فصل: فصل في قصة نوح عليه السلام:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وللصوفية قدست أسرارهم عبارات شتى في البينة فقال رويم: هي الإشراف عن القلوب والحكم على الغيوب، وقال سيد الطائفة: هي حقيقة يؤيدها ظاهر العلم، وقيل: غير ذلك، وعن أبي بكر بن طاهر أن من كان على بينة من ربه كانت جوارحه وقفًا على الطاعات والموافقات ولسانه مشغولًا بالذكر ونشر الآلاء والنعماء وقلبه منورًا بأنوار التوفيق وضياء التحقيق وسره وروحه مشاهدين للحق في جميع الأوقات وكان عالمًا بما يبدو من مكنون الغيوب ورؤيته يقين لا شك فيه وحكمه على الخلق كحكم الحق لا ينطق إلا بالحق ولا يرى إلا الحق لأنه مستغرق به فأنى يرى سواه.
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا} [هود: 18] إلخ جعله بعضهم إشارة إلى المثبتين لغيره سبحانه وجودًا وهم أهل الكثرة والحجاب، وفسر الإشهاد بالموحدين الذين لا يشهدون في الدار غيره سبحانه ديارًا.
ومن الناس من عكس الأمر وجعلها ردًا على أهل الوحدة القائلين: إن كل ما شاهدته بعينك أو تصورته بفكرك فهو الله سبحانه بمعنى كفر النصارى إيمان بالنسبة إليه وحاشا أهل الله تعالى من القول به على ما يشعر به ظاهره، ومنهم من جعلها مشيرة إلى حال من يزعم أنه ولي الله ويتزيا بزي السادات ويتكلم بكلماتهم وهو في الباطن أفسق من فرد وأجهل من حمار تومه: {مَثَلُ الفريقين كالاعمى والاصم والبصير والسميع} قيل: {البصير} من عاين ما يراد به وما يجري له وعليه في جميع أوقاته: {والسميع} من يسمع ما يخاطب به من تقريع وتأديب وحث وندب لا يغفل عن الخطاب في حال من الأحوال، وقيل: {البصير} الناظر إلى الأشياء بعين الحق فلا ينكر شيئًا ولا يتعجب من شيء: {والسميع} من يسمع من الحق فيميز الإلهام من الوسواس، وقيل: {البصير} هو الذي يشهد أفعاله بعلم اليقين وصفاته بعين اليقين وذاته بحق اليقين فالغائبات له حضور والمستورات له كشف: {والسميع} من يسمع من دواعي العلم شرعًا، ثم من خواطر التعريف قدرًا، ثم يكاشف بخطاب من الحق سرًا، وقيل: وقيل: {السميع} من لا يسمع إلا كلام حبيبه، و: {البصير} من لا يشاهد إلا أنواره فهو في ضيائها ليلًا ونهارًا، وإلى هذا يشير قول قائلهم:
ليلي من وجهك شمس الضحى ** وإنما السدفة في الجو

الناس في الظلمة من ليلهم ** ونحن من وجهك في الضو

وفسر كل من الأعمى والأصم بضد ما فسر به: {البصير والسميع} والمراد من قوله سبحانه: {هَلْ يَسْتَوِيَانِ} [هود: 24] أنهما لا يستويان لما بينهما من التقابل والتباعد إلى حيث لا تتراءى ناراهما، ثم إنه تعالى ذكر من قصة نوح عليه السلام مع قومه ما فيه إرشاد وتهديد وعظة ما عليها مزيد: {فَقَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ} أي الأشراف المليؤون بأمور الدنيا الذي حجبوا بما هم فيه عن الحق: {مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مّثْلَنَا} لكونهم واقفين عند حد العقل المشوب بالوهم فلا يرون لأحد طورًا وراء ما بلغوا إليه ولم يشعروا بمقام النبوة ومعناها: {وَمَا نَرَاكَ اتبعك إِلاَّ الذين هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ الرأى} وصفوهم بذلك لفقرهم حيث كانوا لا يعلمون إلا ظاهرًا من الحياة الدنيا ولم يعلموا أن الشرف بالكمال لا بالمال.
{وَمَا نرى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ} وتقدم يؤهلكم لما تدعونه: {بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذبين} [هود: 27] فلا نبوة لك ولا علم لهم: {قَالَ يَاءادَمُ قَوْمٌ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ على بَيّنَةٍ مّن رَّبّى} يجب عليكم الإذعان بها: {قَالَ يا قوم} هداية خاصة كشفية متعالية عن درجة البرهان: {مّنْ عِندِهِ} فوق طور عقولكم من العلوم اللدنية ومقام النبوة: {فَعُمّيَتْ عَلَيْكُمْ} لاحتجابكم بالظاهر عن الباطن وبالخليقة عن الحقيقة: {أَنُلْزِمُكُمُوهَا} ونجبركم عليها: {وَأَنتُمْ لَهَا كارهون} [هود: 28] لا تلتفتون إليها كأنه عليه السلام أراد أنه لا يكون إلزام ذلك مع الكراهة لكن إن شئتم تلقيه فزكوا أنفسكم واتركوا إنكاركم حتى يظهر عليكم أثر نور الإرادة فتقبلوا ذلك، وفيه إشارة إلى أن المنكر لا يمكن له الاستفاضة من أهل الله تعالى ولا يكاد ينتفع بهم ما دام منكرًا ومن لم يعتقد لم ينتفع: {كارهون وياقوم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا} أي ليس لي مطمح في شيء من أموالكم التي ظننتم أن الشرف بها: {إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى الله} فهو يثيبني بما هو خير وأبقى: {وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ الذين ءامَنُواْ إِنَّهُمْ ملاقوا رَبّهِمْ} أي إنهم أهل الزلفى عنده تعالى وهم حمائم أبراج الملكوت وبزاة معارج الجبروت: {ولكنى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} [هود: 29] تسفهون عليهم وتؤذونهم: {تَجْهَلُونَ وياقوم مَن يَنصُرُنِى مِنَ الله إِن طَرَدتُّهُمْ} كما تريدون وهم بتلك المثابة: {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} [هود: 30] لتعرفوا التماس طردهم ضلال، وفيه إشارة إلى أن الإعراض عن فقراء المؤمنين مؤد إلى سخط رب العالمين.
قال أبو عثمان: في الآية: {مَا أَنَاْ} بمعرض عمن أقبل على الله تعالى، فإن من أقبل على الله تعالى بالحقيقة أقبل الله تعالى عليه، ومن أعرض عمن أقبل الله تعالى عليه فقد أعرض عن الله سبحانه: {وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَائِنُ الله} إلخ أي أنا لا أدعي الفضل بكثرة المال ولا بالاطلاع على الغيب ولا بالملكية حتى تنكروا فضلي بفقدان ذلك وبمنافاة البشرية لما أنا عليه: {وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ} تنظرون إليهم بعين الحقارة: {لَن يُؤْتِيَهُمُ الله خَيْرًا} كما تقولون أنتم إذ الخير عندي ما عند الله تعالى لا المال: {الله أَعْلَمُ بِمَا في أَنفُسِهِمْ} من الخير مني ومنكم وهو أعلم بقدرهم وخطرهم: {إِنّى إِذًا} أي إذ نفيت: {لَّمِنَ الظالمين} [هود: 31] مثلكم: {واصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا} قيل: فيه إشارة إلى عين الجمع المشار إليه بخبر: «لا زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل» الحديث.
وقيل: أي كن في أعين رعايتنا وحفظنا ولا تكن في رؤية عملك والاعتماد عليه، فإن من نظر إلى غيري احتجب به عني، وقال بعضهم: أي أسقط عن نفسك تدبيرك واصنع ما أنت صانع من أفعالك على مشاهدتنا دون مشاهدة نفسك أو أحد من خلقي، وقيل: أي اصنع الفلك ولا تعتمد عليه فإنك بأعيننا رعاية وكلاءة فإن اعتمدت على الفلك وكلت إليه وسقطت من أعيننا.
{وَلاَ تخاطبنى في الذين ظَلَمُواْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ} [هود: 37] فيه إشارة إلى رقة قلبه عليه السلام بعد احتمال جفوتهم وأذيتهم، وهكذا شأن الصديقين، والكلام في باقي الآية ظاهر، ولا يخفى أنه يجب الإيمان بظاهرها والتصديق بوقوع الطوفان حسبما قص الله سبحانه وإنكار ذلك كفر صريح، لكن ذكر بعض السادة أنه بعد الإيمان بذلك يمكن احتمال التأويل على أنه حظ الصوفي من الآية وذلك بأن يؤول الفلك بشريعة نوح التي نجا بها هو ومن آمن معه، والطوفان باستيلاء بحر الهيولى وإهلاك من لم يتجرد عنها بمتابعة نبي وتزكية نفس كما جاء في مخاطبات إدريس عليه السلام لنفسه ما معناه إن هذه الدنيا بحر مملوء ماءًا فإن اتخذت سفينة تركبها عند خراب البدن نجوت منها إلى عالمك وإلا غرقت فيها وهلكت، وعلى هذا يقال: معنى: {وَيَصْنَعُ الفلك} يتخذ شريعة من ألواح الأعمال الصالحة ودسر العلوم تنتظم بها الأعمال وتحكم: {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ} كما هو المشاهد في أرباب الخلاعة الممطتين غارب الهوى يسخرون من المتشرعين المتقيدين بقيود الطاعة: {قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا} بجهلكم: {فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ} عند ظهور وخامة عاقبتكم: {كَمَا تَسْخَرُونَ} [هود: 38]: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} عند ذلك: {مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} في الدنيا من حلول ما لا يلائم غرضه وشهوته: {وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} [هود: 39] في الآخرة من استيلاء نيران الحرمان وظهور هيئات الرذائل المظلمة: {حتى إِذَا جَاء أَمْرُنَا} بإهلاك أمته: {وَفَارَ النور} باستيلاء الأخلاط الفاسدة والرطوبات الفضلية على الحرارة الغريزية وقوة طبيعة ماء الهيولى على نار الروح الحيوانية، أو: {أَمْرُنَا} بإهلاكهم المعنوي: {وَفَارَ التنور} باستيلاء ماء هوى الطبيعة على القلب وإغراقه في بحر الهيولى الجسماني: {قُلْنَا احمل فِيهَا مِن كُلّ زَوْجَيْنِ} أي من كل صنفين من نوع اثنين هما صورتاهما النوعية والصنفية الباقيتان عند فناء الأشخاص.
ومعنى حملهما فيها علمه ببقائهما مع بقاء الأرواح الإنسية فإن علمه جزء من السفينة المتركبة من العلم والعمل فمعلوميتهما محموليتهما وعالميته بهما حامليته إياهما فيها: {وَأَهْلَكَ} ومن يتصل بك في سيرتك من أقاربك: {إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ القول} أي الحكم بإهلاكه في الأزل لكفره: {وَمَنْ ءامَنَ} [هود: 40] من أمتك: {وَقَالَ اركبوا فِيهَا بِسْمِ الله مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} أي بسم الله تعالى الأعظم الذي هو وجود كل عارف كامل من أفراد نوع الإنسان إجراء أحكامها وترويجها في بحر العالم الجسماني وإثباتها وأحكامها كما ترى من إجراء كل شريعة وأحكامها بوجود الكامل ممن ينسب إليها: {إِنَّ رَبّى لَغَفُورٌ} لهيآت نفوسكم البدنية المظلمة وذنوب ملابس الطبيعة المهلكة إياكم المغرقة في بحرها وذلك بمتابعة الشريعة.
{رَّحِيمٌ} [هود: 41] بإفاضة المواهب العلمية والكشفية والهيآت النورانية التي ينجيكم بها: {وَهِىَ تَجْرِى بِهِمْ في مَوْجٍ} من بحر الطبيعة الجسمانية: {كالجبال} الحاجبة للنظر المانعة من السير وهم لا يبالون بذلك محفوظون من أن يصيبهم شيء من ذلك الموج، وهذا الجريان يعرض للسالك في ابتداء أمره ولولا أنه محفوظ في لزوم سفينة الشرع لهلك.
ولعل في الآية على هذا تغليبًا: {ونادى نُوحٌ ابنه} المحجوب بالعقل المشوب بالوهم: {وَكَانَ في مَعْزِلٍ} لذلك الحجاب عن الدين والشريعة: {مَعْزِلٍ يا بنى اركب مَّعَنَا} أي ادخل في ديننا: {وَلاَ تَكُن مَّعَ الكافرين} [هود: 42] المحجوبين الهالكين بأمواج هوى النفس المغرقين في بحر الطبع: {قَالَ سَاوِى إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِى مِنَ الماء} أي سألتجئ إلى الدماغ وأستعصم بالعقل المشرق هناك ليحفظني من استيلاء بحر الهيولى فلا أغرق فيه: {قَالَ لاَ عَاصِمَ اليوم مِنْ أَمْرِ الله إِلاَّ مَن رَّحِمَ} وهو الله الذي رحم أهل التوحيد وأفاض عليهم من شآبيب لطفه ما عرفوا به دينه الحق: {وَحَالَ بَيْنَهُمَا الموج} أي موج هوى النفس واستيلاء ماء بحر الطبيعة وحجب عن الحق: {فَكَانَ مِنَ المغرقين} [هود: 43] في بحر الهيولى الجسمانية، وقيل: من جهة الحق على لسان الشرع لأرض الطبيعة: {وَقِيلَ يا أرض ابلعى مَاءكِ} وقفي على حد الاعتدال، ولسماء العقل المحجوبة بالعادة والحس المشوبة بالوهم المغيمة بغيم الهوى: {مَاءكِ ويا سماء أَقْلِعِى} عن إمداد الأرض: {وَغِيضَ الماء} أي ماء قوة الطبيعة الجسمانية ومدد الرطوبة الحاجبة لنور الحق المانعة للحياة الحقيقية: {وَقُضِىَ الأمر} بإنجاء من نجا وإهلاك من هلك: {واستوت} أي سفينة شريعته: {على} وهو جبل وجود نوح: {الجودى وَقِيلَ بُعْدًا لّلْقَوْمِ الظالمين} [هود: 44] الذين عبدوا الهوى دون الحق ووضعوا الطبيعة مكان الشريعة: {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ} [هود: 45] إلخ الكلام على هذا الطرز فيه ظاهر: {قِيلَ يا نوح نُوحٌ} من محل الجمع وذروة مقام الولاية والاستغراق في التوحيد إلى مقام التفصيل وتشريع النبوة بالرجوع إلى الخلق ومشاهدة الكثرة في عين الوحدة غير معطل للمراتب: {اهبط بسلام مّنَّا} أي سلامة عن الاحتجاب بالكثرة: {وبركات} من تقنين قوانين الشرع: {عَلَيْكَ وعلى أُمَمٍ} ناشئة: {مّمَّن مَّعَكَ} على دينك إلى آخر الزمان: {وَأُمَمٌ} أي وينشأ ممن معك أمم: {سَنُمَتّعُهُمْ} في الدنيا: {ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مّنَّا} في العقبى: {عَذَابٌ أَلِيمٌ} [هود: 48] بإحراقهم بنار الآثار وتعذيبهم بالهيآت المظلمة.
هذا ثم ذكر أنه إذا شئت التطبيق على ما في الأنفس أولت نوحًا بروحك.
والفلك بكمالك العلمي والعملي الذي به نجاتك عند طوفان بحر الهيولى.
والتنور بتنور البدن.
وفورانه استيلاء الرطوبة الغريبة والأخلاط الفاسدة، وما أشار إليه {مِن كُلّ زَوْجَيْنِ اثنين} [هود: 40] بجيوش القوى الحيوانية والطبيعية وطيور القوى الروحانية، وأولت ما جاء في القصة من البنين الثلاثة، والزوجة بحام القلب، وسام العقل النظري، ويافث العقل العملي، وزوجة النفس المطمئنة، والابن الآخر الوهم، والزوجة الأخرى الطبيعة الجسمانية التي يتولد منها الوهم، والجبل بالدماغ، واستواءها على الجودي وهبوطه بمثل نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان انتهى، ومن نظر بعين الإنصاف لم يعول إلا على ظاهر القصة وكان له به غنى عن هذا التأويل، واكتفى بما أشار إليه من أن النسب إذا لم يحط بالصلاح كان غريقًا في بحر العدم.
فما ينفع الأصل من هاشم ** إذا كانت النفس من باهله

ومن أنه ينبغي للإنسان التحري بالدعاء وأن لا تشغله الشفقة عن ذلك إلى غير ما ذكر، والآية نص في كفر قوم نوح عليه السلام الذين أغرقهم الله تعالى، وفي نصوص الحكم للشيخ الأكبر قدس سره ما هو نص في إيمانهم ونجاتهم من العذاب يوم القيامة وذلك أمر لا نفهمه من كتاب ولا سنة: {وَفَوْقَ كُلّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ} والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل. اهـ.

.فصل في قصة نوح عليه السلام:

.قال ابن كثير:

هو نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ وهو إدريس بن يرد بن مهلاييل بن قينن بن أنوش بن شيث بن آدم أبي البشر عليه السلام كان مولده بعد وفاة آدم بمائة سنة وست وعشرين سنة فيما ذكره ابن جرير وغيره وعلى تاريخ أهل الكتاب المتقدم يكون بين مولد نوح وموت آدم مائة وست وأربعون سنة وكان بينهما عشرة قرون كما قال الحافظ أبو حاتم بن حبان في صحيحه حدثنا محمد بن عمر بن يوسف حدثنا محمد بن عبدالملك بن زنجويه حدثنا أبو توبة حدثنا معاوية بن سلام عن أخيه زيد بن سلام سمعت أبا سلام سمعت أبا أمامة أن رجلا قال يا رسول الله أنبي كان آدم قال نعم مكلم قال فكم كان بينه وبين نوح قال عشرة قرون قلت وهذا على شرط مسلم ولم يخرجه وفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام فإن كان المراد بالقرن مائة سنة كما هو المتبادر عند كثير من الناس فبينهما ألف سنة لا محالة لكن لا ينفى أن يكون أكثر باعتبار ما قيد به ابن عباس بالإسلام اذ قد يكون بينهما قرون أخر متأخرة لم يكونوا على الإسلام لكن حديث أبي أمامة يدل على الحصر في عشرة قرون وزادنا ابن عباس أنهم كلهم كانوا على الإسلام وهذا يرد قول من زعم من أهل التواريخ وغيرهم من أهل الكتاب أن قابيل وبنيه عبدوا النار والله أعلم.
وإن كان المراد بالقرن الجيل من الناس كما في قوله تعالى: {وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح} وقوله: {ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين} وقال تعالى: {وقرونا بين ذلك كثيرا} وقال: {وكم أهلكنا قبلهم من قرن} وكقوله عليه السلام: «خير القرون قرني» الحديث فقد كان الجيل قبل نوح يعمرون الدهر الطويلة فعلى هذا يكون بين آدم ونوح ألوف من السنين والله أعلم.
وبالجملة فنوح عليه السلام انما بعثه الله تعالى لما عبدت الأصنام والطواغيت وشرع الناس في الضلالة والكفر فبعثه الله رحمة للعباد فكان أول رسول بعث إلى أهل الأرض كما يقول له أهل الموقف يوم القيامة وكان قومه يقال لهم بنو راسب فيما ذكره ابن جبير وغيره.
واختلفوا في مقدار سنه يوم بعث فقيل كان ابن خمسين سنة وقيل ابن ثلاثمائة وخمسين سنة وقيل ابن أربعمائة وثمانين سنة حكاها ابن جرير وعزا الثالثة منها إلى ابن عباس.
وقد ذكر الله قصته وما كان من قومه وما أنزل بمن كفر به من العذاب بالطوفان وكيف أنجاه وأصحاب السفينة في غير ما موضع من كتابه العزيز ففي الأعراف ويونس وهود والأنبياء والمؤمنون والشعراء والعنكبوت والصافات واقتربت وأنزل فيه سورة كاملة فقال في سورة الأعراف: {لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره اني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم قال الملأ من قومه انا لنراك في ضلال مبين قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين} وقال في سورة يونس: {واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا الي ولا تنظرون فإن توليتم فما سألتكم من أجر ان أجري الا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين} وقال تعالى في سورة هود: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه انى لكم نذير مبين أن لا تعبدوا الا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك الا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك الا الذين هم اراذلنا بادى الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت علكيم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون ويا قوم من ينصرني من الله ان طردتهم أفلا تذكرون ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول اني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين قالوا يا نوح قد جادلتنا فاكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون أم يقولون افتراه قل ان افتريته فعلى إجرامي وأنا برئ مما تجرمون وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك الا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك الا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه الا قليل وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيم وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولاتكن مع الكافرين قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله الا من رحم وحال بينهما الموج فكانا من المغرقين وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي وغيض الماء وقضى الأمر واستوت على الجودى وقيل بعدا للقوم الظالمين ونادى نوح ربه فقال رب ان ابني من أهلي وان وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم والا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين} وقال تعالى في سورة الأنبياء: {ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين} وقال تعالى في سورة قد أفلح المؤمنون: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين قال رب انصرني بما كذبون فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين إن في ذلك لآيات وإن كنا لمبتلين} وقال تعالى في سورة الشعراء: {كذبت قوم نوح المرسلين إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين فاتقوا الله وأطيعون قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون قال وما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون وما أنا بطارد المؤمنين إن أنا إلا نذير مبين قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين قال رب إن قومي كذبون فافتح بيني وبينهم فتحا ونجني ومن معي من المؤمنين فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ثم أغرقنا بعد الباقين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم} وقال تعالى في سورة العنكبوت: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين} وقال تعالى في سورة والصافات: {ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ونجيناه وأهله من الكرب العظيم وجعلنا ذريته هم الباقين وتركنا عليه في الآخرين سلام على نوح في العالمين إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين ثم أغرقنا الآخرين} وقال تعالى في سورة اقتربت: {كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر فدعا ربه إني مغلوب فانتصر ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر وقد تركناها آية فهل من مدكر فكيف كان عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} وقال تعالى: {بسم الله الرحمن الرحيم إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم قال يا قوم إني لكم نذير مبين أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ثم إني دعوتهم جهارا ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم أسرارا فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا والله جعل لكم الأرص بساطا لتسلكوا منها سبلا فجاجا قال نوح رب انهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده الا خسارا ومكروا مكرا كبارا وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين الا ضلالا مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا} وقد تكلمنا على كل موضع من هذه في التفسير وسنذكر مضمون القصة مجموعا من هذه الأماكن المتفرقة ومما دلت عليه الأحاديث والآثار وقد جرى ذكره أيضا في مواضع متفرقة من القرآن فيها مدحه وذم من خالفه فقال تعالى في سورة النساء: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما} وقال في سورة الأنعام: {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى والياس كل من الصالحين وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم} الآيات وتقدمت قصته في الأعراف وقال في سورة براءة: {ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} وتقدمت قصته في يونس وهود وقال في سورة إبراهيم: {ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وانا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب} وقال في سورة سبحان: {ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا} وقال فيها أيضا: {وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا} وتقدمت قصته في الأنبياء والمؤمنون والشعراء والعنكبوت وقال في سورة الأحزاب: {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا} وقال في سورة ص: {كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب إن كل الا كذب الرسل فحق عقاب} وقال في سورة غافر: {كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار} وقال في سورة الشورى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب} وقال تعالى في سورة ق: {كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد} وقال في الذاريات: {وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين} وقال في النجم: {وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى} وتقدمت قصته في سورة اقتربت الساعة وقال تعالى في سورة الحديد: {ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون} وقال تعالى في سورة التحريم: {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين} وأما مضمون ما جرى له مع قومه مأخوذا من الكتاب والسنة والآثار فقد قدمنا عن ابن عباس أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام رواه البخاري وذكرنا أن المراد بالقرن الجيل أو المدة على ما سلف ثم بعد تلك القرون الصالحة حدثت أمور اقتضت ان آل الحال بأهل ذلك الزمان إلى عبادة الأصنام وكان سبب ذلك ما رواه البخاري من حديث ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عند تفسير قوله تعالى: {وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تدرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا} قال هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت.