فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ} أي الخوف والفزع، قال الشاعر:
إذا أخذتها هزة (الروع) أمسكت ** بمنكب مقدام على الهول أروعا

والفعل راع، ويتعدى بنفسه كما في قوله:
(ما راعني) إلا حمولة أهلها ** وسط الديار تسف حب الخمخم

والروع بضم الراء النفس وهي محل الروع، والفاء لربط بعض أحوال إبراهيم عليه السلام ببعض غب انفصالها بما ليس بأجنبي من كل وجه بل له مدخل في السياق والسباق، وتأخر الفاعل عن الظرف لكونه مصب الفائدة، والمعنى لما زال عنه ما كان أوجسه منهم من الخيفة وأطمأنت نفسه بالوقوف على جلية أمرهم: {وَجَاءتْهُ البشرى يجادلنا في قَوْمِ لُوطٍ} أي يجادل رسلنا في حالهم وشأنهم، ففيه مجاز في الإسناد، وكانت مجادلته عليه السلام لهم ما قصه الله سبحانه في قوله سبحانه في سورة العنكبوت: {وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إبراهيم بالبشرى قَالُواْ إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هذه القرية إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظالمين قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا} [العنكبوت: 31، 32] فقوله عليه السلام: {إِنَّ فِيهَا لُوطًا} مجادلة وعد ذلك مجادلة لأن مآله على ما قيل: كيف تهلك قرية فيها من هو مؤمن غير مستحق للعذاب؟ ولذا أجابوه بقولهم: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرأته} [العنكبوت: 32] وهذا القدر من القول هو المتيقن.
وعن حذيفة أنهم لما قالوا لع عليه السلام ما قالوا، قال: أرأيتم إن كان فيها خمسون من المسلمين أتهلكونها؟ قالوا: لا، قال: فثلاثون؟ قالوا: لا، قال: فعشرون، قالوا: لا، قال: فإن كان فيهم عشرة، أو خمسة شك الرواي؟ قالوا: لا، قال: أرأيتم إن كان فيها رجل واحد من المسلمين أتهلكونها؟ قالوا: لا، فعند ذلك قال: {إِنَّ فِيهَا لُوطًا} [العنكبوت: 32] فأجابوه بما أجابوه، وروي نحو ذلك عدة روايات الله تعالى أعلم بصحتها، وفسر بعضهم المجادلة بطلب الشفاعة، وقيل: هي سؤاله عن العذاب هل هو واقع بهم لا محالة أم على سبيل الإخافة ليرجعوا إلى الطاعة؟ وأيًا مّا كان فيجادلنا جواب لما وكان الظاهر جادلنا إلا أنه عبر بالمضارع لحكاية الحال الماضية واستحضار صورتها، وقيل: إن لما كلو تقلب المضارع ماضيًا كما أن أن تقلب الماضي مستقبلًا، وقيل: الجواب محذوف، وهذه الجملة في موضع الحال من فاعله أي أخذ أو أقبل مجادلالنا، وآثر هذا الوجه الزجاج ولكنه جعله مع حكاية الحال وجهًا واحدًا لأنه قال: ولم يذكر في الكلام أخذ لأن الكلام إذا أريد به حكاية حال ماضية قدر فيه أخذ وأقبل لأنك إذا قلت: قام زيد دل على فعل ماض، وإذا قلت: أخذ زيد يقوم دل على حال ممتدة من أجلها ذكر أخذ وأقبل، وصنيع الزمخشري يدل على أنهما وجهان، وتحقيقه على ما في الكشف أنه إذا أريد استمرار الماضي فهو كما ذكره الزجاج، وإن أريد التصوير المجرد فلا، وقيل: الجواب محذوف.
والجملة مستأنفة استئنافًا نحويًا أو بيانيًا وهي دليل عليه، والتقدير اجترأ على خطابنا أو فطن بمجادلتنا وقال: كيت وكيت، واختاره في الكشاف، وقيل: إن هذه الجملة وكذا الجملة التي قبلها في موضع الحال من: {إِبْرَاهِيمَ} على الترادف أو التداخل وجواب لما قلنا يقدر قبل: {يإبراهيم أَعْرِضْ عَنْ هذا} [هود: 76]، وأقرب الأقوال أولها، والبشرى إن فسرت بقولهم: {لاَ تَخَفْ} [هود: 0] فسببية ذهاب الخوف ومجيء السرور للمجادلة ظاهرة، وأما إن فسرت ببشارة الولد كما أخرجه ابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن قتادة واختاره جمع أو بما يعمها فلعل سببيتها لها من حيث أنها تفيد زيادة اطمئنان قبله عليه السلام بسلامته وسلامة أهله كافة كذا قاله مولانا شيخ الإسلام، ثم قال: إن قيل: إن المتبادر من هذا الكلام أن يكون إبراهيم عليه السلام قد علم أنهم مرسلون لإهلاك قوم لوط قبل ذهاب الروع عن نفسه ولكن لم يقدر على مجادلتهم في شأنهم لاشتغاله بشأن نفسه، فلما ذهب عنه الروع فرغ لها مع أن ذهاب الروع إنما هو قبل العلم بذلك لقوله سبحانه: {قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمِ لُوطٍ} [هود: 70] قلنا: كان لوط عليه السلام على شريعة إبراهيم عليه السلام وقومه مكلفين بها فلما رأى من الملائكة عليهم السلام ما رأى خاف على نفسه وعلى كافة أمته التي من جملتهم قوم لوط، ولا ريب في تقدم هذا الخوف على قولهم: {لاَ تَخَفْ} [هود: 70] وأما الذي علمه عليه السلام بعد النهي فهو اختصاص قوم لوط بالهلاك لا دخول لهم تحت العموم فتأمل انتهى.
وفيه أن كون الكل أمته في حيز المنع، وما أشار إليه من اتحاد الشريعتين إن أراد به الاتحاد في الأصول كاتحاد شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم مع شريعة إبراهيم عليه السلام فمسلم لكن لا يلزم منه ذلك، وإن أراد به الاتحاد في الأصول والفروع فغير مسلم ولو سلم ففي لزوم كون الكل أمته له تردد على أنه لو سلمنا كل ذلك فلقائل أن يقول: سلمنا أنه عليه السلام لما رأى من الملائكة عليهم السلام ما رأى حصل له خوف على نفسه وعلى كافة أمته التي من جملتهم قوم لوط عليه السلام لكن لا نسلم أن هذا الخوف كان عن علم بأن أولئك الملائكة كانوا مرسلين لاهلاك الكل المندرج فيه قوم لوط بل عن تردد وتحير في أمرهم، وحينئذ لا ينحل السؤال بهذا الجواب كما لا يخفى على المتبصر، وكأنه لذلك أمر بالتأمل؛ وقد يقال: المفهوم من الكلام تحقق المجادلة بعد تحقق مجموع الأمرين ذهاب الروع ومجيء البشارة، وهو لا يستدعي إلا سبق العلم بأنهم مرسلون لإهلاك قوم لوط على تحقق المجموع، ويكفي في ذلك سبقه على تحقق البشارة، وهذا العلم مستفاد من قولهم له: {لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمِ لُوطٍ} [هود: 70] وكأنه عليه السلام إنما لم يجادل بعد هذا العلم، وأخر المجادلة إلى مجيء البشارة ليرى ما ينتهى إليه كلام الملائكة عليهم السلام، أو لأنه لم يقع فاصل سكوت في البين ليجادل فيه إلا أن هذا لا يتم إلا أن يكون الإخبار بالإرسال إلى قوم لوط سابقًا على البشارة بالولد، وفيه تردد.
وفي بعض الآيات ما هو ظاهر في سبق البشارة على الإخبار بذلك، نعم يمكن أن يلتزم سبق الأخبار على البشارة، ويقال: إنهم أخبروه أولا ثم بشروه ثانيًا، ثم بعد أن تحقق مجموع الأمرين قال: {فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا المرسلون} [الحجر: 57] ويقال: الرماد منه السؤال عن حال العذاب هل هو واقع بهم لا محالة أم هو على سبيل الإخافة ليرجعوا إلى الإيمان؟ وتفسير المجادلة به كما مر عن بعض فتدبر ذاك والله سبحانه يتولى هداك.
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ} غير عجول على الانتقام إلى المسيء إليه: {أواه} كثير التأوة من الذنوب والتأسف على الناس: {أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ} راجع إلى الله تعالى، والمقصود من وصفه عليه السلام بهذه الصفات المنبئة عن الشفقة ورقة القلب بيان ما حمله على ما صدر عنه من المجادلة، وحمل الحلم على عدم العجلة والتأني في الشيء مطلقًا، وجعل المقصود من الوصف بتلك الصفات بيان ما حمله على المجادلة وإيقاعها بعد أن تحقق ذهاب الروع ومجيء البشرى لا يخفي حاله.
{يَا إِبْرَاهِيمُ} على تقدير القول ليرتبط بما قبل أي قالت الملائكة، أو قلنا: {ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ}.
{أَعْرِضْ عَنْ هذا} الجدال: {أَنَّهُ} أي الشأن: {قَدْ جَاء أَمْرُ رَبّكَ} أي قدره تعالى المقضى بعذابهم، وقد يفسر بالعذاب، ويراد بالمجيء المشارفة فلا يتكرر مع قوله سبحانه: {وَإِنَّهُمْ اتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} أي لا بجدال ولا بدعاء ولا بغيرهما إذ حاصل ذلك حينئذ شارفهم ثم وقع بهم، وقيل: لا حاجة إلى اعتبار المشارفة، والتكرار مدفوع بأن ذاك توطئة لذكر كونه غير مردود.
وقرأ عمرو بن هرم وإنهم أتاهم بلفظ الماضي، و: {عَذَابِ} فاعل به، وعبر بالماضي لتحقيق الوقوع. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ}
التعريف في: {الرّوع} وفي: {البشرى} تعريف العهد الذكري، وهما المذكوران آنفًا، فالرّوع: مرادف الخيفة.
وقوله: {يجادلنا} هو جواب: {لمّا} صيغ بصيغة المضارع لاستحضار الحالة العجيبة كقوله: {ويَصنع الفلك} [هود: 38].
والمجادلة: المحاورة. وقد تقدّمت في قوله: {ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم} في سورة [النساء: 107].
وقوله: {في قوم لوط} على تقدير مضاف، أي في عقاب قوم لوط.
وهذا من تعليق الحكم باسم الذّات، والمراد حال من أحوالها يعيّنه المقام، كقوله: {حرمْت عليكم الميتة} [المائدة: 3] أي أكلها.
والمجادلة هنا: دعاء ومناجاة سأل بها إبراهيم عليه السّلام ربّه العفو عن قوم لوط خشية إهلاك المؤمنين منهم.
وقد تكون المجادلة مع الملائكة.
وعدّيت إلى ضمير الجلالة لأنّ المقصود من جدال الملائكة التعرّض إلى أمر الله بصرف العذاب عن قوم لوط.
وال: {حليم} الموصوف بالحلم وهو صفة تقتضي الصفح واحتمال الأذى.
وال: {أوّاه} أصله الذي يكثر التأوُّه، وهو قول: أوّه.
وأوّه: اسم فعل نائب مناب أتوجع، وهو هنا كناية عن شدة اهتمامه بهموم الناس.
وال: {منيب} من أناب إذا رجع، وهو مشتق من النوب وهو النزول.
والمراد التّوبة من التقصير، أي محاسب نفسه على ما يَحذر منه.
وحقيقة الإنابة: الرجوع إلى الشيء بعد مفارقته وتركه.
وجملة: {يا إبراهيم أعرض عن هذا} مقول محذوف دل عليه المقام وهو من بديع الإيجاز، وهو وحي من الله إلى إبراهيم عليه السّلام، أو جواب الملائكة إبراهيم عليه السّلام.
فإذا كان من كلام الله فقوله: {أمر ربك} إظهار في مقام الإضمار لإدخال الرّوع في ضمير السامع.
و: {أمر الله} قضاؤه، أي أمر تكوينه. اهـ.

.قال الشعراوي:

{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ}
والجدل هو أن تأخذ حُجَّة من مقابل؛ وتعطيه حُجَّة؛ لتصل إلى حق. والجدل يختلف عن المراء فالمراء يعني أنك تعرف الحقيقة وتجادل بالباطل لأنك لا تريد أن تصل إلى الحق.
وقد نهانا الحق سبحانه عن المراء، وأمرنا بأن نجادل بشرط أن يكون الجدال بالتي هي أحسن.
وهنا يبيِّن لنا الحق سبحانه أن إبراهيم بعد أن ذهب عنه الروع وجاءته البشرى بأن الله تعالى سيرزقه بغلام، وعلم إبراهيم من الملائكة أنهم ذاهبون لتعذيب قوم لوط: {قالوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ} [الذاريات: 32 34].
ومجادلة سيدنا إبراهيم في عقاب قوم لوط، لم تكن ردًّا لأمر الله، ولكن طلبًا للإمهال لعلهم يؤمنون؛ ذلك أن قلب إبراهيم عليه السلام؛ قلب رحيم.
ولذلك يأتي الحق سبحانه بالعلة في المجادلة في قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ}
إذن: فالعلة في الجدال أنه حليم لا يُعجِّل بالعقوبة، وأوَّاه؛ أي: يتأوه من القلب، والتأوه رقة في القلب، وإن كان التأوه من الأعلى فهذا يعني الخوف من ألا يكون قد أدى حق الله تعالى، وإن كان التأوه للأقل فهو رحمة ورأفة.
ولذلك فقد طلب إبراهيم عليه السلام من الله تعالى تأجيل العذاب لقوم لوط لعلهم يؤمنون، وتأوُّههُ هنا لله تعالى، وعلى هؤلاء الجهلة بما ينتظرهم من عذاب أليم.
وقال الحق سبحانه في صفات إبراهيم أنه {منيب} أي: يرجع إلى الحكم وإلى الحق في قضاياه.
ألم يَقُلْ الحق سبحانه في موضع آخر من كتابه العزيز: {وَمَا كَانَ استغفار إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} [التوبة: 114].
وبعد أن بحث إبراهيم عليه السلام عن الحق، وأناب إليه، يبين لنا الله سبحانه وتعالى مظهرية الإنابة في قوله تعالى: {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة: 114].
وهنا في الآية التي نحن بصدد خوطرنا عنها والتي أوضحت تأوه إبراهيم لله عز وجل وتأوهه رحمة بهؤلاء الذين لم يؤمنوا، وهم قوم لوط، وأيضًا كانت حجة إبراهيم عليه السلام في الجدال ما قاله الحق سبحانه في سورة العنكبوت: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بالبشرى قالوا إِنَّا مهلكوا أَهْلِ هذه القرية إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا} [العنكبوت: 31- 32].
وكان سؤال إبراهيم للملائكة: كيف تُهلكون أهل هذه القرية وفيهم من هو يؤمن بالله وعلى رأسهم نبي من الله هو لوط عليه السلام، وردت عليه الملائكة: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرأته كَانَتْ مِنَ الغابرين} [العنكبوت: 32].
وكأن إبراهيم خليل الرحمن يعلم أن وجود مؤمنين مع الكافرين في قرية واحدة، يبيح له الجدال عن أهل القرية جميعًا.
ويتلقى إبراهيم الرد هنا في سورة هود في الآية التالية: {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا}
وقول الملائكة: {يا إبراهيم أَعْرِضْ عَنْ هاذا} [هود: 76].
يعني إبلاغ إبراهيم أن مسألة تعذيب من لم يؤمن من قوم لوط أمرٌ مُنتهٍ ومحسوم، فهم قد جاءوا لينفذوا، لا ليهدِّدوا؛ وأبلغوا إبراهيم: {إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبَّكَ} [هود: 76].
وإذا ما كان الأمر قد جاء من الله، فإبراهيم عليه السلام لأنه: {مُّنِيبٌ} يعلم أن أي أمر من الله تعالى لابد أن يُنفَّذ، فلابد أن يَتقبَّل أمرَ الحق سبحانه: {وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} [هود: 76].
أي: لا أحد بقادر على أن يرد عذاب الله. وكما أن هناك وعدًا من الله تعالى غير مكذوب، فهناك أيضًا عذاب غير مردود.
ويُروى أن إبراهيم عليه السلام في جداله قال للملائكة: إذا كان في قوم لوط خمسون قد آمنوا بالله تعالى، أتعذبونهم؟ قالوا: لا. قال: وإن كان فيهم عشرة يؤمنون بالله، أتعذبونهم؟ قالوا: لا. قال وإن كان فيهم واحد هو لوط؟ فردَّت الملائكة: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرأته} [العنكبوت: 32].
وانتهى الجدال، وذهبت الملائكة إلى مهمتها التي هي إيقاع العذاب بقوم لوط. اهـ.