فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

{فَإِن تَوَلَّوْاْ} يعني: تتولوا، ومعناه، إن أعرضتم عن الإيمان، فلم تؤمنوا.
وهذا كقوله: {هَا أَنتُمْ هؤلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ في سَبِيلِ الله فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ والله الغنى وَأَنتُمُ الفقراء وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يكونوا أمثالكم} [محمد: 38].
ثمّ قال: {فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ} يعني: إن تتولوا، فأنا معذور، لأني قد أبلغتكم الرسالة، {وَيَسْتَخْلِفُ رَبّى قَوْمًا غَيْرَكُمْ} إن شاء.
ويقال: قد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم، من التوحيد، ونزول العذاب في الدنيا.
{وَيَسْتَخْلِفُ رَبّى} بعد هلاككم: {قَوْمًا غَيْرَكُمْ} يعني: خيرًا منكم وأطوع لله تعالى.
{وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا} يعني: إن لم تؤمنوا به، فلا تنقصون من ملكه شيئًا.
ويقال: إهلاككم لا ينقصه شيئًا: {إِنَّ رَبّى على كُلّ شَئ حَفِيظٌ} يعني: حافظًا، ولا يغيب عنه شيء.
ويقال: معناه: حفظ كل شيء عليه.
ثمّ قال: {وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا} يعني: عذابنا، وهو الريح العقيم: {نَجَّيْنَا هُودًا والذين ءامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا} يعني: بنعمة منا: {وَنَجَّيْنَاهُمْ مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} يعني: من العذاب الذي عذب به عاد في الدنيا ومما يعذبون به في الآخرة ثم قال عز وجل: {عَادٌ جَحَدُواْ بآيات رَبّهِمْ وَعَصَوْاْ} يعني: كذبوا بعذاب ربهم، أنه غير نازل بهم، ومعناه يا أهل مكة، انظروا إلى حالهم، كيف عذبوا في الدنيا، وفي الآخرة.
وهذا كقوله تعالى: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظلموا إِنَّ في ذلك لاّيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [النمل: 52] فكذلك هاهنا، {عَادٌ جَحَدُواْ بآيات رَبّهِمْ وَعَصَوْاْ} بَيَّنَ جرمهم، ثمّ بَيَّنَ عقوبتهم، فقال: {وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ} يعني: هودًا خاصة، ويقال: معناه كذبوا هودًا، بما أخبرهم عن الرشد، {واتبعوا أَمْرَ كُلّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} يعني: عملوا بقول كل جبار.
ويقال: أخذوا بدين كل جبار.
والجبار الذي يضرب، ويقتل عند الغضب، {عَنِيدٍ} يعني: معرضًا، ومجانبًا عن الحق.
ثمّ بَيَّنَ عقوبتهم، فقال: {واتبعوا} يعني: ألحقوا: {فِى هذه الدنيا لَعْنَةً} يعني: العذاب والهلاك، وهي الريح العقيم.
{وَيَوْمَ القيامة} لعنة أُخرى، وهو عذاب النار إلى الأبد: {أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ}، وهذا تنبيه للكفار أن عادًا كفروا ربهم، فأهلكهم الله تعالى، فاحذروا كيلا يصيبكم بكفركم، ما أصابهم بكفرهم، ويقال: {أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ} يعني: ينادي مناد يوم القيامة، لإظهار حالهم: {أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ} وقال الضّحَّاك: ترفع لهم راية الغدر يوم القيامة، فينادي منادٍ يوم القيامة: هذه غدرة قوم عاد، فيلعنهم الملائكة، وجميع الخلق.
فذلك قوله تعالى: {أَلاَ بُعْدًا} يعني: خزيًا وسحقًا: {لّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ}. اهـ.

.قال ابن عطية:

{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ}
قرأ الجمهور: {تولَّوا} بفتح اللام والتاء على معنى تتولوا، وقرأ عيسى الثقفي والأعرج: {تُولُوا} بضم التاء واللام، و: {إن} شرط، والجواب في الفاء وما بعدها من قوله: {فقد أبلغتكم}، والمعنى أنه ما علي كبير همّ منكم إن توليتم فقد برئت ساحتي بالتبليغ، وأنتم أصحاب الذنب في الإعراض عن الإيمان. ويحتمل أن يكون: {تولوا} فعلًا ماضيًا، ويجيء في الكلام رجوع من غيبة إلى خطاب، أي فقل: قد أبلغكم.
وقرأ جمهور {ويستخلفُ} بضم الفاء على معنى الخبر بذلك، وقرأ عاصم- فيما روى هبيرة عن حفص عنه- {ويستخلفْ} بالجزم عطفًا على موضع الفاء من قوله: {فقد}.
وقوله: {ولا تضرونه شيئًا} يحتمل من المعنى وجهين:
أحدهما ولا تضرونه بذهابكم وهلاككم شيئًا أي لا ينتقص ملكه، ولا يختل أمره، وعلى هذا المعنى قرأ عبد الله بن مسعود: {ولا تنقصونه شيئًا}.
والمعنى الآخر: {ولا تضرونه} أي ولا تقدرون إذا أهلككم على إضراره بشيء ولا على الانتصار منه ولا تقابلون فعله بكم بشيء يضره. ثم أخبرهم أن ربه: {حفيظ} على كل شيء عالم به، وفي ترديد هذه الصفات ونحوها تنبيه وتذكير. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَإِن تَوَلَّوْاْ} في موضع جزم؛ فلذلك حذفت منه النون، والأصل تتولوا، فحذفت التاء لاجتماع تاءين.
{فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ} بمعنى قد بيّنت لكم.
{وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ} أي يهلككم ويخلق من هو أطوع له منكم يوحدونه ويعبدونه.
{ويَسْتَخْلِفُ} مقطوع مما قبله فلذلك ارتفع؛ أو معطوف على ما يجب فيما بعد الفاء من قوله: {فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ}.
وروي عن حفص عن عاصم: {وَيَسْتَخْلِفْ} بالجزم حملًا على موضع الفاء وما بعدها؛ مثل: {وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأعراف: 186].
قوله تعالى: {وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا} أي بتوليكم وإعراضكم.
{إِنَّ رَبِّي على كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} أي لكل شيء حافظ.
{على} بمعنى اللام؛ فهو يحفظني من أن تنالوني بسوء. اهـ.

.قال الخازن:

{فَإِنْ تَوَلَّوْا}
{فإن تولوا} يعني تتولوا بمعنى تعرضوا عن الإيمان بما أرسلت به إليكم: {فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم} يعني أني لم يقع مني تقصير في تبليغ ما أرسلت به إليكم إنما التقصير منكم في قبول ذلك: {ويستخلف ربي قومًا غيركم} يعني أنكم إن أعرضتم عن الإيمان وقبول ما أرسلت به إليكم يهلككم الله ويستبدل بكم قومًا غيركم أطوع منكم يوحدونه ويعبدونه فيه إشارة إلى عذاب الاستئصال فهو وعيد وتهديد: {ولا تضرونه شيئًا} يعني بتوليكم إنما تضرون أنفسكم بذلك وقيل لا تنقصونه شيئًا إذا أهلككم لأن وجودكم وعدمكم عنده سواء: {إن ربي على كل شيء حفيظ} يعني أنه سبحانه وتعالى حافظ لكل شيء فيحفظني من أن تنالوني بسوء. اهـ.

.قال أبو حيان:

{فَإِن تَوَلَّوْاْ}
وقرأ الجمهور: فإن تولوا أي تتولوا مضارع تولى.
وقرأ الأعرج وعيسى الثقفي: تولوا بضم التاء، واللام مضارع ولّى، وقيل: تولوا ماض ويحتاج في الجواب إلى إضمار قول، أي: فقل لهم قد أبلغتكم، ولا حاجة تدعو إلى جعله ماضيًا وإضمار القول.
وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكون تولوا فعلًا ماضيًا، ويكون في الكلام رجوع من غيبة إلى خطاب أي: فقد أبلغتكم انتهى.
فلا يحتاج إلى إضمار، والظاهر أنّ الضمير في تولوا عائد على قوم هود، وخطاب لهم من تمام الجمل المقولة قبل.
وقال التبريزي: هو عائد على كفار قريش، وهو من تلوين الخطاب، انتقل من خطاب قوم هود إلى الإخبار عمن بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكأنه قيل: أخبرهم عن قصة قوم هود، وادعهم إلى الإيمان بالله لئلا يصيبهم كما أصاب قوم هود، فإن تولوا فقل لهم: قد أبلغتكم.
وجواب الشرط هو قوله: فقد أبلغتكم، وصح أن يكون جوابًا، لأن في إبلاغه إليهم رسالته تضمن ما يحل بهم من العذاب المستأصل، فكأنه قيل: فإن تتولوا استؤصلتم بالعذاب.
ويدل على ذلك الجملة الخبرية وهي قوله: ويستخلف ربي قومًا غيركم.
وقال الزمخشري: (فإن قلت): الإبلاغ كان قبل التولي، فكيف وقع جزاء للشرط؟ (قلت): معناه فإن تولوا لم أعاقب على تفريط في الإبلاغ، فإنّ ما أرسلت به إليكم قد بلغكم فأبيتم إلا تكذيب الرسالة وعداوة الرسول.
وقال ابن عطية: المعنى أنه ما عليّ كبيرهم منكم إن توليتم فقد برئت ساحتي بالتبليغ، وأنتم أصحاب الذنب في الإعراض عن الإيمان.
وقرأ الجمهور: ويستخلف بضم الفاء على معنى الخبر المستأنف أي: يهلككم ويجيء بقوم آخرين يخلفونكم في دياركم وأموالكم.
وقرأ حفص في رواية هبيرة: بجزمها عطفًا على موضع الجزاء، وقرأ عبد الله كذلك، وبجزم ولا تضروه، وقرأ الجمهور: ولا تضرونه أي شيئًا من الضرر بتوليتكم، لأنه تعالى لا تجوز عليه المضار والمنافع.
قال ابن عطية: يحتمل من المعنى وجهين: أحدهما: ولا تضرونه بذهابكم وهلاككم شيئًا أي: لا ينقص ملكه، ولا يختل أمره، وعلى هذا المعنى قرأ عبد الله بن مسعود ولا تنقصونه شيئًا.
والمعنى الآخر: ولا تضرونه أي: ولا تقدرون إذا أهلككم على إضراره بشيء، ولا على انتصار منه، ولا تقابلون فعله بشيء يضره انتهى. وهذا فعل منفي ومدلوله نكرة، فينتفي جميع وجوه الضرر، ولا يتعين واحد منها.
ومعنى حفيظ رقيب محيط بالأشياء علمًا لا يخفى عليه أعمالكم، ولا يغفل عن مؤاخذتكم، وهو يحفظني مما تكيدونني به. اهـ.

.قال أبو السعود:

{فَإِن تَوَلَّوْاْ} أي تتولَّوا بحذف إحدى التاءين أي أن تستمرّوا على ما كنتم عليه من التولي والإعراض: {فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ} أي لم أعاتَبْ على تفريط في الإبلاغ وكنتم محجوجين بأن بلّغتكم الحقَّ فأبيتم إلا التكذيبَ والجحود: {وَيَسْتَخْلِف رَبِّي قَومًا غَيرَكُم} استئنافٌ بالوعيد لهم بأن الله تعالى يهلكهم ويستخلف في ديارهم وأموالِهم قومًا آخرين، أو عطفٌ على الجواب بالفاء، ويؤيده قراءةُ ابنِ مسعود رضي الله عنه بالجزْم عطفًا على الموضع، كأنه قيل: فإن تولّوا يعذُرْني ويُهلكْكم ويستخلفْ مكانكم آخرين، وفي اقتصار إضافةِ الربِّ عليه عليه السلام رمزٌ إلى اللطف به والتدميرِ للمخاطبين: {وَلاَ تَضُرُّونَهُ} بتولّيكم: {شَيئًا} من الضرر لاستحالة ذلك عليه، ومن جَزَمَ {وَيَسْتخْلفْ} أسقطت منه النون: {إنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيءٍ حَفِيظٌ} أي رقيبٌ مهيمنٌ فلا تخفى عليه أعمالُكم فيجازيكم بحسبها أو حافظٌ مستولٍ على كل شيء فكيف يضُرّه شيءٌ وهو الحافظُ للكل. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَإِن تَوَلَّوْاْ} أي تتولوا فهو مضارع حذف منه إحدى التاءين وحمل على ذلك لاقتضاء أبلغتكم له، وجوز ابن عطية كونه ماضيًا، وفي الكلام التفات ولا يظهر حسنه ولذا قدر غيره ممن جعله كذلك فقل أبلغتكم لكنه لا حاجة إليه، ويؤيد ذلك قراءة الأعرج وعيسى الثقفي: {تَوَلَّوْاْ} بضم التاء واللام مضارع ولى، والمراد فإن تستمروا على ما كنتم عليه من التولي والإعراض لوقوع ذلك منهم فلا يصلح للشرط، وجوز أن يبقى على ظاهره بحمله على التولي الواقع بعدما حجهم، والظاهر أن الضمير لقوم هود والخطاب معهم، وهو من تمام الجمل المقولة قبل، وقال التبريزي: إن الضمير لكفار قريش وهو من تلوين الخطاب، وقد انتقل من الكلام الأول إلى الإخبار عمن بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكأنه قيل: أخبرهم عن قصة قوم هود وادعهم إلى الإيمان بالله تعالى لئلا يصيبهم كما أصاب قوم هود عليه السلام: {فَإِن تَوَلَّوْاْ} فقل لهم قد أبلغتكم إلخ وهو من البعد بمكان كما لا يخفى، وقوله سبحانه: {فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ} دليل جواب الشرط أي إن تتولوا لم أعاتب على تفريط في الإبلاغ فإن ما أرسلت به إليكم قد بلغكم فأبيتم إلا تكذيب الرسالة وعداوة الرسول، وقيل: التقدير إن تتولوا فما عليّ كبيرهمّ منكم فإنه قد برئت ساحتي بالتبليغ وأنتم أصحاب الذنب في الإعراض عن الإيمان، وقيل: إنه الجزاء باعتبار لازم معناه المستقبل باعتبار ظهوره أي فلا تفريط مني ولا عذر لكم، وقيل: إنه جزاء باعتبار الإخبار لأنه كما يقصد ترتب المعنى يقصد ترتب الإخبار كما في: {وَمَا بِكُم مّن نّعْمَةٍ فَمِنَ الله} [النحل: 53] على ما مر وكل ذلك لما أن الإبلاغ واقع قبل توليهم، والجزاء يكون مستقبلًا بالنظر إلى زمان الشرط.
وزعم أبو حيان أن صحة وقوعه جوابًا لأن في إبلاغه إليهم رسالته تضمن ما يحل بهم من العذاب المستأصل فكأنه قيل: فإن تتولوا استؤصلتم بالعذاب، ويدل على ذلك الجملة الخبرية، وهي قوله سبحانه: {وَيَسْتَخْلِفُ رَبّى قَوْمًا غَيْرَكُمْ} وفيه منع ظاهر، وهذا كما قال غير واحد: استئناف بالوعيد لهم بأن الله تعالى يهلكهم ويستخلف قومًا آخرين في ديارهم وأموالهم وهو استئناف نحوي عند بعض بناءًا على جواز تصديره بالواو.
وقال الطيبي: المراد به أن الجملة ليست بداخلة في الجملة الشرطية جزاءًا بل تكون جملة برأسها معطوفة على الجملة الشرطية وهو خلاف الظاهر من العبارة، وعليه تكون مرتبة على قوله سبحانه: {إِنَّ رَبّى على صراط مُّسْتَقِيمٍ} [هود: 56] والمعنى أنه على العدل ينتقم منكم ويهلككم، وقال الجلبي: لا مانع عندي من حمله على الاستئناف البياني جوابًا عما يترتب على التولي وهو الظاهر كأنه قيل: ما يفعل بهم إذا تولوا؟ فقيل: {يستخلف} إلخ.
وتعقبه بعضهم بأن الاستئناف البياني لا يقترن بالواو، وجوز أن يكون عطفًا على الجواب لكن على ما بعد الفاء لأنه الجواب في الحقيقة، والفاء رابطة له ودخول الفاء على المضارع هنا لأنه تابع يتسامح فيه.
وقيل: تقديره فقل: {يستخلف} إلخ، وقرأ حفص برواية هبيرة و: {يستخلف} بالجزم وهو عطف على موضع الجملة الجزائية مع الفاء كأنه قيل: {إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ} يعذرني ويهلككم: {وَيَسْتَخْلِفُ} مكانكم آخرين.
وجوز أبو البقاء كون ذلك تسكينًا لتوالي الحركات، وقرأ عبد الله كذلك، ويجزم قوله سبحانه: {وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا}، وقيل: إن من جزم الأول جزم هذا لعطفه عليه وهو الظاهر، والمعنى لا تضرونه بهلاككم شيئًا أي لا ينتقص ملكه ولا يختل أمره، ويؤيد هذا ما روي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قرأ ولا تنقصونه شيئًا، ونصب: {شَيْئًا} على أنه مفعول مطلق لتضرون أي شيئًا من الضرر لأنه لا يتعدى لاثنين، وجعله بعضهم مفعولًا ثانيًا مفسرًا له بما يتعدى لهما لمكان الرواية، وجوز ابن عطية أن يكون المعنى إنكم لا تقدرون إذا أهلككم على إضراره بشيء ولا على الانتصار منه ولا تقابلون فعله بشيء يضره تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، والأول أظهر، وقدر بعضهم التولي بدل الإهلاك أي ولا تضرونه بتوليكم شيئًا من الضرر لاستحالة ذلك عليه سبحانه: {إِنَّ رَبّى على كُلّ شَئ حَفِيظٌ} أي رقيب محيط بالأشياء علمًا فلا يخفى عليه أعمالكم ولا يغفل عن مؤاخذتكم.
فالحفظ كناية عن المجازاة، ويجوز أن يكون الحفيظ بمعنى الحافظ بمعنى الحاكم المستولي أي أنهس بحانه حافظ مستول على كل شيء، ومن شأه ذلك كيف يضره شيء. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ} تفريع على جملة: {إنّي أشهد الله} [هود: 54].
وما بينهما اعتراض أوجبه قصد المبادرة بإبطال باطلهم لأنّ مضمون هذه الجملة تفصيل لمضمون جملة: {إنّي أشهد الله} [هود: 54] بناء على أنّ هذا من كلام هود عليه السّلام.
وعلى هذا الوجه يكون أصل: {تولوا} تتولوا فحذفت إحدى التّاءين اختصارًا، فهو مضارع، وهو خطاب هود عليه السّلام لقومه، وهو ظاهر إجراء الضمائر على وتيرة واحدة.
ويجوز أن تكون فعلًا ماضيًا، والواو لأهل مكّة فيكون كالاعتراض في إجراء القصة لقصد العبرة بمنزلة الاعتراض الواقع في قصّة نوح عليه السّلام بقوله: {أم يقولون افتراه قل إن افتريته} [هود: 35] الآية.
خاطب الله نبيّه صلى الله عليه وسلم وأمره بأن يقول لهم: {قد أبلغتكم}.