فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ}
اعلم أن القول لما طلبوا منه المعجز قال معجزي هذا القرآن ولما حصل المعجز الواحد كان طلب الزيادة بغيًا وجهلًا، ثم قرر كونه معجزًا بأن تحداهم بالمعارضة، وتقرير هذا الكلام بالاستقصاء قد تقدم في البقرة وفي سورة يونس وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
الضمير في قوله: {افتراه} عائد إلى ما سبق من قوله: {يوحى إِلَيْكَ} أي إن قالوا إن هذا الذي يوحى إليك مفترى فقل لهم حتى يأتوا بعشر سور مثله مفتريات وقوله مثله بمعنى أمثاله حملا على كل واحد من تلك السور ولا يبعد أيضًا أن يكون المراد هو المجموع، لأن مجموع السور العشرة شيء واحد.
المسألة الثانية:
قال ابن عباس: هذه السورة التي وقع بها هذا التحدي معينة، وهي سورة البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة ويونس وهود عليهما السلام، وقوله: {فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} إشارة إلى السور المتقدمة على هذه السورة، وهذا فيه إشكال، لأن هذه السورة مكية، وبعض السور المتقدمة على هذه السورة مدنية، فكيف يمكن أن يكون المراد من هذه العشر سور التي ما نزلت عند هذا الكلام، فالأولى أن يقال التحدي وقع بمطلق السور التي يظهر فيها قوة تركيب الكلام وتأليفه.
واعلم أن التحدي بعشر سور لابد وأن يكون سابقًا على التحدي بسورة واحدة، وهو مثل أن يقول الرجل لغيره أكتب عشرة أسطر مثل ما أكتب، فإذا ظهر عجزه عنه قال: قد اقتصرت منها على سطر واحد مثله.
إذا عرفت هذا فنقول: التحدي بالسورة الواحدة ورد في سورة البقرة، وفي سورة يونس كما تقدم، أما تقدم هذه السورة على سورة البقرة فظاهر، لأن هذه السورة مكية وسورة البقرة مدنية، وأما في سورة يونس فالإشكال زائل أيضًا، لأن كل واحدة من هاتين السورتين مكية، والدليل الذي ذكرناه يقتضي أن تكون سورة هود متقدمة في النزول على سورة يونس حتى يستقيم الكلام الذي ذكرناه.
المسألة الثالثة:
اختلف الناس في الوجه الذي لأجله كان القرآن معجزًا، فقال بعضهم: هو الفصاحة، وقال بعضهم: هو الأسلوب، وقال ثالث: هو عدم التناقض، وقال رابع: هو اشتماله على العلوم الكثيرة، وقال خامس: هو الصرف، وقال سادس: هو اشتماله على الإخبار عن الغيوب، والمختار عندي وعند الأكثرين أنه معجز بسبب الفصاحة، واحتجوا على صحة قولهم بهذه الآية لأنه لو كان وجه الإعجاز هو كثرة العلوم أو الأخبار عن الغيوب أو عدم التناقض لم يكن لقوله: {مُفْتَرَيَاتٍ} معنى أما إذا كان وجه الإعجاز هو الفصاحة صح ذلك لأن فصاحة الفصيح تظهر بالكلام، سواء كان الكلام صدقًا أو كذبًا، وأيضًا لو كان الوجه في كونه معجزًا هو الصرف لكان دلالة الكلام الركيك النازل في الفصاحة على هذا المطلوب أوكد من دلالة الكلام العالي في الفصاحة ثم إنه تعالى لما قرر وجه التحدي قال: {وادعوا مَنِ استطعتم مّن دُونِ الله إِن كُنتُمْ صادقين} والمراد إن كنتم صادقين في ادعاء كونه مفترى كما قال: {أَمْ يَقُولُونَ افتراه}.
واعلم أن هذا الكلام يدل على أنه لابد في إثبات الدين من تقرير الدلائل والبراهين، وذلك لأنه تعالى أورد في إثبات نبوة محمد عليه السلام هذا الدليل وهذه الحجة، ولولا أن الدين لا يتم إلا بالدليل لم يكن في ذكره فائدة.
{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)}
اعلم أن الآية المتقدمة اشتملت على خطابين: أحدهما: خطاب الرسول، وهو قوله: {قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} والثاني: خطاب الكفار وهو قوله: {وادعوا مَنِ استطعتم مّن دُونِ الله} [هود: 13] فلما أتبعه بقوله: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ} احتمل أن يكون المراد أن الكفار لم يستجيبوا في المعارضة لتعذرها عليهم، واحتمل أن من يدعونه من دون الله لم يستجيبوا، فلهذا السبب اختلف المفسرون على قولين: فبعضهم قال: هذا خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، والمراد أن الكفار إن لم يستجيبوا لكم في الإتيان بالمعارضة، فاعلموا أنما أنزل بعلم الله.
والمعنى: فاثبتوا على العلم الذي أنتم عليه وازدادوا يقينًا وثبات قدم على أنه منزل من عند الله، ومعنى قوله: {فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ} أي فهل أنتم مخلصون، ومنهم من قال فيه إضمار، والتقدير: فقولوا أيها المسلمون للكفار اعلموا أنما أنزل بعلم الله.
والقول الثاني: أن هذا خطاب مع الكفار، والمعنى أن الذين تدعونهم من دون الله إذا لم يستجيبوا لكم في الإعانة على المعارضة، فاعلموا أيها الكفار أن هذا القرآن إنما أنزل بعلم الله فهل أنتم مسلمون بعد لزوم الحجة عليكم، والقائلون بهذا القول قالوا هذا أولى من القول الأول، لأنكم في القول الأول احتجتم إلى أن حملتم قوله: {فاعلموا} على الأمر بالثبات أو على إضمار القول، وعلى هذا الاحتمال لا حاجة فيه إلى إضمار، فكان هذا أولى، وأيضًا فعود الضمير إلى أقرب المذكورين واجب، وأقرب المذكورين في هذه الآية هو هذا الاحتمال الثاني، وأيضًا أن الخطاب الأول كان مع الرسول عليه الصلاة والسلام وحده بقوله: {قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ} [هود: 13] والخطاب الثاني كان مع جماعة الكفار بقوله: {وادعوا مَنِ استطعتم مّن دُونِ الله} [هود: 13] وقوله: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ} خطاب مع الجماعة فكان حمله على هذا الذي قلناه أولى.اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {أم يقولون افتراه}
{أم} بمعنى {بل}، و{افتراه} أتى به من قِبَل نفسه.
{قل فأتوا} أنتم في معارضتي: {بعشر سُوَر مثله} في البلاغة: {مفتريات} بزعمكم ودعواكم: {وادعوا من استطعتم من دون الله} إِلى المعاونة على المعارضة: {إِن كنتم صادقين} في قولكم: {افتراه}.
{فإن لم يستجيبوا لكم} أي: يجيبوكم إِلى المعارضة.
فقد قامت الحجة عليهم لكم.
فإن قيل: كيف وحَّد القول في قوله: {قل فأتوا} ثم جمع في قوله: {فإن لم يستجيبوا لكم}؟ فعنه جوابان.
أحدهما: أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وحده في الموضعين، فيكون الخطاب له بقوله: {لكم} تعظيمًا، لأن خطاب الواحد بلفظ الجميع تعظيم، هذا قول المفسرين.
والثاني: أنه وحَّد في الأول لخطاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وجمع في الثاني لمخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قاله ابن الأنباري.
قوله تعالى: {فاعلموا أنما أُنزل بعلم الله} فيه قولان:
أحدهما: أنزله وهو عالم بانزاله، وعالم بأنه حق من عنده.
والثاني: أنزله بما أخبر فيه من الغيب، ودلَّ على ما سيكون وما سلف، ذكرهما الزجاج.
قوله تعالى: {وأن لا إِله إِلا هو} أي: واعلموا ذلك.
{فهل أنتم مسلمون} استفهام بمعنى الأمر.
وفيمن خوطب به قولان:
أحدهما: أهل مكة، ومعنى إِسلامهم: إِخلاصهم لله العبادة، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله مجاهد. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افتراه}
{أم} بمعنى بل، وقد تقدّم في يونس أي قد أزحت عِلّتهم وإشكالهم في نبوّتك بهذا القرآن، وحَجَجْتَهم به؛ فإن قالوا: افتريته أي اختلقته فليأتوا بمثله مفترىً بزعمهم.
{وادعوا مَنِ استطعتم مِّن دُونِ الله} أي من الكهنة والأعوان.
قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} أي في المعارضة ولم تتهيأ لهم فقد قامت عليهم الحجة؛ إذ هم اللُّسْن البلغاء، وأصحاب الألسن الفصحاء.
{فاعلموا أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ الله} واعلموا صدق محمد صلى الله عليه وسلم، واعلموا: {أَن لاَّ إله إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ} استفهام معناه الأمر.
وقد تقدّم القول في معنى هذه الآية، وأن القرآن معجز في مقدمة الكتاب.
والحمد لله.
وقال: {قُلْ فَأْتُوا} وبعده.
{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ} ولم يقل لك؛ فقيل: هو على تحويل المخاطبة من الإفراد إلى الجمع تعظيمًا وتفخيمًا؛ وقد يخاطب الرئيس بما يخاطب به الجماعة.
وقيل: الضمير في: {لَكُمْ} وفي: {فاعلموا} للجميع؛ أي فليعلم الجميع: {أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ}؛ قاله مجاهد: وقيل: الضمير في: {لكم} وفي: {فاعلموا} للمشركين؛ والمعنى: فإن لم يستجب لكم من تدعونه إلى المعاونة، ولا تهيأت لكم المعارضة {فاعلموا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ}.
وقيل: الضمير في: {لكم} للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، وفي: {فاعلموا} للمشركين. اهـ.

.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {أم يقولون افتراه} يعني بل يقول كفار مكة اختلقه يعني ما أوحي إليه من القرآن: {قل} أي قل لهم يا محمد: {فأتوا بعشر سور مثله مفتريات} لما قالوا له افتريت هذا القرآن واختلقته من عند نفسك وليس هو من عند الله تحداهم وأرخى لهم العنان وفاوضهم على مثل دعواهم فقال صلى الله عليه وسلم هبوا أني اختلقته من عند نفسي ولم يوح إلي شيء وأن الأمر كما قلتم وأنتم عرب مثلي من أهل الفصاحة وفرسان البلاغة وأصحاب اللسان فأتوا أنتم بكلام مثل هذا الكلام الذي جئتكم به مختلق من عند أنفسكم فإنكم تقدرون على مثل ما أقدر عليه من الكلام فلهذا قال سبحانه وتعالى: {فأتوا بعشر سور مثله مفتريات} في مقابلة قولهم افتراه.
فإن قلت قد تحداهم فأن يأتوا بسورة مثله فلم يقدروا على ذلك وعجزوا عنه فكيف قالوا فأتوا بعشر سور مثله مفتريات ومن عجز عن سورة واحدة فهو عن العشرة أعجز.
قلت: قد قال بعضهم إن سورة هود نزلت قبل سورة يونس، وأنه تحداهم أولًا بعشر سور فلما عجزوا تحداهم بسورة يونس وأنكر المبرد هذا القول وقال: إن سورة يونس نزلت أولًا، قال: ومعنى قوله في سورة يونس فأتوا بسورة مثله يعني مثله في الإخبار عن الغيب والأحكام والوعد والوعيد وفي قوله في سورة هود فأتوا بعشر سور مثله يعني في مجرد الفصاحة والبلاغة من غير خبر عن غيب ولا ذكر حكم ولا وعد ولا وعيد فلما تحداهم بهذا الكلام أمره بأن يقول لهم: {وادعوا من استطعتم من دون الله} حتى يعينوكم على ذلك: {إن كنتم صادقين} يعني في قولكم إنه مفترى: {فإن لم يستجيبوا لكم} اعلم أنه لما اشتملت الآية المتقدمة على أمريين وخاطبين:
أحدهما: أمر وخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وهو قوله سبحانه وتعالى: {قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات}.
والثاني: أمر وخطاب للكفار وهو قوله تعالى: {وادعوا من استطعتم من دون الله} ثم أتبعه بقوله تبارك وتعالى: {فإن لم يستجيبوا لكم} احتمل أن يكون المراد أن الكفار لم يستجيبوا في المعارضة لعجزهم عنها واحتمل أن يكون المراد أن من يدعون من دون الله لم يستجيبوا للكفار في المعارضة فلهذا السبب اختلف المفسرون في معنى الآية على قولين أحدهما أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه كانوا يتحدون الكفار بالمعارضة ليتبين عجزهم فلما عجزوا عن المعارضة قال الله سبحانه وتعالى لنبيه والمؤمنين: {فإن لم يستجيبوا لكم} فيما دعوتموهم إليه من المعارضة وعجزوا عنه: {فاعلموا أنما أنزل بعلم الله} يعني فاثبتوا على العلم الذي أنتم عليه وازدادوا يقينًا وثباتًا لأنهم كانوا عالمين بأنه منزل من عند الله، وقيل: الخطاب في قوله فإن لم يستجيبوا لكم للنبي صلى الله عليه وسلم وحده وإنما ذكره بلفظ الجمع تعظيمًا له صلى الله عليه وسلم.
القول الثاني: أن قوله سبحانه وتعالى: {فإن لم يستجيبوا لكم} خطاب مع الكفار وذلك أنه سبحانه وتعالى لما قال في الآية المتقدمة: {وادعوا من استطعتم من دون الله} قال الله في هذه الآية: {فإن لم يستجيبوا لكم} أيها الكفار ولم يعينوكم {فاعلموا أنما أنزل بعلم الله} وأنه ليس مفترى على الله بل هو أنزله على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وأن لا إله إلا هو} يعني الذي أنزل القرآن هو الله الذي لا إله إلا هو لا من تدعون من دونه: {فهل أنتم مسلمون} فيه معنى الأمر أي أسلموا وأخلصوا لله العبادة وإن حملنا معنى الآية على أنه خطاب مع المؤمنين كان معنى قوله فهل أنتم مسلمون الترغيب أي دوموا على ما أنتم عليه من الإسلام. اهـ.

.قال أبو حيان:

{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ}
الظاهر أنّ أم منقطعة تتقدر ببل، والهمزة أي: أيقولون افتراه.
وقال ابن القشيري: أم استفهام توسط الكلام على معنى: أيكتفون بما أوحيت إليك من القرآن، أم يقولون إنه ليس من عند الله، فإن قالوا: إنه ليس من عند الله فليأتوا بمثله انتهى.
فجعل أم متصلة، والظاهر الانقطاع كما قلنا، والضمير في افتراه عائد على قوله: ما يوحى إليك، وهو القرآن.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنها لا تتعلق أطماعهم بأن يترك بعض ما يوحى إليه إلا لدعواهم أنه ليس من عند الله، وأنه هو الذي افتراه، وإنما تحداهم أولًا بعشر سور مفتريات قبل تحديهم بسورة، إذ كانت هذه السورة مكية، والبقرة مدنية، وسورة يونس أيضًا مكية، ومقتضى التحدي بعشر أن يكون قبل طلب المعارضة بسورة، فلما نسبوه إلى الافتراء طلب منهم أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات إرخاء لعنانهم، وكأنه يقول: هبوا إني اختلقته ولم يوح إليّ فأتوا أنتم بكلام مثله مختلق من عند أنفسكم، فأنتم عرب فصحاء مثلي لا تعجزون عن مثل ما أقدر عليه من الكلام، وإنما عين بقوله: مثله، في حسن النظم والبيان وإن كان مفترى.
وشأن من يريد تعجيز شخص أن يطالبه أولًا بأنْ يفعل أمثالًا مما فعل هو، ثم إذا تبين عجزه قال له: افعل مثلًا واحدًا ومثل يوصف به المفرد والمثنى والمجموع كما قال تعالى: {أنؤمن لبشرين مثلنا} وتجوز المطابقة في التثنية والجمع كقوله: {ثم لا يكونوا أمثالكم}، {وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون} وإذا أفرد وهو تابع لمثنى أو مجموع فهو بتقدير المثنى، والمجموع أي: مثلين وأمثال.
والمعنى هنا بعشر سور أمثاله ذهابًا إلى مماثلة كل سورة منها له.
وقال ابن عطية: وقع التحدي في هذه الآية بعشر لأنه قيدها بالافتراء، فوسع عليهم في القدر لتقوم الحجة غاية القيام، إذ قد عجزهم في غير هذه الآية بسورة مثله دون تقييد، فهي مماثلة تامة في غيوب القرآن ونظمه ووعده ووعيده، وعجزوا في هذه الآية بأن قيل لهم: عارضوا القدر منه بعشر أمثاله في التقدير، والغرض واحد، واجعلوه مفترى لا يبقى لكم إلا نظمه، فهذه غاية التوسعة.
وليس المعنى عارضوا عشر سور بعشر، لأنّ هذه إنما كانت تجيء معارضة سورة بسورة مفتراة، ولا يبالي عن تقديم نزول هذه على هذه، ويؤيد هذا النظر أن التكليف في آية البقرة إنما هو بسبب الريب، ولا يزيل الريب إلا العلم بأنهم لا يقدرون على المماثلة التامة.