فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولكنها لحظة الخروج ادعت أنها مخلصة للوط، وقالت: سأخرج حيث تخرج، ثم نظرت إلى القوم وقالت: وا قوماه ورجعت لتمكث معهم، ولينالها العذاب الذي نالهم في الموعد الذي حددته الملائكة وهو الصبح: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصبح أَلَيْسَ الصبح بِقَرِيبٍ} [هود: 81].
وقد تحدد الصبح لإهلاكهم؛ لأنه وقت الدعة والهدوء فيكون العذاب أشد نكالًا.
ويقول الحق سبحانه: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا}
والحق سبحانه يبين لنا هنا أن الأمر بالعذاب حين يصدر، فالمأمور يستجيب قهرًا، ويقال إن قرى قوم لوط خمس: قرية سدوم وقرية دادوما وقرية ضعوه، وقرية عامورا وقرية قتم.
وقوله تعالى: {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} [هود: 82]. أي: انقلبت انقلابًا تامًّا. ويقول القرآن في موضع آخر: {والمؤتفكة أهوى} [النجم: 53].
والمؤتفكة من الإفك وهو الكذب المتعمَّد، أي: قول نسبة كلامية تخالف الواقع، ولأن من يقول الإفك إنما يقلب الحقيقة إلى غير الحقيقة زعمًا، ويقلب غير الحقيقة إلى ما يشبه الحقيقة.
كذلك المؤتفكة، أي: القرى التي جعل عاليها سافلها فانقلبت فيها الأوضاع.
ونفذ أمر الله بأن أمطر عليهم حجارة من سجيل منضود، وهو طين قد تحجَّر.
والحق سبحانه يقول في آية أخرى: {حِجَارَةً مِّن طِينٍ} [الذرايات: 33].
وكلمة {حجارة} تعطي الإحساس بالصلابة، أما كلمة {طين} فتعطي إحساسًا بالليونة، ولكن الطين الذي نزل قد تحجر بأمر من الله تعالى، وهو قد نزل منضودًا.. أي: يتتابع في نظام، وكأن كل حجر يعرف صاحبه، لأن الحق سبحانه يقول بعد ذلك: {مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ}
وكلمة {مسوَّمة} أي: مُعلَّمة، وكأن كل حجر قد تم توجيهه إلى صاحبه، فهذا الحجر يذهب إلى فلان، وذلك إلى فلان، مثل الصواريخ الموجهة إلى البلاد، ولكن الدقة في هذه الحجارة أن كل حجر يعرف على من بالتحديد سوف ينزل بالعذاب، وقد جعلها الحق سبحانه لتعذيب المكين، أي: الإنسان، ولا تدمر البلاد.
وهي مُرتَّبة؛ لأن الحق سبحانه قال: {سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ} [هود: 82].
ووردت كلمة (سجيل) أيضًا في قول الحق سبحانه: {طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ} [الفيل: 34].
ويُنهي الحق سبحانه الآية بقوله: {وَمَا هِيَ مِنَ الظالمين بِبَعِيدٍ} [هود: 83].
والظالمون هنا مقصود بهم الكافرون برسالة الحق سبحانه وتعالى التي تتابعت في الموكب الرسالي وخاتمها هو محمد صلى الله عليه وسلم.
ونحن نعلم أن القصص القرآني قد نزل تسلية وثباتًا بيقين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتذكرة بالأسوة: {وَكُلًا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرسل مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود: 120].
وتحكي القصص المعارك التي قامت بين كل رسول مُؤيَّد بمعجزة من الله، وبين المنكرين له والكافرين به، وقد انتهت كل هذه المعارك بنصرة الرسول على الكافرين، إلا أن الرسل السابقين لم يُكلّفوا أن يقاتلوا من أجل الإيمان، بل كان عليهم أن يعلنوا الحجة الإيمانية فقط، وأن يبلغوا المنهج، فإن عصى القوم؛ فالسماء هي التي تتدخل لتأديب المخالفين.
والحق سبحانه يقول: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ العماد التي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البلاد وَثَمُودَ الذين جَابُواْ الصخر بالواد وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد الذين طَغَوْاْ فِي البلاد فَأَكْثَرُواْ فِيهَا الفساد فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد} [الفجر: 6- 14].
ولكن الأمر اختلف بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم، لأن دين محمد صلى الله عليه وسلم هو الدين الذي تقوم عليه الساعة، وقومه مأمونون على البلاغ عن الله تعالى خلافة للرسول صلى الله عليه وسلم.
وعلى كل واحد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يعلم حكمًا من أحكام الله تعالى أن يبلغه؛ لأنه قائم مقام الرسول صلى الله عليه وسلم.
والحق سبحانه يقول: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى الناس وَيَكُونَ الرسول عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].
إذن: فكل واحد من أمته صلى الله عليه وسلم هو امتداد لرسالة الإسلام، وبدلًا من أن السماء كانت تتدخل لتأديب الكافرين، جعل الله سبحانه لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يقفوا بالقوة أمام الكافرين، لا لفرض الإيمان؛ لأن الإيمان لا يُفرض، ولا يُكره عليه؛ لأنك قد تُكره إنسانًا في الأمور الحسية، لكنك لا تستطيع أن تملك قلبه، والحق سبحانه يريد الإيمان الغيبي الذي يملك القلوب.
ولذلك يقول الحق سبحانه: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السماء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 34].
إذن: فالحق سبحانه يريد قلوبًا تخشع، لا أعناقًا تخضع.
وهكذا فُوِّضَتْ أمة محمد صلى الله عليه وسلم تفويضين: فُوِّضَتْ في نقل رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى الأجيال، وكل جيل ينقلها إلى الجيل الذي يليه.
وها هو صلى الله عليه وسلم يقول: «نَضَّر الله امرأ سمع مقاتلي فوعاها وأداها إلى من لم يسمعها، فرُبَّ مُبلغٍ أوعى من سامع».
وفُوِّضَتْ أمة محمد صلى الله عليه وسلم في أن تقف من الكافرين موقف تأديب، لا لتفرض الدين ولكن لتحمي حق اختيار الدين، فلم يحدث أن رُفع سيفٌ في الإسلام ليفرض دينًا؛ بل رفع السيف ليحمي حرية اختيار الإنسان للدين.
يقول سبحانه: {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29].
فإذا آمن فعليه الالتزام بالإيمان، فلا يكسر حكمًا من أحكام الإيمان، وهذا تصعيب للدخول في الإسلام، فمن أين يأتي ادعاء فرض الدين على المخالفين؟!
إذن: فقد آمن المؤمن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إيمانين: الإيمان الأول هو أن يؤمن بالإسلام، والإيمان الثاني أن يبلغ الدعوة.
ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل».
فهل المقصود بالعلماء هم من يعلمون العلم فقط؛ لا، بل يقصد كل من يعرف قضية من قضايا الإيمان معرفة سليمة وصحيحة وينساح بالدعوة في الأرض ليعلِّم غير المؤمنين ويترك الناس أحرارًا في اختيار الدين.
وكذلك يقف المؤمنون برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأية قوة تحارب حرية اختيار الدين.
وهكذا جاءت قصص القرآن لتثبيت فؤاده صلى الله عليه وسلم.
ونحن نعلم أن الحق سبحانه قد بعث المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو في مكة، فصرخ بالدعوة، لا في آذان القبائل الواهية في أطراف الجزيرة، ولكن في آذان سادة الجزيرة، حتى لا يقال: إنه استضعف قومًا فناداهم إلى الإيمان به، ولم يجرؤ على السادة، وهم قريش، التي أخذت السيادة بحكم إقامتها في مكان البيت العتيق، وكان كل العرب يحجون إلى البيت الحرام، فإذا ما تعرضت قبيلة لقريش بسوء، فقريش قادرة على أن تنال من أبناء تلك القبيلة حين يحجون إلى البيت الحرام.
وهكذا أخذت قريش هيبتها من وجودها حول البيت.
إذن: فالبيت هو الذي صنع السيادة لقريش، وهو الذي صنع السيادة للآلهة المدَّعاة من الأصنام حين يأتي كل قوم بإلههم من الحجر؛ ليضعوه في البيت؛ ليكتسب الحجر قداسة من قداسة البيت.
إذن: فقد أخذت قريش السيادة من البيت الحرام، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلن الدعوة على أسماع السادة، وسَفَّه أحلامهم، ولم يُبَالِ بجبروتهم وسيادتهم على الجزيرة.
لكن الحق سبحانه قد شاء ألا يكون انتصار الإسلام على يد السادة من قريش في مكة، بل جاء انطلاق الإسلام من المدينة؛ لأن الله سبحانه أراد أن يُعلِّم الدنيا كلها أن العصبية لمحمد لم تخلق الإيمان بمحمد.
ولكن الله تعالى قد شاء أن يكون المستضعفون من أطراف الجزيرة هم الذين نصروا الدعوة؛ فكأن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم هو الذي خلق العصبية لمحمد للحق الممثَّل في رسالة محمد، ولم تخلق العصبية لمحمد إيمانًا به وبرسالته.
وإذا كان الحق سبحانه قد نعتهم بالظالمين، وبيَّن لهم أن المكان الذي قُلِبَ عاليه أسفله، ليس ببعيد عنهم، فهل لهم أن يتخذوا من ذلك عبرة؟
والظلم كما نعلم هو مجاوزة الحق للغير، أي: أن تأخذ حق الغير وتعطيه لغير ذي حق، فإذا كان ظلمًا في الألوهية، فهذا هو الشرك العظيم، وإن كان ظلمًا في إعطاء حق من حقوق الدنيا للغير، فهو ظلم للإنسانية، والظلم درجات بحسب الجريمة.
وقد ظلمت قريش نفسها ظلمًا عظيمًا؛ لأنها أشركت بالله؛ وجعلت له شركاء في الألوهية؛ وهذا أقصى أنواع الظلم.
والله سبحانه يريد أن يذكِّر هؤلاء الظالمين بأن عذاب الله حين يجيء، أو أمر الله حين يأتي؛ لا يمكن أن يقوم أمامه قائم يمنعه، فتنبهوا جيدًا إلى أنكم عُرْضة أن يُنزل الله تعالى بكم العذاب كما أنزل بهذه القرى؛ وهي غير بعيدة عنكم، فالمسافة بين المدينة والشام قد تبدو مسافة طويلة إلا أن الله تعالى قد جعلهم يمرون عليها في كل رحلة من رحلات الصيف إلى الشام.
إذن: فهي قرى تقع على طريق مسلوكة؛ ولذلك يقول الحق سبحانه عن موقعها: {وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ} [الحجر: 76].
أي: بطريق تمرون عليها، لا يجرفها سيل، ولا يغير معالمها ريح.
بل هي طريق ثابتة مقيمة تمرون عليها حينما تذهبون في رحلة الصيف إلى الشام، فكان من الواجب أن تأخذوا في كل مرور لقطة وعبرة؛ حتى لا تقعوا في ظلم آخر.
وقد نبهكم الله سبحانه أيضًا بمروركم على ديار قوم صالح الذين خاطبهم الحق سبحانه بقوله: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء: 128- 130].
هكذا ترون ديار ثمود وديار عاد وديار لوط وهي خاوية، وكان من الواجب معشر قريش ألا تبالغوا في الظلم، وأن تنتبهوا بالعبرة إلى مصير كل من يشرك بالله تعالى.
ويلفتهم الحق سبحانه إلى أنهم لم يكفروا بحق الألوهية فقط، ولكنهم ايضًا كفروا بشكر النعمة، وظلموا؛ لأن الله سبحانه هو الذي أنعم عليهم برحلة الشتاء إلى اليمن، وبرحلة الصيف إلى الشام، والرحلتان للتجارة التي تأتي بالزيادة لقريش؛ لأنهم يخرجون بالأموال ويعودون بالبضائع التي يبيعونها لأهل مكة، ولزوار بيت الله الحرام.
وقد أخذت قريش مهابتها عند كل قوم يمرون عليهم أثناء الرحلتين، من أنهم يعيشون حول البيت الحرام، لذلك يمتن الله سبحانه على قريش في قوله سبحانه: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفيل أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ} [الفيل: 1- 5].
فالقوم الذين جاءوا ليهدموا البيت الحرام وهو رمز السيادة لو هدم وتحوَّل الحجيج إلى صنعاء، لسقطت مهابة قريش، ولكن الله تعالى حمى البيت وأرسل عليهم طيرًا أبابيل، وجعل الذين قصدوه بسوء كعصف مأكول.
لماذا صنع الله تعالى ذلك؟
تأتي الإجابة في السورة التالية لسورة الفيل حيث يقول الحق سبحانه في سورة قريش: {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ إلافهم رِحْلَةَ الشتاء والصيف فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هذا البيت الذي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} [قريش: 1- 4].
إذن: كان من الواجب حين يمرون على هذه الديار أن يأخذوا منها عبرة، وأنهم وإن كانوا يمرون على هذه الديار بقصد التجارة وهي سر معاشهم إذا لم يأخذوا من هؤلاء العبرة فهم يقترفون ظلمًا جديدًا آخر.
لذلك يقول الحق سبحانه: {وَمَا هِيَ مِنَ الظالمين بِبَعِيدٍ} [هود: 83].
أو: أن الله سبحانه وتعالى أراد أن ينبه قريشًا إلى أن الهلاك الذي نزل بهؤلاء القوم المشركين، ليس ببعيد أن يصيب قريشًا، وأن يرسل الله سبحانه على كل واحد من الكافرين به حجرًا مسوَّمًا يصيبه في مكانه الذي يكون فيه.
والسطحيَّون في اللغة يخطئون فيأخذون على القرآن مآخذ، لا تلتفت إليها الملكة الصحيحة في اللغة، ويقولون: كيف يقول الله: {وَمَا هِيَ مِنَ الظالمين بِبَعِيدٍ} [هود: 83]. وكلمة ما هي مؤنثة، وتقتضي أن يقول: بعيدة بدلًا من كلمة بعيد، أي: أن يكون القول: {وما هي من الظالمين ببعيدة} ونسوا أن المتكلم هو الله تعالى، وأنهم لم يدرسوا اللغة دراسة صحيحة؛ لأن فعيل إن جاءت بمعنى مفعول، فهنا يستوي المذكر والمؤنث.
ومثال ذلك من القرآن الكريم أيضًا هو قول الحق سبحانه: {وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4].
وقول الحق سبحانه: {إِنَّ رَحْمَتَ الله قَرِيبٌ مِّنَ المحسنين} [الأعراف: 56]. إذن: فعدم درايتهم باللغة هو الذي جعلهم يخطئون مثل هذا الخطأ. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِئ بِهِمْ}
يقول: ساءه مجيئهم، {وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} يعني: صدره اغتمامًا، ومخافة عليهم، لا يدري أيأمرهم بالرجوع أم بالنزول؟: {وَقَالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ} يعني: شديد.
ثم قال لامرأته: ويحك، قومي واخبزي، ولا تعلمي أحدًا.
وكانت امرأته كافرة منافقة، فانطلقت تطلب بعض حاجاتها، وجعلت لا تدخل على أحد إلا أعلمته، وتقول: إن عندنا قومًا من هيئتهم كذا وكذا.
فلما علموا بذلك، جاؤوا إلى باب لوط.
فذلك قوله تعالى: {وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} يعني: يسرعون إليه، وهو مشي بين المشيتين، ويقال: يدفعون إليه دفعًا، ويقال يشتدون إليه شدًا، {وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السيئات} يعني: من قبل أن يبعث إليهم لوط، ويقال: من قبل إتيان الرسل، كانوا يعملون الفواحش، وهي اللواطة والكفر، فلما أرادوا الدخول، {قَالَ} لهم لوط: {قَالَ يا قوم هَؤُلاء بَنَاتِى هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} يعني: أحل لكم من ذلك، وكان لوط يناظرهم، ويقول: هن أطهر لكم، وكان جبريل مع أحد عشر من الملائكة، وكسروا الباب، فضرب أعينهم. قال الضحاك: {هؤلاء بَنَاتِى} عرض عليهم بنات قومه.
وقال قتادة: أمرهم لوط أن يتزوجوا النساء، وقال: هن أطهر لكم، ولم يعرض عليهم بناته.
وروى سفيان عن ليث، عن مجاهد، قال: لم يكنَّ بناته، ولكن كُنَّ من أمته، وكل نبي هو أب أمته.
وروي عن ابن مسعود، أنه كان يقرأ: {النبي أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ وأزواجه أمهاتهم وَأُوْلُو الارحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ في كتاب الله مِنَ المؤمنين والمهاجرين إِلاَّ أَن تفعلوا إلى أَوْلِيَائِكُمْ مَّعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ في الكتاب مَسْطُورًا} [الأحزاب: 6] وهو أب لهم، وهي قراءة أبي بن كعب.
وهكذا قال سعيد بن جبير: إنه أراد بنات أمته.
ويقال: إن رؤساءهم كانوا خطبوا بناته، وكان يأبى، فقال لهم: إني أزوجكم بناتي، هنّ أطهر لكم من الحرام، وكان النكاح بين الكافر والمسلم جائزًا: {فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ في ضَيْفِى} يقول: لا تفضحوني في أضيافي: {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ} يعني: مرشدًا صالحًا يزجركم عن هذا الأمر.
ويقال: رجل عاقل، ويقال: رجل على الحق يستحي مني.
{قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا في بَنَاتِكَ مِنْ حَقّ} يعني: من حاجة، ويقولون: ما لنا في النساء من حاجة: {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} إنما نريد الأضياف ف: {قَالَ} لوط: {لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً} يعني: منعة بالولد: {أَوْ اوِى إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ}، أي: أرجع إلى عشيرة كثيرة، يعني: لو كانت لي عشيرة ومنعة لمنعتكم مما تريدون.