فصل: تفسير الآيات (50- 52):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم جعل ما أخذ من هؤلاء أساسا تبتنى عليه سنة الحياة التى هي الدين المجتمع عليه عامة الناس، وهى معارف دقيقة لا يحتملها إلا الاحاد من أهل المعرفة لارتفاع سطحها عن الحس والخيال اللذين هما حظ العامة من الادراك وكمال صعوبة إدراكها على العقول الراجلة غير المتدربة في المعارف الحقة.
واختصاص نيلها بالاقلين من الناس وحرمان الاكثرين من ذلك وهى دين إنساني أول المحذور فإن الفطرة أنشأت العالم الإنساني مغروزة على الاجتماع المدنى، وانفصال بعضهم عن بعض في سنة الحياة وهى الدين إلغاء لسنة الفطرة وطريقة الخلقة.
على أن في ذلك تركا لطريق العقل وهو أحد الطرق الثلاث: الوحى والكشف والعقل، وأعمها وأهمها بالنظر إلى حياة الإنسان الدنيوية فالوحي لا يناله إلا أهل العصمة من الأنبياء المكرمين، والكشف لا يكرم به إلا الاحاد من أهل الاخلاص واليقين، الناس حتى أهل الوحى والكشف في حاجة مبرمة إلى تعاطى الحجة العقلية في جميع شؤون الحياة الدنيوية ولا غنى لها عن ذلك، وفي إهمال هذا الطريق تسليط التقليد الاجباري على جميع شؤن المجتمع الحيوية من اعتقادات وأخلاق وأعمال، وفي ذلك سقوط الإنسانية.
على أن في ذلك إنفاذا لسنة الاستعباد في المجتمع الإنساني ويشهد بذلك التجارب التاريخي المديد في الأمم البشرية التى عاشت في دين الوثنية أو جرت فيهم سنن الاستعباد باتخاذ أرباب من دون الله.
2- سريان هذه المحاذير إلى سائر الاديان: الاديان العامة الاخر على ما فيها من القول بتوحيد الألوهية لم تسلم من شرك العبادة فساقهم ذلك إلى الابتلاء بعين ما ابتليت به الوثنية البرهمية من المحاذير التى أهمها الثلاثة المتقدمة.
أما البوذية والصابئة فذلك فيهم ظاهر والتاريخ يشهد بذلك، وقد تقدم شيء مما يتعلق بعقائدهم وأعمالهم.
وأما المجوس فهم يوحدون أهورامزدا بالالوهية لكنهم يخضعون بالتقديس ليزدان وأهريمن والملائكة الموكلين بشؤون الربوبية وللشمس والنار وغير ذلك، والتاريخ يقص ما كانت تجرى فيهم من سنة الاستعباد واختلاف الطبقات والتدبر والاعتبار يقضى أنه إنما تسرب ذلك كله إليهم من ناحية تحريف الدين الاصيل، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيهم: «أنه كان لهم نبى فقتلوه وكتاب فأحرقوه».
وأما اليهود فالقرآن يقص كثيرا من أعمالهم وتحريفهم كتاب الله واتخاذهم العلماء أربابا من دون الله، وما ابتلاهم الله به من انتكاس الفطرة ورداءة السليقة.
وأما النصارى فقد فصلنا القول فيما انحرفوا فيه من النظر والعمل في الجزء الثالث من الكتاب فراجع وإن شئت فطبق مفتتح إنجيل يوحنا ورسائل بولس على سائر الاناجيل وتممه بمراجعة تاريخ الكنيسة فالكلام في ذلك طويل.
فالبحث العميق في ذلك كله ينتج أن المصائب العامة في المجتمعات الدينية في العالم الإنساني من مواريث الوثنية الأولى التى أخذت المعارف الإلهية والحقائق العالية الحقة مكشوفة القناع مهتوكة الستر فجعلتها أساس السنن الدينية، وحملتها على الافهام العامة التى لا تأنس إلا بالحس والمحسوس فأنتج ذلك ما أنتج.
3- إصلاح الإسلام لهذه المفاسد: أما الإسلام فإنه أصلح هذه المفاسد إذ قلب هذه المعارف العالية في قالب البيان الساذج الذى يصلح لهضم الافهام الساذجة والعقول العادية فصارت تلامسها من وراء حجاب وتتناولها ملفوفة محفوفة، وهذا هو الذى يصلح به حال العامة وأما الخاصة فإنهم ينالونها مسفرة مكشوفة في جمالها الرائع وحسنها البديع آمنين مطمئنين وهم في زمرة الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، قال الله تعالى: {والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلى حكيم} الزخرف: 4، وقال: {إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون} الواقعة: 79، وقال النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-: «إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم».
وعالج غائلة الشرك والوثنية في مرحلة التوحيد بنفى الاستقلال في الذات والصفات عن كل شيء إلا الله سبحانه فهو تعالى القيوم على كل شئ، وركز الافهام في معرفة الألوهية بين التشبيه والتنزيه فوصفه تعالى بأن له حياة لكن لا كحياتنا، وعلما لا كعلمنا، وقدرة لا كقدرتنا وسمعا لا كسمعنا، وبصرا لا كبصرنا، وبالجملة ليس كمثله شيء وأنه أكبر من أن يوصف، وأمر الناس مع ذلك أن لا يقولوا في ذلك قولا إلا عن علم، ولا يركنوا إلى اعتقاد إلا عن حجة عقلية يهضمها عقولهم وأفهامهم.
فوفق بذلك أولا لعرض الدين على العامة والخاصة شرعا سواء، وثانيا أن استعمل العقل السليم من غير أن يترك هذه الموهبة الإلهية سدى لا ينتفع بها، وثالثا أن قرب بين الطبقات المختلفة في المجتمع الإنساني غاية ما يمكن فيها من التقريب من غير ان ينعم على هذا ويحرم ذاك أو يقدم واحدا ويؤخر آخر قال تعالى: {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} الأنبياء: 92 وقال: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} الحجرات: 13.
وهذا إجمال من القول يمكنك أن تعثر على تفصيل القول في أطرافه في أبحاث متفرقة تقدمت في هذا الكتاب والله المستعان.
4- ربما يظن أن ما ورد في الادعية من الاستشفاع بالنبي آله المعصومين صلوات الله عليهم ومسألته تعالى بحقهم وزيارة قبورهم وتقبيلها والتبرك بتربتهم وتعظيم آثارهم من الشرك المنهى عنه وهو الشرك الوثني محتجا بأن هذا النوع من التوجه العبادي فيه إعطاء تأثير ربوبي لغيره تعالى وهو شرك وأصحاب الاوثان إنما أشركوا لقولهم في أوثانهم: إن هؤلاء شفعاؤنا عند الله.
وقولهم: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى، ولا فرق في عبادة غير الله سبحانه بين أن يكون ذلك الغير نبيا أو وليا أو جبارا من الجبابرة أو غيرهم فالجميع من الشرك المنهى عنه.
وقد فاتهم أولا: أن ثبوت التأثير سواء كان ماديا أو غير مادى في غيره تعالى ضروري لا سبيل إلى إنكاره، وقد أسند تعالى في كلامه التأثير بجميع أنواعه إلى غيره، ونفى التأثير عن غيره تعالى مطلقا يستلزم إبطال قانون العلية والمعلولية العام الذى هو الركن في جميع أدلة التوحيد، وفيه هدم بنيان التوحيد.
نعم المنفى من التأثير عن غيره تعالى هو الاستقلال في التأثير ولا كلام لاحد فيه، وأما نفى مطلق التأثير ففيه إنكار بديهة العقل والخروج عن الفطرة الإنسانية.
ومن يستشفع بأهل الشفاعة الذين ذكرهم الله في مثل قوله: {ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} الزخرف: 86 وقوله: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} الأنبياء: 28.
أو يسأل الله بجاههم ويقسمه بحقهم الذى جعله لهم عليه بمثل قوله مطلقا: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون} الصافات: 173 وقوله: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا} المؤمن: 51.
أو يعظمهم ويظهر حبهم بزيارة قبورهم وتقبيلها والتبرك بتربتهم بما أنهم آيات الله وشعائره تمسكا بمثل قوله تعالى: {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} الحج: 32، وآية القربى وغير ذلك من كتاب وسنة.
فهو في جميع ذلك يبتغى بهم إلى الله الوسيلة وقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة} المائدة: 35 فشرع به ابتغاء الوسيلة، وجعلهم بما شرع من حبهم وتعزيرهم وتعظيمهم وسائل إليه، ولا معنى لايجاب حب شيء وتعظيمه وتحريم آثار ذلك فلا مانع من التقرب إلى الله بحبهم وتعظيم أمرهم وما لذلك من الاثار إذا كان على وجه التوسل والاستشفاع من غير أن يعطوا استقلال التأثير والعبادة البتة.
وثانيا: أنه فاتهم الفرق بين أن يعبد غير الله رجاء أن يشفع عند الله أو يقرب إلى الله، وبين أن يعبد الله وحده مع الاستشفاع والتقرب بهم إليه ففى الصورة الأولى إعطاء الاستقلال وإخلاص العبادة لغيره تعالى وهو الشرك في العبودية والعبادة، وفي الصورة الثانية يتمحض الاستقلال لله تعالى ويختص العبادة به وحده لا شريك له.
وإنما ذم تعالى المشركين لقولهم: {إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى} حيث أعطوهم الاستقلال وقصدوهم بالعبادة دون الله سبحانه، ولو قالوا: إنما نعبد الله وحده ونرجو مع ذلك أن يشفع لنا ملائكته أو رسله وأولياؤه بإذنه أو نتوسل إلى الله بتعظيم شعائره وحب أوليائه، لما كفروا بذلك بل عادت شركاؤهم كمثل الكعبة في الإسلام هي وجهة وليست بمعبودة، وإنما يعبد بالتوجه إليها الله.
وليت شعرى ماذا يقول هؤلاء في الحجر الاسود وما شرع في الإسلام من استلامه وتقبيله؟ وكذا في الكعبة؟ فهل ذلك كله من الشرك المستثنى من حكم الحرمة؟ فالحكم حكم ضروري عقلي لا يقبل تخصصا ولا استثناء، أو أن ذلك من عبادة الله محضا وللحجر حكم الطريق والجهة، وحينئذ فما الفرق بينه وبين غيره إذا لم يكن تعظيمه على وجه إعطاء الاستقلال وتمحيض العبادة، ومطلقات تعظيم شعائر الله وتعزير النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحبه ومودته وحب أهل بيته ومودتهم وغير ذلك في محلها. اهـ.

.تفسير الآيات (50- 52):

قوله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ (51) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما تم من ذلك ما هو كفيل بغرض السورة، وختم بأن العاقبة دائمًا للمتقين، أتبع بالدليل على ذلك من قصص الأنبياء مع الوفاء بما سيقت له قصة نوح- على جميعهم السلام- من الحث على المجاهرة بالإنذار فقال تعالى: {وإلى} أي ولقد ارسلنا إلى: {عاد أخاهم} وبينه فقال: {هودًا} ولما تقدم أمر نوح مع قومه، استشرف السامع إلى معرفة ما قال هود عليه السلام هل هو مثل قوله أو لا؟ فاستأنف الجواب بقوله: {قال يا قوم} الذين هم أعز الناس لدي: {اعبدوا الله} أي ذا الجلال والإكرام وحده؛ ثم صرح وعلل فقال: {ما لكم} وأغرق في النفي فقال: {من إله} أي معبود بحق: {غيره} فدعا إلى أصل الدين كما هو دأب سائر النبين والمرسلين؛ ثم ختم ذلك بمواجهتهم بما يسوءهم من الحق وما ثناه عن ذلك رجاء ولا خوف فقال: {إن} أي ما: {أنتم إلا مفترون} أي متعمدون الكذب على الله في إشراككم به سبحانه لأن ما على التوحيد من أدلة العقل غير خاف على عاقل فكيف مع تنبيه النقل! وذلك مكذب لمن أشرك، أي فاحذروا عقوبة المفتري؛ ثم نفى أن يكون له في ذلك غرض غير نصحهم بقوله موضع إني ناصح لكم بهذا الأمر فلا يسوءكم مواجهتي لكم فيه بما تكرهون: {يا قوم} مكررًا لاستعطاف: {لا أسألكم} أي في المستقبل كما لم أسالكم في الماضي: {عليه} أي على هذا الإنذار: {أجرًا} أي فلست موضع تهمة: {إن} أي ما؛: {أجري} ثم وصف من توكل عليه سبحانه بما يدل على الكفاية فعليّ وجوب شكره فقال: {إلا على الذي فطرني} أي أبتدأ خلقي ولم يشاركه فيّ أحد فهو الغني المطلق لا أوجه رغبتي إلى غيره كما يجب على كل أحد لكونه فطرة.
ولما كان الخلاف الذي لا حظ فيه جهة الدنيا لا يحتاج الإنسان في الدلالة على أن صاحبه ملجأ إليه من جهة الله، وأنه لا نجاة إلا به إلى غير العقل، سبب عن قوله هذا الإنكار عليهم في قوله: {أفلا تعقلون}.
ولما دعاهم مشيرًا إلى ترهيبهم مستدلًا على الصدق بنفي الغرض، رغبهم في إدامة الخوف مما مضى بقوله: {ويا قوم} ومن هم أعز الناس عليّ ولهم قدرة على ما طلب منهم: {استغفروا ربكم} أي اطلبوا غفرانه بطاعتكم له لما يجب له بإحسانه إليكم.
وأشار إلى علو رتبة التوبة بأداة التراخي فقال: {ثم توبوا إليه} أي تسموا عالي هذه الرتبة بأن تطلبوا ستر الله لذنوبكم ثم ترجعوا إلى طاعته بالندم والإقلاع والاستمرار: {يرسل السماء} أي الماء النازل منها أو السحاب بالماء: {عليكم مدرارًا} أي هاطلة بمطر غزير متتابع: {ويزدكم قوة} أي عظيمة مجموعة: {إلى قوتكم} ثم عطف على قوله: {استغفروا} قوله: {ولا تتولوا} أي تكلفوا أنفسكم غير ما جبلت عليه من سلامة الانقياد فتبالغوا في الإعراض- بما أشار إليه إثبات التاء: {مجرمين} أي قاطعين لأنفسكم- ببناء أمركم على الظنون الفاسدة عن خيرات الدنيا والآخرة. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال العلامة النيسابوري رحمه الله:

.القراءات:

{فطرني} بفتح الياء: أبو جعفر ونافع والبزي غير الخزاعي: {إني أشهد} بالفتح: أبو جعفر ونافع: {فإن تولوا} بتشديد التاء: البزي وابن فليح: {ويستخلف} بالجزم: الخزاز عن هبيرة. الباقون بالرفع: {يومئذ} بفتح الميم وكذلك في المعارج: أبو جعفر ونافع غير إسماعيل وعلي الشموني والبرجمي وعباس. الآخرون بالجر: {ألا ان ثمود} غير منصرف والوقف بغير الألف: حمزة وحفص وسهل ويعقوب. الباقون بالتنوين والوقف بالألف: {لثمود} بالتنوين في الوصل: علي.

.الوقوف:

{هودًا} ط {غيره} ط {مفترون} o {أجرًا} ط {فطرني} ط {تعقلون} o {مجرمين} o {بمؤمنين} o {بسوء} ط {تشركون} o لا {لا تنظرون} o {وربكم} ط {بناصيتها} ط {مستقيم} o {به إليكم} ط للاستئناف إلا لمن قرأ: {ويستخلف} بالجزم: {غيركم} ج لاحتمال ما بعده الاستئناف والحال: {شيئًا} ط {حفيظ} o {منا} ج لحق المحذوف أي وقد نجيناهم: {غليظ} o ط {عنيد} o {ويوم القيامة} ط {ربهم} ط {هود} o {صالحًا} م لما مر في الأعراف: {غيره} ط {إليه} ط {مجيب} o {مريب} o {تخسير} o {قريب} o {أيام} ط {مكذوب} ط {يومئذٍ} ط {العزيز} o {جاثمين} o لا لكاف التشبيه: {فيها} ط {ربهم} ط {لثمود} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ} اعلم أن هذا هو القصة الثانية من القصص التي ذكرها الله تعالى في هذه السورة، واعلم أن هذا معطوف على قوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا} [الحديد: 26] والتقدير: ولقد أرسلنا إلى عاد أخاهم هودًا وقوله: {هُودًا} عطف بيان.
واعلم أنه تعالى وصف هودًا بأنه أخوهم ومعلوم أن تلك الأخوة ما كانت في الدين، وإنما كانت في النسب، لأن هودًا كان رجلًا من قبيلة عاد، وهذه القبيلة كانت قبيلة من العرب وكانوا بناحية اليمن، ونظيره ما يقال للرجل يا أخا تميم ويا أخا سليم، والمراد رجل منهم.
فإن قيل: إنه تعالى، قال في ابن نوح: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود: 46] فبين أن قرابة النسب لا تفيد إذا لم تحصل قرابة الدين، وهاهنا أثبت هذه الأخوة مع الاختلاف في الدين، فما الفرق بينهما؟
قلنا: المراد من هذا الكلام استمالة قوم محمد صلى الله عليه وسلم، لأن قومه كانوا يستبعدون في محمد، مع أنه واحد من قبيلتهم، أن يكون رسولًا إليهم من عند الله، فذكر الله تعالى أن هودًا كان واحدًا من عاد، وأن صالحًا كان واحدًا من ثمود؛ لإزالة هذا الاستبعاد.
واعلم أنه تعالى حكى عن هود عليه السلام، أنه دعا قومه إلى أنواع من التكاليف.
فالنوع الأول: أنه دعاهم إلى التوحيد، فقال: {ياقوم اعبدوا الله مَا لَكُمْ مّنْ إله غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ} وفيه سؤال وهو أنه كيف دعاهم إلى عبادة الله تعالى قبل أن أقام الدلالة على ثبوت الإله تعالى؟
قلنا: دلائل وجود الله تعالى ظاهرة، وهي دلائل الآفاق والأنفس وقلما توجد في الدنيا طائفة ينكرون وجود الإله تعالى، ولذلك قال تعالى في صفة الكفار: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض لَيَقُولُنَّ الله}.
قال مصنف هذا الكتاب محمد بن عمر الرازي رحمه الله وختم له بالحسن، دخلت بلاد الهند فرأيت أولئك الكفار مطبقين على الاعتراف بوجود الإله، وأكثر بلاد الترك أيضًا كذلك، وإنما الشأن في عبادة الأوثان، فإنها آفة عمت أكثر أطراف الأرض وهكذا الأمر كان في الزمان القديم، أعني زمان نوح وهود وصالح عليهم السلام، فهؤلاء الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، كانوا يمنعونهم من عبادة الأصنام، فكان قوله: {اعبدوا الله} معناه لا تعبدوا غير الله والدليل عليه أنه قال عقيبه: {مَالَكُمْ مّنْ إله غَيْرُهُ} وذلك يدل على أن المقصود من هذا الكلام منعهم عن الاشتغال بعبادة الأصنام.