فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ الحرميان: فاسر، وان أسر بوصل الألف من سرى، وباقي السبعة بقطعها، وأهله ابنتاه، وطائفة يسيرة من المؤمنين بقطع من الليل.
قال ابن عباس: بطائفة من الليل، وقال الضحاك: ببقية من آخره، وقال قتادة: بعد مضي صدر منه، وقال ابن الأعرابي: أي ساعة من الليل، وقيل: بظلمة، وقيل: إنه نصف، وقيل: إنه نصف الليل مأخوذ من قطعه نصفين.
وقال الشاعر:
ونائحة تنوح بقطع ليل ** على رجل بقارعة الصعيد

وقال محمد بن زياد: السحر، لقوله: نجيناهم بسحر.
قال ابن عطية: ويحتمل أنه أسرى بأهله من أول الليل حتى جاوز البلد المقتلع، ووقعت نجاته بسحر.
فتجتمع هذه الآية مع قوله: {إلا آل لوط نجيناهم بسحر} انتهى.
وقال ابن الأنباري: القطع بمعنى القطعة، مختص بالليل، ولا يقال عندي قطع من الثوب.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: إلا امرأتك بالرفع، وباقي السبعة بالنصب، فوجه النصب على أنه استثناء من قوله بأهلك، إذ قبله أمر، والأمر عندهم كالواجب.
ويتعين النصب على الاستثناء من أهلك في قراءة عبد الله، إذ سقط في قراءته وفي مصحفه: ولا يلتفت منكم أحد.
وجوزوا أن يكون منصوبًا على الاستثناء من أحد وإن كان قبله نهى، والنهي كالنفي على أصل الاستثناء، كقراءة ابن عامر: ما فعلوه إلا قليلًا منهم بالنصب، وإن كان قبله نفي.
ووجه الرفع على أنه بدل من أحد، وهو استثناء متصل.
وقال أبو عبيد: لو كان الكلام ولا يلتفت برفع الفعل، ولكنه نهى.
فإذا استثنيت المرأة من أحد وجب أن تكون المرأة أبيح لها الالتفات، فيفيد معنى الآية يعني أنّ التقدير يصير إلا امرأتك، فإنها لم تنه عن الالتفات.
قال ابن عطية: وهذا الاعتراض حسن يلزم أنّ الاستثناء من أحد رفعت التاء أو نصبت، والانفصال عنه يترتب بكلام محكي عن المبرد وهو أنّ النهي إنما قصد به لوط وحده، والالتفات منفي عنهم، فالمعنى: أن لا تدع أحدًا منهم يلتفت.
وهذا كما تقول لرجل: لا يقم من هؤلاء أحد، وأولئك لم يسمعوك، فالمعنى: لا تدع من هؤلاء يقوم، والقيام في المعنى منفى عن المشار إليهم.
وقال الزمخشري: وفي إخراجها مع أهله روايتان: روي أنه أخرجها معهم وأمر أن لا يلتفت منهم أحد إلا هي، فلما سمعت هدّة العذاب التفتت وقالت: واقوماه، فأدركها حجر فقتلها.
وروي أنه أمر بأن يخلفها مع قومها، وأن هواها إليهم، ولم يسر بها.
واختلاف القراءتين لاختلاف الروايتين انتهى.
وهذا وهم فاحش إذ بنى القراءتين على اختلاف الروايتين من أنه سري بها، أو أنه لم يسر بها، وهذا تكاذب في الأخبار يستحيل أن تكون الفراءتان وهما من كلام الله تترتبان على التكاذب.
وقيل في الاستثناء من الأهل إشكال من جهة المعنى، إذ يلزم أن لا يكون سري بها، ولما التفتت كانت قد سرت معهم قطعًا، وزال هذا الإشكال أن يكون لم يسر بها، ولكنها لما تبعتهم التفتت.
وقيل: الذي يظهر أن الاستثناء على كلتا القراءتين منقطع، لم يقصد به إخراجها من المأمور بالإسراء بهم، ولا من المنهيين عن الالتفات، ولكن استؤنف الإخبار عنها، فالمعنى: لكن امرأتك يجري لها كذا وكذا.
ويؤيد هذا المعنى أن مثل هذه الآية جاءت في سورة الحجر، وليس فيها استثناء ألبتة قال تعالى: {فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون}، فم تقع العناية في ذلك إلا بذكر من أنجاهم الله تعالى.
فجاء شرح حال امرأته في سورة هود تبعًا لا مقصودًا بالإخراج مما تقدم، وإذا اتضح هذا المعنى علم أن القراءتين وردتا على ما تقتضيه العربية في الاستثناء المنقطع، ففيه النصب والرفع.
فالنصب لغة أهل الحجاز وعليه الأكثر، والرفع لبني تميم وعليه اثنان من القرّاء انتهى.
وهذا الذي طول به لا تحقيق فيه، فإنه إذا لم يقصد إخراجها من المأمور بالإسراء بهم ولا من المنهييين عن الالتفات، وجعل استثناء منقطعًا كان الاستثناء المنقطع الذي لم يتوجه عليه العامل بحال، وهذا النوع من الاستثناء المنقطع يجب فيه النصب بإجماع من العرب، وليس فيه النصب والرفع باعتبار اللغتين، وإنما هذا في الاستثناء المنقطع، وهو الذي يمكن توجه العامل عليه.
وفي كلا النوعين يكون ما بعد إلا من غير الجنس المستثنى منه، فكونه جاز فيه اللغتان دليل على أنه مما يمكن أن يتوجه عليه العامل، وهو قد فرض أنه لم يقصد بالاستثناء إخراجها عن المأمور بالإسراء بهم، ولا من المنهيين عن الالتفات، فكان يجب فيه إذ ذاك النصب قولًا واحدًا.
والظاهر أن قوله: ولا يلتفت، من التفات البصر.
وقالت فرقة: من لفت الشيء يلفته إذا ثناه ولواه، فمعناه: ولا يتثبط.
وفي كتاب الزهراوي أنّ المعنى: ولا يلتفت أحد إلى ما خلف بل يخرج مسرعًا.
والضمير في أنه ضمير الشأن، ومصيبها مبتدأ، وما أصابهم الخبر.
ويجوز على مذهب الكوفيين أن يكون مصيبها خبر إن، وما أصابهم فاعل به، لأنهم يجيزون أنه قائم أخواك.
ومذهب البصريين أنّ ضمير الشان لا يكون خبره إلا جملة مصرحًا بجزءيها، فلا يجوز هذا الإعراب عندهم.
وقرأ عيسى بن عمر: الصبح بضم الباء.
قيل: وهي لغة، فلا يكون ذلك اتباعًا وهو على حذف مضاف أي: إنّ موعد هلاكهم الصبح.
ويروى أن لوطًا عليه السلام قال: أريد أسرع من ذلك، فقالت له الملائكة: أليس الصبح بقريب؟ وجعل الصبح ميقاتًا لهلاكهم، لأنّ النفوس فيه أودع، والراحة فيه أجمع.
ويروى أن لوطًا خرج بابنتيه ليس معه غيرهما عند طلوع الفجر، وطوى الله له الأرض في وقته حتى نجا، ووصل إلى إبراهيم عليهما السلام.
والضمير في عاليها عائد على مدائن قوم لوط، جعل جبريل جناحه في أسفلها ثم رفعها إلى السماء، حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب وصياح الديكة، ثم قلبها عليهم، وأتبعوا الحجارة من فوقهم وهي المؤتفكات سبع مدائن.
وقيل: خمس عدّها المفسرون، وفي ضبطها إشكال، فأهملت ذكرها.
وسدوم في القرية العظمى، وأمطرنا عليها أي على أهلها.
وروي أن الحجارة أصابت منهم من كان خارج مدنهم حتى قتلتهم أجمعين، وأنّ رجلًا كان في الحرم فبقي الحجر معلقًا في الهواء حتى خرج من الحرم فقتله الحجر.
قال أبو العالية، وابن زيد: السجيل اسم لسماء الدنيا، وهذا ضعيف لوصفه بمنضود، وتقدم شرحه في المفردات.
وقيل: من أسجله إذا أرسله، وقيل: مما كتب الله أن يعذب به من السجل، وسجل لفلان.
ومعنى هذه اللفظة: ماء وطين، هذا قول: ابن عباس، ومجاهد، وابن جبير، وعكرمة، والسدّي، وغيرهم.
وذهبوا إلى أنّ الحجارة التي رموا بها كانت كالآجر المطبوخ.
وقيل: حجر مخلوط بطين أي حجر وطين، ويمكن أن يعود هذا إلى الآجر.
وقال أبو عبيدة: الشديد من الحجارة الصلب، مسومة عليها سيما يعلم بها أنها ليست من حجارة الأرض قاله: ابن جريج.
وقال عكرمة وقتادة: إنه كان فيها بياض.
وقيل: مكتوب على كل حجر اسم من رمى به، قاله الربيع.
وعن ابن عباس، والحسن: بياض في حمرة.
وعن ابن عباس أيضًا: الحجر أبيض فيه نقطة سوداء، وأسود فيه نقطة بيضاء.
وعن عكرمة وقتادة أيضًا: فيها خطوط حمر على هيئة الجزع.
وقيل: وكانت مثل رؤوس الإبل، ومثل مبارك الإبل.
وقيل: قبضة الرجل.
قال ابن عباس ومقاتل: معنى من عند ربك، جاءت من عند ربك.
وقيل: معدة عند ربك قاله: أبو بكر الهذلي.
قال ابن الأنباري: المعنى لزم هذا التسويم الحجارة عند الله إيذانًا بنفاذ قدرته وشدة عذابه.
والظاهر أن ضمير هي عائد على القرى التي جعل الله أعاليها أسافلها، والمعنى: أنّ ذوات هذه المدن كانت بين المدينة والشام، يمرّ عليها قريش في مسيرهم، فالنظر إليها وفيها فيه اعتبار واتعاظ.
وقيل: وهي عائدة على الحجارة، وهي أقرب مذكور.
وقال ابن عباس: وما عقوبتهم ممن يعمل عملهم ببعيد، والظاهر عموم الظالمين.
وقيل: عنى به قريش.
وفي الحديث: «إنه سيكون في أمتي خسف ومسخ وقذف بالحجارة» وقيل: مشركو العرب.
وقيل: قوم لوط أي: لم تكن الحجارة تخطئهم. وفي الحديث: «سيكون في أواخر أمتي قوم يكتفي رجالهم بالرجال والنساء بالنساء فإذا كان كذلك فارتقبوا عذاب قوم لوط أن يرسل الله عليهم حجارة من سجيل ثم تلا وما هي من الظالمين ببعيد». وإذا كان الضمير في قوله: وما هي، عائد على الحجارة، فيحتمل أن يراد بشيء بعيد، ويحتمل أن يراد بمكان بعيد، لأنها وإن كانت في السماء وهي مكان بعيد إلا أنها إذا هويت منها فهي أسرع شيء لحوقًا بالمرمى، فكأنها بمكان قريب منه. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قَالُواْ} أي الرسل لمّا شاهدوا عجزَه عن مدافعة قومِه: {يالوط إِنَّا رُسُلُ رَبّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ} بضرر ولا مكروهٍ فافتح الباب ودعنا وإياهم ففتح الباب فدخلوا فاستأذن جبريلُ عليه السلام ربَّه ربَّ العزة جل جلاله في عقوبتهم فأذِن له فقام في الصورة التي يكون فيها فنشر جناحَه وله جناحان وعليه وشاح من دُرّ منظوم وهو برّاقُ الثنايا فضرب بجناحه وجوهَهم فطمَس أعينَهم وأعماهم كما قال عز وعلا: {فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} فصاروا لا يعرِفون الطريق فخرجوا وهم يقولون: النجاءَ فإن في بيت لوطٍ قومًا سحَرة: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} بالقطع، من الإسراء، وقرأ ابن كثير، ونافع، بالوصل حيث جاء في القرآن من السُّرى، والفاءُ لترتيب الأمر بالإسراءِ على الإخبار برسالتهم المؤذنِة بورود الأمرِ والنهي من جنابه عز وجل إليه عليه السلام: {بِقِطْعٍ مّنَ الليل} في طائفة منه.
{وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ} أي لا يتخلفْ أو لا ينظُرْ إلى ورائه: {أَحَدٌ} منك ومن أهلك، وإنما نُهوا عن ذلك ليجدّوا في السير فإن من يلتفتُ إلى ما وراءه لا يخلو عن أدنى وقفةٍ أو لئلا ترَوا ما ينزل من العذاب فترِقّوا لهم: {إِلاَّ امرأتك} استثناءٌ من قوله تعالى: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} ويؤيده أنه قرئ فأسرِ بأهلك بِقطْع من الليل إلا امرأتَك، وقرئ بالرفع على البدل من أحدٌ، فالالتفاتُ بمعنى التخلف، لا بمعنى النظر إلى الخَلف كيلا يلزمَ التناقضُ بين القراءتين المتواترتين فإن النصبَ يقتضي كونَه عليه السلام غيرَ مأمورٍ بالإسراء بها، والرفعَ كونَه مأمورًا بذلك، والاعتذارُ بأن مقتضى الرفعِ إنما هو مجردُ كونِها معهم وذلك لا يستدعي الأمرَ بالإسراء بها حتى يلزمَ المناقضةَ لجواز أن تسريَ هي بنفسها كما يُرى أنه عليه السلام لما أَسْرى بأهله تبِعَتْهم فلما سمعت هدّة العذابِ التفتت وقالت: يا قوماه فأدركها حجرٌ فقتلها وأن يسرِيَ بها عليه السلام من غير أمرٍ بذلك إذ موجبُ النصبِ إنما هو عدمُ الأمر بالإسراء بها لا النهيُ عن الإسراء بها حتى يكونَ عليه السلام بالإسراء بها مخالفًا للنهي لا يجدي نفعًا لأن انصرافَ الاستثناءِ إلى الالتفات يستدعي بقاءَ الأهل على العموم فيكون الإسراءُ بها مأمورًا به قطعًا، وفي حمل الأهليةِ في إحدى القراءتين على الأهلية الدينية وفي الأخرى على النسَبية مع أن فيه ما لا يخفى من التحكم والاعتساف كرٌّ على ما فُرّ منه من المناقضة، فالأَولى حينئذ جعلُ الاستثناءِ على القراءتين من قوله: {لا يَلْتَفِتْ} مثلَ الذي في قوله تعالى: {مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مّنْهُمْ} فإن ابنَ عامر قرأه بالنصب وإن كان الأفصحَ الرفعُ على البدل، ولا بُعد في كون أكثرِ القراءِ على غير الأفصح ولا يلزم من ذلك أمرُها بالالتفات بل عدمُ نهيِها عنه بطريق الاستصلاح ولذلك علله على طريقة الاستئنافِ بقوله: {إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ} من العذاب، وهو إمطارُ الأحجار وإن لم يصبْها الخسفُ، والضميرُ في إنه للشأن وقوله تعالى: {مُصِيبُهَا} خبرٌ وقوله: {مَا أصابهم} مبتدأٌ والجملةُ خبرٌ لإن الذي اسمُه ضميرُ الشأنِ، وفيه ما لا يخفى من تفخيم شأنِ ما أصابهم، ولا يحسُن جعلُ الاستثناءِ منقطعًا على قراءة الرفع.
{إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصبح} أي موعدَ عذابِهم وهلاكهم، تعليلٌ للأمر بالإسراء والنهيِ عن الالتفات المُشعرِ بالحث على الإسراع: {أَلَيْسَ الصبح بِقَرِيبٍ} تأكيد للتعليل فإن قربَ الصبح داعٍ إلى الإسراع في الإسراء للتباعد عن مواقع العذاب، وروي أنه قال للملائكة: متى موعدُ هلاكِهم؟ قالوا: الصبحُ، قال: أريد أسرعَ من ذلك فقالوا ذلك. وإنما جُعل ميقاتُ هلاكِهم الصبحَ لأنه وقتُ الدعةِ والراحةِ فيكون حلولُ العذاب حينئذ أفظعَ ولأنه أنسبُ بكون ذلك عبرةً للناظرين.
{فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا} أي وقتُ عذابِنا وموعدُه وهو الصبح: {جَعَلْنَا عاليها} أي عاليَ قُرى قومِ لوطٍ وهي التي عبّر عنها بالمؤتفكات، وهي خمسُ مدائنَ فيها أربعُمائةِ ألفِ ألفٍ: {سَافِلَهَا} أي قلبناها على تلك الهيئةِ وجُعل عالِيها مفعولًا أولَ للجعل وسافلَها مفعولًا ثانيًا له وإن تحقق القلبُ بالعكس أيضًا لتهويل الأمرِ وتفظيعِ الخطبِ لأن جعلَ عالِيها الذي هو مَقارُّهم ومساكنُهم سافلَها أشدُّ عليهم وأشقُّ من جعل سافِلها عاليَها وإن كان مستلزِمًا له. روي أنه جعلَ جبريلُ عليه السلام جناحَه في أسفلها ثم رفعها إلى السماء حتى سمع أهلُ السماء نُباحَ الكلاب وصياحَ الديَكةِ ثم قلبها عليهم، وإسنادُ الجعلِ والإمطار إلى ضميره سبحانه باعتبار أنه المسبّبُ لتفخيم الأمرِ وتهويلِ الخطب: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا} على أهل المدائنِ أو شُذّاذهم: {حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ} من طين متحجّر كقوله: {حِجَارَةً مّن طِينٍ} وأصله سنك كل فعُرّب وقيل: هو من أسْجله إذا أرسله أو أدرّ عطيتَه والمعنى: منْ مثْلِ الشيءِ المرسَل أو مثلَ العطيةِ في الإدرار أو من السِّجِلّ أي مما كتب الله تعالى أن يعذبهم به، وقيل: أصله من سِجّينٍ أي من جهنم فأبدلت نونه لامًا: {مَّنْضُودٍ} نُضِد في السماء نضْدًا معدًّا للعذاب، وقيل: يُرسَل بعضُه إثرَ بعضٍ كقِطار الأمطار: {مُّسَوَّمَةً} مُعْلمةً للعذاب. وقيل: معلمةً ببياض وحُمرة أو بسِيما تتميز به عن حجارة الأرض أو باسم مَنْ ترمى به: {عِندَ رَبّكَ} في خزائنه التي لا يتصرّف فيها غيرُه عز وجل: {وَمَا هِىَ} أي الحجارةُ الموصوفة: {مِنَ الظالمين} من كل ظالمٍ: {بِبَعِيدٍ} فإنهم بسبب ظلمِهم مستحقون لها وملابَسون بها، وفيه وعيدٌ شديد لأهل الظلمِ كافةً. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سأل جبريلَ عليه السلام فقال: يعني ظالمي أمتِك ما من ظالم منهم إلا وهو بمعرض حجرٍ يسقط عليه من ساعة إلى ساعة.
وقيل: الضميرُ للقُرى أي هي قريبةُ من ظالمي مكةَ يمرّون بها في مسايرهم وأسفارِهم إلى الشام، وتذكيرُ البعيدِ على تأويل الحجارة بالحجر أو إجرائه على موصوف مذكّرٍ أي بشي بعيد أو بمكان بعيد فإنها وإن كانت في السماء وهي في غاية البُعد من الأرض إلا أنها حين هَوَت منها فهي أسرعُ شيء لحُوقًا بهم فكأنها بمكان قريبٍ منهم. أو لأنه على زِنة المَصْدرِ كالزفير والصهيل والمصادر يستوي في الوصف بها المذكرُ والمؤنث. اهـ.