فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وهذا} الذي تشاهدونه: {بَعْلِى} أي زوجي، وأصل البعل القائم بالأمر فأطلق على الزوج لأنه يقوم بأمر الزوجة، وقال الراغب: هو الذكر من الزوجين وجمعه بعولة نحو فحل وفحولة، ولما تصوروا من الرجل استعلاءًا على المرأة فجعل سائسها والقائم عليها؛ وسمي به شبه كل مستعل على غيره به فسمي باسمه، ومن هنا سمي العرب معبودهم الذي يتقربون به إلى الله تعالى بعلا لاعتقادهم ذلك فيه: {شَيْخًا} ابن مائة سنة، أو مائة وعشرين، وهو من شاخ يشيخ، وقد يقال: للأنثى شيخة كما قال:
وتضحك مني (شيخة) عبشمية

ويجمع على أشياخ وشيوخ وشيخان ونصبه على الحال عند البصريين، والعامل فيه ما في هذا من معنى الإشارة أو التنبيه.
قال الزجاج: ومثل هذه الحال من لطيف النحو وغامضه إذ لا تجوز إلا حيث يعرف الخبر؛ ففي قولك: هذا زيد قائمًا لا يقال إلا لمن يعرفه فيفيده قيامه ولو لم يكن كذلك لزم أن لا يكون زيدًا عند عدم القيام وليس بصحيح فهنا بعليته معروفة، والمقصود بيان شيوخته وإلا لزم أن لا يكون بعلها قبل الشيخوخة قاله الطيبي، ونظر فيه بأنه إنما يتوجه إذا لم تكن الحال لازمة غير منفكة أما في نحو هذا أبوك عطوفًا فلا يلزم المحذور، والحال هاهنا مبينة هيئة الفاعل أو المفعول لأن العامل فيها ما أشير إليه وبذلك التأويل يتحد عامل الحال وذيها، وذهب الكوفيون إلى أن هذا يعمل عمل كان و: {شَيْخًا} خبره وسموه تقريبًا.
وقرأ ابن مسعود وهو في مصحفه والأعمش شيخ بالرفع على أنه خبر محذوف أي هو شيخ، أو خبر بعد خبر، وفي البحر إن الكلام على هذا كقولهم: هذا حلو حامض، أو هو الخبر، و: {بَعْلِى} بدل من اسم الإشارة.
أو بيان له، وجوز أن يكون: {بَعْلِى} الخبر، وشيخ تابعًا له، وكلتا الجملتين وقعت حالا من الضمير في: {ءأَلِدُ} لتقرير ما فيه من الاستبعاد وتعليله أي أألد وكلانا على حالة منافية لذلك، وإنما قدمت بيان حالها على بيان حاله عليه السلام لأن مباينة حالها لما ذكر من الولادة أكثر إذ ربما يولد للشيوخ من الشواب أما العجائز داؤهن عقام، ولأن البشارة متوجهة إليها صريحًا ولأن العكس في البيان ربما يوهم من أول الأمر نسبة المانع عن الولادة إلى جانب إبراهيم عليه السلام وفيه ما لا يخفى من المحذور، واقتصارها في الاستبعاد على ولادتها من غير تعرض لحال النافلة لأنها المستبعدة وأما ولادة ولدها فلا يتعلق بها استبعاد قاله سيخ الإسلام: {إِنَّ هَذَا} أي ما ذكر من حصول الولد من هرمين مثلنا، وقيل: هو إشارة إلى الولادة أو البشارة بها، والتذكير لأن المصدر في تأويل: {إن} مع الفعل ولعل المآل أن هذا الفعل: {لَشَئ عَجِيبٌ} أي من سنة الله تعالى المسلوكة في عباده، والجملة تعليل بطريق الاستئناف التحقيقي ومقصدها كما قيل: استعظام نعمة الله تعالى عليها في ضمن الاستعجاب العادي لا استبعاد ذلك من حيث القدرة.
{قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله} أي قدرته وحكمته، أو تكوينه وشأنه سبحانه أنكروا عليها تعجبها لأنها كانت ناشئة في بيت النبوة ومهبط الوحي ومحل الخوارق فكان حقها أن تتوقر ولا يزدهيها ما يزدهي سائر النساء من أمثال هذه الخوارق من ألطاف الله سبحانه الخفية ولطائف صنعه الفائضة على كل أحد ممن يتعلق بإفاضته عليه مشيئته تعالى الأزلية لاسيما أهل بيت النبوة الذين هم عم وأن تسبح الله تعالى وتمجده وتحمده، وإلى ذلك أشاروا بقوله عالى: {رَحْمَتَ الله} المستتبعة كل خير ووضع المظهر موضع المضمر لزيادة تشريفها والإيماء إلى عظمتها: {وبركاته} أي خيراته التامة المتكاثرة التي من جملتها هبة الأولاد، وقيل: الرحمة النبوة، والبركات الأسباط من بني إسرائيل لأن الأنبياء عليهم السلام منهم وكلهم من ولد إبراهيم عليه السلام؛ وقيل: رحمته تحيته، وبركاته فواضل خيره بالخلة والإمامة.
{عَلَيْكُمْ أَهْلَ البيت} نصب على المدح، أو الاختصاص كما ذهب إليه كثير من المعربين، قال أبو حيان: وبينهما فرق ولذلك جعلهما سيبويه في بابين وهو أن المنصوب على المدح لفظ يتضمن بوضعه المدح كما أن المنصوب على الذم يتضمن بوضعه الذم والمنصوب على الاختصاص يقصد به المدح، أو الذم لكن لفظه لا يتضمن بوضعه ذلك كقول رؤبة:
بنا تميما يكشف الضباب

انتهى، وفي الهمع أن النصب في الاختصاص بفعل واجب الإضمار وقدره سيبويه بأعنى ويختص بأن الواقعة بعد ضمير المتكلم كأنا أفعل كذا أيها الرجل.
وكاللهم اغفر لنا أيتها العصابة، وحكمها في هذا الباب إلا عند السيرافي والأخفش حكمها في باب النداء ويقوم مقامها في الأكثر كما قال سيبويه بنو نحو قوله:
نحن بني ضبة أصحاب الجمل

ومنه قوله:
نحن بنات طارق ** نمشي على النمارق

ومعشر كقوله:
لنا معشر الأنصار مجد مؤثل ** بإرضائنا خير البرية أحمدا

وفي الحديث: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث». وآل وأهل، وأبو عمرو لا ينصب غيرهما وليس بشيء، وقلّ كون ذلك علمًا كما في بيت رؤبة السابق في كلام أبي حيان، ولا يكون اسم إشارة. ولا غيره. ولا نكرة البتة.
ولا يجوز تقديم اسم الاختصاص على الضمير، وقلّ وقوع الاختصاص بعد ضمير المخاطب كسبحانك الله العظيم، وبعد لفظ غائب في تأويل المتكلم أو المخاطب نحو على المضارب الوضيعة أيها البائع، فالمضرب لفظ غيبة لأنه ظاهر لكنه في معنى على أو عليك، ومنع ذلك الصفار البتة لأن الاختصاص شبه النداء فكما لا ينادي الغائب فكذلك لا يكون فيه الاختصاص انتهى مع أدنى زيادة وتغيير، ومنه يعلم بعض ما في كلام أبي حيان وأن حمل ما في الآية الكريمة على الاختصاص انتهى مع أدنى زيادة وتغيير، ومنه يعلم بعض ما في كلام أبي حيان وأن حمل ما في الآية الكريمة على الاختصاص من ارتكاب ما قل في كلامهم، وجوز في الكشاف نصبه على النداء، وقدمه على احتمال النصب على الاختصاص، ولعله أشار بذلك إلى ترجيحه على الاحتمال الثاني لكن ذكر بعض الأفاضل إن في ذلك فوات معنى المدح المناسب للمقام، والمراد من البيت كما في البحر بيت السكنى، وأصله مأوى الإنسان بالليل، ثم قد يقال من غير اعتبار الليل فيه، ويقع على المتخذ من حجر ومن مدر، ومن صوف ووبر، وعبر عن مكان الشيء بأنه بيته ويجمع على بيوت وأبيات، وجمع الجمع أباييت وبيوتات وأبياوات، ويصغر على بييت وبييت بالكسر، ويقال: بويت كما تقوله العامة، وصرف الخطاب من صيغة الواحدة إلى الجمع ليكون جوابهم عليهم السلام لها جوابًا لمن يخطر بباله مثل ما خطر ببالها من سائر أهل البيت.
والجملة كلام مستأنف علل به إنكار تعجبها فهي جملة خبرية، واختاره جمع من المحققين، وقيل: هي دعائية وليس بذاك، واستدل بالآية على دخول الزوجة في أهل البيت، وهو الذي ذهب إليه السنيون، ويؤيده ما في سورة الأحزاب، وخالف في ذلك الشيعة فقالوا: لا تدخل إلا إذا كانت قريب الزوج، ومن نسبه فإن المراد من البيت بيت النسب لا بيت الطين والخشب، ودخول سارة رضي الله تعالى عنها هنا لأنها بنت عمه، وكأنهم حملوا البيت على الشرف كما هو أحد معانيه، وبه فسر في قول العباس رضي الله تعالى عنه يمدح النبي صلى الله عليه وسلم:
حتى احتوى (بيتك) المهيمن من ** خندف علياء تحتها النطف

ثم خصوا الشرف بالشرف النسبي وإلا فالبيت بمعنى النسب مما لم يشع عند اللغويين، ولعل الذي دعاهم لذلك بغضهم لعائشة رضي الله تعالى عنها فراموا إخراجها من حكم: {يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] وسيأتي إن شاء الله تعالى تفصيل الكلام في هذا المقام، واستدل بالآية على كراهة الزيادة في التحية على السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وروي ذلك عن غير واحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
أخرج البيهقي في الشعب عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رجلًا قال له: سلام عليك ورحمة الله وبركاته ومغفرته فانتهره ابن عمر وقال: حسبك ما قال الله تعالى، وأخرج عن ابن عباس أن سائلًا قام على الباب وهو عند ميمونة فقال: السلام عليكم أهل البيت ما قال الله تعالى، وأخرج عن ابن عباس أن سائلًا قام على الباب وهو عند ميمونة فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته وصلواته ومغفرته، فقال: انتهوا بالتحية إلى ما قال الله سبحانه، وفي رواية عن عطاء قال: كنت جالسًا عند ابن عباس فجاء سائل فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفته ورضوانه فقال: ما هذا السلام؟ا وغضب حتى احمرت وجنتاه إن الله تعالى حد للسلام حدًا ثم انتهى ونهى عما وراء ذلك ثم قرأ: {قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله رَحْمَتُ}، {إِنَّهُ حَمِيدٌ} قال أبو الهيثم: أي تحمد أفعاله، وفي الكشاف أي فاعل ما يستوجب به الحمد من عباده ففعيل بمعنى مفعول، وجوز الراغب أن يكون: {حَمِيدٌ} هنا بمعنى حامد ولعل الأول أولى: {مَّجِيدٌ} أي كثير الخير والإحسان، وقال ابن الأعرابي: هو الرفيع يقال: مجد كنصر وكرم مجدًا ومجادة أي كرم وشرف؛ وأصله من مجدت الابل إذا وقعت في مرعى كثير واسعد، وقد أمجدها الراعي إذا أوقعها في ذلك، وقال الأصمعي: يقال: أمجدت الدابة إذا أكثرت علفها، وقال الليث: أمجد فلان عطاءه ومجده إذا كثره، ومن ذلك قول أبي حية النميري:
تزيد على صواحبها وليست ** (بما جدة) الطعام ولا الشراب

أي ليست بكثيرة الطعام ولا الشراب، ومن أمثالهم في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفا رأي استكثر من ذلك، وقال الراغب: أي تحري السعة في بذل الفضل المختص به، وقال ابن عطية: مجد الشيء إذا حسنت أوصافه، والجملة على ما في الكشف تذييل حسن لبيان أن مقتضى حالها أن تحمد مستوجب الحمد المحسن إليها بما أحسن وتمجده إذ شرفها بما شرف، وقيل: هي تعليل لما سبق من قوله سبحانه: {قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ}. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا}
عطف قصة على قصة.
وتأكيد الخبر بحرف (قد) للاهتمام به كما تقدّم في قوله: {ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه} [هود: 25].
والغرض من هذه القصّة هو: الموعظة بمصير قوم لوط إذْ عصوا رسول ربّهم فحلّ بهم العذاب ولم تغن عنهم مجادلة إبراهيم.
وقدّمت قصة إبراهيم لذلك وللتنويه بمقامه عند ربّه على وجه الإدماج، ولذلك غيّر أسلوب الحكاية في القصص الّتي قبلها والتي بعدها نحو: {وإلى عاد} [هود: 50] إلخ.
والرّسل: الملائكة.
قال تعالى: {جاعل الملائكة رسلًا} [فاطر: 1].
والبشرى: اسم.
للتبشير والبشارة.
وتقدّم عند قوله تعالى: {وبشّر الذين آمنوا وعَمِلوا الصالحات} في أوّل سورة [البقرة: 25].
هذه البشرى هي التي في قوله: {فبشّرناها بإسحاق} لأنّ بشارة زوجه بابنٍ بشارة له أيضًا.
والباء في: {بالبشرى} للمصاحبة لأنّهم جاءوا لأجل البشرى فهي مصاحبة لهم كمصاحبة الرسالة للمرسل بها.
وجملة: {قالوا سلامًا} في موضع البيان ل: {البشرى}، لأنّ قولهم ذلك مبدأ البشرى، وإنّ ما اعترض بينها حكاية أحوال، وقد انتهى إليها في قوله: {فبشّرناها بإسحاق} إلى قوله: {إنّه حميد مجيد}.
والسّلام: التحيّة.
وتقدّم في قوله: {وإذا جاءك الّذين يؤمنون بآياتنا فقل سلامٌ عليكم} في سورة [الأنعام: 54].
و{سلامًا} مفعول مطلق وقع بَدَلًا من الفعل.
والتّقدير: سلّمنا سلامًا.
و: {سلام} المرفوع مصدر مرفوع على الخبر لمبتدأ محذوف، تقديره: أمري سلام، أي لكم، مثل: {فصبرٌ جميلٌ} [يوسف: 18].
ورفع المصدر أبلغ من نصبه، لأنّ الرّفع فيه تناسي معنى الفعل فهو أدلّ على الدّوام والثّبات.
ولذلك خالف بينهما للدّلالة على أنّ إبراهيم عليه السّلام ردّ السّلام بعبارة أحسن من عبارة الرسل زيادة في الإكرام.
قال ابن عطيّة: حيًّا الخليل بأحسن ممّا حُيّيَ به، أي نظرًا إلى الأدب الإلهي الذي عَلّمَهُ لَنَا في القرآن بقوله: {وإذا حيّيتم بتحيةٍ فَحَيّوا بأحسن منها أو رُدُّوها} [النساء: 86]، فَحكيَ ذلك بأوجز لفظ في العربية أداءً لمعنى كلام إبراهيم عليه السّلام في الكلدانيّة.
وقرأ الجمهور: {قال سَلامٌ} بفتح السّين وبِألِف بعد اللاّم.
وقرأه حمزة، والكسائي، وخلف: {قال سِلْم} بكسر السّين وبدون ألِف بعد اللاّم وهو اسم المسالمة.
وسمّيت به التحية كما سمّيت بمرادفِه (سَلام) فهو من باب اتّحاد وزن فَعال وفِعْل في بعض الصفات مثل: حرام وحِرم، وحلال وحلّ.
والفاء في قوله: {فما لبث} للدّلالة على التعقيب إسراعًا في إكرام الضّيف، وتعجيل القرى سنّة عربيّة: ظنهم إبراهيم عليه السّلام ناسًا فبادر إلى قراهم.
واللّبث في المكان يقتضي الانتقال عنه، أيْ فما أبطأ.
و: {أن جاء} يجوز أن يكون فاعل: {لَبِثَ}، أي فما لبث مجيئه بعجل حنيذ، أي فما أبطأ مَجيئه مصاحبًا له، أي بل عجّل.
ويجوز جعل فاعل: {لبث} ضمير إبراهيم عليه السّلام فيقدّر جارّ ل: {جاء}.
والتّقدير: فما لبث بأن جاء به.
وانتفاء اللبث مبالغة في العجل.
والحنيذ: المشوي، وهو المحنوذ.
والشيُّ أسْرَع من الطبخ، فهو أعون على تعجيل إحضار الطعام للضيف.
و: {لا تصل إليه} أشد في عدم الأخذ من (لا تتناوله).
ويقال: نكر الشيء إذا أنكره أي كرهه.
وإنّما نكرهم لأنّه حسب أنّ إمساكهم عن الأكل لأجل التبرّؤ من طعامه، وإنّما يكون ذلك في عادة النّاس في ذلك الزّمان إذا كان النّازل بالبيت يضمر شرًّا لمضيّفه، لأنّ أكل طعام القرى كالعهد على السّلامة من الأذى، لأنّ الجزاء على الإحسان بالإحسان مركوز في الفطرة، فإذا انكفّ أحد عن تناول الإحسان فذلك لأنّه لا يريد المسالمة ولا يرضى أن يكون كفورًا للإحسان.
ولذلك عقب قوله: {نكرهم} بـ: {أوجس منهم خيفة}، أي أحسّ في نفسه خيفة منهم وأضمر ذلك.
ومصدره الإيجاس.
وذلك أنّه خشي أن يكونوا مضمرين شرًّا له، أي حسبهم قطّاعًا، وكانوا ثلاثة وكان إبراهيم عليه السّلام وحده.
وجملة: {قالوا لا تخف} مفصولة عمّا قبلها، لأنّها أشبهت الجواب، لأنّه لمّا أوجس منهم خيفة ظهر أثرها على ملامحه، فكان ظهور أثرها بمنزلة قوله إنّي خفت منكم، ولذلك أجابوا ما في نفسه بقولهم: {لا تَخف}، فحكي ذلك عنهم بالطّريقة الّتي تحكى بها المحاورات، أو هو جواب كلام مقدّر دلّ عليه قوله: {وأوجس منهم خيفة}، أي وقال لهم: إنّي خفت منكم، كما حكي في سورة [الحجر: 52]: {قال إنّا منكم وَجِلون} ومن شأن النّاس إذا امتنع أحد من قبول طعامهم أن يقولوا له: لعلّك غادر أو عَدوّ، وقد كانوا يقولون للوافد: أحَرْبٌ أم سِلْمٌ.