فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ قَوْلًا غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ} أي بدل الذين ظلموا بالقول الذي قيل لهم قولًا غيره {فَبَدَّلَ} يتعدى لمفعولين أحدهما: بنفسه والآخر: بالياء، ويدخل على المتروك فالذمّ متوجه وجوّز أبو البقاء أن يكون بدل محمولًا على المعنى، أي: فقال الذين ظلموا قولًا الخ، والقول بأن غير منصوب بنزع الخافض، كأنه قيل: فغيروا قولًا بغيره غير مرضي من القول، وصرح سبحانه بالمغايرة مع استحالة تحقق التبديل بدونها تحقيقًا لمخالفتهم وتنصيصًا على المغايرة من كمل وجه؛ وظاهر الآية انقسام من هناك إلى ظالمين وغير ظالمين وأن الظالمين هم الذين بدلوا وإن كان المبدل الكل كان وضع ذلك من وضع الظاهر موضع الضمير للإشعار بالعلة واختلف في القول الذي بدلوه ففي الصحيحن أنهم قالوا: حبة في شعيرة، وروى الحاكم {حنطة} بدل {وَقُولُواْ حِطَّةٌ} وفي المعالم إنهم قالوا بلسانهم حطة سمقاثًا أي حنطة حمراء، قالوا ذلك استهزاء منهم بما قيل لهم، والروايات في ذلك كثيرة، وإذا صحت يحمل اختلاف الألفاظ على اختلاف القائلين، والقول بأنه لم يكن منهم تبديل ومعنى فبدلوا لم يفعلوا ما أمروا به، لا أنهم أتوا ببدل له غير مسلم وإن قاله أبو مسلم وظاهر الآية، والأحاديث تكذبه.
{فَأَنزَلْنَا عَلَى الذين ظَلَمُواْ رِجْزًا مّنَ السماء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} وضع المظهر موضع الضمير مبالغة في تقبيح أمرهم، وإشعارًا بكون ظلمهم وإضرارهم أنفسهم بترك ما يوجب نجاتها، أو وضعهم غير المأمور به موضعًا سببًا لإنزال الرجز وهو العذاب وتكسر راؤه وتضم والضم لغة بني الصعدات وبه قرأ ابن محيصن والمراد به هنا كما روى عن ابن عباس ظلمة وموت، يروى أنه مات منهم في ساعة أربعة وعشرون ألفًا، وقال وهب: طاعون غدوا به أربعين ليلة ثم ماتوا بعد ذلك، وقال ابن جبير: ثلج هلك به منهم سبعون ألفًا فإن فسر بالثلج كان كونه {مّنَ السماء} ظاهرًا وإن بغيره فهو إشارة إلى الجهة التي يكون منها القضاء أو مبالغة في علوّه بالقهر والاستيلاء، وذكر بعض المحققين أن الجار والمجرور ظرف مستقر وقع صفة لرجزًا و{بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} متعلق به لنيابته عن العامل علة له، وكلمة ما مصدرية، والمعنى: أنزلنا على الذين ظلموا لظلمهم عذابًا مقدرًا بسبب كونهم مستمرين على الفسق في الزمان الماضي، وهذا أولى من جعل الجار والمجرور ظرفًا لغوًا متعلقًا بأنزلنا لظهوره على سائر الأقوال، ولئلا يحتاج في تعليل الانزال بالفسق بعد التعليل المستفاد من التعليق بالظلم إلى القول بأن الفسق عين الظلم وكرر للتأكيد، أو أن الظلم أعم والفسق لابد أن يكون من الكبائر، فبعد وصفهم بالظلم وصفوا بالفسق للإيذان بكونه من الكبائر، فإن الأول: بضاعة العاجز.
والثاني: لا يدفع ركاكة التعليل، وما قيل: إنه تعليل للظلم فيكون إنزال العذاب مسببًا عن الظلم المسبب عن الفسق ليس بشيء، إذ ظلمهم المذكور سابقًا، الذي هو سبب الإنزال لا يحتاج إلى العلة، وقد احتج بعض الناس بقوله تعالى: {فَبَدَّلَ} الخ؛ وترتب العذاب على التبديل، على أن ما ورد به التوقيف من الأقوال لا يجوز تغييره ولا تبديله بلفظ آخر، وقال قول: يجوز ذلك إذا كانت الكلمة الثانية تسد الأولى، وعلى هذا جرى الخلاف كما في البحر في قراءة القرآن بالمعنى ورواية الحديث به، وجرى في تكبيرة الإحرام، وفي تجويز النكاح بلفظ الهبة والبيع والتمليك، والبحث مفصل في محله هذا.
وقد ذكر مولانا الإمام الرازي رحمه الله تعالى أن هذه الآية ذكرت في الأعراف مع مخالفة من وجوه لنكات:
الأول: قال هنا: {وَإِذْ قُلْنَا} [البقرة: 8 5] لما قدم ذكر النعم؛ فلابد من ذكر المنعم، وهناك {وَإِذْ قِيلَ} [الأعراف: 161] إذ لا إبهام بعد تقديم التصريح به.
الثاني: قال هنا: {ادْخِلُواْ} وهناك {اسكنوا} لأن الدخول مقدم، ولذا قدم وضعًا المقدم طبعًا.
الثالث: قال هنا: {خطاياكم} بجمع الكثرة لما أضاف ذلك القول إلى نفسه، واللائق بجوده غفران الذنوب الكثيرة، وهناك {خطيئاتكم} بجمع القلة إذ لم يصرح بالفاعل.
الرابع: قال هنا: {رَغَدًا} دون هناك لإسناد الفعل إلى نفسه هنا، فناسب ذكر الإنعام الأعظم وعدم الإسناد هناك.
الخامس: قال هنا: {ادخلوا الباب سُجَّدًا وَقُولُواْ حِطَّةٌ} وهناك بالعكس، لأن الواو لمطلق الجمع، وأيضًا المخاطبون يحتمل أن يكون بعضهم مذنبين، والبعض الآخر ما كانوا كذلك، فالمذنب لابد وأن يكون اشتغاله بحط الذنب مقدمًا على اشتغاله بالعبادة، فلا جرم كان تكليف هؤلاء أن يقولوا: {حطة} ثم يدخلوا وأما الذي لا يكون مذنبًا، فالأولى به أن يشتغل أولًا: بالعبادة ثم يذكر التوبة.
ثانيًا: للهضم وإزالة العجب فهؤلاء يجب أن يدخلوا ثم يقولوا فلما احتمل كون أولئك المخاطبين منقسمين إلى ذين القسمين، لا جرم ذكر حكم كل واحد منهما في سورة أخرى.
السادس: قال هنا: {وَسَنَزِيدُ} بالواو وهناك بدونه، إذ جعل هنا المغفرة مع الزيادة جزاءًا واحدًا لمجموع الفعلين، وأما هناك فالمغفرة جزاء قول حطة والزيادة جزاء الدخول فترك الواو يفيد توزع كل من الجزاءين على كل من الشرطين.
السابع: قال هناك: {الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ} [الأعراف: 162] وهنا لم يذكر منهم لأن أول القصة هناك مبني على التخصيص ب {مِنْ} حيث قال: {وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق} [الأعراف: 159] فخص في آخر الكلام ليطابق أوله؛ ولما لم يذكر في الآيات التي قبل {فَبَدَّلَ} هنا تمييزًا وتخصيصًا لم يذكر في آخر القصة ذلك.
الثامن: قال هنا: {فَأَنزَلْنَا} وهناك {فَأَرْسَلْنَا} [الأعراف: 162] لأن الإنزال يفيد حدوثه في أول الأمر، والإرسال يفيد تسليطه عليهم واستئصاله لهم، وذلك يكون بالآخرة.
التاسع: قال هنا: {فَكُلُواْ} [البقرة: 8 5] بالفاء وهناك بالواو لما مر في {وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا} [البقرة: 5 3] وهو أن كل فعل عطف عليه شيء وكان الفعل بمنزلة الشرط، وذلك الشيء بمنزلة الجزاء عطف الثاني على الأول بالفاء دون الواو فلما تعلق الأكل بالدخول قيل في سورة البقرة: {فَكُلُواْ} ولما لم يتعلق الأكل بالسكون في الأعراف (161) قيل: {وَكُلُواْ}.
العاشر: قال هنا: {يَفْسُقُونَ} وهناك {يَظْلِمُونَ} [الأعراف: 162] لأنه لما بين هنا كون الفسق ظلمًا اكتفى بلفظ الظلم هناك. انتهى.
ولا يخفى ما في هذه الأجوبة من النظر، أما في الأول والثاني والثامن والعاشر فلأنها إنما تصح إذا كانت سورة البقرة متقدمة على سورة الأعراف نزولًا كما أنها متقدمة عليها ترتيبًا وليس كذلك، فإن سورة البقرة كلها مدنية، وسورة الأعراف كلها مكية إلا ثمان آيات من قوله تعالى: {وَسْئَلْهُمْ عَنِ القرية} إلى قوله تعالى: {وَإِذ نَتَقْنَا الجبل} [الأعراف: 163 171] وقوله تعالى: {اسكنوا هذه القرية} [الأعراف: 161] داخل في الآيات المكية، فحينئذ لا تصح الأجوبة المذكورة.
وأما ما ذكر في التاسع فيرد عليه منع عدم تعلق الأكل بالسكون لأنهم إذا سكنوا القرية، تتسبب سكناهم للأكل منها كما ذكر الزمخشري، فقد جمعوا في الوجود بين سكناها والأكل منها، فحينئذ لا فرق بين {كُلُواْ} و{فَكُلُواْ} فلا يتم الجواب، وأما الثالث فلأنه تعالى وإن قال في الأعراف (161) {وَإِذْ قِيلَ} لكنه قال في السورتين: {نَّغْفِرْ لَكُمْ} [البقرة: 58، الأعراف: 161] وأضاف الغفران إلى نفسه، فبحكم تلك اللياقة ينبغي أن يذكر في السورتين جمع الكثرة بل لا شك أن رعاية {نَّغْفِرْ لَكُمْ} أولى من رعاية {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ} لتعلق الغفران بالخطايا كما لا يخفى على العارف بالمزايا.
وأما الرابع فلأنه تعالى وإن لم يسند الفعل إلى نفسه تعالى لكنه مسند إليه في نفس الأمر، فينبغي أن يذكر الإنعام الأعظم في السورتين.
وأما الخامس فلأن القصة واحدة، وكون بعضهم مذنبين وبعضهم غير مذنبين محقق فعلى مقتضى ما ذكر ينبغي أن يذكر {وَقُولُواْ حِطَّةٌ} مقدمًا في السورتين.
وأما السادس فلأن القصة واحدة، وأن الواو لمطلق الجمع، وقوله تعالى: {نَّغْفِرْ} في مقابلة {قُولُواْ} سواء قدم أو أخر، وقوله تعالى: {وَسَنَزِيدُ} [البقرة: 85] في مقابلة {وادخلوا} [الأعراف: 161] سواء ذكر الواو أو ترك، وأما السابع فلأنه تعالى قد ذكر هنا قبل {فَبَدَّلَ} [البقرة: 59] ما يدل على التخصيص والتمييز، حيث قال سبحانه: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الغمام وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى كُلُواْ مِن طيبات مَا رزقناكم} [البقرة: 57] الخ بكافات الخطاب وصيغته فاللائق حينئذ أن يذكر لفظ منهم أيضًا، والجواب الصحيح عن جميع هذه السؤالات وما حكاها ما ذكره الزمخشري من أنه لا بأس باختلاف العبارتين إذا لم يكن هناك تناقض، ولا تناقض بين قوله تعالى: {اسكنوا هذه القرية} [الأعراف: 161] وقوله: {وَكُلُواْ} [الأعراف: 161] لأنهم إذا سكنوا القرية فتسبب سكناهم للأكل منها، فقد جمعوا في الوجود بين سكناها والأكل منها، وسواء قدموا الحطة على دخول الباب أو أخروها، فهم جامعون في الإيجاد بينهما، وترك ذكر الرغد لا يناقض إثباته، وقوله تعالى: {نَّغْفِرْ لَكُمْ خطاياكم سَنَزِيدُ المحسنين} [الأعراف: 161] موعد بشيئين بالغفران والزيادة، وطرح الواو لا يخل لأنه استئناف مرتب على تقدير قول القائل: ماذا بعد الغفران؟ فقيل له: {سَنَزِيدُ المحسنين} وكذلك زيادة {مِنْهُمْ} زيادة بيان و{فَأَرْسَلْنَا} [الأعراف: 162] و{أَنزَلْنَا} [البقرة: 7 5] و{يَظْلِمُونَ} [الأعراف: 162] و{يَفْسُقُونَ} [البقرة: 9 5] من دار واحد، انتهى.
وبالجملة التفنن في التعبير لم يزل دأب البلغاء، وفيه من الدلالة على رفعة شأن المتكلم ما لا يخفى، والقرآن الكريم مملوء من ذلك، ومن رام بيان سر لكل ما وقع فيه منه فقد رام ما لا سبيل إليه إلا بالكشف الصحيح والعلم اللدني، والله يؤتي فضله من يشاء، وسبحان من لا يحيط بأسرار كتابه إلا هو.
ومن باب الإشارة في الآيات: {وَإِذْ قُلْتُمْ} لموسى القلب {لَن نُّؤْمِنَ} الإيمان الحقيقي حتى نصل إلى مقام المشاهدة والعيان {فَأَخَذَتْكُمُ} [البقرة: 55] صاعقة الموت الذي هو الفناء في التجلي الذاتي وأنتم تراقبون أو تشاهدون {ثُمَّ بعثناكم} [البقرة: 56] بالحياة الحقيقية والبقاء بعد الفناء لكي تشكروا نعمة التوحيد والوصول بالسلوك في الله عز وجل، {وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ} غمام تجلي الصفات لكونها حجب الذات المحرقة سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره.
{وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ} من الأحوال والمقامات الذوقية الجامعة بين الحلاوة وإذهاب رذائل أخلاق النفس، كالتوكل والرضا وسلوى الحكم والمعارف والعلوم الحقيقية التي يحشرها عليكم ريح الرحمة، والنفحات الإلهية في تيه الصفات عند سلوككم فيها، فتسلون بذلك السلوى وتنسون من لذائذ الدنيا كل ما يشتهى {كُلُواْ} أي تناولوا وتلقوا هذه الطيبات التي رزقتموها حسب استعدادكم، وأعطيتموها على ما وعد لكم {وَمَا ظَلَمُونَا} أي ما نقصوا حقوقنا وصفاتنا باحتجابهم بصفات أنفسهم، ولكن كانوا ناقصين حقوق أنفسهم بحرمانها وخسرانها، وهذا هو الخسران المبين.
{وَإِذْ قُلْنَا ادخلوا هذه القرية} أي المحل المقدس الذي هو مقام المشاهدة {وادخلوا الباب} الذي هو الرضا بالقضاء، فهو باب الله تعالى الأعظم {سُجَّدًا} منحنين خاضعين لما يرد عليكم من التجليات، واطلبوا أن يحط الله تعالى عنكم ذنوب صفاتكم وأخلاقكم وأفعالكم، فإن فعلتم ذلك {نَّغْفِرْ لَكُمْ خطاياكم} «فمن تقرب إليّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا ومن تقرب إليّ ذراعًا، تقربت إليه باعًا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة».
{وَسَنَزِيدُ المحسنين} [البقرة: 58] أي المشاهدين «ما لا عين رأيت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر» وهل ذلك إلا الكشف التام عن الذات الأقدس.
{فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ} أنفسهم وأضاعوها ووضعوها في غير موضعها اللائق بها {قَوْلًا غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ} ابتغاءًا للحظوظ الفانية والشهوات الدنية.
{فَأَنزَلْنَا} [البقرة: 9 5] على الظالمين خاصة، عذابًا وظلمة وضيقًا في سجن الطبيعة، وإسرًا في وثاق التمني، وقيد الهوى، وحرمانًا، وذلًا بمحبة الماديات السفلية، والإعراض عن هاتيك التجليات العلية، وذلك من جهة قهر سماء الروح، ومنع اللطف والروح عنهم بسبب فسقهم وخروجهم عن طاعة القلب الذي لا يأمر إلا بالهدى كما ورد في الأثر «إستفت قلبك وإن أفتاك المفتون» إلى طاعة النفس الأمارة بالسوء.
وهذا هو البلاء العظيم، والخطب الجسيم.
من كان يرغب في السلامة فليكن ** أبدًا من الحدق المراض عياذه

لا تخدعنك بالفتور فإنه ** نظر يضر بقلبك استلذاذه

إياك من طمع المنى فعزيزه ** كذليله وغنيه شحاذه

.قال ابن عاشور:

وقوله: {فبدل الذين ظلموا قولًا غير الذي قيل لهم} أي بدل العشرة القول الذي أمر موسى بإعلانه في القوم وهو الترغيب في دخول القرية وتهوين العدو عليهم فقالوا لهم: لا تستطيعون قتالهم وثبطوهم ولذلك عوقبوا فأنزل عليهم رجز من السماء وهو الطاعون.
وإنما جعل من السماء لأنه لم يكن له سبب أرضي من عدوَى أو نحوها فعلم أنه رمتهم به الملائكة من السماء بأن ألقيت عناصره وجراثيمه عليهم فأصيبوا به دون غيرهم.
ولأجل هذا خص التبديل بفريق معروف عندهم فعبر عنه بطريق الموصولية لعلم المخاطبين به وبتلك الصلة فدل على أن التبديل ليس من فعل جميع القوم أو معظمهم لأن الآية تذكير لليهود بما هو معلوم لهم من حوادثهم.
وإنما جاء بالظاهر في موضع المضمر في قوله: {فأنزلنا على الذين ظلموا رجزًا} ولم يقل عليهم لئلا يتوهم أن الرجز عم جميع بني إسرائيل وبذلك تنطبق الآية على ما ذكرته التوراة تمام الانطباق.
وتبديل القول تبديل جميع ما قاله الله لهم وما حدثهم الناس عن حال القرية، وللإشارة إلى جميع هذا بني فعل {قيل} إلى المجهول إيجازًا.
فقولًا مفعول أو لبدَّل، و{غير الذي قيل} مفعول ثان لأن بدل يتعدى إلى مفعولين من باب كسى أي مما دل على عكس معنى كسى مثل سلَبه ثوبه.
قال أبو الشيص:
بُدِّلْتُ من بُرْد الشباب ملاءة ** خَلَقًا وبئس مثوبة المقتاض

وفائدة إظهار لفظ القول دون أن يقال فبدلوه لدفع توهم أنهم بدلوا لفظ حطة خاصة وامتثلوا ما عدا ذلك لأنه لو كان كذلك لكان الأمر هينًا.
يوقد ورد في الحديث عن أبي هريرة أن القول الذي بدَّلوا به أنهم قالوا: حبة في شَعَرة أو في شعيرة، والظاهر أن المراد به أن العشرة استهزؤا بالكلام الذي أعلنه موسى عليه السلام في الترغيب في فتح الأرض وكنوا عن ذلك بأن محاولتهم فتح الأرض كمحاولة ربط حبة بشَعَرة أي في التعذر، أو هو كأكل حبة مع شَعَرة تخنق آكلها، أو حَبَّة من بُرّ مع شعيرة.
وقوله: {فبدل الذين ظلموا} وقوله: {فأنزلنا على الذين ظلموا} اعتنى فيهما بالإظهار في موضع الإضمار ليعلم أن الرجز خص الذين بدَّلوا القول وهم العشرة الذين أشاعوا مذمة الأرض لأنهم كانوا السبب في شقاء أمة كاملة.
وفي هذا موعظة وذكرى لكل من ينصب نفسه لإرشاد قوم ليكون على بصيرة بما يأتي ويذر وعلم بعواقب الأمور فمن البر ما يكون عقوقًا، وفي المثل على أهلها تجني براقش وهي اسم كلبة قوم كانت تحرسهم بالليل فدل نبحها أعداءهم عليهم فاستأصلوهم فضربت مثلًا. اهـ.