فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ}
هذا تفصيل لما ردّ به مقالة قومه إجمالًا، فهم استدلوا على نفي نبُوّته بأنهم لم يروا له فضلًا عليهم، فجاء هو في جوابهم بالقول بالموجَب أنه لم يدع فضلًا غير الوحي إليه كما حكى الله عن أنبيائه عليهم السّلام في قوله: {قالت لهم رسلهم إن نحن إلاّ بشر مثلكم ولكن الله يمنّ على من يشاء من عباده} [إبراهيم: 11]، ولذلك نفى أن يكون قد ادّعى غير ذلك.
واقتصر على بعض ما يتوهّمونه من لوازم النبوءة وهو أن يكون أغنى منهم، أو أن يعلم الأمور الغائبة.
والقول بمعنى الدعوى، وإنما نفى ذلك بصيغة المضارع للدّلالة على أنّه منتف عنه ذلك في الحال، فأما انتفاؤه في الماضي فمعلوم لديهم حيث لم يقله، أي لا تظنوا أني مضمر ادّعاء ذلك وإن لم أقله.
والخزائن: جمع خِزانة بكسر الخاء وهي بيت أو مِشكاة كبيرة يجعل لها باب، وذلك لِخزن المال أو الطعام، أي حفظه من الضياع.
وذكر الخزائن هنا استعارة مكنية؛ شبهت النعم والأشياء النافعة بالأموال النفيسة التي تُدخر في الخزائن، ورمز إلى ذلك بذكر ما هو من روادف المشبّه به وهو الخزائن.
وإضافة: {خزائن} إلى: {الله} لاختصاص الله بِها.
وأما قوله: {ولا أقول إني ملك} فنفي لشبهة قولهم: {ما نراك إلاّ بشرًا مثلنا} [هود: 27] ولذلك أعاد معه فعل القول، لأنه إبطال دعوى أخرى ألصقوها به، وتأكيده بـ (إنّ) لأنه قول لا يقوله قائله إلا مؤكدًا لشدة إنكاره لو ادعاه مدّع، فلما نفاه نفى صيغة إثباته.
ولمّا أراد إبطال قولهم: {وما نراك اتّبعك إلاّ الذين هم أراذلنا} [هود: 27] أبطله بطريقة التغليط لأنهم جعلوا ضعفهم وفقرهم سببًا لانتفاء فضلهم، فأبطله بأن ضعفهم ليس بحائل بينهم وبين الخير من الله إذ لا ارتباط بين الضعف في الأمور الدنيوية من فقر وقلة وبين الحرمان من نوال الكمالات النفسانية والدينية، وأعاد معه فعل القول لأنه أراد من القول معنى غيرَ المراد منه فيما قيل، فالقول هنا كناية عن الاعتقاد لأن المرء إنما يقول ما يعتقد، وهي تعريضية بالمخاطبين لأنهم يضمون ذلك ويقدرونه.
والازدراء: افتعال من الزري وهو الاحتقار وإلصاق العيب، فأصله: ازتراء، قلبت تاء الافتعال دالًا بعد الزاي كما قلبت في الازدياد.
وإسناد الازدراء إلى الأعين وإنما هو من أفعال النفس مجاز عقلي لأن الأعين سبب الازدراء غالبًا، لأن الازدراء ينشأ عن مشاهدة الصفات الحقيرة عند الناظر.
ونظيره إسناد الفرق إلى الأعين في قول الأعشى:
كذلك فافعل ما حييت إذا شتَوْا ** وأقدم إذا ما أعينُ الناس تَفرَقُ

ونظيره قوله تعالى: {سَحروا أعْينَ الناس} [الأعراف: 116] وإنما سحروا عقولهم ولكن الأعين ترى حركات السحرة فتؤثر رؤيتها على عقول المبصرين.
وجيء في النفي بحرف: {لن} الدّالة على تأكيد نفي الفعل في المستقبل تعريضًا بقومه لأنّهم جعلوا ضعف أتباع نوح عليه السّلام وفقرهم دليلًا على انتفاء الخير عنهم فاقتضى دوام ذلك ما داموا ضعفاء فقراء، فلسان حالهم يقول: لن ينالوا خيرًا، فكان رده عليهم بأنه لا يقول: {لن يؤتيهم الله خيرًا}.
وجملة: {الله أعلم بما في أنفسهم} تعليل لنفي أن يقول: {لن يؤتيهم الله خيرًا}.
ولذلك فصلت الجملة ولم تعطف، ومعنى: {الله أعلم بما في أنفسهم} أن أمرهم موكول إلى ربهم الذي علم ما أودعه في نفوسهم من الخير والذي وفقهم إلى الإيمان، أي فهو يعاملهم بما يعلم منهم.
وتعليقه بالنفوس تنبيه لقومه على غلطهم في قولهم: {وما نرى لكم علينا من فضل} [هود: 27] بأنهم نظروا إلى الجانب الجثماني الدنيوي وجهلوا الفضائل والكمالات النفسانية والعطايا اللدنية التي اللّهُ أعلم بها.
واسم التفضيل هنا مسلوبُ المفاضلة مقصود منه شدة العلم.
وجملة: {إني إذن لمن الظالمين} تعليل ثان لنفي أن يقول: {لن يؤتيهم الله خيرًا}.
و: {إذن} حرف جواب وجزاء مجازاة للقَول، أي لو قلت ذلك لكنت من الظالمين، وذلك أنه يظلمهم بالقضاء عليهم بما لا يعلم من حقيقتهم، ويظلم نفسه باقتحام القول بما لا يصدق.
وقوله: {لمن الظالمين} أبلغ في إثبات الظلم من: إني ظالم، كما تقدم في قوله تعالى: {قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين} في سورة [البقرة: 67].
وأكده بثلاث مؤكدات: إنّ ولام الابتداء وحرف الجزاء، تحقيقًا لظلم الذين رموا المؤمنين بالرذالة وسلبوا الفضل عنهم، لأنه أراد التعريض بقومه في ذلك.
وسيجيء في سورة الشعراء ذكر موقف آخر لنوح عليه السلام مع قومه في شأن هؤلاء المؤمنين. اهـ.

.قال الشنقيطي:

{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28)}
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة عن نبيه نوح: أنه قال لقومه: {أَرَأَيْتُمْ} أي أخبروني: {إِن كُنتُ على بَيِّنَةٍ مِّن ربي} أي على يقين ونبوة صادقة لا شك فيها، وأعطاني رحمة منه مما أوحى إلي من التوحيد والهدى، فخفي ذلك كله عليكم، ولم تعتقدوا أنه حق، أيمكنني أن ألزمكم به، وأجبر قلوبكم على الانقياد والإذعان لتلك البينة التي تفضل الله علي بها، ورحمني بإيتائها، والحال أنكم كارهون لذلك؟ يعني ليس بيدي توفيقكم إلى الهدى وإن كان واضحًا جليًا لا لبس فيه، إن لم يهدكم الله جل وعلا.
وهذا المعنى صرح به جل وعلا عن نوح أيضًا في هذه السورة الكريمة بقوله: {وَلاَ يَنفَعُكُمْ نصحي إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ الله يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ} [هود: 34] الآية.
قوله تعالى: {ويا قوم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله} الآية.
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة عن نبيه نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: أنه أخبر قومه أنه لا يسألهم مالًا في مقابلة ما جاءهم به من الوحي والهدى، بل يبذل لهم ذلك الخير العظيم مجانًا من غير أخذ أجرة في مقابله.
وبين في آيات كثيرة: أن ذلك هو شأن الرسل عليهم صلوات الله وسلامه، كقوله في سبأ عن نبينا صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله} [سبا: 47] الآية.
وقوله فيه أيضًا في آخر ص: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المتكلفين} [ص: 86].
وقوله في الطور والقلم: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ} [الطور: 40].
وقوله في الفرقان: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلًا} [الفرقان: 57].
وقوله في الأنعام: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذكرى لِلْعَالَمِينَ} [الأنعام: 90].
وقوله عن هود في سورة هود: {ياقوم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الذي فطرني} [هود: 51] الآلأية.
وقوله في الشعراء عن نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ على رَبِّ العالمين} [الشعراء: 109].
وقوله تعالى عن رسل القرية المذكورة في يس: {اتبعوا المرسلين اتبعوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا} [يس: 20-21] الآية.
وقد بينا وجه الجمع بين هذه الآيات المذكورة وبين قوله تعالى: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المودة فِي القربى} [الشورى: 23] في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب في سورة سبأ في الكلام على قوله تعالى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} [سبأ: 47].
ويؤخذ من هذه الآيات الكريمة: أن الواجب على أتباع الرسل من العلماء وغيرهم أن يبذلوا ما عندهم من العلم مجانًا من غير أخذ عوض ذلك، وأنه لا ينبغي أخذ الأجرة على تعليم كتاب الله تعالى، ولا على تعليم العقائد والحلال والحرام.
ويعتضد ذلك بأحاديث تدل على نحوه، فمن ذلك ما رواه ابن ماجه والبيهقي والروياني في مسنده عن أبي ابن كعب رضي الله عنه قال: علمت رجلًا القرآن، فأهدى لي قوسًا، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن أخذت قوسًا من نار» فرددتها.
قال البيهقي وابن عبد البر في هذا الحديث: هو منقطع، اي بين عطية الكلاعي وابي بن كعب، وكذلك قال المزي.
وتعقبه ابن حجر بأن عطية ولد في زمن النَّبي صلى الله عليه وسلم.
وأعله ابن القطان بأن رواية عن عطية المذكور هو عبد الرحمن بن سَلْم وهو مجهول.
وقال فيه ابن حجر في التقريب. شامي مجهول.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار: وله طرق عن أبي. قال ابن القطان: لا يثبت منها شيء قال الحافظ وفيما قاله نظر.
وذكر المزي في الأطراف له طرقًا منها: أن الذي أقرأه أبي هو الطفيل بن عمرو، ويشهد له ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن الطفيل بن عمروالدوسي قال. أقرأني أبي بن كعب القرآن فأهديت له قوسًا فغذا إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم وقد تقلدها فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «تقلدها من جهنم». الحديث. وقال الشوكاني أيضًا: وفي الباب عن معاذ عند الحاكم والبزار بنحو حديث أبي. وعن أبي الدرداء عن الدارمي بإسناد على شرط مسلم بنحوه أيضًا.
ومن ذلك ما رواه ابو داود وابن ماجه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال. علمت ناسًا من أهل الصفة الكتاب والقرآن، فأهدى إلى رجل منهم قوسًا فقلت ليست بمال ارمي بها في سبيل الله عز وجل، لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه، فأتيته فقلت. يا رسول الله، أهدى إلي رجل قوسًا ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن وليست بمال أرمى عليها في سبيل الله؟ فقال: «إن كنت تحب أن تطوق طوقًا من نار فاقبلها» وفي إسناده المغيرة بن زياد الموصلي قال الشوكاني: وثقه وكيع ويحيى بن معين وتكلم فيه جماعة.
وقال الإمام أحمد: ضعيف الحديث، حدث بأحاديث مناكير، وكل حديث رفعه هو منكر. وقال أو زرعة الرازي. لا يحتج بحديثه. اهـ. وقال فيه ابن حجر في التقريب. المغيرة بن زياد البجلبي أبو هشام أو هاشم الموصلي صدوق له أوهام. وهذا الحديث رواه أبو داود من طريق أخرى ليس فيها المغيرة المذكور. حدثنا عمرو بن عثمان وكثير بن عبيد قالا: ثنا بقية حدثني بشر بن عبد الله بن بشار قال عمرو: وحدثني عبادة بن نسي عن جنادة بن ابي أمية عن عبادة بن الصامت نحو هذا الخبر، والأول أتم، فقلت: ما ترى فيها يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: «جمرة بين كتفيك تقلدتها أو تعلقتها» اه منه بلفظه. وفي سند هذه الرواية بقية بن الوليد وقد تكلم فيه جماعة، ووثقه آخرون إذا روى عن الثقات، وهو من رجال مسلم.
وأخرج له البخاري تعليقًا. وقال فيه ابن حجر في التقريب: صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، والظاهر أن أعدل الأقوال فيه أنه إن صرح بالسماع عن الثقات فلا بأس به، مع أن حديثه هذا معتضد بما تقدم وبما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد والترميذي عن عمران بن حصين رضي الله عنهما عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اقرؤوا القرآن واسألوا الله به، فإن من بعدكم قومًا يقرؤون القرآن يسألون به الناس» قال الترمذي في هذا الحديث: ليس إسناده بذلك.
ومنها ما رواه أبو داود في سننه: حدثنا وهب بن بقية، أخبرنا خالد عن حميد الأعرج، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقرأ القرآنن وينا الأعرابي والأعجمي: فقال: «اقرؤوا القرآن واسألوا الله به، فإن من بعدكم قومًا يقرؤون القرآن يسألون به الناس» قال الترمذي في هذا الحديث: ليس إسناده بذلك.
ومنها ما رواه أبو داود في سننه: حدثنا وهب بن بقية، أخبرنا خالد عن حميد الأعرج، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقرأ القرآن، وفينا الأعرابي والأعجمي: فقال: «اقرؤوا فكل حسن، وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقال القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه» حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمرو وابن لهيعة، عن بكر بن سوادةن عن وفاء بن شريح الصدفي، عن سهل بن سعد الساعدس قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقتري فقال: «الحمد لله، كتاب الله واحد، وفيكم الأحمر وفيكم الأبيض وفيكم الأسود، اقرؤوا قبل أن يقرأه أقوام يقيمونه كما يقوم السهم يتعجل أجره ولا يتأجله» اه.
ومنها ما رواه الإمام أحمد، عن عبد الرحمن بن شبل، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «اقرؤوا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به».
قال الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار في هذا الحديث: قال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات.
ومنها ما أخرجه الأثرم في سننه عن أُبي رضي الله عنه قال: كنت أختلف إلى رجل مسن قد أصابته علة، قد احتبس في بيته أقرئه القرآن، فيؤتى بطعام لا آكل مثله بالمدينة، فحاك في نفسي شيء فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن كان ذلك الطعام طعامه وطعام أهله فكل منه، وإن كان يتحفك به فلا تأكله». اهـ. بواسطة نقل ابن قدامة في المغني والشوكاني في نيل الأوطار.
فهذه الأدلة ونحوا تدل على أن تعليم القرآن والمسائل الدينية لا يجوز أخذ الأجرة عليها.
وممن قال بهذا: الإمام أحمد في إحدى الروايتين، وأبو حنيفة والضحاك بن قيس وعطاء.
وكره الزهري وإسحاق تعليم القرآن بأجر.
وقال عبد الله بن شفيق: هذه الرغف التي يأخذها المعلمون من السحت.
وممن كره أجرة التعليم مع الشرط: الحسن وابن سرين، وطاوس، والشعبي، والنخعي.
قاله في المغني. وقال: إن ظاهر كلام الإمام أحمد جواز أخذ العلم ما أعطيه من غير شرط.
وذهب أكثر أهل العلم إلى جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وهو مذهب مالك، والشافعي.
وممن رخص في أجور المعلمين: أبو قلابة، وأبو ثور، وابن المنذر.
ونقل أبو طالب عن أحمد أنه قال: التعليم أحب إلي من أن يتوكل لهؤلاء السلاطين، ومن أن يتوكل لرجل من عامة الناس في ضيعة، ومن أن يستدين ويتجر لعله لا يقدر على الوفاء فيلقى الله تعالى بأمانات الناس، التعليم أحب إلي.
وهذا يدل على أن منعه منه في موضع منعه للكراهة لا للتحريم. قال ابن قدامة في المغني.
واحتج أهل هذا القول بأدلة منها ما رواه الشيخان وغيرهما من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهك أن النَّبي صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت: يارسول الله، إني قد وهبت نفسي لك، فقامت قيامًا طويلًا، فقام رجل فقال: يا رسول الله، زوجنيها إن لم يكن لك حاجة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل عندك من شيء تصدقها إياه؟» قال: نعم، سورة كذا وكذا يسميها، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «قد زوجتكها بما معك من القرآن» وفي رواية «قد ملكتكها بما معك من القرآن» فقالوا: هذا الرجل أباح له النَّبي أن يجعل تعليمه بعض القرآن لهذه المرأة عوضًا عن صداقها. وهو صريح في أن العوض على تعليم القرآن جائز. وما رد به بعض العلماء الاستدلال بهذا الحديث من أنه صلى الله عليه وسلم زوجه إياها بغير صداق إكرامًا له لحفظه ذلك المقدار من القرآن، ولم يجعل التعليم صداقًا لها- مردود بما ثبت في بعض الروايات في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «انطلق فقد زوجتكها فعلمها من القرآن». وفي رواية لأبي داود: «علمها عشرين آية وهي امرأتك».
واحتجوا أيضًا بعموم قوله صلى الله عليه وسلم الثابت في صحيح البخاري من حديث ابن عباس: «إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله» قالوا: الحديث وإن كان واردًا في الجعل على الرقيا بكتاب الله فالعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب. واحتمال الفرق بين الجعل على الرقية وبين الأجرة على التعليم ظاهر.
قال مقيده عفا الله عنه: الذي يظهر لي والله تعالى أعلم، أن الإنسان إذا لم تدعه الحاجة الضرورية فالأولى له ألا يأخذ عوضًا على تعليم القرآن، والعقائد، والحلال والحرام للأدلة الماضية. وإن دعته الحاجة أخذ بقدر الضرورة من بيت مال المسلمين. لأن الظاهرأن المأخوذ من بيت المال من قبيل الإعانة على القيام بالتعليم لا من قبيل الأجرة.
والأولى لمن أغناه الله أن يتعفف عن أخذ شيء في مقابل التعليم للقرآن والعقائد والحلال والحرام. والعلم عند الله تعالى. اهـ.