فصل: قال البيضاوي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال البيضاوي في الآيات السابقة:

{وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صالحا قَالَ ياقوم اعبدوا الله مَا لَكُمْ مّنْ إله غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مّنَ الأرض}
هو كونكم منها لا غيره فإنه خلق آدم ومواد النطف التي خلق نسله منها من التراب: {واستعمركم فِيهَا} عمركم فيها واستبقاكم من العمر، أو أقدركم على عمارتها وأمركم بها، وقيل هو من العمري بمعنى أعمركم فيها دياركم ويرثها منكم بعد انصرام أعماركم، أو جعلكم معمرين دياركم تسكنونها مدة عمركم ثم تتركونها لغيركم: {فاستغفروه ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبّى قَرِيبٌ} قريب الرحمة: {مُّجِيبٌ} لداعيه.
{قَالُواْ يا صالح قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّا قَبْلَ هذا} لما نرى فيك من مخايل الرشد والسداد أن تكون لنا سيدًا ومستشارًا في الأمور، أو أن توافقنا في الدين فلما سمعنا هذا القول منك انقطع رجاؤنا عنك: {أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ ءَابَاؤُنَا} على حكاية الحال الماضية: {وَإِنَّنَا لَفِى شَكّ مّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} من التوحيد والتبري عن الأوثان: {مُرِيبٍ} موقع في الريبة من أرابه، أو ذي ريبة على الإِسناد المجازي من أراب في الأمر.
{قَالَ يَا قَوْمٌ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ على بَيّنَةٍ مّن رَّبّى} بيان وبصيرة وحرف الشك باعتبار المخاطبين: {وَءَاتَانِى مِنْهُ رَحْمَةً} نبوة: {فَمَن يَنصُرُنِى مِنَ الله} فمن يمنعني من عذابه: {إِنْ عَصَيْتُهُ} في تبليغ رسالته والمنع عن الإِشراك به: {فَمَا تَزِيدُونَنِي} إذن باستتباعكم إياي: {غَيْرَ تَخْسِيرٍ} غير أن تخسروني بإبطال ما منحني الله به والتعرض لعذابه، أو فما تزيدونني بما تقولون لي غير أن أنسبكم إلى الخسران.
{ويا قوم هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ ءايَةً} انتصب آية على الحال وعاملها معنى الإِشارة، ولكم حال منها تقدمت عليها لتنكيرها: {فَذَرُوهَا تَأْكُلْ في أَرْضِ الله} ترع نباتها وتشرب ماءها: {وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} عاجل لا يتراخى عن مسكم لها بالسوء إلا يسيرًا وهو ثلاثة أيام.
{فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ في دَارِكُمْ} عيشوا في منازلكم أو في داركم الدنيا: {ثلاثة أَيَّامٍ} الأربعاء والخميس والجمعة ثم تهلكون: {ذلك وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} أي غير مكذوب فيه فاتسع فيه بإجرائه مجرى المفعول به كقوله:
وَيَوْمَ شَهِدْنَاهُ سُلِيمًا وَعَامِرًا

أو غير مكذوب على المجاز، وكأن الواعد قال له أفي بك فإن وفى به صدقة وإلا كذبه، أو وعد غير كذب على أنه مصدر كالمجلود والمعقول.
{فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صالحا والذين ءامَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا وَمِنْ خِزْىِ يَوْمِئِذٍ} أي ونجيناهم من خزي يومئذ وهو هلاكهم بالصيحة أو ذلهم وفضيحتهم يوم القيامة. وعن نافع: {يَوْمَئِذٍ} بالفتح على اكتساب المضاف البناء من المضاف إليه هنا وفي المعارج في قوله: {مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ}، {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ القوي العزيز} القادر على كل شيء والغالب عليه.
{وَأَخَذَ الذين ظَلَمُواْ الصيحة فَأَصْبَحُواْ في دِيَارِهِمْ جاثمين} قد سبق تفسير ذلك في سورة الأعراف.
{كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ} نَوَنَّهُ أبو بكر هاهنا وفي النجم والكسائي في جميع القرآن وابن كثير ونافع وابن عامر وأبو عمرو في قوله: {أَلاَ بُعْدًا لّثَمُودَ} ذهابًا إلى الحي أو الأب الأكبر. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابورى في الآيات السابقة:

{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50)} إلى قوله تعالى: {كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68)}
التفسير:
قد مر في الأعراف تفسير قوله: {وإلى عاد} الآية. ومعنى قوله: {إن أنتم إلا مفترون} أنكم كاذبون في قولكم إن هذه الأصنام يحسن عبادتها مع أنها لا حس لها ولا شعور. ثم قال مثل قول نوح: {يا قوم لا أسألكم عليه أجرًا} لأن النصيحة لا يمحضها إلا حسم المطامع: {أفلا تعقلون} أن نصح من لا يطلب الأجر إلا من الله لا يكون من التهمة في شيء. قيل: إنما قال في قصة نوح: {مالًا} دون: {أجرًا} لذكر الخزائن بعده، فلفظ المال بها أليق. وحذف الواو من: {يا قوم} لأنه أراد الاستئناف أو البدل دون العطف: {ويا قو م استغفروا ربكم ثم توبوا إليه} قد مر مثله في أول السورة. وقال الأصم: المراد سلوه أن يغفر لكم ما تقدم لكم من إسرافكم ثم اعزموا على أن لا تعودوا إلى مثله. ثم قصد استمالتهم وترغيبهم في الإِيمان بكثرة المطر وزيادة القوة لأن القوم كانوا حراصًا على جميع الأموال من وجوه العمارة والزراعة مفتخرين بما أوتوا من البطش والقوة، فقدم إليهم في باب الدعوة إلى الدين والترغيب فيه ما كانت همتهم معقودة به ليحصل في ضمنه الغرض الكلي والمقصود الأصلي وهو الفوز بالسعادات الأخروية، وكأنه إنما خصص هذين النوعين من السعادات الدنيوية لأن الأول أصل جميع النعم، والثاني أصل في الانتفاع بتلك النعم.
وقيل: المراد بالقوة الزيادة في المال. وقيل في النكاح. وروي أنه حبس عنهم القطر بشؤم التكذيب ثلاث سنين وأعقم نساؤهم فوعدوا أنهم إن آمنوا أحيا الله بلادهم ورزقهم المال والولد. والمدرار الكثير الدر كما مر في أول الأنعام. عن الحسن بن علي رضي الله عه أنه وفد على معاوية فلما خرج تبعه بعض حجابه فقال: إني رجل ذو مال لا يولد لي فقال: عليك بالاستغفار. فكان يكثر الاستغفار حتى إنه ربما استغفر في يوم واحد سبعمائة مرة فولد له عشرة بنين فبلغ ذلك معاوية فقال: هلا سألته مم قال ذلك؟ فوفد وفدة أخرى فسأله الرجل فقال: ألم تسمع قول هود: {ويزدكم قوة إلى قوتكم} وقول نوح: {ويمددكم بأموال وبنين} [نوح: 12] ثم قول هود: {لا تتولوا} أي لا تعرضوا عما أدعوكم إليه: {مجرمين} مصرين على الإِجرام والآثام. فجحدوا هودًا وقالوا ما جئتنا ببينة كما قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {لولا أنزل عليه آية من ربه} [الرعد: 27] ولم يشتهر منه معجزة ولكن العلماء قالوا: إظهار الدعوة مع أولئك الأقوام من غير مبالاة وتوانٍ آية من الآيات. وقوله: {عن قولك} حال من الضمير كأنه قيل: وما نترك آلهتنا صادرين عن قولك: {وما نحن لك بمؤمنين} لا يصدق مثلنا مثلك أبدًا. ثم زعموا أن بعض آلهتهم اعتراه بسوء أي غشيه وأورثه الخبل والجنون لأنه كان يسب آلهتهم وذلك قولهم: {إن نقول إلا اعتراك} وإلا لغو أي ما نقول شيئًا إلا هذا القول فمن ثم يتكلم بكلام المجانين. والمراد أن الأصنام كافأته على سوء فعله بسوء الجزاء فأظهر نبي الله الجلادة والثقة بالله فيما هو بصدده وتبرأ منهم ومن شركهم فأشهد الله وذلك إشهاد صحيح. وأشهدهم أيضًا وهذا كالتهاون وقلة المبالاة بهم كقول الرجل لمن نوى قطعه بالكلية: أشهد عليَّ أني لا أحبك تهكمًا به. وقد مر قوله: {فكيدوني} الآية في آخر سورة الأعراف. وقوله: {ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها}
تمثيل لغاية التسخير ونهاية التدليل، وكانوا إذا أسروا الأسير فأرادوا إطلاقه والمن عليه جزوا ناصيته فكان علامة لقهره. قالت المعتزلة: هذا دليل التوحيد لدلالته على أنه لا مالك إلا هو. وقوله: {إن ربي على صراط مستقيم} دليل العدل. والأشاعرة قالوا: معناه معنى: {إن ربك لبالمرصاد} [الفجر: 14] أي لا يخفى عليه شيء ولا يفوته هارب: {فإن تولوا فقد أبلغتكم} كقول القائل إن أكرمتني الآن فقد أكرمتك فيما مضى. والمراد فإن تتولوا فأنا غير معاتب ولا مقصر لأني قد قضيت حق الرسالة. وفي قوله: {ويستخلف} إشارة إلى عذاب الاستئصال وأنه يخلق بعدهم من هو أطوع منهم وأنه لا ينقص من ملكه شيئًا: {إن ربي على كل شيء حفيظ} يحفظ أعمال العباد حتى يجازيهم عليها، أو يحفظني من شرككم وكيدكم، أو يحفظني من الهلاك: {والذين آمنوا معه} قيل: كانوا أربعة آلاف: {برحمة منا} أي بفضل وامتنان أو بسبب ما هم فيه من الإيمان والعمل الصالح: {ونجيناهم من عذاب غليظ} أطلق التنجية أوّلًا ثم قيدها على معنى وكانت تلك التنجية من عذاب غليظ سموم تدخل في أفواههم وتخرج من أدبارهم فتقطعهم عضوًا عضوًا.
ويحتمل أن يراد بالثانية النجاة من عذاب الآخرة ولا عذاب أغلظ منه.
ولما ذكر قصتهم خاطب محمدًا وأشار إلى قبورهم وآثارهم بقوله: {وتلك عاد} فانظروا واعتبروا. ثم استأنف وصف أحوالهم مجملة فقال: {جحدوا بآيات ربهم} فلم يتسلقوا من المعجزات إلى صدق الأنبياء، ولم يرتقوا من الممكنات إلى وجود الواجب بالذات: {وعصوا رسله} قيل: لم يرسل إليه إلا هود، وصح الجمع لأن عصيان رسول واحد يتضمن عصيان كلهم: {لا نفرق بين أحد من رسله} [البقرة: 285]: {واتبعوا أمر كل جبار عنيد} أطاعوا رؤساءهم وكبراءهم المتمردة والمعاندة ولهذا جعلت اللعنة تابعة لهم في الدارين. وفي تكرير {ألا} والنداء على كفرهم، والدعاء عليهم بالبعد بعد إهلاكهم دلالة على تفظيع شأنهم وأنهم كانوا مستأهلين للدعاء عليهم بالهلاك، ويحتمل أن يراد البعد من رحمة الله في الآخرة. وقوله: {قوم هود} عطف بيان لعاد إما للتأكيد ومزيد التقرير، وإما لأن عادًا عادًا القديمة التي هي قوم هود، والأخرى وهي إِرم. قوله في قصة ثمود: {هو أنشأكم} تقديم الضمير للحصر أي لم ينشئكم إلا هو، ومعنى الإنشاء من الأرض أن الكل مخلوق من صلب آدم وهو مخلوق من الأرض. ويمكن أن يقال: إن الإنسان مخلوق من المني وهو يحصل من الغذاء والغذاء ينتهي إلى النبات ثم إلى الأرض. وقيل: إن من بمعنى في: {واستعمركم} من العمارة أي جعلكم عمارًا للأرض، وأمركم بالعمارة. فمنها واجب وندب ومباح ومكروه، وكان ملوك فارس قد أكثروا من حفر الأنهار وغرس الأشجار فعمروا الأعمار الطوال مع ما كان منهم من الظلم. فسأل نبي من أنبياء زمانهم ربه عن سبب تعميرهم فأوحى إليه أنهم عمروا بلادي فعاش فيها عبادي وقيل: من العمر نحو استبقاكم من البقاء. وقيل: من العمرى. ومعناه أعمركم الله فيها دياركم ثم هو وارثها منكم عند انقضاء أعماركم. أو جعلكم معمرين دياركم فيها لأن الرجل إذا ورّث داره من بعده فكأنه أعمره إياها لأنه يسكنها عمره ثم يتركها لوارثه.
ومعنى كونه تعالى قريبًا قد مر في قوله: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب} [البقرة: 186] وذلك في البقرة: {قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوًا} عن ابن عباس: فاضلًا خيرًا نقدمك على جميعنا. وقيل: كنا نظن بك الرشد والصلاح وكمال العقل وإصابة الرأي. وقيل: كنت تعطف على فقيرنا وتعيد ضعيفنا وتعود مرضانا فظننا أنك من الأنصار والأحباب وأهل الموافقة في الدين، فكيف أظهرت العداوة والبغضاء؟ ثم أضافوا إلى هذا الكلام التمسك بالتقليد ومتابعة الآباء، ثم صرحوا بالتوقف والريب في أمره.
ومريب من أرابه إذا أوقعه في الريبة، أو من أراب الرجل إذا كان ذا ريبة وهو من الإِسناد المجازي واعلم أن قوله: {وإنا لفي شك} بنون الوقاية هاهنا على الأصل، وأما في سورة إبراهيم فإنما قال: {وإنا} بغير نون الوقاية لقوله بعده: {تدعوننا} [الآية: 9] على الجمع فكان اجتماع النونات مستكرهًا. فأجابهم هو بقوله: {إن كنت على بينة} الآية. وبنى أمره على الفرض والتقدير لأن خطاب المخالف على هذا الوجه أقرب إلى القبول كأنه قال: قدروا أني على بينة: {من ربي} وأني نبي على الحقيقة فمن يمنعني من عذاب الله: {إن عصيته} في أوامره: {فما تزيدونني غير تخسير} أي على هذا التقدير تخسرون أعمالي وتبطلونها، أو فما تزيدونني بما تحملونني عليه إلا أني أنسبكم إلى الخسران وأقول إنكم خاسرون. والمعنى الأول أقرب لأنه كالدلالة على أن متابعتهم لا تزيده إلا خسران الدارين: {ويا قوم هذه ناقة الله} قد مر تفسيره في الأعراف. ومعنى: {عذاب قريب} عاجل لا يستأخر إلا ثلاثة أيام و: {غير مكذوب} من باب الاتساع أي غير مكذوب فيه فحذف الحرف. وأجرى الضمير مجرى المفعول به أو من باب المجاز كأن الوعد إذا أوفى به فقد صدق ولم يكذب أو المكذوب مصدر كالمجلود وصف به.
قوله: {فلما جاء أمرنا} بالفاء. وفي قصة هود بالواو ولمكان التعقيب هاهنا بدليل قوله: {عذاب قريب} ومثله في قصة لوط لقوله: {أليس الصبح بقريب} [هود: 81] وأما في قصة هود فإنه قال: {ويستخلف} بلفظ المستقبل ومثله في قصة شعيب: {سوف تعلمون من يأتيه} بحرف التسويف فلم يكن الفاء مناسبًا.
واعتبر هذا المعنى في سائر المواضع كما في سورة يوسف قال: {ولما جهزهم} [الآية: 59] بالواو أوّلًا لأن التعقيب لم يكن مرادًا ثم قال: {فلما جهزهم} [الآية: 70] لمكان التعقيب والله أعلم. قوله: {ومن خزي يومئذٍ} معطوف على محذوف والتقدير نجينا صالحًا ومن معه من العذاب النازل بقومه ومن الخزي الذي لزمهم، أو يتعلق بمعطوف محذوف أي ونجيناهم من خزي يومئذ كما قال: {ونجيناهم من عذاب غليظ} والمعنيان كما قلنا هناك. والقراءتان في: {يومئذٍ} لأن الظرف المضاف إلى إذ يجوز بناؤه على الفتح، والتنوين في إذ عوض من المضاف إليه أعني الجملة، والتقدير يوم إذ كان كذا وكسر الذال للساكنين: {إن ربك هو القوي العزيز} القادر الغالب فمن قدرته ميز المؤمن من الكافر، ومن عزته وقهره أهلك الكفار بالصيحة التي سمعوها من جانب السماء إما بواسطة جبرائيل وإما لإحداثها في سحاب مع برق شديد محرق. وإنما تصير الصيحة سببًا للهلاك لأن التموج الشديد في الهواء يوجب تأذي صماخ الإنسان، وقد يتمزق غشاء الدماغ بذلك، والأعراض النفسانية أيضًا إذا قويت أوجبت الموت وتمام القصة مذكور في سورة الأعراف، وقوله: {ألا إن ثمود} إلى آخره. شبيه بما مر في قصة هود، والتأويل كما مر في سورة الأعراف والله أعلم. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني في الآيات السابقة:

القصة الثالثة: التي ذكرها الله تعالى في هذه السورة قصة صالح عليه السلام المذكورة في قوله تعالى: {وإلى ثمود} وهم سكان الحجر، أي: وأرسلنا إلى ثمود: {أخاهم} فهو معطوف على قوله تعالى: {نوحًا} كما عطف عليه وإلى عاد وقوله تعالى: {صالحًا} عطف بيان، وتلك الأخوة كانت في النسب لا في الدين، كما مرّ في هود، ثم أخرج قوله عليه السلام على تقدير سؤال بقوله: {قال يا قوم}، أي: يا من يعز عليّ أن يحصل لهم سوء: {اعبدوا الله}، أي: وحدوه وخصوه بالعبادة: {ما لكم من إله غيره} هو إلهكم المستحق للعبادة لا هذه الأصنام، ثم ذكر الدلائل الدالة على وحدانيته تعالى بقوله: {هو أنشاكم}، أي: ابتدأ خلقكم: {من الأرض} وذلك أنهم من بني آدم وآدم خلق من الأرض، أو أنّ الإنسان مخلوق من المني وهو متولد من الدم والدم متولد من الأغذية وهي إمّا حيوانية وإمّا نباتية، فأمّا الحيوانية فحالها كحال الإنسان فوجب انتهاء الكل إلى النبات والنبات متولد من الأرض، فثبت أنه تعالى أنشأ الإنسان من الأرض. وقيل: من بمعنى في كما في قوله تعالى: {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} (الجمعة): {واستعمركم فيها}، أي: جعلكم عمارها وسكانها، وقال الضحاك: أطال أعماركم فيها حتى أنّ الواحد منهم كان يعيش ثلاثمائة سنة إلى ألف سنة وكذا كان قوم عاد، وروي أنّ ملوك فارس قد أكثروا من حفر الأنهار وغرس الأشجار وحصلت لهم الأعمار الطويلة، فسأل نبيّ من أنبياء زمانهم ربه ما سبب تلك الأعمار فأوحى الله إليه أنهم عمروا بلادي فعاش فيها عبادي، وأخذ معاوية في إحياء الأرض في آخرة عمره فقيل له ذلك فقال: ما حملني عليه إلا قول القائل:
ليس الفتى بفتى لا يستضاء به ** ولا يكون له في الأرض آثار

وقال مجاهد: استعمركم من العمرى، أي: جعلها لكم ما عشتم فإذا متم انتقلت إلى غيركم.