فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأما قوله: {مَالَكُمْ مّنْ إله غَيْرُهُ} فقرئ: {غَيْرُهُ} بالرفع صفة على محل الجار والمجرور، وقرئ بالجر صفة على اللفظ.
ثم قال: {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ} يعني أنكم كاذبون في قولكم إن هذه الأصنام تحسن عبادتها، أو في قولكم إنها تستحق العبادة، وكيف لا يكون هذا كذبًا وافتراء وهي جمادات لاحس لها ولا إدراك، والإنسان هو الذي ركبها وصورها فكيف يليق بالإنسان الذي صنعها أن يعبدها وأن يضع الجبهة على التراب تعظيمًا لها، ثم إنه عليه الصلاة والسلام لما أرشدهم إلى التوحيد ومنعهم عن عبادة الأوثان قال: و: {ياقوم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى الذى فَطَرَنِى} وهو عين ما ذكره نوح عليه السلام، وذلك لأن الدعوة إلى الله تعالى إذا كانت مطهرة عن دنس الطمع، قوي تأثيرها في القلب.
ثم قال: {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} يعني أفلا تعقلون أني مصيب في المنع من عبادة الأصنام، وذلك لأن العلم بصحة هذا المنع، كأنه مركوز في بدائه العقول.
{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا}
اعلم أن هذا هو النوع الثاني من التكاليف التي ذكرها هود عليه السلام لقومه، وذلك لأنه في المقام الأول دعاهم إلى التوحيد، وفي هذا المقام دعاهم إلى الاستغفار ثم إلى التوبة، والفرق بينهما قد تقدم في أول هذه السورة.
قال أبو بكر الأصم: استغفروا، أي سلوه أن يغفر لكم ما تقدم من شرككم ثم توبوا من بعده بالندم على ما مضى وبالعزم على أن لا تعدوا إلى مثله؛ ثم إنه عليه السلام قال: «إنكم متى فعلتم ذلك فالله تعالى يكثر النعم عندكم ويقويكم على الانتفاع بتلك النعم» وهذا غاية ما يراد من السعادات، فإن النعم إن لم تكن حاصلة تعذر الانتفاع وإن كانت حاصلة، إلا أن الحيوان قام به المنع من الانتفاع بها لم يحصل المقصود أيضًا، أما إذا كثرت النعمة وحصلت القوة الكاملة على الانتفاع بها، فههنا تحصل غاية السعادة والبهجة فقوله تعالى: {يُرْسِلِ السماء عَلَيْكُمْ مُّدْرَارًا} إشارة إلى تكثير النعم لأن مادة حصول النعم هي الأمطار الموافقة، وقوله: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ} إشارة إلى كمال حال القوى التي بها يمكن الانتفاع بتلك النعمة، ولا شك أن هذه الكلمة جامعة في البشارة بتحصيل السعادات وأن الزيادة عليها ممتنعة في صريح العقل، ويجب على العاقل أن يتأمل في هذه اللطائف ليعرف ما في هذا الكتاب الكريم من الأسرار المخفية، وأما المفسرون فإنهم قالوا القوم كانوا مخصوصين في الدنيا بنوعين من الكمال: أحدهما: أن بساتينهم ومزارعهم كانت في غاية الطيب والبهجة، والدليل عليه قوله: {إِرَمَ ذَاتِ العماد التى لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا في البلاد} [الفجر: 7، 8] والثاني: أنهم كانوا في غاية القوة والبطش ولذلك قالوا: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت: 15]، ولما كان القوم مفتخرين على سائر الخلق بهذين الأمرين وعدهم هود عليه السلام، أنهم لو تركوا عبادة الأصنام واشتغلوا بالاستغفار والتوبة فإن الله تعالى يقوي حالهم في هذين المطلوبين ويزيدهم فيها درجات كثيرة، ونقل أيضًا أن الله تعالى لما بعث هودًا عليه السلام إليهم وكذبوه وحبس الله عنهم المطر سنين وأعقم أرحام نسائهم فقال لهم هود: إن آمنتم بالله أحيا الله بلادكم ورزقكم المال والولد، فذلك قوله: {يُرْسِلِ السماء عَلَيْكُمْ مُّدْرَارًا} والمدرار الكثير الدر وهو من أبنية المبالغة وقوله: {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ} ففسروا هذه القوة بالمال والولد، والشدة في الأعضاء، لأن كل ذلكم ما يتقوى به الإنسان.
فإن قيل: حاصل الكلام هو أن هودًا عليه السلام قال: لو اشتغلتم بعبادة الله تعالى لانفتحت عليكم أبواب الخيرات الدنيوية، وليس الأمر كذلك، لأنه عليه الصلاة والسلام قال: «خص البلاء بالأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل» فكيف الجمع بينهما، وأيضًا فقد جرت عادة القرآن بالترغيب في الطاعات بسبب ترتيب الخيرات الدنيوية والأخروية عليها، فأما الترغيب في الطاعات، لأجل ترتيب الخيرات الدنيوية عليها، فذلك لا يليق بالقرآن بل هو طريق مذكور في التوراة.
الجواب: أنه لما أكثر الترغيب في السعادات الأخروية لم يبعد الترغيب أيضًا في خير الدنيا بقدر الكفاية.
وأما قوله: {وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ} فمعناه: لا تعرضوا عني وعما أدعوكم إليه وأرغبكم فيه مجرمين أي مصرين على إجرامكم وآثامكم. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {وإلى عَادٍ} يعني: أرسلنا إلى عاد: {أخاهم} نبيُّهم: {هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ قَوْمٌ اعبدوا الله} يعني: وحِّدُوا الله، {مَا لَكُم مّنْ إله غَيْرُهُ} يعني: ليس لكم من رب سواه، {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ} يعني: ما أنتم إلا تكذبون في مقالتكم بأن لله شريكًا.
قوله تعالى: {الصالحات قُل لاَّ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ} أي: على الإيمان: {أَجْرًا} يعني: جعلًا، ورشوة.
ومعناه لست بطامع في أموالكم، {إِنْ أَجْرِىَ} يعني: ما ثوابي: {إِلاَّ عَلَى الذى فَطَرَنِى} يعني: خلقني: {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أن الذي خلقكم هو ربكم، وهو أحق بعبادتكم من غيره؟ ثم قال: {إِسْرَارًا فَقُلْتُ استغفروا رَبَّكُمْ} قال الضحاك: يعني: وحِّدوا ربكم.
وقال الكلبي: يعني: صلُّوا لربكم.
ويقال معناه: قولوا: ربنا اغفر لنا ذنوبنا، {ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ} يعني: توبوا إليه من شرككم: {يُرْسِلِ السماء عَلَيْكُمْ مُّدْرَارًا} يعني: إن تبتم يغفر لكم ذنوبكم، ويرسل عليكم المطر متتابعًا دائمًا، وينبت لكم كل ما تحتاجون إليه، {وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ} يعني: شدة مع شدتكم بالماء والولد.
ويقال: صحة الجسم، وطول العمر.
{وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ} يقول: لا تُعْرِضُوا كافرين.
ويقال: لا تعرضوا عما أدعوكم إليه من الإيمان والتوحيد.
{قَالُواْ يا هُودٍ مَا جِئْتَنَا بِبَيّنَةٍ} يعني: بحجة وبيان: {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِى ءالِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ} يقول: لا نترك عبادة آلهتنا بقولك: {وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} يعني: لا نصدقك بأنك رسول الله: {إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعتراك} يعني: ما نقول: إلا أصابك: {بَعْضُ ءالِهَتِنَا بِسُوء} يعني: بشرٍّ من بعض الأوثان، الجنون، والخبل فاجتنبها سالمًا.
ويقال: ما نقول لك إلا نصيحة، كيلا يصيبك من بعض آلهتنا شدة.
فردّ عليهم هود ف: {قَالَ إِنِى أُشْهِدُ الله واشهدوا} أنتم: {إِنّى بَرِئ مّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ} من الأوثان: {فَكِيدُونِى جَمِيعًا} يعني: اعملوا بي أنتم وآلهتكم ما استطعتم، واحتالوا في هلاكي: {ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ} أي لا تمهلون.
ثمّ قال تعالى: {إِنّى تَوَكَّلْتُ عَلَى الله} يعني: فَوَّضْتُ أمري إلى الله، {رَبّى وَرَبَّكُمْ} يعني: خالقي وخالقكم، ورازقي ورازقكم، {مَّا مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ ءاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} يعني: قادرًا عليها يحييها ويميتها، وهو يرزقها، وهي في ملكه، وسلطانه.
ثمّ قال: {إِنَّ رَبّى على صراط مُّسْتَقِيمٍ} يعني: على الحقّ، وإن كان هو قادرًا على كل شيء، فإنه لا يشاء إلا العدل.
وقال مجاهد: إن ربي على صراط مستقيم، يعني: على الحق.
ويقال: على صراط مستقيم، يعني: بيده الهدى، وهو يهدي إلى صراط مستقيم، وهو دين الإسلام.
ويقال: يعني: يدعوكم إلى طريق الإسلام.
ويقال معناه: أمرني ربي أن أدعوكم إلى صراط مستقيم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {يُرْسِلِ السماء عليكم مدرارًا}
فيه وجهان:
أحدهما: أنه المطر في إبانه، قاله هارون التيمي.
الثاني: المطر المتتابع، قاله ابن عباس. ويحتمل وجهين آخرين:
أحدهما: يُدرُّه عند الحاجة.
والثاني: يُدرُّ به البركة، وهو مأخوذ من درور اللبن من الضرع: {ويزدكم قوة إلى قوتكم} فيه أربعة أوجه:
أحدها: يعني شدة إلى شدتك، قاله مجاهد.
الثاني: خصبًا إلى خصبكم، قاله الضحاك.
الثالث: عزًا إلى عزكم بكثرة عددكم وأموالكم، قاله علي بن عيسى. الرابع: أنه ولد الولد، قاله عكرمة. ويحتمل خامسًا يزدكم قوة في إيمانكم إلى قوتكم في أبدانكم. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا}
{وإلى عاد} عطف على قوله: {إلى قومه} [هود: 25] في قصة نوح، و: {عاد} قبيلة وكانت عربًا- فيما ذكر- وهود عليه السلام منهم، وجعله: {أخاهم} بحسب النسب والقرابة؛ فإن فرضناه ليس منهم فالأخوة بحسب المنشأ واللسان والجيرة. وأما قول من قال هي أخوة بحسب النسب الآدمي فضعيف.
وقرأ جمهور الناس: {يا قومِ} بكسر الميم، وقرأ ابن محيصن: {يا قومُ} برفع الميم، وهي لغة حكاها سيبويه، وقرأ جمهور الناس: {غيرهُ} بالرفع على النعت أو البدل من موضع قوله: {من إله}. وقرأ الكسائي وحده بكسر الراء، حملًا على لفظ: {إله} وذلك أيضًا على النعت أو البدل ويجوز {غيرَه} نصبا على الاستثناء.
و: {مفترون} معناه كاذبون أفحش كذب في جعلكم الألوهية لغير الله تعالى، والضمير في قوله: {عليه} عائد على الدعاء إلى الله تعالى، والمعنى: ما أجرى وجزائي إلا من عند الله، ثم وصفه بقوله: {الذي فطرني} فجعلها صفة رادة عليهم في عبادتهم الأصنام واعتقادهم أنها تفعل، فجعل الوصف بذلك في درج كلامه، منبهًا على أفعال الله تعالى، وأنه هو الذي يستحق العبادة، و{فطر} معناه اخترع وأنشأ، وقوله: {أفلا تعقلون} توقيف على مجال القول بأن غير الفاطر إلاه، ويحتمل أن يريد: {أفلا تعقلون} إذ لم أطلب عرضًا من أعراض الدنيا إني إنما أريد النفع لكم والدار الآخرة؛ والأول أظهر، والاستغفار طلب المغفرة، وقد يكون ذلك باللسان، وقد يكون بإنابة القلب وطلب الاسترشاد والحرص على وجود المحجة الواضحة، وهذه أحوال يمكن أن تقع من الكفار، فكأنه قال لهم: اطلبوا غفران الله بالإنابة، وطلب الدليل في نبوتي، ثم توبوا بالإيمان من كفركم، فيجيء الترتيب على هذا مستقيمًا وإلا احتيج في ترتيب التوبة بعد الاستغفار إلى تحيل كثير فإما أن يكون: {توبوا} أمرًا بالدوام، والاستغفار طلب المغفرة بالإيمان، وإلى هذا ذهب الطبري، وقال أبو المعالي في الإرشاد: التوبة في اصطلاح المتكلمين هي الندم، بعد أن قال: إنها في اللغة الرجوع، ثم ركب على هذا أن قال إن الكافر إذا آمن ليس إيمانه توبة وإنما توبته ندمه بعد.
قال القاضي أبو محمد: والذي أقول: إن التوبة عقد في ترك متوب منه يتقدمها علم بفساد المتوب منه وصلاح ما يرجع إليه، ويقترن بها ندم على فارط المتوب منه لا ينفك منه وهو من شروطها؛ فأقول إن إيمان الكافر هو توبته من كفره، لأنه هو نفس رجوعه، وتاب في كلام العرب معناه رجع إلى الطاعة والمثلى من الأمور، وتصرف اللفظة في القرآن ب إلى يقتضي أنها الرجوع لا الندم، وإنما لا حق لازم للتوبة كما قلنا، وحقيقة التوبة ترك مثل ما تيب منه عن عزمة معتقدة على ما فسرناه، والله المستعان.
و{مدرارًا} هو بناء تكثير وكان حقه أن تلحقه هاء، ولكن حذفت على نية النسب وعلى أن: {السماء} المطر نفسه، وهو من در يدر؛ ومِفعال قد يكون من اسم الفاعل الذي هو من ثلاثي، ومن اسم الفاعل الذي هو من رباعي: وقول من قال: إنه ألزم للرباعي غير لازم.
ويروى أن عادًا كان الله تعالى قد حبس عنها المطر ثلاث سنين، وكانوا أهل حرث وبساتين وثمار، وكانت بلادهم شرق جزيرة العرب، فلهذا وعدهم بالمطر، ومن ذلك فرحهم حين رأوا العارض، وقولهم: {هذا عارض ممطرنا} [الأحقاف: 24] وحضهم على استنزال المطر بالإيمان والإنابة، وتلك عادة الله في عباده، ومنه قول نوح عليه السلام: «استغفروا ربكم إنه كان غفارًا يرسل السماء عليكم مدرارًا»، ومنه فعل عمر رضي الله حين جعل جميع قوله في الاستسقاء ودعائه استغفارًا فسقي، فسئل عن ذلك، فقال: لقد استنزلت المطر بمجاديح السماء.
وقوله: {ويزدكم قوة إلى قوتكم}، ظاهره العموم في جميع ما يحسن الله تعالى فيه إلى العباد، وقالت فرقة: كان الله تعالى قد حبس نسلهم، فمعنى قوله: {ويزدكم قوة إلى قوتكم} أي الولد، ويحتمل أن خص القوة بالذكر إذ كانوا أقوى العوالم فوعدوا بالزيادة فيما بهروا فيه، ثم نهاهم عن التولي عن الحق والإعراض عن أمر الله. و: {مجرمين} حال من الضمير في: {تتولوا}. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا}
قوله تعالى: {وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} أي وأرسلنا، فهو معطوف على: {أَرْسَلْنَا نُوحًا}.
وقيل له أخوهم لأنه منهم، وكانت القبيلة تجمعهم؛ كما تقول: يا أخا تميم.
وقيل: إنما قيل له أخوهم لأنه من بني آدم كما أنهم من بني آدم؛ وقد تقدّم هذا في الأعراف وكانوا عبدة الأوثان.
وقيل: هم عادان، عاد الأولى وعاد الأخرى، فهؤلاء هم الأولى؛ وأما الأخرى فهو شدّاد ولقمان المذكوران في قوله تعالى: {إِرَمَ ذَاتِ العماد} [الفجر: 7].
وعاد اسم رجل ثم استمر على قوم انتسبو إليه.
{قَالَ ياقوم اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ} بالخفض على اللفظ، و{غيره} بالرفع على الموضع، و{غيرَه} بالنصب على الاستثناء.
{إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ} أي ما أنتم في اتخاذكم إلهًا غيره إلا كاذبون عليه جلّ وعزّ.
قوله تعالى: {يا قوم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الذي فطرني} تقدّم معناه.
والفِطرة ابتداء الخلق.
{أَفَلاَ تَعْقِلُون} ما جرى على قوم نوح لما كذبوا الرسل.
قوله تعالى: {ويا قوم استغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ} تقدّم في أوّل السورة.
{يُرْسِلِ السماء} جزم لأنه جواب وفيه معنى المجازاة.
{عَلَيْكُمْ مِّدْرَارًا} نصب على الحال، وفيه معنى التكثير؛ أي يرسل السماء بالمطر متتابعًا يتلو بعضه بعضًا؛ والعرب تحذف الهاء في مِفعال على النسب، وأكثر ما يأتي مِفعال من أفعل، وقد جاء هاهنا من فَعل؛ لأنه من درّت السماء تَدِر وتَدُر فهي مدرار.
وكان قوم هود أعني عادًا أهل بساتين وزروع وعمارة، وكانت مساكنهم الرمال التي بين الشام واليمن كما تقدّم في الأعراف.
{وَيَزِدْكُمْ} عطف على يرسل.
{قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ} قال مجاهد: شدّة على شدّتكم.
الضحاك: خصبًا إلى خصبكم. علي بن عيسى: عزًّا على عزّكم. عِكرمة: ولدًا إلى ولدكم. وقيل: إن الله حبس عنهم المطر (وأعقم الأرحام) ثلاث سنين فلم يولد لهم ولد؛ فقال لهم هود: إن آمنتم أحيى الله بلادكم ورزقكم المال والولد؛ فتلك القوّة. وقال الزجاج: المعنى يزدكم قوّة في النِّعم.
{وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ} أي لا تعرضوا عما أدعوكم إليه، وتقيموا على الكفر. اهـ.

.قال الخازن:

قوله: {وإلى عاد} يعني وأرسلنا إلى عاد: {أخاهم هودًا} يعني أخاهم في النسب لا في الدين: {قال يا قوم اعبدوا الله} يعني وحدوا الله ولا تشركوا معه شيئًا في العبادة: {ما لكم من إله غيره} يعني أنه تعالى هو إلهكم لا هذه الأصنام التي تعبدونها فإنها حجارة لا تضر ولا تنفع: {إن أنتم إلا مفترون} يعني ما أنتم إلا كاذبون في عبادتكم غيره.
{يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} يعني على تبليغ الرسالة: {أجرًا} يعني جعلًا آخذه منكم: {إن أجري} يعني ما ثوابي: {إلا على الذي فطرني} يعني: خلقني فإنه هو الذي رزقني في الدنيا ويثيبني في الآخرة: {أفلا تعقلون} يعني فتتعظون: {ويا قوم استغفروا ربكم} أي آمنوا به فالاستغفار هنا بمعنى الإيمان لأنه هو المطلوب أولًا: {ثم توبوا إليه} يعني من شرككم وعبادتكم غيره ومن سالف ذنوبكم: {يرسل السماء عليكم مدرارًا} يعني: ينزل المطر عليكم متتابعًا مرة بعد مرة في أوقات الحاجة إليه وذلك أن بلادهم كانت مخصبة كثيرة الخير والنعم فأمسك الله عنهم المطر مدة ثلاث سنين فأجدبت بلادهم وقحطت بسبب كفرهم فأخبرهم هود عليه السلام أنهم إن آمنوا بالله وصدقوه أرسل الله إليهم المطر فأحيا به بلادهم كما كانت أول مرة: {ويزدكم قوة إلى قوتكم} يعني شدة مع شدتكم، وقيل: معناه أنكم إن آمنتم يقوِّكم بالأموال والأولاد وذلك أنه سبحانه وتعالى أعقم أرحام نسائهم فلم تلد فقال لهم هود عليه السلام إن آمنتم أرسل الله المطر فتزدادون مالًا ويعيد أرحام الأمهات إلى ما كانت عليه فيلدن فتزدادون قوة بالأموال والأولاد وقيل: تزدادون قوة في الدين إلى قوة الأبدان: {ولا تتولوا مجرمين} يعني ولا تعرضوا عن قبول قولي ونصحي حال كونكم مشركين. اهـ.