فصل: قِصَّةُ صَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أَيْ: عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ، لَا يُسَلِّطُ أَهْلَ الْبَاطِلِ مِنْ أَعْدَائِهِ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ مِنْ رُسُلِهِ وَمُتَّبِعِيهِمْ مِنْ أَوْلِيَائِهِ، وَلَا يُضَيِّعُ حَقًّا، وَلَا يَفُوتُهُ ظَالِمٌ.
{فَإِنْ تَوَلَّوْا} أَيْ: فَإِنْ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ وَلَمْ تَنْتَهُوا بِنَهْيِي لَكُمْ عَنِ التَّوَلِّي، وَلَمْ تُطِيعُوا أَمْرِي لَكُمْ بِعِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ وَتَرْكِ الْإِشْرَاكِ بِهِ {فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ} أَيْ: فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي الَّتِي أَرْسَلَنِي بِهَا إِلَيْكُمْ، وَلَيْسَ عَلَيَّ غَيْرُ الْبَلَاغِ وَلَزِمَتْكُمُ الْحُجَّةُ، وَحَقَّتْ عَلَيْكُمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ {وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ} إِذَا هُوَ أَهْلَكَكُمْ بِإِصْرَارِكُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ وَإِجْرَامِكُمْ {وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا} مَا مِنَ الضَّرَرِ بِتَوَلِّيكُمْ عَنِ الْإِيمَانِ، فَإِنَّهُ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَعَنْ إِيمَانِكُمْ {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} (39: 7) وَيَسْتَلْزِمُ هَذَا أَنَّكُمْ لَا تَضُرُّونَ رَسُولَهُ، وَلَعَلَّهُ هُوَ الْمُرَادُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: {إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} أَيْ: قَائِمٌ وَرَقِيبٌ عَلَيْهِ بِالْحِفْظِ وَالْبَقَاءِ، عَلَى مَا اقْتَضَتْهُ سُنَّتُهُ وَتَعَلَّقَتْ بِهِ مَشِيئَتُهُ، وَمِنْهُ أَنَّهُ يَنْصُرُ رُسُلَهُ وَيَخْذُلُ أَعْدَاءَهُ وَأَعْدَاءَهُمْ إِذَا أَصَرُّوا عَلَى الْكُفْرِ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ.
{وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ}.
هَذِهِ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ فِي إِنْجَاءِ هُودٍ وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ، وَالْجَزَاءِ وَالْعُقُوبَةِ لِقَوْمِهِ الْمُعَانِدِينَ، {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا} عَذَابُنَا أَوْ وَقْتُهُ {نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا} أَيْ بِرَحْمَةٍ مِنْ لَدُنَّا خَاصَّةٍ بِهِمْ. مُخَالِفَةٍ لِلْعَادَةِ فِي أَسْبَابِ النَّجَاةِ مِنَ الْعَذَابِ الْعَارِضِ الَّذِي يُصِيبُ بَعْضَ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ، وَهِيَ الَّتِي أُشِيرَ إِلَيْهَا فِي قَوْلِ نُوحٍ لِوَلَدِهِ: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} (43): {وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} أَعَادَ فِعْلَ التَّنْجِيَةِ لِلْفَصْلِ بَيْنَ {مِنَّا} الَّتِي هِيَ صِفَةُ الرَّحْمَةِ وَبَيْنَ {مِنْ} الدَّاخِلَةِ عَلَى الْعَذَابِ. أَيْ: وَإِنَّمَا نَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ شَدِيدِ الْغِلْظَةِ، فَظِيعٍ شَدِيدِ الْفَظَاعَةِ، غَيْرِ مَعْهُودٍ فِي الْعَالَمِ، وَهُوَ مَا عَبَّرَ عَنْهُ بِالرِّيحِ الْعَقِيمِ، الَّتِي لَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ، وَبِقَوْلِهِ: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} (54: 19 و20) وَقَوْلِهِ فِي وَصْفِ هَذِهِ الرِّيحِ الْعَاتِيَةِ: {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} (69: 7 و8).
{وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} أَيْ: كَفَرُوا بِجِنْسِ الْآيَاتِ الَّتِي يُؤَيِّدُ بِهَا رُسُلَهُ بِجُحُودِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ رَسُولُهُمْ مِنْهَا، أَنَّثَ الْإِشَارَةَ إِلَيْهِمْ عَلَى إِرَادَةِ الْقَبِيلَةِ، وَقِيلَ: إِشَارَةً إِلَى آثَارِهِمْ، وَالْجُحُودُ بِالْآيَاتِ تَكْذِيبُ الدَّلَائِلِ الْوَاضِحَةِ عِنَادًا فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ، كَمَا قَالَ فِي قَوْمِ فِرْعَوْنَ: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} (27: 14): {وَعَصَوْا رُسُلَهُ} أَيْ: عَصَوْا جِنْسَهُمْ بِعِصْيَانِ رَسُولِهِ إِلَيْهِمْ وَإِنْكَارِ رِسَالَتِهِ؛ فَإِنَّ عِصْيَانَ الْوَاحِدِ عِصْيَانٌ لِلْجِنْسِ كُلِّهِ، إِذْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى رَفْضِ الرِّسَالَةِ نَفْسِهَا، بِادِّعَاءِ أَنَّ الرَّسُولَ لَا يَكُونُ بَشَرًا {وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} أَيْ وَاتَّبَعَ سَوَادُهُمْ وَدَهْمَاؤُهُمْ كُلَّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ مِنْ رُؤَسَائِهِمُ الطُّغَاةِ الْعُتَاةِ الْمُسْتَبِدِّينَ فِيهِمْ بِالْقَهْرِ، فَالْجَبَّارُ الْقَاهِرُ الَّذِي يُجْبِرُ غَيْرَهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ بِالْقَهْرِ وَالْإِذْلَالِ، أَوْ مَنْ يَجْبُرُ نَقْصَ نَفْسِهِ بِالْكِبْرِ وَدَعْوَى الْعَظَمَةِ، وَالْعَنِيدُ: الطَّاغِي الَّذِي يَأْبَى الْحَقَّ وَلَا يُذْعِنُ لَهُ، وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ وَقَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ عِنْدَهُ، فَهَلْ يَعْتَبِرُ بِهَذِهِ بَقَايَا الْمُلُوكِ الْجَبَّارِينَ فِي الْأَرْضِ قَبْلَ انْقِرَاضِهِمْ؟
{وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً} إِتْبَاعُ الشَّيْءِ الشَّيْءَ: لُحُوقُهُ بِهِ وَإِدْرَاكُهُ إِيَّاهُ بِحَيْثُ لَا يَفُوتُهُ، أَيْ لَحِقَتْ بِهِمْ لَعْنَةٌ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا، فَكَانَ كُلُّ مَنْ عَلِمَ بِحَالِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَنْ أَدْرَكَ آثَارَهُمْ، وَكُلُّ مَنْ بَلَّغَهُ الرُّسُلُ مِنْ بَعْدِهِمْ خَبَرَهُمْ يَلْعَنُونَهُمْ {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ} وَتَتْبَعُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَمَا يَلْعَنُ الْأَشْهَادُ الظَّالِمِينَ أَمْثَالَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْآيَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ. قَالَ قَتَادَةُ: تَتَابَعَتْ عَلَيْهِمْ لَعْنَتَانِ مِنَ اللهِ: لَعْنَةٌ فِي الدُّنْيَا، وَلَعْنَةٌ فِي الْآخِرَةِ: {أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ} هَذِهِ شَهَادَةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ، أَيْ: كَفَرُوا نِعَمَهُ عَلَيْهِمْ بِجُحُودِهِمْ بِآيَاتِهِ وَتَكْذِيبِهِمْ لِرُسُلِهِ كِبْرًا وَعِنَادًا، يُقَالُ: كَفَرَهُ وَكَفَرَ بِهِ، وَشَكَرَهُ وَشَكَرَ لَهُ، وَمَعْنَى مَادَّةِ الْكُفْرِ فِي الْأَصْلِ التَّغْطِيَةُ، {أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ} دُعَاءٌ عَلَيْهِمْ بِالْهَلَاكِ وَالْبُعْدِ مِنَ الرَّحْمَةِ حِكَايَةً لِبَدْئِهِ، وَتَسْجِيلًا لِدَوَامِهِ، كَرَّرَ أَلَا الْمُنَبِّهَةَ لِمَا بَعْدَهَا تَعْظِيمًا لِأَمْرِهِ، وَكَرَّرَ اسْمَهُمْ وَوَصْفَهُمْ بِـ قَوْمِ هُودٍ لِيُفِيدَ السَّامِعَ بِالتَّكْرِيرِ تَقْرِيرَ اسْتِحْقَاقِهِمْ لِللَّعْنَةِ وَالْإِبْعَادِ وَسَبَبِهِ، وَأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ شُبْهَةُ عُذْرٍ لِرَدِّ الدَّعْوَةِ الْمُعَقِّبَةِ لِلْحِرْمَانِ مِمَّا كَانُوا فِيهِ مِنْ خَيْرٍ وَنِعْمَةٍ، وَالِانْتِهَاءِ إِلَى ضِدِّهِ مِنْ شَقَاءٍ وَنِقْمَةٍ.

.قِصَّةُ صَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ:

هُوَ النَّبِيُّ الرَّسُولُ الثَّانِي مِنَ الْعَرَبِ، وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ قِصَّتِهِ فِي سَبْعِ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ، ذَكَرْتُ فِي أَوَّلِ تَفْسِيرِهَا مَسَاكِنَ قَبِيلَتِهِ ثَمُودَ وَهِيَ: الْحِجْرُ بَيْنَ الْحِجَازِ وَالشَّامِ، وَهَاهِيَ ذِي قَدْ ذُكِرَتْ هُنَا فِي ثَمَانِي آيَاتٍ تُضَاهِي تِلْكَ السَّبْعَ، وَسَتَجِيءُ فِي 19 آيَةً مِنْ سُورَةِ الشُّعَرَاءِ أَقْصَرَ مِنْ آيَاتِ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ، ثُمَّ فِي تِسْعٍ مِنْ سُورَةِ النَّمْلِ تُنَاهِزُ آيَاتِ الْأَعْرَافِ، ثُمَّ فِي تِسْعٍ مِنْ سُورَةِ الْقَمَرِ قِصَارٍ، وَذُكِرَتْ قَبْلَهُنَّ فِي خَمْسٍ مِنْ سُورَةِ الْحِجْرِ، وَبَعْدَهُنَّ فِي خَمْسٍ مِنْ سُورَةِ الشَّمْسِ، وَثَلَاثٍ مِنْ سُورَةِ الذَّارِيَاتِ، وَثِنْتَيْنِ مِنْ سُورَةِ النَّجْمِ، وَفِي كُلٍّ مِنَ الْمَوْعِظَةِ وَالْعِبْرَةِ فِي مَوْضِعِهَا مَا يَلِيقُ بِهَا، وَلَا يُغْنِي عَنْهَا غَيْرُهَا. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه: {إلا على الذي فطرني} أي خلقني.
وأخرج ابن عساكر عن الضحاك رضي الله عنه قال: أمسك عن عاد القطر ثلاث سنين فقال لهم هود: {استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارًا} فأبوا إلا تماديًا.
وأخرج ابن سعد في الطبقات وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة في المصنف وابن المنذر وأبن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في سننه عن الشعبي رضي الله عنه قال: خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى يرجع. فقيل له: ما رأيناك استسقيت؟ قال: لقد طلبت المطر بمخاديج السماء التي يستنزل بها المطر، ثم قرأ: {ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارًا} و: {استغفروا ربكم إنه كان غفارًا} [نوح: 10]: {يرسل السماء عليكم مدرارًا} [نوح: 11].
وأخرج أبو الشيخ عن هرون التيمي في قوله: {يرسل السماء عليكم مدرارًا} قال: يدر ذلك عليهم مطرًا ومطرًا.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {ويزدكم قوة إلى قوتكم} قال: ولد الولد.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء} قال: أصابتك بالجنون.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه: {اعتراك بعض آلهتنا بسوء} قال: أصابتك الأوثان بجنون.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال: ما يحملك على ذم آلهتنا إلا أنه قد أصابك منها سوء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن سعيد قال: ما من أحد يخاف لصًا عاديًا، أو سبعًا ضاريًا، أو شيطانًا ماردًا، فيتلو هذه الآية: {إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم} إلا صرفه الله عنه.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه: {إن ربي على صراط مستقيم} قال: الحق.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك رضي الله عنه في قوله: {عذاب غليظ} قال: شديد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله: {كل جبار عنيد} المشرك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال: {كل جبار عنيد} قال: الميثاق.
وأخرج ابن المنذر عن إبراهيم النخعي عنيد قال: تمالت عن الحق.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله: {وأُتبعوا في هذه الدنيا لعنة} قال: لم يبعث نبي بعد عاد إلا لُعِنَتْ عاد على لسانه.
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {وأُتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة} قال: لعنة أخرى.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال: تتابعت عليهم لعنتان من الله لعنة في الدنيا ولعنة في الآخرة. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)}
قوله تعالى: {جَحَدُواْ}: جملةٌ مستأنفة سِيقت للإِخبار عنهم بذلك، وليسَتْ حالًا مِمَّا قبلها، وجَحَد يتعدى بنفسه، ولكنه ضُمِّن معنى كفر، فيعدى بحرفه، كما ضَمَّن كفر معنى جحد فتعدى بنفسه في قوله بعد ذلك في قوله: {كَفَرُواْ رَبَّهُمْ} [هود: 60]. وقيل: إنَّ كفر ك شكر في تعدِّيه بنفسِه تارةً وبحرف الجر أخرى.
والجبَّار تقدَّم اشتقاقه والعنيد: الطاغي المتجاوزُ في الظلم مِنْ قولهم: عَنَد يَعْنِد إذا حادَ عن الحق من جانبٍ إلى جانب. قيل: ومنه عندي الذي هو ظرف؛ لأنه في معنى جانِب، من قولك: عندي كذا، أي في جانبي. وعن أبي عبيد: العنيد والعنود والعاند والمُعاند كلُّه المعارِض بالخلاف. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا} (هود: 58)، وقال في قصة شعيب عليه السلام: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا} (هود: 94)، فعطفت لما على ما قبلها بواو النسق في هذين الموضوعين وخالفت قصة صالح وقصة لوط، عليهما السلام، في الحرف المعطوف به هذه الجملة المصدرة بحرف الوجوب فقيل في قصة صالح عليه السلام: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا} (هود: 66)، وفي قصة لوط عليه السلام: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} (هود: 82)، بعطف لما على ما قبلها من هتين الآيتين بفاء التعقيب، فللسائل أن يسأل عن وجه اختصاص آيتي هود وشعيب بالواو وآيتي صالح ولوط، عليهما السلام، (فاء التعقيب؟ وهل ذلك بواجب؟).
والجواب عن ذلك، والله أعلم: أن آيتي صالح وهود ورد فيهما ما يقتضي معناه أن يربط بالفاء المقتضية التعقيب، أما قصة صالح منهما فتقدمها قوله تعالى: {فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} (هود: 65)، فكأن قد قيل: فلما انقضت، فالموضوع للفاء لمقصود التعقيب. ومثل هذا من غير فرق قوله تعالى في قصة لوط عليه السلام: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ} (هود: 81)، ولا شك أن المعنى يستدعي تقدير فلما أصبح تحقيقا لصدق الوعيد، وإعقابًا لا يتحصل بغير الفاء، فهذا يوجب خصوص الفاء بهذين الموضعين. وأما قصة هود عليه السلام، فلم يرد فيها ما يستدعي تعقيبًا، بل قبلها ما يقتضي أن ينسق ما بعده عليه بواو العطف، وذلك قوله تعالى مخبرًا عن قوم هود: {وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا} (هود: 57)، ثم قال: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا} (هود: 58)، فعطف هذه الجمل بعضها على بعض بما يعطي ذلك، ويناسب العطف بالواو، وعلى هذا وردت آية شعيب عليه السلام، فورد قبلها: {وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ} (هود: 93) ثم بعد ذلك: {وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ} (هود: 93)، وليس هذا ما يقتضي تعقيبًا بل بابه حمل الآي بعضها على بعض بحرف التشريك، فجاء كل على ما يناسب، والله أعلم بما أراد.
قوله تعالى في قصة هود: {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً} (هود: 60)، وفي قصة موسى بعد من هذه السورة: {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً} (هود: 99) فجمع في قصة هود بين اسم الإشارة ولفظ الدنيا الجاري عليه وصفا، وأكتفي في قصة موسي باسم الإشارة دون التابع، فللسائل أن يسأل عن وجه ذلك؟ وهل كان يجوز عكس الوارد؟
والجواب عن ذلك: أن الوارد عليه كلا من الآيتين لا يحسن خلافه ولا يناسب، وذلك لوجهين: أحدهما أن قصة هود، عليه السلام، في هذه السورة أكثر استيفاء من قصة موسي عليه السلام، بكثير فناسب الطول الطول والإيجاز الإيجاز، ولا يليق العكس. والوجه الثاني أن قوله تعالى في قصة هود: {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً} (هود: 60)، وارد على الأصل من الجمع بين التابع نعتًا أو عطف بيان وبين متبوعه، وجاء في قصة موسى عليه السلام: {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً} على حذف الوصف للإكتفاء باسم الإشارة، وكل فصيح، فجيء بما هو في الأصل أولًا، ثم جيء ثانيًا بما هو ثان عنه على ما ينبغي، ولا يحسن العكس لأن ذلك شبه التفسير وبابه أن يتقدم، فما يحذف يكون لما تقدم من ما يدل عليه ويحذف لما سيأتي بعد إلا في قليل نحو قوله:
نحن بما عندنا وأنت بما ** عندك راض والرأي مختلف

وهذا الوجه كاف. والوجه الأول أنسب لراعي النظم، والله أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58)}
ولما جاء أمْرنا بإهلاكِهم نَجَّينَا هودًا والذين آمنوا برحمتنا، ولم يَقْلْ باستحقاقه النجاةَ بوسيلةِ نُبُوته، أو لجسامة طاعته ورسالته بل قال: {بِرَحْمَةٍ مِّنَّا}، ليَعْلَمَ الكافةُ أنَّ الأنبياء- عليهم السلام- ومَنْ دونَهم عتيقُ رحمته، وغريقُ مِنَّتِه، لا لاستحقاقِ أحدٍ ولا لواجب على الله في شيء.
{وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59)}
في إنزالِ قصصهم تسلية للرسول- صلى الله عليه وسلم وآله- فيما كان يقاسي من العناء، وللمؤمنين فيما بذلوا من حسن البلاء، والعِدَةُ بتبديل- ما كانوا يلقَوْنه من الشِدِّة- بالرجاء.
{وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60)}
أخبر أنهم خسروا الدنيا والآخرة، أمَّا في هذه الدنيا فبالاستئصال بأليم الشدة وما تَبِعَه من اللَّعنة، ثم ما يلقونه في الآخرة من تأبيد العقوبة. وبقاؤهم عن رحمة الله أصعبُ من صنوف كل تلك المحنة، كما قيل:
تَبَدَّلَتْ وتبدلنا واحسرتا ** لِمَنْ ابتغى عوضًا لِسَلْمى فَلَمْ يَجِد

. اهـ.

.قصة هود عليه السلام:

قال ابن كثير:
وهو هود بن شالخ بن أرفحشذ بن سام بن نوح عليه السلام ويقال إن هودا هو عابر بن شالخ ابن ارفحشذ بن سام بن نوح ويقال هود بن عبد الله بن رباح بن الجارود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام ذكره ابن جرير وكان من قبيلة يقال لهم عاد بن عوص بن سام بن نوح وكانوا عربا يسكنون الأحفاف وهي جبال الرمل وكانت باليمن من عمان وحضرموت بأرض مطلة على البحر يقال لها الشحر واسم واديهم مغيث وكانوا كثيرا ما يسكنون الخيام ذوات الاعمدة الضخام كما قال تعالى: {ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد} أي عاد إرم وهم عاد الأولى وأما عاد الثانية فمتأخرة كما سيأتي بيان ذلك في موضعه وأما عاد الأولى فهم عاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد أي مثل القبيلة وقيل مثل العمد والصحيح الأول كما بيناه في التفسير.
ومن زعم أن إرم مدينة تدور في الأرض فتارة في الشام وتارة في اليمن وتارة في الحجاز وتارة في غيرها فقد أبعد النجعة وقال ما لا دليل عليه ولا برهان يعول عليه ولا مستند يركن إليه وفي صحيح ابن حبان عن أبي ذر في حديثه الطويل في ذكر الأنبياء والمرسلين قال فيه منهم أربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك يا أبا ذر ويقال إن هودا عليه السلام أول من تكلم بالعربية وزعم وهب بن منبه أن أباه أول من تكلم بها وقال غيره أول من تكلم بها نوح وقيل آدم وهو الأشبه قبل غير ذلك والله أعلم.