فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا} أي عذابُنا أو أمرُنا بنزوله وفيه ما لا يخفى من التهويل: {نَجَّيْنَا صالحا والذين ءامَنُواْ مَعَهُ} متعلقٌ بنجينا أو بآمنوا: {بِرَحْمَةٍ} بسبب رحمةٍ عظيمة: {مِنَّا} وهي بالنسبة إلى صالح النبوةُ وإلى المؤمنين الإيمانُ كما مر أو ملتبسين برحمة ورأفةٍ منا: {وَمِنْ خِزْىِ يَوْمِئِذٍ} أي ونجيناهم من خزي يومِئذٍ، وهو هلاكُهم بالصيحة كقوله تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُمْ مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} على معنى أنه كانت تلك التنجيةُ تنجيةً من خزي يومئذ، أي من ذِلته ومهانتِه أو ذلِّهم وفضيحتِهم يومَ القيامة كما فسر به العذابُ الغليظُ فيما سبق فيكون المعنى ونجيناهم من عذاب يومِ القيامةِ بعد تنجيتِنا إياهم من عذاب الدنيا، وعن نافع بالفتح على اكتساب المضافِ البناءَ من المضاف إليه هنا وفي المعارج في قوله تعالى: {مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ} وقرئ بالتنوين ونصبِ يومئذ: {إِنَّ رَبَّكَ} الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {هُوَ القوى العزيز} القادر على كل شيء والغالبُ عليه لا غيرُه ولكون الإخبارِ بتنجية الأولياءِ لاسيما عند الإنباءِ بحلول العذابِ أهمَّ ذكَرَها أولًا ثم أخبر بهلاك الأعداءِ فقال: {وَأَخَذَ الذين ظَلَمُواْ} عدل عن المضمر إلى المظهر تسجيلًا عليهم بالظلم وإشعارًا بعلّيته لنزول العذابِ بهم: {الصيحة} أي صيحةُ جبريلَ عليه الصلاة والسلام، وقيل: أتتهم من السماء صحيةٌ فيها صوتُ كلِّ صاعقةٍ وصوتُ كلِّ شيء في الأرض فتقطعت قلوبُهم في صدورهم وفي سورة الأعراف: {فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} ولعلها وقعت عَقيبَ الصيحةِ المستتبِعةِ لتموُّج الهواء: {فَأَصْبَحُواْ} أي صاروا: {فِى دِيَارِهِمْ} أي بلادهم أو مساكنِهم: {جاثمين} هامدين موتى لا يتحركون، والمرادُ كونُهم كذلك عند ابتداءِ نزولِ العذابِ بهم من غير اضطرابٍ وحركةٍ كما يكون ذلك عند الموتِ المعتاد ولا يخفى ما فيه من الدلالة على شدة الأخذِ وسرعتِه، اللهم إنا نعوذ بك من حلول غضبِك.
قيل: لما رأوا العلاماتِ التي بيّنها صالحٌ من اصفرار وجوهِهم واحمرارِها واسودادِها عمَدوا إلى قتله عليه الصلاة والسلام فنجاه الله تعالى إلى أرض فلسطين ولما كان ضحوةُ اليوم الرابع وهو يوم السبت تحنّطوا وتكفّنوا بالأنطاع فأتتهم الصيحةُ فتقطعت قلوبُهم فهلكوا: {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ} أي كأنهم لم يقيموا: {فِيهَا} في بلادهم أو في مساكنهم، وهو في موقع الحالِ أي أصبحوا جاثمين مماثلين لمن لم يوجَدْ ولم يُقِمْ في مقام قطُّ: {أَلا إِنَّ ثَمُودَ} وُضع موضعَ الضمير لزيادة البيانِ، ونوّنه أبو بكرٍ هنا وفي النجم وقرأ حفصٌ هنا وفي الفرقان والعنكبوت بغير تنوين: {كَفرُواْ رَبَّهُمْ} صرح بكفرهم مع كونه معلومًا مما سبق من أحوالهم تقبيحًا لحالهم وتعليلًا لاستحقاقهم بالدعاء عليهم بالبعد والهلاكِ في قوله تعالى: {أَلاَ بُعْدًا لّثَمُودَ} وقرأ الكسائي بالتنوين. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا} أي عذابنا أو أمرنا بنزوله، وفيه ما لا يخفى من التهويل: {نَجَّيْنَا صالحا والذين ءامَنُواْ مَعَهُ} متعلق بنجينا أو بآمنوا: {بِرَحْمَةٍ مّنَّا} أي بسببها أو ملتبسين بها، وفي التنوين والوصف نوعان من التعظيم: {وَمِنْ خِزْىِ يَوْمِئِذٍ} أي نجيناهم من خزي يومئذٍ وهو الهلاك بالصيحة وهذا كقوله تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُمْ مّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} [هود: 58] على معنى إنا نجيناهم، وكانت تلك التنجية من خزي يومئذٍ، وجوز أن يراد ونجيناهم من ذل وفضيحة يوم القيامة أي من عذابه، فهذه الآية كآية هود سواء بسواء.
وتعقب أبو حيان هذا بأنه ليس بجيد إذ لم تتقدم جملة ذكر فيها يوم القيامة ليكون التنوين عوضًا عن ذلك، والمذكور إنما هو جاء أمرنا فليقدر يوم إذ جاء أمرنا وهو جيد، والدفع بأن القرينة قد تكون غير لفظية كما هنا فيه نظر، وقيل: القرينة قوله سبحانه فيما مر: {عَذَابُ غَلِيظٍ} [هود: 58] وفيه ما فيه، وقيل: الواو زائدة فيتعلق: {مِنْ} بنجينا المذكور، وهذا لا يجوز عند البصريين لأن الواو لا تزاد عندهم فيوجبون هنا التعلق بمحذوف وهو معطوف على ما تقدم.
وقرأ طلحة وأبان: {وَمِنْ خِزْىِ} بالتنوين ونصب: {يَوْمَئِذٍ} على الظرفية معمولًا لخزى.
وعن نافع والكسائي أنهما قرآ بالإضافة وفتح يوم لأنه مضاف إلى إذ وهو غير متمكن، وهذا كما فتح حين في قوله النابغة:
على (حين) عاتبت المشيب على الصبا

فقلت: ألما أصح والشيب وازع: {إِنَّ رَبَّكَ} خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {هُوَ القوى العزيز} أي القادر على كل شيء والغالب عليه في كل وقت ويندرج في ذلك الإنجاء والإهلاك في ذلك اليوم.
{وَأَخَذَ الذين ظَلَمُواْ} قوم صالح، وعدل عن الضمير إلى الظاهر تسجيلًا عليهم بالظلم وإشعارًا بعليته لنزول العذاب بهم: {الصيحة} أي صيحة جبريل أو صيحة من السماء فيها كل صاعقة وصوت مفزع، وهي على ما في البحر فعلة للمرة الواحدة من الصياح، يقال: صاح يصيح إذا صوت بقوة، وأصل ذلك كما قال الراغب تشقيق الصوت من قولهم: إنصاح الخشب أو الثوب إذا انشق فسمع منه صوت، وصيح الثوب كذلك، وقد يعبر بالصيحة عن الفزع، وفي الأعراف: {فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} [الأعراف: 78، 91] قيل: ولعلها وقعت عقيب الصيحة المستتبعة لتموج الهواء، وقد تقدم الكلام منا في ذلك: {فَأَصْبَحُواْ فِي ديارهم} أي منازلهم ومساكنهم، وقيل: بلادهم: {جاثمين} هامدين موتى لا يتحركون، وقد مر تمام الكلام في ذلك معنى وإعرابًا.
{كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ} أي كأنهم لم يقيموا: {فِيهَا} أي في ديارهم، والجملة قيل: في موضع الحال أي أصبحوا: {جاثمين} مماثلين لمن لم يوجد ولم يقم في مقام قط: {إِلا أَنْ} وضع موضع المضمر لزيادة البيان، ومنعه من الصرف حفص وحمزة نظرًا إلى القبيلة، وصرفه أكثر السبعة نظرًا إلى الحي كما قدمنا آنفًا، وقيل: نظرًا إلى الأب الأكبر يعني يكون المراد به الأب الأول وهو مصروف وحينئذٍ يقدر مضاف كنسل وأولاد ونحوه، وقيل: المراد أنه صرف نظرًا لأول وضعه وإن كان المراد به هنا القبيلة: {ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ} صرح بكفرهم مع كونه معلومًا مما سبق من أحوالهم تقبيحًا لحالهم وتعليلًا لاستحقاقهم الدعاء عليهم بالبعد والهلاك في قوله سبحانه: {أَلاَ بُعْدًا لّثَمُودَ}، وقرأ الكسائي لا غير بالتنوين، وقد تقدم الكلام في شرح قصتهم على أتم وجه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ}
تقدّم الكلام على نظائر بعض هذه الآية في قصّة هود في سورة الأعراف.
ومتعلّق: {نجينا} محذوف.
وعطف: {ومن خِزي يومئذٍ} على متعلّق: {نجّينا} المحذوف، أي نجّينا صالحًا عليه السّلام ومَن معه من عذاب الاستئصال ومن الخزي المكيّف به العذاب فإنّ العذاب يكون على كيفيات بعضها أخزى من بعض.
فالمقصود من العطف عطف منّة على منّة لا عطف إنجاء على إنجاء، ولذلك عطف المتعلّق ولم يعطف الفعل، كما عطف في قصة عاد: {نجينا هودًا والذين آمنوا معه برحمة منّا ونجّيناهم من عذاب غليظ} [هود: 58] لأنّ ذلك إنجاء من عذاب مغاير للمعطوف عليه.
وتنوين: {يومئذٍ} تنوين عوض عن المضاف إليه.
والتقدير: يوم إذ جاء أمرنا.
والخزي: الذّلّ، وهو ذلّ العذاب، وتقدّم الكلام عليه قريبًا.
وجملة: {إنّ ربّك هو القوي العزيز} معترضة.
وقد أكد الخبر بثلاث مؤكدات للاهتمام به.
وعبّر عن ثمود بالّذين ظلموا للإيماء بالموصول إلى علّة ترتب الحكم، أي لظلمهم وهو ظلم الشّرك.
وفيه تعريض بمشركي أهل مكّة بالتّحذير من أن يصيبهم مثل ما أصاب أولئك لأنّهم ظالمون أيضًا.
والصيحة: الصّاعقة أصابتهم.
ومعنى: {كأنْ لم يغنوا فيها} كأن لم يقيموا.
وتقدّم شعيب في الأعراف.
وقرأ الجمهور {ألا إنّ ثمودًا} بالتنوين على اعتبار ثمود اسم جَدّ الأمة.
وقرأه حمزة، وحفص عن عاصم، ويعقوب، بدون تنوين على اعتباره اسمًا للأمّة أو القبيلة.
وهما طريقتان مشهورتان للعرب في أسماء القبائل المسمّاة بأسماء الأجداد الأعلين.
وتقدّم الكلام على: {بُعدًا} في قصة نوح: {وقيل بعدًا للقوم الظالمين} [هود: 44]. اهـ.

.قال الشعراوي:

{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا}
حين شاء الحق أن يُنزل العذاب بثمود، بعد مُضيِّ المدة التي أنذروا بنزول العذاب بعدها، نجَّى الحق صالحًا عليه السلام والذين آمنوا برسالته من الهلاك، فحفظتهم رحمة الله؛ لأنهم آمنوا بما نزل على صالح من منهج، ولم يُعَانِ المؤمنون برسالة صالح ما عانى منه قوم ثمود من الذل والفضيحة.
هذا الذل وتلك الفضيحة التي حاقت بثمود.
ويذيل الحق سبحانه الآية الكريمة بقوله: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ القوي العزيز} [هود: 66].
هذا خطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم تسلية وتسرية عنه وتقوية لعزمه، فالحق سبحانه مقتدر يأخذ كل كافر، ولا يغلبه أحد ولا يعجزه شيء، وفي هذا إنذار لمن كفروا برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: {وَأَخَذَ الذين ظَلَمُواْ الصيحة}
ويسمي الحق سبحانه هنا العذاب الذي نزل على ثمود {الصيحة} وسمّاه في موضع آخر الطاغية: {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بالطاغية} [الحاقة: 5].
وسمّاه في موضع آخر {صاعقة} فقال سبحانه: {فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: 13].
وفي سورة الأعراف سمّاه {الرجفة}، وكل من الصاعقة والصيحة والرجفة تؤدي معنى الحدث الذي يَدْهَمُ، ولا يمكن الفكاك منه.
ولقائل أن يقول: لماذا لم يقل الحق سبحانه هنا: {وأخذت الذين ظلموا الصيحة}؟ لماذا اختفت تاء التأنيث من الفعل، وقال سبحانه: {وَأَخَذَ الذين ظَلَمُواْ الصيحة} [هود: 67].
ونقول: إن الذي يتكلم هنا هو رب العباد سبحانه، ولا يصح أن نفهم الصيحة على أنها جاءت لتعبر عن صيحة واحدة، فتاء التأنيث تعبر عن الصيحة لمرة واحدة، أما إذا تكررت وصارت صياحًا كثيرًا تأخذهم كل صيحة من الصياح.
وهنا نلمح أن الصيحة فيها ضعف الأنوثة، أما الصياح ففيه عزيمة وقوة الرجولة، فأراد الحق سبحانه أن يجمع الأمرين، فقال: {أخذ} ولم يقل: أخذت. ثم قال سبحانه: {فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود: 67].
أي: مُلْقون على رُكَبهم وعلى جباههم بلا حركة. ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا}
ومادة غَنِيَ.. غِنىً، أو غَنَاءً كلها متساوية؛ لأن الغَنَاء هو الوجود؛ وجود شيء يُغَنِي عن شيء، فالغِنَى هو وجود مال يغنيك عن غيرك، والغناء هو ما نسمعه من المُغَنِّين، والأغنية التي يعجب الإنسان من كلماتها ولحنها، فهو يقيم معها إقامة تطرد ما سواها مما سمع من الكلام على كثرة ما سمع أو قرأ، والغَناء هو للإقامة.
والحق سبحانه يقول: {حتى إِذَا أَخَذَتِ الأرض زُخْرُفَهَا وازينت وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بالأمس} [يونس: 24].
أي: كأنها لم توجد من قبل.
وهنا يقول الحق سبحانه: {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا} [هود: 68].
أي: لم يقيموا فيها، لأنها صارت حصيدًا.
ثم يقول الحق سبحانه في نفس الآية: {أَلاَ إِنَّ ثَمُودَاْ كَفرُواْ رَبَّهُمْ} [هود: 68]، وهذه هي حيثية العذاب الذي نزل بهم.
وعادة ما تتعدى كلمة كفر بالباء، ويقال: كفروا بربهم، ولكن الحق سبحانه يقول هنا: {أَلاَ إِنَّ ثَمُودَاْ كَفرُواْ رَبَّهُمْ} [هود: 68].
والفارق كبير بين المعنيين، فمعنى: {كَفرُواْ رَبَّهُمْ} أي: ستروا وجوده، فلا وجود له، ولكن معنى {كفروا بربهم} هو اعتراف بالله الموجود، لكنهم لم يؤمنوا به.
وقول الحق سبحانه: {كَفرُواْ رَبَّهُمْ} يرد على الملاحدة الذين لا يقرون بوجود الله، لأن ذنب إنكار وجود الله ليس بعده ذنب، ولا يوجد ما هو أكثر منه في الذنوب.
لذلك يقول الحق سبحانه: {أَلاَ بُعْدًا لِّثَمُودَ} [هود: 68].
أي: أنهم: يستحقون ما وقع عليهم من إهلاك وطرد من رحمة الله، ولن يعطف عليهم أحد لضخامة ذنبهم. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صالحا} يعني: وأرسلنا إلى ثمود.
وإنما لم ينصرف، لأنه اسم لقبيلة، وفي الموضع الذي ينصرف، جعله اسمًا للقوم.
{قَالَ يَا قَوْمٌ اعبدوا الله} أي: وَحِّدُوا الله، وأطيعوه، {مَا لَكُم مّنْ إله غَيْرُهُ} يعني: ليس لكم رب غيره: {هُوَ أَنشَأَكُمْ} يعني: هو الذي خلقكم، {مّنَ الأرض} يعني: خلق آدم من أديم الأرض، وأنتم ولده، {واستعمركم فِيهَا} يعني: أسكنكم وأنزلكم فيها، وأصله أعمركم.
يقال: أعمرته الدار إذا جعلتها له أبدًا، وهي العُمْرَى.
وقال مجاهد: {واستعمركم} يعني: أطال عمركم فيها: {فاستغفروه ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ} يعني: توبوا من شرككم، {إِنَّ رَبّى قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} يعني: قريبًا ممن دعاه، مجيبًا بالإجابة لمن دعاه، من أهل طاعته.
قوله تعالى: {قَالُواْ يا صالح قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّا قَبْلَ هذا} يعني: كنا نرجو أن ترجع إلى ديننا، قبل أن تدعونا إلى دين غير دين آبائنا، {قَالُواْ ياصالح قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّا قَبْلَ هذا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ} يعني: يريبنا أمرك، ودعاؤك إيانا، إلى هذا الدين.
ومعناه: إنا مريبون في أمركم.
{قَالَ} لهم صالح: {قَالَ يا قوم أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ على بَيّنَةٍ مّن رَّبّى}، يقول: أخبروني إن كنت على بيان، وحجة، ودين، أتاني من ربي، {قَالَ يا قوم أَرَءيْتُمْ} يقول: أكرمني الله تعالى بالإسلام، والنبوة؛ أيجوز لي أن أترك أمره، ولا أدعوكم إلى الله، وإلى دينه؟: {فَمَن يَنصُرُنِى مِنَ الله إِنْ عَصَيْتُهُ} يقول: فمن يمنعني من عذاب الله، إن رجعت إلى دينكم، وتركت دين الله تعالى.
{فَمَا تَزِيدُونَنِى غَيْرَ تَخْسِيرٍ} يقول ما تزيدونني في مقالتكم، إلا بصيرة في خسارتكم. ويقال: معناه: فما تزيدونني غير تكذيب، لأن التكذيب سبب لخسارتهم. ويقال: معناه: فما تزيدونني، إن تركت ما أوجب الله عليَّ من الدعوة غير تخسير؛ لأن العذاب إذا نزل بي لا تقدرون على دفعه عني. ثم قال تعالى: {مّن رَّبّكُمْ هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ ءايَةً} وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: إنَّ صَالِحًا، لَمَّا دَعَا قَوْمَهُ إلى الإسلامِ كَذَّبُوهُ، فَضَاقَ صَدْرُهُ، فَسَأَلَ رَبَّهُ أنْ يَأذَنَ لَهُ بِالخُرُوج مِنْ عِنْدِهِمْ، فَأَذِنَ لَهُ فَخَرَجَ وَانْتَهَى إلى سَاحِلِ البَحْرِ، فَإذا رَجُلٌ يَمْشِي عَلَى المَاءِ، فقالَ لهُ صَالحٌ: وَيْحَكَ مَنْ أنْتَ؟ فقالَ: أنا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ.