فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{فبدّل الذين ظلموا}: ظاهره انقسامهم إلى ظالمين وغير ظالمين، وأن الظالمين هم الذين بدلوا، فإن كان كلهم بدلوا، كان ذلك من وضع الظاهر موضع المضمر إشعارًا بالعلة، وكأنه قيل: فبدّلوا، لكنه أظهره تنبيهًا على علة التبديل، وهو الظلم، أي لولا ظلمهم ما بدلوا، والمبدّل به محذوف تقديره: فبدّل الذين ظلموا بقولهم حطة.
{قولًا غير الذي قيل لهم}: ولما كان محذوفًا ناسب إضافة غير إلى الاسم الظاهر بعدها.
والذي قيل لهم هو أن يقولوا حطة، فلو لم يحذف لكان وجه الكلام فبدّل الذين ظلموا بقولهم حطة قولًا غيره، لكنه لما حذف أظهر مضافًا إليه غير ليدل، على أن المحذوف هو هذا المظهر، وهو الذي قيل لهم.
وهذا التقدير الذي قدرناه هو على وضع بدل إذ المجرور هو الزائل، والمنصوب هو الحاصل.
واختلف المفسرون في القول الذي قالوه بدل أن يقولوا: حطة، فقال ابن عباس وعكرمة ومجاهد ووهب وابن زيد: حنطة، وقال السدّي عن أشياخه: حنطة حمراء، وقيل: حنطة بيضاء مثقوبة فيها شعرة سوداء، وقال أبو صالح: سنبلة، وقال السدّي ومجاهد أيضًا: هطا شمهاثًا، وقيل: حطى شمعاثًا، ومعناها في هذين القولين: حنطة حمراء، وقيل: حنطة بيضاء مثقوبة فيها شعرة.
وقيل: حبة في شعيرة، وقال ابن مسعود: حنطة حمراء فيها شعير، وقيل: حنطة في شعير، رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل: حبة حنطة مقلوة في شعرة، وقيل: تكلموا بكلام النبطية على جهة الاستهزاء والاستخفاف.
وقيل: إنهم غيروا ما شرع لهم ولم يعملوا بما أنزل الله عليهم.
والذي ثبت في صحيح البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر ذلك بأنهم قالوا: حبة في شعرة، فوجب المصير إلى هذا القول واطراح تلك الأقوال، ولو صح شيء من الأقوال السابقة لحمل اختلاف الألفاظ على اختلاف القائلين، فيكون بعضهم قال: كذا، وبعضهم قال: كذا، فلا يكون فيها تضاد.
ومعنى الآية: أنهم وضعوا مكان ما أمروا به من التوبة والاستغفار قولًا مغايرًا له مشعرًا باستهزائهم بما أمروا به، والإعراض عما يكون عنه غفران خطيئاتهم.
كل ذلك عدم مبالاة بأوامر الله، فاستحقوا بذلك النكال.
{فأنزلنا على الذين ظلموا رجزًا}: كرر الظاهر السابق زيادة في تقبيح حالهم وإشعارًا بعلية نزول الرجز.
وقد أضمر ذلك في الأعراف فقال: {فأرسلنا عليهم}، لأن المضمر هو المظهر.
وقرأ ابن محيصن: رجزًا بضم الراء، وقد تقدّم أنها بالغة في الرجز.
واختلفوا في الرجز هنا، فقال أبو العالية: هو غضب الله تعالى، وقال ابن زيد: طاعون أهلك منهم في ساعة سبعين ألفًا، وقال وهب: طاعون عذبوا به أربعين ليلة ثم ماتوا بعد ذلك، وقال ابن جبير: ثلج هلك به منهم سبعون ألفًا، وقال ابن عباس: ظلمة وموت مات منهم في ساعة أربعة وعشرون ألفًا وهلك سبعون ألفًا عقوبة.
والذي يدل عليه القرآن أنه أنزل عليهم عذاب ولم يبين نوعه، إذ لا كبير فائدة في تعليق النوع.
{من السماء}: إن فسر الرجز بالثلج كان كونه من السماء ظاهرًا، وإن فسر بغيره فهو إشارة إلى الجهة التي يكون منها القضاء عليهم، أو مبالغة في علوه بالقهر والاستيلاء.
{بما كانوا}، ما: مصدرية التقدير بكونهم {يفسقون}.
وأجاز بعضهم أن تكون بمعنى الذي، وهو بعيد.
وقرأ النخعي وابن وثاب وغيرهما بكسر السين، وهي لغة.
قال أبو مسلم: هذا الفسق هو الظلم المذكور في قوله: {على الذين ظلموا}.
وفائدة التكرار التأكيد، لأن الوصف دال على العلية، فالظاهر أن التبديل سببه الظلم، وأن إنزال الرجز سببه الظلم أيضًا.
وقال غير أبي مسلم: ليس مكرر الوجهين: أحدهما: أن الظلم قد يكون من الصغائر، {ربنا ظلمنا}، ومن الكبائر: {إن الشرك لظلم عظيم} والفسق لا يكون إلا من الكبائر.
فلما وصفهم بالظلم أوّلًا وصفهم بالفسق الذي هو لابد أن يكون من الكبائر.
والثاني: أنه يحتمل أنهم استحقوا اسم الظلم بسبب ذلك التبديل ونزول الرجز عليهم من السماء، لا بسبب ذلك التبديل بل بالفسق الذي فعلوه قبل ذلك التبديل، وعلى هذا يزول التكرار. انتهى.
وقد احتج بعض الناس بقوله تعالى: {فبدّل الذين ظلموا}، وترتيب العذاب على هذا التبديل على أن ما ورد به التوقيف من الأقوال لا يجوز تغييره ولا تبديله بلفظ آخر.
وقال قوم: يجوز ذلك إذا كانت الكلمة تسدّ سدّها، وعلى هذا جرى الخلاف في قراءة القرآن بالمعنى، وفي تكبيرة الإحرام، وفي تجويز النكاح بلفظ الهبة والبيع والتمليك، وفي نقل الحديث بالمعنى. اهـ.

.قال أبو السعود:

{فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ} بما أُمروا به من التوبة والاستغفار بأن أعرضوا عنه وأوردوا مكانه {قَوْلًا} آخرَ مما لا خيرَ فيه. رُوي أنهم قالوا مكان حِطة حِنْطة وقيل: قالوا بالنَّبْطية حِطًا سمقاسًا يعنون حنطةً حمراءَ استخفافًا بأمر الله عز وجل: {غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ} نعتٌ لقولا وإنما صُرِّح به مع استحالة تحقُّق التبديلِ بلا مغايَرةٍ تحقيقًا لمخالفتهم وتنصيصًا على المغايرة من كلِّ وجه {فَأَنزَلْنَا} أي عقيب ذلك {عَلَى الذين ظَلَمُواْ} بما ذكر من التبديل وإنما وُضِعَ الموصولُ موضعُ الضمير العائدِ إلى الموصول الأول للتعليل والمبالغةِ في الذم والتقريع، وللتصريح بأنهم بما فعلوا قد ظلموا أنفسَهم بتعريضها لسخط الله تعالى: {رِجْزًا مّنَ السماء} أي عذابًا مقدّرًا منها، والتنوينُ للتهويل والتفخيم {بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} بسبب فِسقهم المستمرِّ حسبما يفيدُه الجمعُ بين صيغتي الماضي والمستقبل، وتعليلُ إنزال الرجزِ به بعد الإشعار بتعليله بظلمهم للإيذان بأن ذلك فسقٌ وخروجٌ عن الطاعة وغلوٌّ في الظلم وأن تعذيبَهم بجميع ما ارتكبوه من القبائح لا بعدم توبتهم فقط كما يُشعِرُ به ترتيبُه على ذلك بالفاء، والرِّجْزُ في الأصل ما يُعاف عنه وكذلك الرجسُ وقرئ بالضم، وهو لغة فيه والمراد به الطاعونُ، روي أنه مات به في ساعة واحدةٍ أربعةٌ وعشرون ألفًا. اهـ.

.قال في ملاك التأويل:

قوله جل وتعالى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59)} وفي سورة الأعراف: {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ (162)}.
فى ذلك عشرة سؤالات:
الأول: قوله تعالى في سورة البقرة: {واذ قلنا ادخلوا} وفى سورة الأعراف: {واذ قيل لهم اسكنوا}.
الثانى: قوله في البقرة: {فكلوا} وفى الأعراف: {وكلوا}.
الثالث: قوله تعالى في البقرة: {رغدا} ولم يأت ذلك في سورة الاعراف.
الرابع: قوله تعالى: {ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة}.
وفى الأعراف: {وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا}.
الخامس: قوله تعالى في البقرة: {يغفر لكم خطاياكم} وفى الأعراف في قراءة الجماعة غير أبى عمرو وابن عامر: {خطيئاتكم} مجموعا جمع سلامة.
السادس: قوله: {وسنزيد المحسنين} وفى الأعراف: {سنزيد المحسنين}.
السابع: زيادة منهم في الأعراف وسقوط ذلك في البقرة.
الثامن: قوله تعالى: {فأنزلنا} وفى الأعراف: {فأرسلنا}.
التاسع: قوله تعالى: {على الذين ظلموا} وفى الأعراف: {عليهم}.
العاشر: {بما كانوا يفسقون} وفى الأعراف: {بما كانوا يظلمون}.
والجواب عن الأول: أن أمرهم بدخول القرية مغاير من حيث المعنى لأمرهم بسكناها وان كان الامر بدخولهم قد يشير بما نسق معه إلى سكناها لكن ليس نصا بل ولا هو ظاهر فبينت آية الأعراف ذلك وأوضحت المقصود، وحصل الأمر بالدخول والسكنى وتبين وجه ورود العبارتين على الترتيب.
والجواب عن الثانى: أن قوله تعالى: {فكلوا} بحرف التعقيب وجهه أن الاكل لا يكون إلا بعد الدخول ولا يكون قبله بوجه ولا نعه لتعذر وانما يكون مرتبا عليه فجئ بالحرف المحرز لذلك المعنى وانه على التعقيب من غير مهله.
وأما الوارد في سورة الأعراف فإن السكن منجر معه الاكل ومساوق له ولا يمكن أن يكون مرتبا عليه فجاء بالحرف الصالح لذلك المعنى.
والجواب عن الثالث: وهو ورود قوله: {رغدا} في البقرة وسقوط ذلك غى الأعراف أن تحته معنى مقصودا لا يحصل من شيء مما ورد في الآية وانطوت عليه من الكلام، بخلاف آية الأعراف فإن مفهوم السكنى وهو الملازمة ولاقامة مع الامر بالاكل حيث شاؤوا مع انضمام معنى الامتنان والانعام المقصود في الآية كل ذلك مشعر ومعرف بتمادى الاكل وقوة السياق مانعه من التحجير والاقتصار فحصل معنى الرغد فوقع الاكتفاء بهذا المفهوم الحاصل قطعا من سياق آية الأعراف ولو لم يرد في سورة البقرة لم يفهم من سياق الآية كفهمه من سياق آية الاعراف.
وأما قوله سبحانه في سورة البقرة: {وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة} وعكس ذلك في الأعراف فوجه ذلك والله أعلم أن قولهم: حطة دعاء أمروا به في سجودهم فلو ورد في السورتين على حد سواء لأوهم من حيث مقتضى الواو من الاحتمال أنهم أمروا بالسجود والقول منفصلين غير مساوق أحدهما للآخر على أحد محتملات الواو في عدم الرتبة فقدم وأخر في السورتين ليحرز المجموع أن المراد بهدا القول أن يكون في حال السجود لا قبله ولابعده وتعين بهذا معنى المعيه من محتملات الواو وتحرر المقصود وان المراد: وادخلوا الباب سجدا قائلين في سجودكم حطة فاكتفى بتقلب الورود عن الافصاح بمعنى المعيه ايجازا جليلا وبلاغة عظيمة وقدم في البقرة الأمر بالسجود لأن ابتداء السجود يتقدم ابتداء الدعاء ثم يتساوق المطلوبان فجاء ذلك على الترتيب الثابت في السور ولآى والله أعلم.
ومما يجب تمهيده لتخليص هذه المفهوم أن العرب الفصحاء إذا أخبرت عن مخبر ما أو أناطت به حكما من الأحكام وقد شركه غيره في ذلك الحكم أو فيما أخبر به عنه وفد عطفت أحدهما على الآخر بالواو المقتضية عدم الترتيب فنهم مع ذلك إنما يبدأون بلأهم والأولى قال سيبويه رحمه الله: كأنهم يقدمون ما بيانه أهم لهم وهم به أعنى هذا معنى كلامه رحمه الله، قال الله سبحانه وتعالى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} فهذان مطلوبان مقامهما في الطلب اليمانى معلوم ولكن المبدؤ به أهم.
وقال الله تعالى: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول} وقال تعالى: {آمنوا بالله ورسوله} وقال تعالى: {والله ورسوله أحق أن يرضوه}.
وهذا أكثر من أن يحصى وعكس الوارد منه ليس بالأفصح فعلى هذا التمهيد يفهم ما قدمنا فإن قوله تعالى: {وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة} مقتضاه على ما تمهد الابتداء بأول الأمرين فلا يمكن تحصيل ذلك في الآيتين إلا بالمساوقة وكونهما معا في حالة واحدة فتدبر ذلك والله أعلم بما أراد، وأما الاختلاف في جمع خطيئة في السورتين فانها تجمه من حيث ثبوت تاء التأنيث في الواحدة منها في بالألف والتاء وتجمع أيضا مكسرة على فعائل كظعينه وظعائن وسفينه وسفائن وصحيفه وصحائف فالأصل خطاى مثل ظعائن ثم ترجع بمقتضى التصريف إلى خطايا كمطيه ومطايا فورد جمعها في البقرة مكسرا ليناسب ما بنيت عليه آيات البقرة من تعداد النعم والالاء حسبما يتبين في جواب السؤال لأن جموع التكسير ما عدا الاربعة أبنية التي هى: أفعل وأفعال وأفعله وفعله إنما ترد في الغالب للكثرة فطابق الوارد في البقرة ما قصد من تكثير الآلاء والنعم وأما الجمع بالألف والتاء فبابه القلة في الغالب أيضا ما لم يقترن به ما يبين أن المراد به الكثرة فناسب ما ورد في الأعراف من حيث لم تبن آيها من قصد تعدد النعم على ما بنيت عليع آى البقرة فجاء كل على ما بناسب والله أعلم.
وأما زيادة واو العطف في قوله تعالى: {وسنزيد} في البقرة وهو السؤال الخامس فإنما جئ بها هنا لأن المتقدم قبل هذه الآية من لدن قوله سبحانه: {يا بنى إسرائيل اذكروا نعمتى التي أنعمت عليكم} إنما هي ألاء ونعم كما تقدم عددت عليهم على التفصيل شيئا بعد شيء فناسب ذلك عطف قضية الزيادة بالواو ليجرى على ما تقدم من تعداد الآلاء وضروب الإنعام بالعفو عن الزلات والامتنان بضروب الإحسان، لهذا القصد من احراز التعداد ورد: {وسنزيد} هنا بالواو ولم يكن ليحصل ذلط لو لم ترد الواو هنا وأما آية الأعراف فلم يرد قبلها ما ورد في سورة البقرة وأما قوله: {فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم} وفى الأعراف: {فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم} فوجهه والله أعلم أن لفظ الذين ظلموا لفظ عام يحتمل التخصيص، والتخصيص يكون بدليل عقلى ودليل سمعى ومن المعلوم أن الامة من الناس والطائفة الكبيرة إذا خوطبوا بأمر أو نهى لم يكونوا في تقلبه على حد سواء وهذا معلوم ويبين هذا في هؤلاء المقصودين بهذا الإخبار قوله تعالى: {منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون} وقوله تعالى: {من أهل الكتاب أمة قائمة} وغير ذلك.
وإذا تأملت هذه الآية فهمت منها نفسها أنها ليست على عمومها، فزادت آية الأعراف تخصيصا سمعيا بما بعطيه حرف التبعيض في قوله تعالى: {منهم} وآية الأعراف مخصصه للعموم البادى من آية البقرة ولهذا القصد من التخصيص ورد في سورة البقرة: {فأنزلنا على الذين ظلموا} ولم يرد فيها فأنزلنا عليهم لأنه لو ورد كذلك لكان يتناول المتقدم ذكرهم على التعميم وليس مقصود فنحرز بقوله: {فأنزلنا على الذين ظلموا} أن المعذب هو الظالم من تقدم وجاء في الأعراف: {عليهم} لتخصيص ذكر الظال بقوله: {منهم} فجاء كل على ما يجب.
ويزيد ذلك بيانا أن قوله: {فأرسلنا} يقتضى بظهور ما وذلك بحسب مفهوم الارسال انسحاب العذاب لأن المعذب قد حرز ذكره وأما لفظ أنزل فلا يقتضى الانسحاب والتعيم بحسب اقتضاء أرسل فلهذا ورد مع ما لم يرد عمومه وهذا جواب السؤال الثامن.
ولم يبق إلا قوله تعالى: {بما كانوا يفسقون} و: {بما كانوا يظلون} وهو الؤال التاسع ووجه ذلك والله أعلم أنه لما وصف اعتداؤهم نيطت بهم أولا صفة الظلم ومن المعلوم أن مواقعه تتسع ثم لما ذكر من اعتدائهم وسوء مرتكبهم غير ما تقدم وتضاعف موجب وبيل جزائهم وصفوا بالفسق المنبئ عن حال أوبق من الظلم.
ألا ترى أنه صفة ابليس قال تعالى: {الا ابليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه}.
وقد جعل الله تعالى الفسق نقيض الإيمان وفى طرف منه في قوله: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} والظلم قد بقع على أضعف المعاصى قال تعالى: {ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله} وقال: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم} ولوقوعه على مختلفات المآثم ومطابقته لما قل أو كثر منها على وصف بالعظم حين أريد به الشرك.
قال تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم} ويقول الشاكى للحاكم: إن هذا ظالم وقد ظلمنى في خردلة فما فوقها ولا يلزمه من هذا القول شيء إذا صح له أدنى تعلق أما إن قال فاسق أو فسق فليس كذلك وكما يترقى في الجزاء الاحسانى كذلك يترقى في الطرف الآخر وهو في الحقيقة ضد الترقى وسنزيد هذا إن شاء الله في سورة المائدة بيانا في وصفه سبحانه من لم يحكم بما أنزل الله بالكفر ثم بالظلم ثم بالفسق وإذا تقرر هذا فتأمل آيات البقرة من لدن قوله تعالى: {يا بنى إسرائيل اذكروا نعمتى التي أنعمت عليكم} إلى ذكر وصفهم بتظليلهم بالغمام كيف ذكروا أولا بالظلم فقال تعالى عقب ذكرهم تظليلهم بالغمام: {وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} ثم أردف ذكر اعتدائهم في تبديلهم قولا غير الذي قيل لهم وأعقب بقوله: {فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون} وجعل الفسق ختام وصفهم الجارى جزاء على مرتكباتهم ولم يقع بعده ذكر علة منوطة بجزاء ما وقع منهم وإذا تأملت آية الأعراف وجدتها جارية على منهج ما ورد في سورة البقرة.
وان أول وصفهم المبنى جزاء على مرتكباتهم قولع: {فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون} ثم قال تعالى: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر} إلى قوله تعالى: {كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون} فطابق هذا ما ورد في البقرة من تقدم وصفهم أولا بالظلم ثم بعد ذلك بالفسق ووضح الاتفاق في ختام القصة في السورتين من غير اختلاف فيهما. اهـ.