فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فلا يتبعون إلا شرعه ونهجه، ولا يطيعون إلا أمره ونهيه.. ثم هي بعد هذه وتلك المعركة القاسية بين الشرك والتوحيد، وبين الجاهلية والإسلام. وبين طلائع البعث الإسلامي وهذه الطواغيت في أرجاء الأرض والأصنام!
ومن ثم لابد لهذه الطلائع من أن تجد نفسها وموقفها كله في هذا القرآن في مثل هذا الأوان.. وهذا بعض ما نعنيه حين نقول: إن هذا القرآن لا يتذوقه إلا من يخوض مثل هذه المعركة. ويواجه مثل تلك المواقف التي تنزل فيها ليواجهها ويوجهها، وإن الذين يتلمسون معاني القرآن ودلالاته وهم قاعدون يدرسونه دراسة بيانية أو فنية لا يملكون أن يجدوا من حقيقته شيئًا في هذه القعدة الباردة الساكنة، بعيدًا عن المعركة، وبعيدًا عن الحركة.
ثم يمضي السياق يواجه الذين يكفرون به؛ ويزعمون أنه مفترى من دون الله، ويكذبون على الله سبحانه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم ذلك في مشهد من مشاهد القيامة يعرض فيه الذين يفترون على الله الكذب. سواء بقولهم: إن الله لم ينزل هذا الكتاب، أو بادعائهم شركاء لله. أو بدعواهم في الربوبية الأرضية وهي من خصائص الألوهية.. يجمل النص هنا الإشارة لتشمل كل ما يوصف بأنه كذب على الله.
هؤلاء يعرضون في مشهد يوم القيامة للتشهير بهم وفضيحتهم على رؤوس الأشهاد. وفي الجانب الآخر المؤمنون المطمئنون إلى ربهم وما ينتظرهم من نعيم. ويضرب للفريقين مثلًا: الأعمى والأصم والبصير والسميع: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجًا وهم بالآخرة هم كافرون أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون}.
إن افتراء الكذب في ذاته جريمة نكراء، وظلم للحقيقة ولمن يفتري عليه الكذب. فما بال حين يكون هذا الإفتراء على الله؟
{أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم}.
إنه التشهير والتشنيع. بالإشارة: {هؤلاء}، {هؤلاء الذين كذبوا}.. وعلى من؟ {على ربهم} لا على أحد آخر! إن جو الفضيحة هو الذي يرتسم في هذا المشهد، تعقبها اللعنة المناسبة لشناعة الجريمة: {ألا لعنة الله على الظالمين}.. يقولها الأشهاد كذلك. والأشهاد هم الملائكة والرسل والمؤمنون، أو هم الناس أجمعون. فهو الخزي والتشهير إذن في ساحة العرض الحاشدة! أو هو قرار الله سبحانه في شأنهم إلى جانب ذلك الخزي والتشهير على رؤوس الأشهاد: {ألا لعنة الله على الظالمين}..
والظالمون هم المشركون. وهم الذين يفترون الكذب على ربهم ليصدوا عن سبيل الله.
{ويبغونها عوجًا}..
فلا يريدون الإستقامة ولا الخطة المستقيمة، إنما يريدونها عوجًا والتواء وانحرافًا. يريدون الطريق أو يريدون الحياة أو يريدون الأمور.. كلها بمعنى.: {وهم بالآخرة هم كافرون} ويكرر: {هم} مرتين للتوكيد وتثبيت الجريمة وإبرازها في مقام التشهير.
والذين يشركون بالله سبحانه وهم الظالمون إنما يريدون الحياة كلها عوجًا حين يعدلون عن استقامة الإسلام. وما تنتج الدينونة لغير الله سبحانه إلا العوج في كل جانب من جوانب النفس، وفي كل جانب من جوانب الحياة.
إن عبودية الناس لغير الله سبحانه تنشئ في نفوسهم الذلة وقد أراد الله أن يقيمها على الكرامة. وتنشئ في الحياة الظلم والبغي وقد أراد الله أن يقيمها على القسط والعدل. وتحول جهود الناس إلى عبث في تأليه الأرباب الأرضية والطبل حولها والزمر، والنفخ فيها دائمًا لتكبر حتى تملأ مكان الرب الحقيقي. ولما كانت هذه الأرباب في ذاتها صغيرة هزيلة لا يمكن أن تملأ فراغ الرب الحقيقي، فإن عبادها المساكين يظلون في نصب دائب، وهمٍّ مقعد مقيم ينفخون فيها ليل ونهار، ويسلطون عليها الأضواء والأنظار، ويضربون حولها بالدفوف والمزامير والترانيم والتسابيح، حتى يستحيل الجهد البشري كله من الإنتاج المثمر للحياة إلى هذا الكد البائس النكد وإلى هذا الهم المقعد المقيم.. فهل وراء ذلك عوج وهل وراء ذلك التواء؟!
{أولئك}..
البعداء المبعدون الملعونون.
{لم يكونوا معجزين في الأرض}..
فلم يكن أمرهم معجزًا لله، ولو شاء لأخذهم بالعذاب في الدنيا..
{وما كان لهم من دون الله من أولياء}..
ينصرونهم أو يمنعونهم من الله. إنما تركهم لعذاب الآخرة، ليستوفوا عذاب الدنيا وعذاب الآخرة: {يضاعف لهم العذاب}..
فقد عاشوا معطلي المدارك مغلقي البصائر؛ كأن لم يكن لهم سمع ولا بصر: {وما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون}..
{أولئك الذين خسروا أنفسهم}..
وهي أفدح الخسارة، فالذي يخسر نفسه لا يفيد شيئًا مما كسب غيرها وأولئك خسروا أنفسهم فأضاعوها في الدنيا، لم يحسوا بكرامتهم الآدمية التي تتمثل في الإرتفاع عن الدينونة لغير الله من العبيد. كما تتمثل في الإرتفاع عن الحياة الدنيا والتطلع مع المتاع بها إلى ما هو أرقى وأسمى. وذلك حين كفروا بالآخرة، وحين كذبوا على ربهم غير متوقعين لقاءه.
وخسروا أنفسهم في الآخرة بهذا الخزي الذي ينالهم، وبهذا العذاب الذي ينتظرهم..
{وضل عنهم ما كانوا يفترون}..
غاب عنهم فلم يهتد إليهم ولم يجتمع عليهم ما كانوا يفترونه من الكذب على الله. فقد تبدد وذهب وضاع.
{لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون}..
الذين لا تعدل خسارتهم خسارة. وقد أضاعوا أنفسهم دنيا وأخرى.
وفي الجانب الآخر أهل الإيمان والعمل الصالح، المطمئنون إلى ربهم الواثقون به الساكنون إليه لا يشكون ولا يقلقون: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون}..
والإخبات الطمأنينة والإستقرار والثقة والتسليم.. وهي تصور حال المؤمن مع ربه، وركونه إليه واطمئنانه لكل ما يأتي به، وهدوء نفسه وسكون قلبه، وأمنه واستقراره ورضاه: {مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلًا}..
صورة حسية تتجسم فيها حالة الفريقين. والفريق الأول كالأعمى لا يرى وكالأصم لا يسمع والذي يعطل حواسه وجوارحه عن الغاية الكبرى منها، وهي أن تكون أدوات موصلة للقلب والعقل، ليدرك ويتدبر فكأنما هو محروم من تلك الجوارح والحواس والفريق الثاني كالبصير يرى وكالسميع يسمع، فيهديه بصره وسمعه.
{هل يستويان مثلًا}..
سؤال بعد الصورة المجسمة لا يحتاج إلى إجابة لأنها إجابة مقررة.
{أفلا تذكّرون}.
فالقضية في وضعها هذا لا تحتاج إلى أكثر من التذكر. فهي بديهية لا تقتضي التفكير..
وتلك وظيفة التصوير الذي يغلب في الأسلوب القرآني في التعبير.. أن ينقل القضايا التي تحتاج لجدل فكري إلى بديهيات مقررة لا تحتاج إلى أكثر من توجيه النظر والتذكير. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)}
قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا} أي: لا أحد أظلم منهم لأنفسهم؛ لأنهم افتروا على الله كذبًا بقولهم لأصنامهم: هؤلاء شفعاؤنا عند الله.
وقولهم: الملائكة بنات الله، وأضافوا كلامه سبحانه إلى غيره، واللفظ وإن كان لا يقتضي إلا نفي وجود من هو أظلم منهم كما يفيده الاستفهام الإنكاري، فالمقام يفيد نفي المساوي لهم في الظلم.
فالمعنى على هذا: لا أحد مثلهم في الظلم فضلًا عن أن يوجد من هو أظلم منهم، والإشارة بقوله: {أولئك} إلى الموصوفين بالظلم المتبالغ، وهو مبتدأ، وخبره: {يعرضون على ربهم} فيحاسبهم على أعمالهم، أو المراد بعرضهم: عرض أعمالهم: {وَيَقُولُ الأشهاد هَؤُلاء الذين كَذَبُواْ على رَبّهِمْ} الأشهاد: هم الملائكة الحفظة، وقيل: المرسلون.
وقيل: الملائكة والمرسلون والعلماء الذين بلغوا ما أمرهم الله بإبلاغه، وقيل جميع الخلائق.
والمعنى: أنه يقول هؤلاء الأشهاد عند العرض: هؤلاء المعرضون أو المعروضة أعمالهم الذين كذبوا على ربهم بما نسبوه إليه ولم يصرّحوا بما كذبوا به، كأنه كان أمرًا معلومًا عند أهل ذلك الموقف.
قوله: {أَلاَ لَعْنَةُ الله عَلَى الظالمين} هذا من تمام كلام الأشهاد أي: يقولون هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، ويقولون: ألا لعنة الله على الظالمين الذين ظلموا أنفسهم بالافتراء، ويجوز أن يكون من كلام الله سبحانه، قاله بعدما قال الأشهاد: {هؤلاء الذين كذبوا على ربهم}.
والأشهاد جمع شهيد، ورجحه أبو عليّ بكثرة ورود شهيد في القرآن كقوله: {وَيَكُونَ الرسول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاء شَهِيدًا} [النساء: 41]، وقيل: هو جمع شاهد كأصحاب وصاحب، والفائدة في قول الأشهاد بهذه المقالة المبالغة في فضيحة الكفار، والتقريع لهم على رؤوس الأشهاد.
ثم وصف هؤلاء الظالمين الذين لعنوا بأنهم: {الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} أي: يمنعون من قدروا على منعه عن دين الله والدخول فيه: {وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} أي: يصفونها بالاعوجاج تنفيرًا للناس عنها، أو يبغون أهلها أن يكونوا معوجين بالخروج عنها إلى الكفر، يقال بغيتك شرًّا: أي طلبته لك والحال أنهم: {بالآخرة هُمْ كافرون} أي: يصفونها بالعوج، والحال أنهم بالآخرة غير مصدّقين، فكيف يصدّون الناس عن طريق الحق، وهم على الباطل البحت؟ وتكرير الضمير لتأكيد كفرهم واختصاصهم به، حتى كأن كفر غيرهم غير معتدّ به بالنسبة إلى عظيم كفرهم: {أولئك} الموصوفون بتلك الصفات: {لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ في الأرض} أي: ما كانوا يعجزون الله في الدنيا إن أراد عقوبتهم: {وَمَا كَانَ لَهُمْ مّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَاء} يدفعون عنهم ما يريده الله سبحانه من عقوبتهم، وإنزال بأسه بهم، وجملة: {يُضَاعَفُ لَهُمُ العذاب} مستأنفة لبيان أن تأخير العذاب والتراخي عن تعجيله لهم، ليكون عذابًا مضاعفًا.
وقرأ ابن كثير، وابن عامر، ويزيد ويعقوب {يضعف} مشدّدًا: {مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع} أي: أفرطوا في إعراضهم عن الحق، وبغضهم له، حتى كأنهم لا يقدرون على السمع ولا يقدرون على الإبصار، لفرط تعاميهم عن الصواب.
ويجوز أن يراد بقوله: {وَمَا كَانَ لَهُمْ مّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَاء} أنهم جعلوا آلهتهم أولياء من دون الله، ولا ينفعهم ذلك، فما كان هؤلاء الأولياء يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون، فكيف ينفعونهم فيجلبون لهم نفعًا أو يدفعون عنهم ضررًا، ويجوز أن تكون {ما} هي المدية.
والمعنى: أنه يضاعف لهم العذاب مدّة استطاعتهم السمع والبصر.
قال الفراء: ما كانوا يستطيعون السمع، لأن الله أضلهم في اللوح المحفوظ.
وقال الزجاج: لبغضهم النبي صلى الله عليه وسلم.
وعداوتهم له لا يستطيعون أن يسمعوا منه ولا يفهموا عنه.
قال النحاس: هذا معروف في كلام العرب، يقال: فلان لا يستطيع أن ينظر إلى فلان: إذا كان ثقيلًا عليه: {أولئك} المتصفون بتلك الصفات: {الذين خَسِرُواْ أَنفُسَهُم} بعبادة غير الله.
والمعنى: اشتروا عبادة الآلهة بعبادة الله، فكان خسرانهم في تجارتهم أعظم خسران: {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} أي: ذهب وضاع ما كانوا يفترون من الآلهة التي يدّعون أنها تشفع لهم، ولم يبق بأيديهم إلا الخسران.
قوله: {لاَ جَرَمَ} قال الخليل وسيبويه: {لا جرم} بمعنى حق فهي عندهما بمنزلة كلمة واحدة، وبه قال الفراء.
وروي عن الخليل والفراء أنها: بمنزلة قولك: لابد ولا محالة، ثم كثر استعمالها حتى صارت بمنزلة حقًا.
وقال الزجاج: إن جرم بمعنى كسب: أي كسب ذلك الفعل لهم الخسران، وفاعل كسب مضمر، وأنّ منصوبة بجزم.
قال الأزهري: وهذا من أحسن ما نقل في هذه اللغة.
وقال الكسائي: معنى لا جرم: لا صدّ ولا منع عن أنهم في الآخرة هم الأخسرون.
وقال جماعة من النحويين: إن معنى لا جرم لا قطع قاطع: {أَنَّهُمْ في الآخرة هُمُ الأخسرون} قالوا: والجرم: القطع، وقد جرم النخل واجترمه: أي قطعه، وفي هذه الآية بيان أنهم في الخسران قد بلغوا إلى حدّ يتقاصر عنه غيرهم، ولا يبلغ إليه، وهذه الآيات مقرّرة لما سبق من نفي المماثلة بين من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها، وبين من كان على بينة من ربه: {إِنَّ الذين ءامَنُواْ} أي: صدقوا بكل ما يجب التصديق به من كون القرآن من عند الله، وغير ذلك من خصال الإيمان: {وَعَمِلُواْ الصالحات وَأَخْبَتُواْ إلى رَبّهِمْ} أي: أنابوا إليه، وقيل: خشعوا.
وقيل: خضعوا.
قيل: وأصل الإخبات: الاستواء في الخبث: وهو الأرض المستوية الواسعة فيناسب معنى الخشوع والاطمئنان.
قال الفراء: إلى ربهم، ولربهم واحد: {أولئك} الموصوفون بتلك الصفات الصالحة: {أصحاب الجنة هُمْ فِيهَا خالدون}.
قوله: {مَثَلُ الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع} ضرب للفريقين مثلًا وهو تشبيه فريق الكافرين بالأعمى والأصمّ، وتشبيه فريق المؤمنين بالبصير والسميع، على أن كل فريق شبه بشيئين، أو شبه بمن جمع بين الشيئين، فالكافر شبه بمن جمع بين العمى والصمم، والمؤمن شبّه بمن جمع بين السمع والبصر، وعلى هذا تكون الواو في: {والأصمّ}، وفي: {والسميع} لعطف الصفة على الصفة، كما في قول الشاعر:
إلى الملك القرم وابن الهمام

والاستفهام في قوله: {هَلْ يَسْتَوِيَانِ} للإنكار: يعني الفريقين، وهذه الجملة مقرّرة لما تقدّم من قوله: {أَفَمَن كَانَ على بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ} وانتصاب مثلًا على التمييز من فاعل يستويان: أي هل يستويان حالًا وصفة: {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} في عدم استوائهما، وفيما بينهما من التفاوت الظاهر الذي لا يخفى على من له تذكر، وعنده تفكر وتأمل، والهمزة لإنكار عدم التذكر واستبعاد صدوره عن المخاطبين.
وقد أخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، عن ابن جريج، في قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ} قال: الكافر والمنافق: {أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ على رَبّهِمْ} فيسألهم عن أعمالهم: {وَيَقُولُ الأشهاد} الذين كانوا يحفظون أعمالهم عليهم في الدنيا: {هَؤُلاء الذين كَذَبُواْ على رَبّهِمْ} شهدوا به عليهم يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير، عن مجاهد، قال: {الأشهاد}: الملائكة.
وأخرج أبو الشيخ، عن قتادة، نحوه، وفي الصحيحين وغيرهما عن ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله يدني المؤمن حتى يضع كنفه ويستره من الناس ويقرّره بذنوبه، ويقول له: أتعرف ذنب كذا، أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: ربّ أعرف، حتى إذا قرّره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه قد هلك قال: فإني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، ثم يعطي كتاب حسناته.
وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد: {هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين}»
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن السديّ، في قوله: {الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله} قال: هو محمد يعني سبيل الله، صدّت قريش عنه الناس.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن أبي مالك، في قوله: {وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} يعني: يرجون بمكة غير الإسلام دينًا.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، عن ابن عباس، في قوله: {أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ في الأرض} الآية قال: أخبر الله سبحانه أنه حال بين أهل الشرك وبين طاعته في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا، فإنه قال: {مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ} وأما في الآخرة فإنه قال: {فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ خاشعة} [القلم: 42، 43].
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وأبو الشيخ، عن قتادة، في قوله: {مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع} قال: ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا خيرًا فينتفعوا به، ولا يبصروا خيرًا فيأخذوا به.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عباس، في قوله: {*أخبتوا} قال: خافوا.
وأخرج ابن جرير، عنه، قال: الإخبات: الإنابة.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وأبو الشيخ، قال الإخبات: الخشوع والتواضع.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، عن مجاهد، قال: اطمأنوا.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، عن ابن عباس، في قوله: {مَثَلُ الفريقين كالأعمى والأصم} قال: الكافر: {والبصير والسميع} قال: المؤمن. اهـ.