فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقولهم: {إنّا أرسلنا إلى قوم لوط} مكاشفة منهم إيّاه بأنّهم ملائكة.
والجملة استئناف مبينة لسبب مجيئهم.
والحكمةُ من ذلك كرامة إبراهيم عليه السّلام وصدورهم عن علم منه.
وحذف متعلّق: {أرسلنا} أي بأي شيء، إيجازًا لظهوره من هذه القصّة وغيرها.
وعبّر عن الأقوام المراد عذابهم بطريق الإضافة: {قوم لوط} إذ لم يكن لأولئك الأقوام اسم يجمعهم ولا يرجعون إلى نسب بل كانوا خليطًا من فصائل عرفوا بأسماء قراهم، وأشهرها سدوم كما تقدّم في الأعراف.
وجملة: {وامرأته قائمة فضحكت} في موضع الحال من ضمير: {أوجس}، لأنّ امرأة إبراهيم عليه السّلام كانت حاضرة تقدّم الطّعام إليهم، فإن عادتهم كعادة العرب من بعدهم أنّ ربة المنزل تكون خادمة القوم.
وفي الحديث: «والعروس خادمهم».
وقال مرّة بن محكان التميمي:
يا ربّة البيت قومي غير صاغرة ** ضُمّي إليك رجال القوم والغربا

وقد اختصرت القصة هنا اختصارًا بديعًا لوقوعها في خلال الحوار بين الرسل وإبراهيم عليهم السّلام، وحكاية ذلك الحوار اقتضت إتمامه بحكاية قولهم: {لا تخف إنّا أرسلنا إلى قوم لوط}.
وأمّا البشرى فقد حصلت قبل أن يخبروه بأنّهم أرسلوا إلى قوم لوط كما في آية سورة [الذاريات: 28]: {فأوجس منهم خيفةً قالوا لا تخَف وبشّروه بغلاممٍ عليمٍ فلمّا اقتضى ترتيب المحاورة تقديم جملة قالوا لا تخف} حكيت قصة البشرى وما تبعها من المحاورة بطريقة الحال، لأنّ الحال تصلح للقبْليّة وللمقارنَة وللبعدية، وهي الحال المقدّرة.
وإنّما ضحكت امرأة إبراهيم عليه السّلام من تبشير الملائكة إبراهيم عليه السّلام بغلام، وكان ضحكها ضحك تعجّب واستبعاد.
وقد وقع في التّوراة في الإصحاح الثامن عشر من سفر التكوين وقالوا له: أين سارة امرأتك؟ فقال: ها هي في الخيمة.
فقالوا: يكون لسارة امرأتك ابن، وكانت سارة سامعة في باب الخيمة فضحكت سارة في باطنها قائلة: أفبالحقيقة ألِدُ وأنا قد شِخت؟ فقال الربّ: لماذا ضحكتْ سارة؟ فأنكرت سارة قائلة لم أضحك، لأنّها خافت، قال: لا بل ضحكت.
وتفريع: {فبشّرناها بإسحاق} على جملة: {ضحكت} باعتبار المعطوف وهو: {ومن وراء إسحاق يعقوب} لأنّها ما ضحكت إلاّ بعد أن بشّرها الملائكة بابن، فلمّا تعجبت من ذلك بشّروها بابن الابن زيادة في البشرى.
والتّعجيب بأن يولد لها ابن ويعيش وتعيش هي حتّى يولد لابنها ابن.
وذلك أدخل في العجب لأن شأن أبناء الشيوخ أن يكونوا مهزولين لا يعيشون غالبًا إلاّ معلولين، ولا يولد لهم في الأكثر ولأن شأن الشيوخ الذين يولد لهم أن لا يدركوا يفع أولادهم بله أولاد أولادهم.
ولما بشّروها بذلك صرحت بتعجبها الذي كتمته بالضحك، فقالت: {يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخًا إنّ هذا لشيءٌ عجيب}، فجملة: {قالت} جواب للبشارة.
و(يعقوب) مبتدأ: {ومن وراء إسحاق} خبر، والجملة على هذا في محلّ الحال.
وهذه قراءة الجمهور.
وقرأ ابن عامر، وحمزة، وحفص: {يعقوبَ} بفتحة وهو حينئذٍ عطف على: {إسحاق}.
وفصل بين حرف العطف والمعطوف بالظرف وخطبه سهل وإن استعظمه ظاهرية النحاة كأبي حيان بقياس حرف العطف النائب هنا مناب الجار على الجار نفسه، وهو قياس ضعيف إذ كون لفظ بمعنى لفظ لا يقتضي إعطاءه جميع أحكامه كما في مغني اللبيب.
والنداء في: {يا ويلتا} استعارة تبعية بتنزيل الويلة منزلة من يعقل حتّى تنادى، كأنها تقول: يا ويلتي احضر هنا فهذا موضعك.
والويلة: الحادثة الفظيعة والفضيحة.
ولعلّها المرة من الويل.
وتستعمل في مقام التعجب، يقال: يا ويلتي.
واتّفق القرّاء على قراءة: {يا ويلتا} بفتحة مشبعة في آخره بألف.
والألف التي في آخر: {يا ويلتا} هنا يجوز كونها عوضًا عن ياء المتكلم في النداء.
والأظهر أنها ألف الاستغاثة الواقعة خلَفًا عن لام الاستغاثة.
وأصله: يا لَويلة.
وأكثر ما تجيء هذه الألف في التعجّب بلفظ عجب، نحو: يا عجبًا، وباسم شيء متعجب منه، نحو: يا عشبا.
وكتب في المصحف بإمالة ولم يقرأ بالإمالة، قال الزجاج: كتب بصورة الياء على أصل ياء المتكلم.
والاستفهام في: {أألد وأنا عجوز} مستعمل في التعجب.
وجملة: {أنا عجوز} في موضع الحال، وهي مناط التعجب.
والبعل: الزوج.
وسيأتي بيانه عند تفسير قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلاّ لبعولتهن} في سورة [النّور: 31]، فانظره.
وزادت تقرير التعجب بجملة: {إنّ هذا لشيء عجيب} وهي جملة مؤكدة لصيغة التعجب فلذلك فصلت عن التي قبلها لكمال الاتّصال، وكأنّها كانت متردّدة في أنهم ملائكة فلم تطمئنّ لتحقيق بشراهم.
وجملة: {هذا بعلي} مركبة من مبتدأ وخبر لأنّ المعنى هذا المشار إليه هو بعلي، أي كيف يكون له ولد وهو كما ترى.
وانتصب: {شيخًا} على الحال من اسم الإشارة مبينة للمقصود من الإشارة.
وقرأ ابن مسعود: {وهذا بعلي شيخ} برفع شيخ على أن (بعلي) بيان من (هذا) و(شيخ) خبر المبتدأ.
ومعنى القراءتين واحد.
وقد جرت على هذه القراءة النادرة لطيفة وهي: ما أخبرنا شيخنا الأستاذ الجليل سالم بوحاجب أنّ أبا العبّاس المبرّد دُعي عند بعض الأعيان في بغداد إلى مأدبة، فلمّا فرغوا من الطّعام غنّت من وراء الستار جارية لرب المنزل ببيتين:
وقالوا لها هذا حبيبك معرضٌ ** فقالت ألاَ إعراضه أهون الخطب

فما هي إلاّ نظرة وابتسامة ** فتصطكّ رجلاه ويسقط للجنب

فطرب كل من بالمجلس إلاّ أبا العبّاس المبرد فلم يتحرك، فقال له رب المنزل: ما لك لم يطربك هذا؟.
فقالت الجارية: مَعذُور يحسبني لحنت في أن قلت: معرضٌ بالرفع ولم يعلم أنّ عبد الله بن مسعود قرأ: {وهذا بعلي شيخٌ} فطرب المبرد لهذا الجواب. وجواب الملائكة إياها بجملة: {أتعجبين من أمر الله} إنكار لتعجبها لأنه تعجّبٌ مراد منه الاستبعاد. و: {أمر الله} هو أمر التكوين، أي أتعجبين من قدرة الله على خرق العادات. وجوابهم جار على ثقتهم بأن خبرهم حق منبئ عن أمر الله.
وجملة: {رحمت الله وبركاته عليكم} تعليل لإنكار تعجبها، لأن الإنكار في قوة النفي، فصار المعنى: لا عجب من أمر الله لأنّ إعطاءك الولد رحمة من الله وبركة، فلا عجب في تعلّق قدرة الله بها وأنتم أهل لتلك الرحمة والبركة فلا عجب في وقوعها عندكم.
ووجه تعليل نفي العجب بهذا أن التعجب إمّا أن يكون من صدور هذا من عند الله وإما أن يكون في تخصيص الله به إبراهيم عليه السّلام وامرأته فكان قولهم: {رحمت الله وبركاته عليكم} مفيدًا تعليل انتفاء العجبين.
وتعريف: {البيت} تعريف جضور، وهو البيت الحاضر بينهم الذي جرى فيه هذا التحاور، أي بيت إبراهيم عليه السّلام.
والمعنى أهل هذا البيت.
والمقصود من النداء التنويه بهم ويجوز كونه اختصاصًا لزيادة بيان المرَاد من ضمير الخطاب.
وجملة: {إنّه حميد مجيد} تعليل لتوجه رحمته وبركاته إليهم بأنّ الله يحمد من يطيعه، وبأنّه مَجِيدٌ، أي عظيم الشأن لاَ حَدّ لِنِعَمِه فلا يعظم عليه أن يعطيها ولدًا، وفي اختيار وصف الحميد من بين الأسماء الحسنى كناية عن رضى الله تعالى على إبراهيم عليه السّلام وأهله. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا}
وكلمة رسل جمع رسول، والرسول هو المرسَل من جهة إلى جهة، وأي إنسان تبعثه إلى جهة ما؛ اسمه رسول، ولكن المعنى الشرعي للرسول: أن يكون مُرسَلًا من الله. ويقول الحق سبحانه: {الله يَصْطَفِي مِنَ الملائكة رُسُلًا وَمِنَ الناس} [الحج: 75]. واصطفاء الملائكة كرسل لتيسير التلقِّي عن الخالق سبحانه؛ لأن القوة التي تتلقى عن الخالق سبحانه وتعالى لابد أن تكون قوة عالية، والإنسان منا لا يقدر على أن يتلقى مباشرة عن الحق سبحانه.
لذلك يأتي لنا الله جَلَّ عُلاَه بالرسل، فيصطفي من الملائكة المخصوصين القادرين على التلقي لينزلوا على المصطفى من البشر القادر على حمل الرسالة. وهكذا نعلم أن الملائكة ليست كلها قادرة على التلقي من الله تعالى، ولا كل البشر بقادرين على التلقي عن الله أو عن الملائكة. وهذه الحلقات في الإبلاغ أرادها الحق سبحانه، لتؤهل للضعيف أن يأخذ من الأقوى؛ والبشر يلجأون إلى ذلك في حياتهم.
وسبق أن ضربت المثل، بأننا أثناء الليل نطفئ نور المنزل، لكننا نترك ضوءًا خافتًا يوضح لنا ملامح البيت، فإن قمنا ليلًا من النوم؛ لا نصطدم بمتاع البيت، فيتحطم ما نصطدم به إن كان أضعف منا، أو نُصَاب نحن إن اصطدمنا بما هو أقوى منا.
والنور الضعيف يتيح لنا أن نرى مكان مفتاح الضوء القوي.
وكذلك يفعل الله سبحانه وتعالى، فيأتي بمصطفى من الملائكة، يتلقى عن الحق سبحانه ويبلغ المَلَكُ من هؤلاء الرسولَ المصطفى من البشر.
والحق سبحانه هو القائل: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ الله إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [الشورى: 51].
وهنا يقول الحق سبحانه: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بالبشرى} [هود: 69].
والبشرى هي الإخبار بشيء يسرُّ قبل أوان وقوعه، وهي عكس الإنذار الذي يعني الإخبار بشيء محزن قبل أوانه.
وقبل أن يوضح الرسل لإبراهيم عليه السلام البشارة التي جاءوا من أجلها، يعلمنا الحق سبحانه المقدمات اللازمة للدخول إلى الأماكن، فمن أدب الدخول إلى أي مكان أن نسلِّم على أهل هذا المكان، والحق سبحانه القائل: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ على أَهْلِهَا} [النور: 27].
ولذلك يأتي الحق سبحانه هنا بما قالته الملائكة من قبل إبلاغ البشرى: {قَالُواْ سَلاَمًا} [هود: 69].
وجاء سبحانه بردِّ إبراهيم عليه السلام: {قَالَ سَلاَمٌ} [هود: 69].
ونحن نلحظ أن السلام جاء على ألسنتهم بالنصب، والرد بالسلام جاء بالرفع، وقولهم: {سَلاَمًا} دل على فعل يوضح التجدد، والرد جاء بكلمة: {سَلاَمٌ} بالرفع؛ ليدل على الثبات والإصرار.
والحق سبحانه هو القائل: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86].
هكذا استقبل إبراهيم عليه السلام رسل الحق سبحانه.
ثم يقول الحق سبحانه: {فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود: 69].
والعجل هو ولد البقر.
وهناك آيات كثيرة في القرآن تعرضت لقصة إبراهيم عليه السلام في أكثر من موضع من مواضع القرآن، لا بقصد التكرار، ولكن لأن كل لقطة في أي موضع هي لقطة مقصودة لها دلائلها وأسرارها، فإذا جُمِعَتْ اللقطات فسوف تكتمل لك قصة إبراهيم عليه السلام في شمول متكامل.
وعلى سبيل المثال: يقول الحق سبحانه: {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السماوات والأرض} [الأنعام: 75].
وفي موضع آخر يتعرض الحق سبحانه للتربية اليقينية التي أرادها لإبراهيم، فيقول سبحانه: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اليل رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفلين فَلَمَّا رَأَى القمر بَازِغًا قَالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ القوم الضالين فَلَماَّ رَأَى الشمس بَازِغَةً قَالَ هذا رَبِّي هاذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يا قوم إِنِّي بريء مِّمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السماوات والأرض حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ المشركين} [الأنعام: 76- 79].
إن هذه الآيات تبين وظيفة الحواس إدراكًا، ووظيفة الوجدان انفعالًا، ووظيفة الاختيار توحيدًا وإذعانًا بيقين.
ثم يقول الحق سبحانه في موضع آخر على لسان إبراهيم عليه السلام فخاطب عمه باحترام لمكانته التي تساوي منزلة الأب.
يقول الحق سبحانه: {واذكر فِي الكتاب إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يا أبت لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا يا أبت إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ العلم مَا لَمْ يَأْتِكَ فاتبعني أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا يا أبت لاَ تَعْبُدِ الشيطان إِنَّ الشيطان كَانَ للرحمن عَصِيًّا يا أبت إني أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرحمن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} [مريم: 41- 45].
فهذه الآية تبين رفق الداعي مع جمال العرض.
فأصرَّ العَمُّ على الشرك، فقال إبراهيم عليه السلام: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ ربي} [مريم: 47].
وبعد ذلك يتبرأ منه لإصراره على الكفر.
ثم هناك لقطة من يُحاجِج إبراهيم في ربه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ الله الملك إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة: 258].
وكانت تلك سفسطة في القول ناتجة عن عجز في التعبير، فليس إصدار حكم بالقتل على إنسان، ثم العفو عنه، هو إحياء وإماتة، فأخذه إبراهيم عليه السلام إلى منطقة لا يجرؤ عليها أحد، وقال: {فَإِنَّ الله يَأْتِي بالشمس مِنَ المشرق فَأْتِ بِهَا مِنَ المغرب} [البقرة: 258].
وهذه الآية تبين منطق الحق أمام زيف الباطل، ثم يأتي في موضع آخر من القرآن ليبين المقارنة بين فكرة الكفر، وفكرة الإيمان، فيقول سبحانه: {واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 69- 74].
وفي هذه الآية أمثلة تحمل جواب الإسكات.
ثم يقول الحق سبحانه، على لسان إبراهيم عليه السلام: {الذي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ والذي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ والذي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ والذي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدين} [الشعراء: 78- 82].
يقول رب العزة سبحانه في سورة الأنبياء: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هذه التماثيل التي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ قَالُواْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ قالوا أَجِئْتَنَا بالحق أَمْ أَنتَ مِنَ اللاعبين قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السماوات والأرض الذي فطَرَهُنَّ وَأَنَاْ على ذلكم مِّنَ الشاهدين} [الأنبياء: 51- 56].