورة للإنسان في هذه الآية لا تليق إلا بالكافر لأنه وصفه بكونه يؤسًا، وذلك من صفات الكافر لقوله تعالى: {إنه لا ييأس من روح الله إلا القووم الكافرون} [يوسف: 87] ووصفه أيضًا بكونه كفورًا، وهو تصريح بالكفر ووصفه أيضًا بأنه عند وجدان الراحة يقول: {ذهب السيئات عني} [هود: 10] وذلك جراءة على الله تعالى، ووصفه أيضًا بكونه فرحًا: {والله لاَ يُحِبُّ الفرحين} [القصص: 76] ووصفه أيضًا بكونه فخورًا، وذلك ليس من صفات أهل الدين.
ثم قال الناظرون لهذا القول: وجب أن يحمل الاستثناء المذكور في هذه الآية على الاستثناء المنقطع حتى لا تلزمنا هذه المحذورات.
المسألة الثانية:
لفظ الإذاقة والذوق يفيد أقل ما يوجد به الطعم، فكان المراد أن الإنسان بوجدان أقل القليل من الخيرات العاجلة يقع في التمرد والطغيان، وبإدراك أقل القليل من المحنة والبلية يقع في اليأس والقنوط والكفران فالدنيا في نفسها قليلة، والحاصل منها للإنسان الواحد قليل، والإذاقة من ذلك المقدار خير قليل ثم إنه في سرعة الزوال يشبه أحلام النائمين وخيالات الموسوسين، فهذه الإذاقة من قليل، ومع ذلك فإن الإنسان لا طاقة له بتحملها ولا صبر له على الإتيان بالطريق الحسن معها.
وأما النعماء فقال الواحدي: إنها إنعام يظهر أثره على صاحبه، والضراء مضرة يظهر أثرها على صاحبها، لأنها خرجت مخرج الأحوال الظاهرة نحو حمراء وعوراء، وهذا هو الفرق بين النعمة والنعماء، والمضرة والضراء.
المسألة الثالثة:
اعلم أن أحوال الدنيا غير باقية، بل هي أبدًا في التغير والزوال، والتحول والانتقال، إلا أن الضابط فيه أنه إما أن يتحول من النعمة إلى المحنة، ومن اللذات إلى الآفات وإما أن يكون بالعكس من ذلك، وهو أن ينتقل من المكروه إلى المحبوب، ومن المحرمات إلى الطيبات.
أما القسم الأول: فهو المراد من قوله: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ} وحاصل الكلام أنه تعالى حكم على هذا الإنسان بأنه يؤس كفور.
وتقريره أن يقال: أنه حال زوال تلك النعمة يصير يؤسًا، وذلك لأن الكافر يعتقد أن السبب في حصول تلك النعمة سبب اتفاقي، ثم إنه يستبعد حدوث ذلك الاتفاق مرة أخرى فلا جرم يستبعد عود تلك النعمة فيقع في اليأس.
وأما المسلم الذي يعتقد أن تلك النعمة إنما حصلت من الله تعالى وفضله وإحسانه وطوله فإنه لا يحصل له اليأس، بل يقول لعله تعالى يردها إلى بعد ذلك أكمل وأحسن وأفضل مما كانت، وأما حال كون تلك النعمة حاصلة فإنه يكون كفورًا لأنه لما اعتقد أن حصولها إنما كان على سبيل الاتفاق أو بسبب أن الإنسان حصلها بسبب جده وجهده، فحينئذ لا يشتغل بشكر الله تعالى على تلك النعمة.
فالحاصل أن الكافر يكون عند زوال تلك النعمة يؤوسًا وعند حصولها يكون كفورًا.
وأما القسم الثاني: وهو أن ينتقل الإنسان من المكروه إلى المحبوب، ومن المحنة إلى النعمة، فههنا الكافر يكون فرحًا فخورًا.
أما قوة الفرح فلأن منتهى طمع الكافر هو الفوز بهذه السعادات الدنيوية وهو منكر للسعادات الأخروية الروحانية، فإذا وجد الدنيا فكأنه قد فاز بغاية السعادات فلا جرم يعظم فرحه بها، وأما كونه فخورًا فلأنه لما كان الفوز بسائر المطلوب نهاية السعادة لا جرم يفتخر به، فحاصل الكلام أنه تعالى بين أن الكافر عند البلاء لا يكون من الصابرين، وعند الفوز بالنعماء لا يكون من الشاكرين.
ثم لما قرر ذلك قال: {إِلاَّ الذين صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} والمراد منه ضد ما تقدم فقوله: {إِلاَّ الذين صَبَرُواْ} المراد منه أن يكون عند البلاء من الصابرين، وقوله: {وَعَمِلُواْ الصالحات} المراد منه أن يكون عند الراحة والخير من الشاكرين.
ثم بين حالهم فقال: {أُوْلَئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} فجمع لهم بين هذين المطلوبين.
أحدهما: زوال العقاب والخلاص منه وهو المراد من قوله: {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} والثاني: الفوز بالثواب وهو المراد من قوله: {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} ومن وقف على هذا التفصيل الذي ذكرناه علم أن هذا الكتاب الكريم كما أنه معجز بحسب ألفاظه فهو أيضًا معجز بحسب معانيه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً}
الإنسان اسم شائع للجنس في جميع الكفار.
ويقال: إن الإنسان هنا الوليد بن المغيرة وفيه نزلت.
وقيل: في عبد الله بن أبي أميّة المخزوميّ.
{رَحْمَةً} أي نعمة.
{ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ} أي سلبناه إياها.
{إِنَّهُ لَيَئُوسٌ} أي يائس من الرحمة.
{كَفُورٌ} للنعم جاحد لها؛ قاله ابن الأعرابي.
النحاس: {لَيَؤُوسٌ} من يَئِس، يَيْأَس، وحكى سيبويه يَئس يَيْأَس على فَعِل يفعِل، ونظيره حَسِب يَحْسِب ونَعِم يَنْعِم، ويَأَس ييئس؛ وبعضهم يقول: يَئس يَيئِسُ؛ ولا يعرف في الكلام (العربي) إلا هذه الأربعة الأحرف من السالم جاءت على فَعِل يفعِل؛ وفي واحد منها اختلاف.
وهو يَئِسٌ و{يَؤُوسٌ} على التكثير كفخور للمبالغة.
قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ} أي صحة ورخاء وسعة في الرزق.
{بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ} أي بعد ضُرٍّ وفقر وشدّة.
{لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السيئات عني} أي الخطايا التي تسوء صاحبها من الضُّرّ والفقر.
{إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} أي يفرح ويفخر بما ناله من السَّعَة وينسى شكر الله عليه؛ يقال: رجل فاخر إذا افتخر وفخور للمبالغة قال يعقوب القارئ: وقرأ بعض أهل المدينة {لَفَرُحٌ} بضم الراء كما يقال: رجل فَطُنٌ وحَذُرٌ ونَدُسٌ. ويجوز في كلتا اللغتين الإِسكان لثقل الضمة والكسرة. قوله تعالى: {إِلاَّ الذين صَبَرُواْ} يعني المؤمنين، مدحهم بالصبر على الشدائد. وهو في موضع نصب.
قال الأخفش: هو استثناء ليس من الأوّل؛ أي لكن الذين صبروا وعملوا الصالحات في حالتي النعمة والمحنة.
وقال الفرّاء: هو استثناء من: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ} أي من الإنسان، فإن الإنسان بمعنى الناس، والناس يشمل الكافر والمؤمن؛ فهو استثناء متصل وهو حسن.
{أولئك لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ} ابتداء وخبر.
{وَأَجْرٌ} معطوف.
{كَبِيرٌ} صفة. اهـ.

.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة} يعني: رخاء وسعة في الرزق والعيش وبسطنا عليه من الدنيا: {ثم نزعناها منه} يعني سلبناه ذلك كله وأصابته المصائب فاجتاحته وذهبت به: {إنه ليؤوس كفور} يعني يظل قانطًا من رحمة الله آيسًا من كل خير كفور أي جحود لنعمتنا عليه أولًا قليل الشكر لربه قال بعضهم: يا ابن آدم إذا كانت بك نعمة من الله من أمن وسعة وعافية فاشكرها ولا تجحدها فإن نزعت عنك فينبغي لك أن تصبر ولا تيأس من رحمة الله فإنه العواد على عباده بالخير وهو قوله سبحانه وتعالى: {ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته} يعني ولئن نحن أنعمنا على الإنسان وبسطنا عليه من العيش: {ليقولن} يعني الذي أصابه الخير والسعة: {ذهب السيئات عني} يعني ذهب الشدائد والعسر والضيق وإنما قال ذلك غرة بالله وجرأة عليه لأنه لم يضف الأشياء كلها إلى الله وإنما أضافها إلى العوائد فهلذا ذمه الله تعالى فقال: {إنه لفرح فخور} أي إنه أشر بطر والفرح لذة تحصل في القلب بنيل المراد والمشتهى والفخر هو التطاول على الناس بتعديد المناقب وذلك منهي عنه ثم استثنى فقال تبارك وتعالى: {إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات} قال الفراء: هذا استثناء منقطع معناه لكن الذين صبروا وعملوا الصالحات فإنهم ليسوا كذلك فإنهم إن نالتهم شدة صبروا وإن نالتهم نعمة شكروا عليها: {أولئك} يعني من هذه صفتهم: {لهم مغفرة} يعني لذنوبهم: {وأجر كبير} يعني الجنة. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ}
لما ذكر تعالى عذاب الكفار وإنْ تأخر لابد أن يحيق بهم، ذكر ما يدل على كفرهم وكونهم مستحقين العذاب لما جبلوا عليه من كفر نعماء الله، وما يترتب على إحسانه تعالى إليهم مما لا يليق بهم من فخرهم على عباد الله.
والظاهر أنّ الإنسان هنا هو جنس، والمعنى: إنَّ هذا الخلق في سجايا الناس، ثم استثنى منهم الذين ردّتهم الشرائع والإيمان إلى الصبر والعمل الصالح، ولذلك جاء الاستثناء منه في قوله: إلا الذين صبروا متصلًا.
وقيل: المراد هنا بالإنسان الكافر.
وقيل: المراد به إنسان معين، فقال ابن عباس: هو الوليد بن المغيرة، وفيه نزلت.
وقيل: عبد الله بن أمية المخزومي، وذكره الواحدي، وعلى هذين القولين يكون استثناء منقطعًا ومعنى رحمة: نعمة من صحة، وأمن وجدة، ثم نزعناها أي سلبناها منه.
ويؤوس كفور، صفتا مبالغة والمعنى: إنه شديد اليأس كثيره، ييأس أنْ يعود إليه مثل تلك النعمة المسلوبة، ويقطع رجاءه من فضل الله من غير صبر ولا تسليم لقضائه.
كفور كثير الكفران، لما سلف لله عليه من نعمة ذكر حالة الإنسان إذ بدئ بالنعمة ولم يسبقه الضر، ثم ذكر حاله إذا جاءته النعمة بعد الضر.
ومعنى ذهب السيئات أي: المصائب التي تسوءني.
وقوله هذا يقتضي نظرًا وجهلًا، لأن ذلك بإنعام من الله، وهو يعتقد أنّ ذلك اتفاق أو بعد، وهو اعتقاد فاسد.
إنه لفرح أشر بطر، وهذا الفرح مطلق، فلذلك ذم المتصف به، ولم يأت في القرآن للمدح إلا مقيدًا بما فيه خير كقوله: {فرحين بما آتاهم الله من فضله} وقرأ الجمهور: لفرح بكسر الراء، وهي قياس اسم الفاعل من فعل اللازم.
وقرأت فرقة: لفرح بضم الراء، وهي كما تقول: ندس، ونطس.
وفخره هو تعاظمه على الناس بما أصابه من النعماء، واستثنى تعالى الصابرين يعني على الضراء وعاملي الصالحات.
ومنها الشكر على النعماء.
أولئك لهم مغفرة لذنوبهم يقتضي زوال العقاب والخلاص منه، وأجر كبير هو الجنة، فيقتضي الفوز بالثواب.
ووصف الأجر بقوله: كبير، لما احتوى عليه من النعيم السرمدي ورفع التكاليف، والأمن العذاب، ورضا الله عنهم، والنظر إلى وجهه الكريم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً} أي أعطيناه نعمةً من صحة وأمْنٍ وجِدَةٍ وغيرها وأوصلناها إليه بحيث يجد لذّتها: {ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ} أي سلبناه إياها، وإيرادُ النزعِ للإشعار بشدة تعلُّقِه بها وحِرْصِه عليها: {أَنَّهُ} شديدُ القنوطِ من رَوْح الله قَطوعٌ رجاءَه من عَود أمثالِها عاجلًا أو آجلًا بفضل الله تعالى لقلة صبرِه وعدمِ توكلِه عليه وثقتِه به: {لَيَئُوسٌ كَفُورٌ} عظيمُ الكُفرانِ لِما سلف من النعم، وفيه إشارةٌ إلى أنّ النزْعَ إنما كان بسبب كفرانِهم بما كانوا يتقلّبون فيه من نعم الله عز وجل، وتأخيره عن وصف يأسِهم مع تقدمه عليه لرعاية الفواصلِ على أن اليأسَ من فضل الله سبحانه وقطعَ الرجاءِ عن إفاضة أمثالِه في العاجل وإيصالِ أجرِه في الآجل من باب الكُفران للنعمة السالفة أيضًا.
{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ}
كصِحّة بعد سَقَم وجِدَةٍ بعد عدمٍ وفرجٍ بعد شدة، وفي التعبير عن ملابسة الرحمةِ والنعماءِ بالذوق المُؤْذِنِ بلذتهما وكونِهما مما يُرْغب فيه، وعن ملابسة الضراءِ بالمسِّ المُشْعِرِ بكونها في أدنى ما ينطلق عليه اسمُ الملاقاة من مراتبها، وإسنادُ الأولِ إلى الله عز وجل دون الثاني، ما لا يخفى من الجزالة والدِلالةِ على أن مرادَه تعالى إنما هو إيصالُ الخير المرغوبِ فيه على أحسن ما يكون، وأنه إنما يريد بعباده اليُسرَ دون العسرِ وإنما ينالهم ذلك بسوء اختيارِهم نيلًا يسيرًا كأنما يلاصقُ البشرَةَ من غير تأثيرٍ، وأما نزعُ الرحمةِ فإنما صدَر عنه بقضية الحِكمةِ الداعية إلى ذلك وهي كفرانُهم بها كما سبق، وتنكيرُ الرحمة باعتبار لحُوقِ النزْعِ بها: {لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السيئات عَنّي} أي المصائبُ التي تسوءني ولن يعترِيَني بعدُ أمثالُها كما هو شأنُ أولئك الأشرارِ، فإن الترقّبَ لورود أمثالِها مما يكدّر السرورَ وينغّص العيش: {إِنَّهُ لَفَرِحٌ} بطِرٌ وأشِرٌ بالنعم مغترٌّ بها: {فَخُورٌ} على الناس بما أوتيَ من النعم مشغولٌ بذلك عن القيام بحقها، واللامُ في لئن في الآيات الأربعِ موطّئةٌ للقسم، وجوابُه سادٌّ مسدَّ جوابِ الشرط.
{إِلاَّ الذين صَبَرُواْ} على ما أصابهم من الضراء سابقًا أو لاحقًا إيمانًا بالله واستسلامًا لقضائه: {وَعَمِلُواْ الصالحات} شكرًا على آلائه السالفةِ والآنفةِ، واللامُ في الإنسان إما لاستغراق الجنسِ فالاستثناءُ متصلٌ أو للعهد فمُنقطعٌ: {أولئك} إشارةٌ إلى الموصول باعتبار اتّصافِه بما في حيز الصلة، وما فيه من معنى البُعد للإيذان بعلوّ درجتِهم وبُعدِ منزلِتهم في الفضل أي أولئك الموصوفون بتلك الصفاتِ الحميدة: {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} عظيمةٌ لذنوبهم وإن جمّت: {وَأَجْرٌ} ثوابٌ لأعمالهم الحسنة: {كَبِيرٌ} ووجهُ تعلّقِ الآياتِ الثلاثِ بما قبلهن من حيث إن إذاقةَ النَّعماءِ ومِساسَ الضّراءِ فصلٌ من باب الابتلاءِ واقعٌ موقعَ التفصيلِ من الإجمال الواقعِ في قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} والمعنى أن كلًا من إذاقة النَّعماءِ ونزعِها مع كونه ابتلاءً للإنسان أيشكُر أم يكفُر لا يهتدي إلى سنن الصواب بل يحَيد في كلتا الحالتين عنه إلى مهاوي الضلالِ فلا يَظهرُ منه حسنُ عملٍ إلا من الصابرين الصالحين أو من حيث إن إنكارَهم بالبعث واستهزاءَهم بالعذاب بسبب بطرِهم وفخرِهم كأنه قيل: إنما فعلوا ما فعلوا لأن طبيعةَ الإنسانِ مجبولةٌ على ذلك. اهـ.