فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا}
{وإلى عاد أخاهم} معطوف على قوله: {أرسلنا نوحًا إلى قومه}، عطف الواو على المجرور، والمنصوب على المنصوب، كما يعطف المرفوع والمنصوب على المرفوع والمنصوب نحو: ضرب زيد عمرًا، وبكر خالدًا، وليس من باب الفصل بالجار والمجرور بين حرف العطف والمعطوف نحو: ضربت زيدًا، وفي البيت عمرًا، فيجيء منه الخلاف الذي بين النحويين: هل يجوز في الكلام، أو يختص بالشعر؟ وتقدير الكلام في هود وعاد وأخوته منهم في الأعراف، وقراءة الكسائي غيره بالخفض، وقيل: ثم فعل محذوف أي: وأرسلنا إلى عاد أخاهم، فيكون إذ ذاك من عطف الجمل، والأول من عطف المفردات، وهذا أقرب لطول الفصل بالجمل الكثيرة بين المتعاطفين.
وهودًا بدل أو عطف بيان.
وقرأ محيصن: {يا قوم} بضم الميم كقراءة حفص: {قل رب احكم بالحق} بالضم، وهي لغة في المنادى المضاف حكاها سيبويه وغيره، وافتراؤهم قال الحسن: في جعلهم الألوهية لغير الله تعالى.
وقال الزمخشري: باتخاذكم الأوثان له شركاء.
والضمير في عليه عائد على الدعاء إلى الله، ونبه بقوله: الذي فطرني، على الرد عليهم في عبادتهم الأصنام، واعتقادهم أنها تفعل، وكونه تعالى هو الفاطر للموجودات يستحق إفراده بالعبادة.
وأفلا تعقلون توقيف على استحالة الألوهية لغير الفاطر، ويحتمل أن يكون أفلا تعقلون راجعًا إلى أنه إذا لم أطلب عرضًا منكم، وإنما أريد نفعكم فيجب انقيادكم لما فيه نجاتكم، كأنه قيل: أفلا تعقلون نصيحة من لا يطلب عليها أجرًا إلا من الله تعالى، وهو ثواب الآخرة، ولا شيء أنفى للتهمة من ذلك.
وتقدّم الكلام في: {استغفروا ربكم ثم توبوا إليه} أول هذه السورة قصد هود استمالتهم إلى الإيمان وترغيبهم فيه بكثرة المطر وزيادة القوة، لأنهم كانوا أصحاب زورع وبساتين وعمارات حراصًا عليها أشد الحرص، فكانوا أحوج شيء إلى الماء، وكانوا مدلين بما أوتوا من هذه القوة والبطش والبأس مهيئين في كل ناحية.
وقيل: أراد القوة في المال، وقيل: في النكاح.
قيل: وحبس عنهم المطر ثلاث سنين، وعقمت أرحام نسائهم.
وقد انتزع الحسن بن علي رضي الله عنه من هذا ومن قوله: ويمددكم بأموال وبنين، أن كثرة الاستغفار قد يجعله الله سببًا لكثرة الولد.
وأجاب من سأله وأخبره أنه ذو مال ولا يولد له بالاستغفار، فأكثر من ذلك فولد له عشر بنين.
وروى أبو صالح عن ابن عباس في قوله: ويزدكم قوة إلى قوتكم، أنه الولد وولد الولد.
وقال مجاهد وابن زيد: في الجسم والبأس، وقال الضحاك: خصبًا إلى خصبكم، وقيل: نعمة إلى نعمته الأولى عليكم، وقيل: قوة في إيمانكم إلى قوة في أبدانكم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَإِلَى عَادٍ} متعلقٌ بمضمر معطوفٌ على قوله تعالى: {أرسلنا} في قصة نوحٍ وهو الناصبُ لقوله تعالى: {أَخَاهُم} أي وأرسلنا إلى عاد أخاهم أي واحدًا منهم في النسَب كقولهم: يا أخا العرب، وتقديمُ المجرورِ على المنصوب هاهنا للحِذارِ عن الإضمار قبل الذكر، وقيل: متعلّقٌ بالفعل المذكورِ فيما سبق وأخاهم معطوفٌ على نوحًا وقد مر في سورة الأعراف وقوله تعالى: {هُودًا} عطفُ بيانٍ لأخاهم وكان عليه الصلاة والسلام من جملتهم فإن هودُ بنُ عبدِ اللَّه بنِ رباحِ بن الخلود بن العوص بن إرمَ بنِ سامِ بنِ نوحٍ عليه الصلاة والسلام، وقيل: هودُ بنُ شالح بنِ أرفخشذَ بنِ سامِ بن نوحٍ بنِ عمّ أبي عاد، وإنما جعل منهم لأنهم أفهمُ لكلامه وأعرفُ بحاله وأرغبُ في اقتفائه: {قَالَ} لما كان ذكرُ إرسالِه عليه الصلاة والسلام إليهم مظنةً للسؤال عما قال لهم ودعاهم إليه أُجيب عنه بطريق الاستئنافِ فقيل: {يَا قَوْمِ اعْبدُوا الله} أي وحده كما ينبئ عنه قوله تعالى: {مَا لَكُم مِّنْ إله غَيرُهُ} فإنه استئنافٌ يجري مَجرى البيان للعبادة المأمورِ بها، والتعليلُ للأمر بها كأنه قيل: خُصّوه بالعبادة ولا تشركوا به شيئًا، إذ ليس لكم من إله سواه، وغيرُه بالرفع صفةٌ لإله باعتبار محلِّه وقرئ بالجر حملًا له على لفظه: {إِن أَنْتُم} ما أنتم باتخاذكم الأصنامَ شركاءَ له أو بقولكم: إن الله أمرنا بعبادتها: {إلاَّ مُفْتَرُون} عليه تعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا: {يَا قَومِ لاَ أَسْأَلُكُم عَلَيهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي} خاطبَ به كلُّ نبيَ قومَه إزاحةً لما عساهم يتوهّمونه وإمحاضًا للنصيحة فإنها ما دامت مشوبةً بالمطامع بمعزل عن التأثير، وإيرادُ الموصولِ للتفخيم، وجعلُ الصلةِ فعلَ الفطرةِ لكونه أقدامَ النعمِ الفائضةِ من جناب الله تعالى المستوجبةِ للشكر الذي لا يتأتى إلا بالجرَيان على موجب أمرِه الغالبِ مُعرِضًا عن المطالب الدنيوية التي من جملتها الأجرُ: {أفَلاَ تَعْقِلُون} أي أتغفُلون عن هذه القضيةِ أو ألا تتفكرون فيها فلا تعقِلونها أو أتجهلون كلَّ شيءٍ فلا تعقلون شيئًا أصلًا فإن هذا مما لا ينبغي أن يخفى على أحد من العقلاء.
{ويَا قَومِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُم} اطلُبوا مغفرتَه لما سلف منكم من الذنوب بالإيمان والطاعة: {ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} أي توسّلوا إليه بالتوبة، وأيضًا التبرُّؤُ من الغير إنما يكون بعد الإيمان بالله تعالى والرغبةِ فيما عنده: {يُرْسِلِ السَّمَاءَ} أي المطرَ: {عَلَيكُمْ مِّدْرَارًا} أي كثيرَ الدّرور: {ويزدْكُمْ قُوَّةً} مضافةً ومنضمّةً: {إِلَى قُوَّتِكُم} أي يضاعفْها لكم، وإنما رغّبهم بكثرة المطرِ لأنهم كانوا أصحابَ زروعٍ وعمارات، وقيل: حبس الله تعالى عنهم القطرَ وأعقم أرحامَ نسائِهم ثلاث سنين فوعدهم عليه الصلاة والسلام كثرةَ الأمطارِ وتضاعُفَ القوة بالتناسل، على الإيمان والتوبة: {وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ} أي لا تُعرضوا عما دعوتُكم إليه: {مُجْرِمِينَ} مصِرِّين على ما كنتم عليه من الإجرام. اهـ.

.قال الألوسي:

{وإلى عَادٍ} متعلق بمحذوف معطوف على قوله سبحانه: {أَرْسَلْنَا} [هود: 25] في قصة نوح وهو الناصب لقوله تعالى: {أخاهم} أي وأرسلنا إلى عاد أخاهم أي واحدًا منهم في النسب كقولهم: يا أخا العرب، وقدم المجرور ليعود الضمير عليه، وقيل: إن: {إلى عَادٍ أَخَاهُمْ} عطف على قوله تعالى: {نُوحًا إلى قَوْمِهِ} [هود: 25] المنصوب على المنصوب والجار والمجرور على الجار والمجرور، وهو من العطف على معمولي عامل واحد وليس من المسألة المختلف فيها، نعم الأول أقرب كما في البحر لطول الفصل بالجمل الكثيرة بين المفردات المتعاطفة، وقوله سبحانه: {هُودًا} عطف بيان لأخاهم وجوز أن يكون بدلًا منه وكان عليه السلام ابن عم أبي عاد وأرسل إليه من هو منهم ليكون ذلك أدعى إلى اتباعه: {قَالَ} استئناف بياني حيث كان إرساله عليه السلام مظنة للسؤال عما قال لهم ودعاهم كأنه قيل: فما قال لهم حين أرسل إليهم؟ فقيل: قال: {عَلَيْهِ قَوْمٌ} ناداهم بذلك استعطافًا لهم، وقرأ ابن محيصن: {عَلَيْهِ قَوْمٌ} بالضم وهي لغة في المنادى المضاف إلى الياء حكاها سيبويه وغيره: {اعبدوا الله} أي وحده وكانوا مشركين يعبدون الأصنام؛ ويدل على أن المراد ذلك قوله تعالى: {مَا لَكُم مّنْ إله غَيْرُهُ} فإنه استئناف يجري مجرى البيان للعبادة المأمور بها، والتعليل للأمر بها كأنه قيل: أفردوه بالعبادة ولا تشركوا به شيئًا إذ ليس لكم إله غيره سبحانه على أنه لا اعتداد بالعبادة مع الإشراك، فالأمر بها يستلزم الأمر بإفراده سبحانه بها و: {غَيْرُهُ} بالرفع صفة لإله باعتبار محله لأنه فاعل للظرف لاعتماده على النفي، وقرأ الكسائي بالجر على أنه صفة له جار على لفظه: {إِنْ أَنتُمْ} ما أنتم بجعلكم الألوهية لغيره تعالى كما قال الحسن أو بقولكم: إن الله تعالى أمرنا بعبادة الأصنام: {إِلاَّ مُفْتَرُونَ} عليه تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا.
{يا قوم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى الذى فَطَرَنِى} خاطب به كل رسول قومه إزاحة لما عسى أن يتوهموه وتمحيضًا للنصيحة فإنها ما دامت مشوبة بالمطامع بمعزل عن التأثير؛ وإيراد الموصول للتفخيم، وجعل الصلة فعل الفطر الذي هو الإيجاد والإبداع لكونه أبعد من أن يتوهم نسبته إلى شركائهم: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض لَيَقُولُنَّ الله} [لقمان: 25] مع كونه أقدم النعم الفائضة من جناب الله تعالى المستوجبة للشكر الذي لا يتأتى إلا بالجريان على موجب أمره سبحانه الغالب معرضًا عن المطالب الدنيوية التي من جملتها الأجر، ولعل فيه إشارة إلى أنه عليه السلام غني عن أجرهم الذي إنما يرغب فيه للاستعانة به على تدبير الحال وقوام العيش بالله تعالى الذي أوجده بعد أن لم يكن وتكفل له بالرزق كما تكفل لسائر من أوجده من الحيوانات: {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أي أتغفلون عن ذلك فلا تعقلون نصيحة من لا يطلب عليها أجرًا إلا من الله تعالى ولا شيء أنفى للتهمة من ذلك فتنقادون لما يدعوكم إليه؛ أو تجهلون كل شيء فلا تعقلون شيئًا أصلًا فإن الأمر مما لا ينبغي أن يخفى على أحد من العقلاء.
{وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} من الشرك: {ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ} أي ارجعوا إليه تعالى بالطاعة أو توبوا إليه سبحانه وأخلصوا التوبة واستقيموا عليها، وقيل: الاستغفار كناية عن الإيمان لأنه من روادفه، وحيث أن الإيمان بالله سبحانه لا يستدعي الكفر بغيره لغة قيل: {ثُمَّ تُوبُواْ} فكأنه قيل: آمنوا به ثم توبوا إليه تعالى من عبادة غيره، وتعقب بأن قوله سبحانه: {اعْبُدُواْ الله} [هود: 50] دل على اختصاصه تعالى بالعبادة فلو حمل: {استغفروا} على ما ذكر لم يفد فائدة زائدة سوى ما علق عليه، وقد كان يمكن تعليقه بالأول، والحمل على غير الظاهر مع قلة الفائدة مما يجب الاحتراز عنه في كلام الله تعالى المعجز، وقيل: المراد بالاستغفار التوبة عن الشرك وبالتوبة التوبة عما صدر منهم غير الشرك، وأورد عليه أيضًا أن الإيمان يحبّ ما قبله، وقيل: المراد بالأول طلب المغفرة بالإيمان.
وبالثاني التوسل إليه سبحانه بالتوبة عن الشرك، وأورد عليه أن التوسل المذكور لا ينفك عن طلب المغفرة بالإيمان لأنه من لوازمه فلا يكون بعده كما تؤذن به: {ثُمَّ} وقيل: وقيل وقد تقدم بعض الكلام في ذلك أول السورة.
{يُرْسِلِ السماء} أي المطر كما في قوله:
إذا (نزل السماء) بأرض قوم ** رعيناه وإن كانوا غضابا

{عَلَيْكُمْ مُّدْرَارًا} كثير الدر متتابعة من غير إضرار فمفعال للمبالغة كمعطار ومقدام.
{وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ} أي عزًا مضمومًا إلى عزكم أو مع عزكم ويرجع هذا إلى قوله تعالى: {وَيُمْدِدْكُمْ بأموال وَبَنِينَ} [نوح: 12] لأن العز الدنيوي بذلك، وعن الضحاك تفسير القوة بالخصب، وعن عكرمة تفسيرها بولد الولد، وقيل: المراد بها قوة الجسم، ورغبهم عليه السلام بكثرة المطر وزيادة القوة لأنهم كانوا أصحاب زروع وبساتين وعمارات، وقيل: حبس الله تعالى عنهم القطر وأعقم أرحام نسائهم ثلاث سنين فوعدهم هود عليه السلام على الاستغفار والتوبة كثرة الأمطار وتضاعف القوة بالتناسل، وقيل: القوة الأولى في الإيمان.
والثانية في الأبدان أي يزدكم قوة في إيمانكم إلى قوة في أبدانكم: {وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ} أي لا تعرضوا عما دعوتكم إليه: {مُّجْرِمِينَ} مصرين على ما أنتم عليه من الإجرام، وقيل: مجرمين بالتولي وهو تكلف. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} عطف على: {ولقد أرسَلنا نوحًا إلى قومه} [هود: 25]، فعطف: {وإلى عاد} على: {إلى قومه} [هود: 25]، وعطف: {أخاهم} على: {نوحًا} [هود: 25]، والتقدير: وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودًا.
وهو من العطف على معموليْ عامل واحد.
وتقديم المجرور للتنبيه على أن العطف من عطف المفردات لا من عطف الجمل لأن الجارّ لابد له من متعلّق، وقضاءً لحق الإيجاز ليُحْضَر ذكر عَاد مرتين بلفظه ثم بضميره.
ووصف (هود) بأنه أخو عاد لأنه كان من نسبهم كما يقال: يا أخا العرب، أي يا عربي.
وتقدم ذكر عاد وهود في سورة الأعراف.
وجملة: {قال} مبينة للجملة المقدّرة وهي: {أرسلنا} [هود: 25].
ووجه التصريح بفعل القول لأن فعل (أرسلنا) محذوف، فلو بين بجملة: {يا قوم اعبدوا} كما بين في قوله: {ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه إني لكم نذير مبين} [هود: 25] لكان بيانًا لمعدوم وهو غير جليّ.
وافتتاح دعوته بنداء قومه لاسترعاء أسماعهم إشارة إلى أهمية ما سيلقي إليهم.
وجملة: {ما لكم من إله غيره} حال من ضمير: {اعبدوا} أو من اسم الجلالة.
والإتيان بالحال الاستقصاد إبطال شركهم بأنّهم أشركوا غيره في عبادته في حال أنّهم لا إله لهم غيره، أو في حال أنّه لا إله لهم غيره.
وذلك تشنيع للشّرك.
وجملة: {إن أنتم إلا مفترون} توبيخ وإنكار.
فهي بيان لجملة: {ما لكم من إله غيره}، أي ما أنتم إلاّ كاذبون في ادّعاء إلهية غير الله تعالى.
وجملة: {يا قوم لا أسألكم عليه أجرًا} إن كان قالها مع الجملة التي قبلها فإعادة النداء في أثناء الكلام تكرير للأهمية، يقصد به تهويل الأمر واسترعاء السمع اهتمامًا بما يستسمعونه، والنداء هو الرابط بين الجملتين؛ وإن كانت مقولة في وقت غير الذي قيلت فيه الجملة الأولى، فكونها ابتداء كلام ظاهر.
وتقدم تفسير: {لا أسألكم عليه أجرًا} في قصة نوح عليه السّلام، أي لا أسألكم أجرًا على ما قلته لكم.
والتعبير بالموصول: {الذي فطرني} دون الاسم العلم لزيادة تحقيق أنّه لا يسألهم على الإرشاد أجرًا بأنه يعلم أن الذي خلقه يسوق إليه رزقه، لأن إظهار المتكلم علمه بالأسباب يكسب كلامه على المسببات قوة وتحقيقًا.
ولذلك عطف على ذلك قوله: {أفلا تعقلون} بفاء التفريع عاطفة استفهامًا إنكاريًا عن عدم تعقلهم، أي تأملهم في دلالة حاله على صدقه فيما يبلغ ونصحه لهم فيما يأمرهم.
والعقل: العلم.
وعطف جملة: {ويا قوم} مثل نظيرها في قصة نوح عليه السّلام آنفًا.
والاستغفار: طلب المغفرة للذنب، أي طلب عدم المؤاخذة بما مضى منهم من الشرك، وهو هنا مكنى به عن ترك عقيدة الشرك، لأن استغفار الله يستلزم الاعتراف بوجوده ويستلزم اعتراف المستغفر بذنب في جانبه ولم يكن لهم ذنب قبل مجيء هود عليه السّلام إليهم غير ذنب الإشراك إذ لم يكن له شرع من قبل.
وأما ذنب الإشراك فهو متقرر من الشرائع السابقة جميعها فكان معلومًا بالضرورة فكان الأمر بالاستغفار جامعًا لجميع هذه المعاني تصريحًا وتكنية.
والتوبة: الإقلاع عن الذنب في المستقبل والندم على ما سلف منه.
وفي ماهية التوبة العزم على عدم العود إلى الذنب فيؤول إلى الأمر بالدّوام على التوحيد ونفي الإشراك.
و: {ثم} للترتيب الرتبي، لأن الدوام على الإقلاع أهم من طلب العفو عمّا سلف.
و: {يرسل السماء عليكم} جواب الأمر من: {استغفروا}.
والإرسال: بعْث من مكان بعيد فأطلق الإرسال على نزول المطر لأنه حاصل بتقدير الله فشبّه بإرسال شيء من مكان المرسل إلى المبعوث إليه.
والسماء من أسماء المطر تسمية للشيء باسم مصدره.
وفي الحديث: «خَطَبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أثر سماء». و: {مدرارًا} حال من السماء صيغة مبالغة من الدرور وهو الصبّ، أي غزيرًا. جعل جزاءهم على الاستغفار والتوبة إمدادهم بالمطر لأنّ ذلك من أعظم النّعم عليهم في الدنيا إذ كانت عاد أهل زرع وكروم فكانوا بحاجة إلى الماء، وكانوا يجعلون السّداد لخزن الماء.
والأظهر أن الله أمسك عنهم المطر سنين فتناقص نسلهم ورزقهم جزاء على الشرك بعد أن أرسل إليهم هودًا عليه السّلام؛ فيكون قوله: {يرسل السماء} وعْدًا وتنبيهًا على غضب الله عليهم، وقد كانت ديارهم من حضرموت إلى الأحْقاف مدنًا وحللًا وقبابًا.
وكانوا أيضًا معجبين بقوة أمتهم وقالوا: {مَنْ أشد منا قوةٌ} [فصلت: 15] فلذلك جعل الله لهم جزاء على ترك الشرك زيادةَ قوتهم بكثرة العدد وصحة الأجسام وسعة الأرزاق، لأن كلّ ذلك قوة للأمة يجعلها في غنى عن الأمم الأخرى وقادرة على حفظ استقلالها ويجعل أممًا كثيرة تحتاج إليها.
و: {إلى قوتكم} متعلق بـ: {يزدكم}.
وإنما عدّي بـ: {إلى} لتضمينه معنى يَضُمّ.
وهذا وعد لهم بصلاح الحال في الدنيا رضي الله عنهم.
وعطف عليه: {ولا تتولوا مجرمين} تحذيرًا من الرجوع إلى الشرك.
والتولّي: الانصراف.
وهو هنا مجاز عن الإعراض.
و: {مجرمين} حال من ضمير: {تتولوا} أي متصفين بالإجرام، وهو الإعراض عن قبول أمر الله تعالى. اهـ.