فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يا موسى لَن نَّصْبِرَ على طَعَامٍ وَاحِدٍ} كان هذا القول منهم في الِّتيه حين مَلُّوا المنّ والسَّلْوَى، وتذكّروا عيشهم الأوّل بمصر.
قال الحسن: كانوا نَتَانَى أهل كُرّاث وأبصال وأعداس، فنزعوا إلى عِكْرهم عِكرِ السّوء، واشتاقت طباعهم إلى ما جرت عليه عادتهم فقالوا: لن نصبر على طعام واحد.
وكَنوا عن المنّ والسلوى بطعام واحد وهما اثنان لأنهم يأكلون أحدهما بالآخر؛ فلذلك قالوا: طعام واحد.
وقيل: لتكرارهما في كل يوم غذاء؛ كما تقول لمن يداوم على الصوم والصلاة والقراءة: هو على أمر واحد؛ لملازمته لذلك.
وقيل: المعنى لن نصبر على الغنى فيكون جميعنا أغنياء فلا يقدر بعضنا على الاستعانة ببعض؛ لاستغناء كل واحد منّا بنفسه.
وكذلك كانوا؛ فهم أوّل من اتخذ العبيد والخَدَم. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن القراءة المعروفة يخرج لنا بضم الياء وكسر الراء، تنبت بضم التاء وكسر التاء، وقرأ زيد بن علي بفتح الياء وضم الراء، تنبت بفتح التاء وضم الباء، ثم اعلم أن أكثر الظاهريين من المفسرين زعموا أن ذلك السؤال كان معصية، وعندنا أنه ليس الأمر كذلك، والدليل عليه أن قوله تعالى: {كُلُواْ واشربوا} من قبل هذه الآية عند إنزال المن والسلوى ليس بإيجاب بل هو إباحة، وإذا كان كذلك لم يكن قولهم: {لَن نَّصْبِرَ على طَعَامٍ واحد فادع لَنَا رَبَّكَ} معصية لأن من أبيح له ضرب من الطعام يحسن منه أن يسأل غير ذلك إما بنفسه أو على لسان الرسول، فلما كان عندهم أنهم إذا سألوا موسى أن يسأل ذلك من ربه كان الدعاء أقرب إلى الإجابة جاز لهم ذلك ولم يكن فيه معصية.
واعلم أن سؤال النوع الآخر من الطعام يحتمل أن يكون لأغراض:
الأول: أنهم لما تناولوا ذلك النوع الواحد أربعين سنة ملوه فاشتهوا غيره.
الثاني: لعلهم في أصل الخلقة ما تعودوا ذلك النوع وإنما تعودوا سائر الأنواع ورغبة الإنسان فيما اعتاده في أصل التربية وإن كان خسيسًا فوق رغبته فيما لم يعتده وإن كان شريفًا.
الثالث: لعلهم ملوا من البقاء في التيه فسألوا هذه الأطعمة التي لا توجد إلا في البلاد وغرضهم الوصول إلى البلاد لا نفس تلك الأطعمة.
الرابع: أن المواظبة على الطعام الواحد سبب لنقصان الشهوة وضعف الهضم وقلة الرغبة والاستكثار من الأنواع يعين على تقوية الشهوة وكثرة الالتذاذ، فثبت أن تبديل النوع بالنوع يصلح أن يكون مقصود العقلاء، وثبت أنه ليس في القرآن ما يدل على أنهم كانوا ممنوعين عنه، فثبت أن هذا القدر لا يجوز أن يكون معصية، ومما يؤكد ذلك أن قوله تعالى: {اهبطوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ} كالإجابة لما طلبوا ولو كانوا عاصين في ذلك السؤال لكانت الإجابة إليه معصية وهي غير جائزة على الأنبياء، لا يقال: إنهم لما أبوا شيئًا اختاره الله لهم أعطاهم عاجل ما سألوه كما قال: {وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا} [الشورى: 20] لأنا نقول هذا خلاف الظاهر، واحتجوا على أن ذلك السؤال كان معصية بوجوه:
الأول: أن قولهم: {لَن نَّصْبِرَ على طَعَامٍ واحد} دلالة على أنهم كرهوا إنزال المن والسلوى وتلك الكراهة معصية.
الثاني: أن قول موسى عليه السلام: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الذي هُوَ أدنى بالذى هُوَ خَيْرٌ} استفهام على سبيل الإنكار، وذلك يدل على كونه معصية.
الثالث: أن موسى عليه السلام وصف ما سألوه بأنه أدنى وما كانوا عليه بأنه خير وذلك يدل على ما قلناه، والجواب عن الأول: أنه ليس تحت قولهم: {لَن نَّصْبِرَ على طَعَامٍ واحد} دلالة على أنهم ما كانوا راضين به فقط، بل اشتهوا شيئًا آخر، ولأن قولهم: {لَن نَّصْبِرَ} إشارة إلى المستقبل لأن كلمة لن للنفي في المستقبل فلا يدل على أنهم سخطوا الواقع، وعن الثاني: أن الاستفهام على سبيل الإنكار قد يكون لما فيه من تفويت الأنفع في الدنيا وقد يكون لما فيه من تفويت الأنفع في الآخرة، وعن الثالث: بقريب من ذلك، فإن الشيء قد يوصف بأنه خير من حيث كان الانتفاع به حاضرًا متيقنًا ومن حيث إنه يحصل عفوًا بلا كد كما يقال ذلك في الحاضر، فقد يقال في الغائب المشكوك فيه: إنه أدنى من حيث لا يتيقن ومن حيث لا يوصل إليه إلا بالكد، فلا يمتنع أن يكون مراده: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الذي هُوَ أدنى بالذى هُوَ خَيْرٌ} هذا المعنى أو بعضه فثبت بما ذكرنا أن ذلك السؤال ما كان معصية بل كان سؤالًا مباحًا، وإذا كان كذلك فقوله تعالى: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة والمسكنة وَبَاءو بِغَضَبٍ مّنَ الله}، لا يجوز أن يكون لما تقدم بل لما ذكره الله تعالى بعد ذلك وهو قوله تعالى: {ذلك بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بآيات الله وَيَقْتُلُونَ النبيين بِغَيْرِ الحق} فبين أنه إنما ضرب الذلة والمسكنة عليهم وجعلهم محل الغضب والعقاب من حيث كانوا يكفرون لا لأنهم سألوا ذلك. اهـ.
وقال الفخر:
قوله تعالى: {لَن نَّصْبِرَ على طَعَامٍ واحد} ليس المراد أنه واحد في النوع بل أنه واحد في النهج وهو كما يقال: إن طعام فلان على مائدته طعام واحد إذا كان لا يتغير عن نهجه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {على طَعَامٍ} الطعام يُطلق على ما يُطعم ويُشرب؛ قال الله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مني} [البقرة: 249] وقال: {لَيْسَ عَلَى الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جُنَاحٌ فِيمَا طعموا} [المائدة: 93] أي ما شربوه من الخمر، على ما يأتي بيانه.
وإن كان السلوى العسل كما حكى المؤرِّج فهو مشروب أيضًا.
وربما خُصّ بالطعام البُرُّ والتمرُ، كما في حديث أبي سعيد الخُدْرِيّ قال: كنا نُخرج صدقةَ الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام أو صاعًا من شعير؛ الحديث.
والعرف جارٍ بأن القائل: ذهبت إلى سوق الطعام، فليس يفهم منه إلا موضع بيعه دون غيره مما يؤكل أو يُشرب.
والطَّعْم بالفتح: هو ما يؤدّيه الذوق؛ يقال: طعمهْ مرّ.
والطَّعْم أيضًا: ما يشتهى منه؛ يقال: ليس له طعم.
وما فلان بذي طعم: إذا كان غثًّا.
والطُّعم بالضم: الطعام؛ قال أبو خِراش:
أرُدّ شُجاعَ البطن لو تعلمينه ** وأُوثِرُ غيري من عِيَالِكِ بالطُّعْمِ

وأغتبِق الماء القَرَاحَ فانتهي ** إذا الزادُ أمسى للمُزَلَّج ذا طَعْمِ

أراد بالأوّل الطعام، وبالثاني ما يُشتهى منه.
وقد طَعِم يَطْعَمُ فهو طاعم إذا أكل وذاق؛ ومنه قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإنَّه مِنِّي} أي من لم يذقه.
وقال: {فَإذَا طَعِمْتُمْ فانتشروا} أي أكلتم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في زمزم: «إنها طَعامُ طُعْمٍ وشِفاءُ سُقْم». «واستطعمني فلان» الحديث إذا أراد أن تحدّثه.
وفي الحديث: «إذا استطعمكم الإمامُ فأطعموه» يقول: إذا استفتح فافتحوا عليه.
وفلان ما يَطْعَم النوم إلا قائمًا.
وقال الشاعر:
نَعامًا بوَجْرَةَ صُفر الخدو ** د ما تَطْعَم النومَ إلا صِيامًا

قوله تعالى: {فادع لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرض} لغة بني عامر {فادع} بكسر العين لالتقاء الساكنين؛ يُجرون المعتل مجرى الصحيح ولا يراعون المحذوف.
و{يُخْرِجْ} مجزوم على معنى سَلْه وقل له: أَخْرِجْ، يُخْرِج.
وقيل: هو على معنى الدعاء على تقدير حذف اللام، وضعّفه الزجاج.
و{مِن}، في قوله: {مِمّا} زائدة في قول الأخفش، وغير زائدة في قول سيبويه؛ لأن الكلام موجب.
قال النحاس: وإنما دعا الأخفش إلى هذا لأنه لم يجد مفعولًا ل {يُخرِج} فأراد أن يجعل ما مفعولًا.
والأوْلى أن يكون المفعول محذوفًا دلّ عليه سائر الكلام؛ التقدير: يخرج لنا مما تنبت الأرض مأكولًا فمن الأولى على هذا للتبعيض، والثانية للتخصيص. اهـ.

.قال الفخر:

القراءة المعروفة: {وَقِثَّائِهَا} بكسر القاف، وقرأ الأعمش وطلحة وقثائها بضم القاف والقراءة المعروفة: {وَفُومِهَا} بالفاء وعن علقمة عن ابن مسعود وثومها وهي قراءة ابن عباس قالوا: وهذا أوفق لذكر البصل واختلفوا في الفوم فعن ابن عباس أنه الحنطة، وعنه أيضًا أن الفوم هو الخبز وهو أيضًا المروي عن مجاهد وعطاء وابن زيد وحكي عن بعض العرب: فوموا لنا أي اخبزوا لنا وقيل هو الثوم وهو مروي أيضًا عن ابن عباس ومجاهد واختيار الكسائي واحتجوا عليه بوجوه.
الأول: أنه في حرف عبد الله بن مسعود وثومها.
الثاني: أن المراد لو كان هو الحنطة لما جاز أن يقال: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الذي هُوَ أدنى بالذى هُوَ خَيْرٌ} لأن الحنطة أشرف الأطعمة.
الثالث: أن الثوم أوفق للعدس والبصل من الحنطة. اهـ.

.قال القرطبي:

والبَقْلُ معروف، وهو كل نبات ليس له ساق.
والشجر: ما له ساق.
والقِثّاء أيضًا معروف، وقد تُضمّ قافه، وهي قراءة يحيى بن وَثّاب وطلحة بن مُصَرِّف، لغتان والكسر أكثر.
وقيل في جمع قِثّاء: قَثَائِيّ؛ مثلُ عِلْبَاء وعَلاَبِيّ؛ إلا أن قثاء من ذوات الواو؛ تقول: أقثأتُ القوم؛ أي أطعمتهم ذلك.
وفَثَأَت القِدْرَ سكّنت غليانها بالماء؛ قال الجَعْدِيّ:
تَفُور علينا قِدْرُهم فنُدِيمُهَا ** ونَفْثَؤُها عنّا إذا حَمْيُهَا غلا

وفثأتُ الرجل إذا كسرتَه عنك بقول أو غيره وسكّنت غضبه.
وعدا حتى أفثأ؛ أي أعْيَا وانبهر.
وأفثأ الحَرُّ أي سكن وفتَر.
ومن أمثالهم في اليسير من البِرّ قولهم: إنّ الرَّثِيئة تفثأ في الغضب.
وأصله أن رجلًا كان غَضِب على قوم وكان مع غضبه جائعًا، فسَقَوْه رَثِيئة فسكن غضبه وكفّ عنهم.
الرثيئة: اللبن المحلوب على الحامض ليَخْثُر.
رَثَأْت اللبن رَثًْا إذا حلبته على حامض فخُثر؛ والاسم الرَّثيئة.
وارتثأ اللبن خثر.
وروى ابن ماجه حدّثنا محمد بن عبد اللَّه بن نمير حدّثنا يونس بن بُكير حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كانت أمّي تعالجني للسِّمْنة، تريد أن تُدخلني على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما استقام لها ذلك حتى أكلت القِثّاء بالرُّطَب فسَمِنتُ كأحسنِ سِمْنة.
وهذا إسناد صحيح.
قوله تعالى: {وَفُومِهَا} اختلف في الفُوم، فقيل: هو الثُّوم، لأنه المشاكل للبصل.
رواه جُوَيْبِر عن الضحاك.
والثاء تبدل من الفاء، كما قالوا: مغافير ومغاثير.
وجَدَثٌ وجَدَفٌ؛ للقبر.
وقرأ ابن مسعود {ثومها} بالثاء المثلثة؛ وروي ذلك عن ابن عباس.
وقال أُمَيَّة بن أبي الصَّلْت:
كانت منازلهم إذ ذاك ظاهرةً ** فيها الفَرَادِيْسُ والفُومان والبَصلُ

الفراديس: واحدها فرديس.
وكَرْمُ مَفْرَدس، أي معرّش، وقال حسّان:
وأنتم أناسٌ لئامُ الأصول ** طعامُكُم الفُومُ والحَوْقَلُ

يعني الثّوم والبصل؛ وهو قول الكسائي والنّضر بن شُمَيل.
وقيل: الفُوم الحنطة؛ روي عن ابن عباس أيضًا وأكثر المفسرين؛ واختاره النحاس، قال: وهو أوْلى، ومن قال به أعلى، وأسانيده صحاح؛ وليس جُوَيْبر بنظير لرُوايته؛ وإن كان الكسائي والفراء قد اختارا القول الأوّل، لإبدال العرب الفاء من الثاء؛ والإبدال لا يقاس عليه؛ وليس ذلك بكثير في كلام العرب.
وأنشد ابن عباس لمن سأله عن الفوم وأنه الحنطة، قول أحَيْحَة بن الجُلاَح:
قد كنتُ أغنَى الناسِ شخصًا واجدًا ** ورَدَ المدينةَ عن زراعة فُومِ

وقال أبو إسحاق الزجاج: وكيف يطلب القوم طعامًا لا بُرّ فيه، والبرّ أصل الغذاء! وقال الجوهري أبو نصر: الفوم الحنطة.
وأنشد الأخفش:
قد كنت أحسبني كأغنى واجد ** نزل المدينة عن زراعة فُومِ

وقال ابن دُرَيد: الفُومة السُّنْبلة؛ وأنشد:
وقال رَبِيئهم لمّا أتانا ** بِكَفّهِ فومةٌ أو فُومتان

والهاء في كَفّه غير مشبعة.
وقال بعضهم: الفُوم: الحِمَّص؛ لغةٌ شاميّة.
وبائعه فاميّ، مغيَّر عن فُوميّ؛ لأنهم قد يغيّرون في النسب؛ كما قالوا: سُهْلِيّ ودُهْرِيّ.
ويقال: فَوِّموا لنا؛ أي اختبزوا.
قال الفرّاء: هي لغة قديمة.
وقال عطاء وقتادة: الفُوم كل حب يُخْتَبز.