فصل: من فوائد الشعراوي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59)}.
الله سبحانه وتعالى يشرح لنا في هذه الآية الكريمة كيف أن اليهود قوم معصية برغم نعم الله عليهم.. فلو أن الله سبحانه وتعالى كلفهم تكليفا لم يستطيعوه؛ لأنه شاق عليهم فربما كان لهم عذرهم.. ولكن الله تبارك وتعالى لا يكلف إلا بما هو في طاقة الإنسان أو أقل منها.. فيقول جل جلاله: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286].
والله تبارك وتعالى لم يكلف بني إسرائيل بأن يدخلوا هذه القرية التي يقال: إنها القدس ويقال أنها قرية في فلسطين أو قرية في الأردن.. إلا بناء على طلبهم هم. فهم الذين طلبوا من موسى أن يدعو الله لهم أن يدخلوا واديا فيه زرع.. ليأكلوا مما تنتج الأرض ويطمئنوا على طعامهم.. لأنهم يخافون أن يأتي يوم.. لا ينزل عليهم المن والسلوى من السماء.. فلما استجاب الله لدعواهم وقال لهم ادخلوا الباب خاشعين. وقولوا يا رب حط عنا ذنوبنا.. بدل بنو إسرائيل القول فبدلا من أن يقولوا حطة قالوا حنطة.. وبدلوا طريقة الدخول فبدلا من أن يدخلوا ساجدين دخلوا على ظهورهم زاحفين.. وكان هذا رغبة في المخالفة.. فأصابهم الله بعذاب من السماء بما كانوا يفسقون.. أي يبتعدون عن منهج الله ولا يطبقونه. رغبة في المخالفة وإصرارا على العناد. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59)}.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كل شيء في كتاب الله من الرجز يعني به العذاب.
وأخرج أحمد وعبد بن حميد ومسلم والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن مالك وأسامة بن زيد وخزيمة بن ثابت قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الطاعون رجز وبقية عذاب عذب به أناس من قبلكم، فإذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها، وإذا بلغكم أن بأرض فلا تدخلوها».
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في الآية قال: الرجز الغضب. اهـ.

.فوائد بلاغية:

قال في صفوة التفاسير:
البلاغة:
أولا: إنما قيد البعث بعد الموت {ثم بعثناكم من بعد موتكم} لزيادة التأكيد على أنه موت حقيقي، ولدفع ما عساه يتوهم أن بعثهم كان بعد إغماء أو بعد نوم.
ثانيا: في الآية إيجاز بالحذف في قوله: {كلوا} أي قلنا لهم كلوا وفي قوله: {وما ظلمونا} تقديره فظلموا أنفسهم بأن كفروا وما ظلمونا بذلك، دل على هذا الحذف قوله: {ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} والجمع بين صيغتى الماضي والمضارع {ظلمونا} و{يظلمون} للدلالة على تماديهم في الظلم واستمرارهم على الكفر.
ثالثا: وضع الظاهر مكان الضمير في قوله: {فأنزلنا على الذين ظلموا} ولم يقل {فأنزلنا عليهم} لزيادة التقبيح، والمبالغة في الذم والتقريع، وتنكير {رجزا} للتهويل والتفخيم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

قوله: {فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ قَوْلًا غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ}.
لابد في هذا الكلام من تأويل؛ إذ الذّم إنما يتوجه عليهم إذا بدّلوا القول الذي قيل لهم، لا إذا بدَّلوا قولًا غيره.
فقيل: تقديره: فبدل الذين ظلموا بالذي قيل لهم قولًا غير الذي قيل لهم ف {بدّل} يتعدّى لمفعول واحد بنفسه، وإلى آخر بالباء، والمجرور بها هو المتروك، والمنصوب هو الموجود، كقول أبي النجم: الرجز:
وَبُدِّلَتْ والدَّهْرُ ذُو تَبَدُّلِ ** هَيْفًا دَبُورًا بِالصَّبَا وَالشَّمْأَلِ

فالمتطوع عنها الصَّبا، والحاصل لها الهَيْفُ.
قاله أبو البقاء وقال يجوز أن يكون {بدل} محمولًا على المعنى، تقديره: فقال الذين ظلموا قولًا غير الذي قيل لهم؛ لأن تبديل القول كان بقول فَنَصْبُ غير عنده في هذين القولين على النِّعت ل {قولًا}.
وقيل: تقديره: فبدل الذين قولًا بغير الذي، فحذف الحرفن فانتصب {غير}.
ومعنى التَّبْديل: التغيير كأنه قيل: فغيروا قولًا بغيره، إي جَاءُوا بقول آخر، فكان القول الذي أمروا به، كما يروا في القصّة أنهم قالوا: بدل حطّة حِنْطَة.
والإبْدَال والتبديل والاستبدال: جعل الشيء مكان آخر، وقد يقال: التبديل: التغيير، وإن لم يأت ببدله.
وقد تقدم الفرق بين بدل وأَبْدَلَ، وهو أن بدّل بمعنى غيّر من غَيْر إزالة العين، وأبدل تقتضي إزالة العين، إلا أنه قرئ: {عسى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا} [القلم: 32] {فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا} [الكهف: 81] بالوجهين، وهذا يقتضي اتِّحَادهما معنى لا اختلافهما والبديل والبدل بمعنى واحد، وبدله غيره.
ويقال: بِدْل وَبَدل كَشِبْه وَشَبَه، وَمِثْل وَمَثَل، وَنِكْل وَنَكَل قال أبو عُبَيْدة: لم يسمع في فِعْل وفَعَل غي رهذه الأربعة أحرف.
والرجز: هو العذاب.

.فصل في لغات الرجز:

وفيه لُغة أخرى وهي ضمّ الراء، وقرئ بهما.
وقيل: المضموم اسم صَنَم، ومنه: {والرجز} [المدثر: 5].
والرِّجْز والرِّجْس بالزاي والسين بِمَعْنَى ك: السُّدْغ والزُّدْغ.
والصحيح أن الرِّجْزَ: الْقَذَر، والرِّجَز: ما يصيب الإبل، فترتعش منه، ومنه: بحر الرِّجَز في الشّعر.
قوله: {مِنَ السَّمَاءِ} يجوز فيه وجهان:
أحدهما: أن يكون متعلقًا بأَنْزَلْنَا، و{من} لابتداء الغاية، أي: من جهة السماء، وهذا الوجه هو الظاهر.
والثاني: أن يكون صفة ل {رِجْزًا} فيتعلّق بمحذوف، و{من} أيضًا للابتداء.
وقوله: {عَلَى الذين ظَلَمُواْ} فأعادهم بذكرهم أولًا، ولم يقل: {عليهم} تنبيهًا على أن ظُلْمهم سبب في عقابهم، وهو من إيقاع الظاهر موقع المُضْمَر لهذا الغرض، وإيقاع الظاهر موقع المُضْمَر على ضربين: ضرب يقع بعد تمام الكلام كهذه الآية، وقول الخنساء: المتقارب:
تَعَرَّقَنِي الدَّهْرُ نَهْسًا وَحَزَّا ** وَأَوْجَعَنِي الدَّهْرُ قَرْعًا وَغَمْزا

أي: أصابتني نوائبه جُمَعُ.
وضرب يقع في كلام واحد؛ نحو قوله: {الحاقة مَا الحآقة} [الحاقة: 1، 2].
لَيْتَ الغُرَابَ غَدَاةَ يَنْعَبُ دَائِبًا ** كَانَ الغُرَابُ مُقَطَّعَ الأَوْدَاجِ

وقد جمع عدي بن زيد المعنيين فقال: الخفيف:
لاَ أَرَى المَوْتَ يَسْبِقُ المَوْتَ شَيْءٌ ** نَغَّصَ المَوْتُ ذَا الغِنَى والفَقِيرَا

قوله: {بَمَا كَانُوا} متعلِّق بأنْزَلْنَا والباء للسببية، وما يجوز أن تكون مصدرية وهو الظّاهر أي: بسبب فِسْقِهِمْ، وأن تكون موصولة اسمية، والعائد محذوف على التدريج المذكور في غير موضع، والأصل: يفسقونه، ولا يقوى جعلها نكرة موصولة.
وقرأ ابن وَثّاب: {يَفْسِقُون} بكسر السين، وتقدم أنهما لُغَتَان. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (60):

قوله تعالى: {وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما بين سبحانه نعمته عليهم بالإمكان من القرية بالنصر على أهلها والتمتع بمنافعها وختمه بتعذيبهم بما يميت أو يحرق وتبين من ذلك كله أن قلوبهم أشد قسوة من الحجارة كما سيأتي التصريح به من قول الله تعالى في قصة البقرة وأنها لا منفعة فيها اتبعه التذكير بنعمته عليهم في البرية بما يبرد الأكباد ويحيي الأجساد فذكر انفجار الماء من الحجر الذي عمهم نفعه وأنقذهم من الموت تبعة ودلهم على التوحيد والرسالة أصله وفرعه بقدرة الصانع وعلمه جمعًا لهم بذلك بين نعمتي الدين والدنيا فقال تعالى: {وإذ استسقى} أي طلب السقيا.
قال الحرالي: والسقيا فعلى صيغة مبالغة فيما يحصل به الري من السقي والسقي إحياء موات شأنه أن يطلب الإحياء حالًا أو مقالًا؛ قال صلى الله عليه وسلم: «اللهم اسق عبادك! ثم قال: وأحي بلدك الميت». انتهى.
{موسى لقومه} أي لما خافوا الموت من العطش {فقلنا} أي بما لنا من العظمة حين خفيت عنهم {اضرب} قال الحرالي: من الضرب وهو وقع الشيء على الشيء بقوة {بعصاك} والعصا كأنها ما يكف به العاصي، وهو من ذوات الواو، والواو فيه إشعار بعلو كأنها آلة تعلو من قارف ما تشعر فيه الياء بنزول عمله بالمعصية، كأن العصو أدب العصي، يقال عصا يعصو أي ضرب بالعصا اشتقاق ثان، وعصى يعصي إذا خالف الأمر- انتهى.
{الحجر} أي جنسه فضرب حجرًا {فانفجرت} وما أنسب ذكر الانفجار هنا بعد ختم ما قبل بالفسق لاجتماعهما في الخروج عن محيط، هذا خروج يحيي وذاك خروج يميت.
قال الحرالي: الانفجار انبعاث وحي من شيء موعى أو كأنه موعى انشق وانفلق عنه وعاؤه ومنه الفجر وانشقاق الليل عنه- انتهى.
ولأن هذا سياق الامتنان عبر بالانفجار الذي يدور معناه على انشقاق فيه سيلان وانبعاث مع انتشار واتساع وكثرة، ولما لم يكن {منه} أي الحجر الذي ضربه {اثنتا عشرة عينًا} لكل سبط عين، والعين قال الحرالي هو باد نام قيم يبدو به غيره، فما أجزأ من الماء في ري أو زرع فهو عين، وما مطر من السماء فأغنى فهو عين، يقال إن العين مطر أيام لا يقلع وإنما هو مطر يغني وينجع، وما تبدو به الموزونات عين، وما تبدو به المرئيات من الشمس عين، وما تنال به الأعيان من الحواس عين، والركية وهي بئر السقيا عين، وهي التي يصحفها بعضهم فيقول: الركبة- بالباء يعني الموحدة- وإنما هي الركيّة- بالياء المشددة- كذا قال، وقد ذكر أهل اللغة عين الرُكبة؛ وعدّ في القاموس المعاني التي لهذا اللفظ نحو أربعين، منها نقرة الركبة أي بالموحدة، ومنها مفجر ماء الركية بالتحتانية مشددة.
ولما توقع السامع إخبار المتكلم هل كانت الأعين موزعة بينهم معروفة أو ملبسة قال: {قد علم كل أناس} أي منهم.
قال الحرالي: وهو اسم جمع من الأنس- بالضم، كالناس اسم جمع من النوس، قال: فلم يسمهم باسم من أسماء الدين لأن الأسماء تجري على حسب الغالب على المسمّين بها من أحوال تدين أو حال طبع أو تطبع {مشربهم} مكتفاهم من الشرب المردد مع الأيام ومع الحاجات في كل وقت بما يفهمه المفعل اسم مصدر ثان مشتق من مطلق الشرب أو اسم محل يلزمه التكرار عليه والتردد، فجعل سبحانه سقياهم آية من آياته في عصاه، كما كانت آيته في عصاه على عدوه الكافر، فكان فيها نقمة ورحمة؛ وظهر بذلك كمال تمليكه تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم حين كان ينبع من بين أصابعه الماء غنيًا في نبوعه عن آلة ضرب أو حجر، وتمليك الماء من أعظم التمكين، لأنه تمكين فيما هو بزر كل شيء ومنه كل حي وفيه كل مجعول ومصور- انتهى.
يعني أن هذه الخارقة دون ما نبع للنبي صلى الله عليه وسلم من الماء من بين أصابعه، ودون ما نبع بوضع أصحابه سهمًا من سهامه في بئر الحديبية وقد كانت لا ماء فيها، ونحو ذلك كثير.
ولما كان السياق للامتنان وكان الإيجاد لا تستلزم التحليل للتناول قال زيادة على ما في الأعراف ممتنًا عليهم بنعمة الإحلال بعد الإيجاد على تقدير القول لأنه معلوم تقديره {كلوا واشربوا من رزق الله} أي الذي رزقكموه من له الكمال كله من غير كد ولا نصب.
قال الحرالي: لما لم يكن في مأكلهم ومشربهم جرى العادة حكمته في الأرض فكان من غيب فأضيف ذكره لاسم الله الذي هو غيب {ولا تعثوا} من العثو وهو أشد الفساد وكذلك العثي إلا أنه يشعر هذا التقابل بين الواو والياء، إن العثو إفساد أهل القوى بالسطوة والعثى إفساد أهل المكر بالحيلة- انتهى.
{في الأرض} أي عامة، لأن من أفسد في شيء منها بالفعل فقد أفسد فيها كلها بالقوة.
واتباع ما معناه الفساد قوله: {مفسدين} دليل على أن المعنى ولا تسرعوا إلى فعل ما يكون فسادًا قاصدين به الفساد، فإن العثي والعيث الإسراع في الفساد، لكن قد يقصد بصورة الفساد الخير فيكون صلاحًا في المعنى، كما فعل الخضر عليه السلام في السفينة والغلام، وليس المراد بالإسراع التقييد بل الإشارة إلى أنه لملاءمته للهوى لا يكون إلا كذلك، سيأتي له في سورة هود عليه السلام إن شاء الله تعالى مزيد بيان.
قال الحرالي: وفيه إشعار بوقوع ذلك منهم، لأن في كل نهي إشعارًا بمخالفته، إلا ما شاء الله، وفي كل أمر إشعارًا بموافقته إلا ما شاء الله، لأن ما جبل عليه المرء لا يؤمر به لاكتفاء إجباره فيه طبعًا عن أمره، وما منع منه لا ينهى عنه لاكتفاء إجباره عن أمره، وإنما مجرى الأمر والنهي توطئة لإظهار الكيان في التفرقة بين مطيع وعاص، فكان منهم لذلك من العثي ما أوجب ما أخبر به الحق عنهم من الهوان، وأشد الإفساد إفساد بنيان الحق الذي خلقه بيده وهي مباني أجساد بني آدم فكيف بالمؤمنين منهم فكيف بالأنبياء منهم- انتهى. اهـ.