فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)}.
أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وإذ استسقى موسى لقومه} الآية. قال: ذلك في التيه، ضرب لهم موسى الحجر فصار فيه اثنتا عشرة عينا من ماء، لكل سبط منهم عين يشربون منها.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {وإذ استسقى موسى لقومه} الآية. قال: كان هذا في البرية حيث خشوا الظمأ استسقى موسى فأمر بحجر أن يضربه، وكان حجرا طورانيًا من الطور يحملونه معهم، حتى إذا نزلوا ضربه موسى بعصاه {فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم} قال: لكل سبط مهم عين معلومة يستفيد ماءها.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد قال: انفجر لهم الحجر بضربة موسى اثنتي عشرة عينا، كل ذلك كان في تيههم حين تاهوا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن جوبير أنه سئل في قوله: {قد علم كل أناس مشربهم} قال: كان موسى يضع الحجر ويقوم من كل سبط رجل، ويضرب موسى الحجر فينفجر منه اثنتا عشرة عينًا، فينتضح من كل عين على رجل، فيدعو ذلك الرجل سبطه إلى تلك العين.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ولا تعثوا في الأرض} قال: لا تسعوا.
وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله: {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} قال: لا تسعوا في الأرض فسادًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله: {ولا تعثوا} قال: يعني ولا تمشوا بالمعاصي.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} قال: لا تسيروا في الأرض مفسدين.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: استسقى موسى لقومه فقال: اشربوا يا حمير: فقال الله تعالى له: لا تسمّ عبادي حميرًا. اهـ.
سبحانك هذا بهتان عظيم. فتبه إلى مثله وخصوصا ما يذكره الإمام السيوطي في تفسيره فكثيرا ما يذكر روايات ضعيفة بل وموضوعة غفر الله لنا وله.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
كسرت الذّال من {إذ} لالتقاء الساكنين، والسين للطلب على وجه الدعاء أي: سأل لهم السُّقْيَا، وألف {اسْتَسْقَى} منقلبة عن ياء؛ لأنه من السَّقْي، وتقدَّم معنى اسْتَفْعَلَ، ويقال: سَقَيْتُه وأَسْقَيْتُهُ، بِمَعْنّى؛ وأنشد: الوافر:
سَقَى قَوْمِي بَنِي مَجْدٍ وَأَسْقَى ** نُمَيْرًا وَالقَبَائِلَ مِنْ هِلاَلِ

وقيل: سقيته: أعطيته ما يشرب، وأسقيته: جعلت ذلك له يتناوله كيف شاء.
والإسْقاء أبلغ من السَّقْي على هذا.
وقيل: أسقيته: دَلَلْتُه على الماء، وسيأتي عند قوله: {نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ} [النحل: 66] وسقى وأسقى متعدّيان لمفعولين، قال تعالى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21] وقال: {وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاءً فُرَاتًا} [المرسلات: 27].
و{لِقَوْمِهِ} متعلّق بالفعل، واللام للعلّة، أي: لأجل، أو تكمون للبيان لما كان المراد به الدعاء كالتي في قولهم: سُقْيًا لَكَ فتتعلّق بمحذوف كنظيرتها.
قوله: {اضرب بِّعَصَاكَ الحجر} الإدغام هنا واجبٌ؛ لأنه متى اجتمع مثلان في كلمتين؛ أو كلمة أوّلهما ساكن وجب الإدغام نحو: اضرب بكرًا، وألف عصاك منقلبة عن واو؛ لقولهم في النّسب: عَصَوِيٌّ، وفي التثنية عَصَوَان؛ قال: الطويل:
عَلَى عَصَوَيْهَا سَابِرِيٌّ مُشَبْرَقُ

والجمع: عُصِيّ وعِصِيّ بضم العين وكسرها إتباعًا، وأَعْصِ مثل زَمَنٍ وأَزْمُن، والأصل: عُصُوُو وأَعْصُو، فأعلّ.
وعَصَوْتُه بالعَصَا، وعَصَيْتُه بالسيف.
وألقى عَصَاه يعبر به عن بلوغ المنزل، قال: الطويل:
فَأَلْقَتْ عَصَاهَا وَاسْتَقَرَّ بِهَا النَّوَى ** كَمَا قَرَّعَيْنَا بِالإيَابِ المُسَافِرُ

وانشقت العَصَا بين القوم، أي: وقع الخلاف؛ قال: الطويل:
إذَا كَانَتِ الهَيْجَاءُ وَانْشَقَّتِ العَصَا ** فَحَبْسُكَ وَالضَّحَّاحُ سَيْفٌ مُهَنَّدُ

قال الفَرَّاء: أوّل لحن سمع بالعراق هذه عَصَاتي، يعني: بالتاء.
وفي المثل: العَصَا من العُصَيَّة أي: بَعْضُ الأمر من بَعْضٍ.
و{الحَجَر} مفعول.
وأل فيه للعَهْدِ.
وقيلك للجنس، وهو معروف، وقياس جمعه في أدنى العدد أَحْجَار وفي التكثير: حِجَارٌ وحِجَارَةٌ نادر، وهو كقلونا: جَمَل وجِمَالة، وذَكَر وذِكَارة قاله ابن فارس والجَوْهري.
وكيف يكون نادرًا وفي القرآن: {فَهِيَ كالحجارة أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الحجارة} [البقرة: 27]، {قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً} [الإسراء: 50]، {تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ} [الفيل: 4]، {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً} [هود: 82].
قوله: {فانفجرت} الفاء عاطفة على محذوف لابد من تقديره: فضرب فانفجرت.
قال ابن عصفور: إن هذه الفاء الموجودة هي الداخلة على ذلك الفعل المحذوف، والفاء الداخلة على انْفَجَرَتْ محذوفة، وكأنه يقول: حذف الفعل الأول لدلالة الثاني عليه، وحذفت الفاء الثانية لدلالة الأولى عليها.
ولا حاجة إلى ذلك، بل يقال: حذفت الفاء، وما عطفته قبلها.
وجعلها الزمخشري جواب شرط مقدر قال: أو فإن ضربت فقد انفجرت، قال: وهي على هذا فاء فَصِيحة لا تقع إلا في كلام بليغ.
وكأنه يريد تفسير المعنى لا الإعراب.
والانْفِجَار: الانشقاق والتفتُّح، ومنه: الفَجْر لانشقاقه بالضَّوء.
وفي: {فانبجست} [الأعراف: 160] فقيل: هما بمعنى.
وقيل: الانْبِجَاس أضيق؛ لأنه يكون أولًا والانفجار ثانيًا.
وقيل: انبجس وتبجّس وتفجّر وتفتّق بمعنّى وَاحِدٍ.
قوله: {اثنتا عَشْرَةَ عَيْنًا} فاعل انْفَجَرَتْ، والألف علامة الرفع؛ لأنه محمول على المُثَنّى، وليس بمثنى حقيقة، إذ لا واحد له من لفظه، وكذلك مذكره اثنان، ولا يضاف إلى تمييز، لاستغنائه بذكر المعدود مثنى تقول: رجلان وامرأتان ولا تقول: يضاف إلى اثنا رَجُل، ولا اثنتا امرأة إلا ما جاء نادرًا فلا يقاس عليه، قال: الرجز:
كَأَنَّ خُصْيَيْهِ مِنَ التَّدَلْدُلِ ** ظَرْفُ عَجُوزٍ فِيهِ ثِنْتَا حَنْضَلِ

وثنتان مثل اثنتين، وحكم اثنين واثنتين في العدد المركب أن يُعْرَبا بخلاف سائر أخواتهما، قالوا: لأنه حذف معهما ما يحذف في المعرب عند الإضافة، وهي النون، فأشبها المعرب فأعربا كالمثنى بالألف رفعًا والباء نصبًا وجرًّا.
وأما {عَشْرة} فمبني لتنزله منزلة تاء التأنيث، ولها أحكام كثيرة.
و{عَيْنًا} تمييز.
وقرأ مجاهد وطلحة وعيسى: {عَشِرَة} بكسر الشين، وهي لغة تميم.
قال النحَّاس: وهذا عجيب فإن لغة تميم {عشرة} بالكسر، وسبيلهم التخفيف، ولغة {عَشْرة} بالسكون، وسبيلهم التثقيل.
وقرأ الأعمش: {عَشَرَة} بالفتح.
والعَيْن: اسم مشترك بين عَيْنِ الإنسان، وعَيْنِ الماء، وعين الرَّكّية، وعَيْنِ الشمس، وعَيْنِ الذهب، وعين الميزان.
والعين: سحابة تقبل من ناحية القبلة.
والعين: المَطَر الدائم ستًّا أو خمسًا.
والعين: الثقب في المَزَادة، وبلد قليل العين، أي: قليل النَّاس.
وبها عين، محركة الياء.
فإن قيل: إذا كانت العين لفظًا مشتركًا بين حقائق، فكيف وقعت هنا تمييزًا؟
فالجواب: أن قوله: {وَإذِ اسْتَسْقَى}، وقوله: {فَانْفَجَرَتْ}، وقوله: {مَشْرَبَهُمْ} دليل على إرادة عين الماء، فاللفظ مع القرينة مميز، والعَيْن من الماء شبيهة بالعين من الحيوان لخروج الماء منها، كخروج الدَّمع من عين الحيوان.
وقيل: لما كان عين الحيوان اشرف ما فيه شبّهت به عين الماء؛ لأنها أشرف ما في الأرض.
قوله: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ} [الأعراف: 82] قد تقدّم الكلام على أنّ {أناس} أصل النّاس.
وقال الزمخشري في سورة الأعراف: إنه اسم جمع غير تكسير، ثم قال: ويجوز أن يكون الأصل الكسر، والتكسير، والضمة بدل من الكسرة، كما أبدلت في سُكَارى من الفتحة وسيأتي البحث معه إن شاء الله تعالى.
قوله: {مَّشْرَبَهُمْ} مفعول ل {علم} بمعنى عرف، والمَشْرَب هنا موضع الشُّرْب؛ لأنه روي أنه كان لكل سِبْطٍ عَيْنٌ من اثنتي عشرة عينًا، لا يشاركه فيها سبط غيره.
وقيل: هو نفس المشروب، فيكون مصدرًا واقعًا موقع المفعول به، وضمير الجمع في قوله: {مشربهم} يعود على معنى {كُلُّ أُنَاسِ}.
قوله: {كُلُواْ واشربوا} هاتان الجملتان في محلّ نصب بقول مضمر تقديره: وقلنا لهم: كلوا واشربوا.
وقد تقدّم تصريف كُلْ وما حذف منه.
قوله: {مِن رِّزْقِ الله} هذه من باب الإعمال؛ لأن كلّ واحد من الفعلين يصحّ تسلّطه عليه، وهو من باب إعمال الثاني للحذف من الأول.
والتقدير: كلوا منه.
و{من} يجوز أن تكون لابتداء الغاية، وأن تكون للتبعيض، ويجوز أن يكون مفعول الأكل محذوفًا، وكذلك مفعول الشرب؛ للدلالة عليهما، والتقدير: كلوا المَنّ والسَّلوى لتقدمهما في قوله: {وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ المن والسلوى} [البقرة: 57]، واشربوا ماء العيون المتفجّرة.
وعلى هذا فالجار والمجرور يحتمل تعلّقه بالفعل قبله، ويحتمل أن يكون حالًا من ذلك المفعول المحذوف، فيتعلّق بمحذوفة.
وقيل: المراد بالرِّزْقِ الماء وحده، ونسب الأكل إليه لما كان سببًا في نَمَاءِ ما يؤكل وحَيَاته، فهو رزق يؤكل منه ويشرب.
والمُرَاد بالزرق المرزوق، وهو يحتمل أن يكون من باب ذِبْح ورِعْي، وأن يكون من باب درهم ضرب الأمير وقد تقدم بيانه.
قوله: {وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض مُفْسِدِينَ}.
أصل {تعثوا}: تَعْثَيُوا، فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت، فالتقى ساكنان فحذف الأول منهما وهو الياء، أو لما تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفًا فالتقى ساكنان، فحذفت الألف، وبقيت الفتحة تدل عليها.
وهذا أولى، فوزنه تفعون.
والعِثِيّ والعَيْث: أشد الفساد وهما متقاربان.
وقال بعضهم: إلا أنّ العَيْثَ أكثر ما يقال فيما يدرك حسّه، والعِثِيّ فيما يدرك حكمًا، يقال: عَثِيَ يَعْثَى عِثِيًّا، وهي لغة القرآن، وَعَثَا يَعْثُو عُثُوًّا، وعَاثَ يَعيثُ عَيْثًا.
وليس عاث مقلوبًا من عَثِيَ كجَبَذَ وجَذَبَ لتفاوت معنييهما كما تقدم.
ويحتمل ذلك، ثم اختصّ كل واحد بنوع، ويقال: عَثِي يَعْثَى عِثِيًّا ومَعَاثًا، وليس عَثِيَ أصله عَثِوَ فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، كرضي من الرِّضْوَان، لثبوت العِثِيِّ، وإن تَوَهَّم بعضهم ذلك.
ويقال: عَثَّ يَعُيُّ مضافًا أي: فسد، قال ابن الرِّقَاع: الكامل:
لَوْلاَ الحَيَاءُ وَأَنَّ رَأَسِيَ قَدْ عَثَا ** فِيهِ المَشِيبُ لَزُرْتُ أُمَّ القَاسِمِ

ومنه: العُثَّة: سوسة تفسد الصُّوف.
وأما عَتَا بالتاء المُثَنّاة من فوق فهو قريب من معناه، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى.
و{مُفْسِدِينَ} حال من فاعل تَعْثُوا وهي حال مؤكدة؛ لأن معناها قد فهم من عاملها، وحسن ذلك اختلاف اللفظين، ومثله: {ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} [التوبة: 25]، هكذا قالوا.
ويحتمل أن تكون حالًا مبينة؛ لأن الفساد أعم، والمعنى أخص، ولهذا قال الزمخشري: فقيل لهم لا تَتَمَادّوْا في الفساد في حال فسادكم؛ لأنهم كانوا متمادين فيه.
فغاير بينهما كما ترى.
و{في الأرض} يحتملم أن يتعلّق ب {تعثوا} وهو الظاهر، وأن يتعلّق ب {مفسدين}.
والمراد بالأرض: عموم الأرض لا أرض التِّيْهِ.
والمراد بالفساد هاهنا هو قوله في سورة طه: {وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ} [طه: 81]. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (61):

قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)}.