فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



روي أنه أغلق بابه حين جاؤوا وجعل ترادّهم ما حكى الله عنه وتجادلهم.
فتسوروا الجدار فلما رأت الملائكة ما لقي لوط من الكرب.
{قَالُواْ يا لُوطٍ} إن ركنك لشديد: {إِنَّا رُسُلُ رَبّكَ} فافتح الباب ودعنا وإياهم، ففتح الباب فدخلوا فاستأذن جبريل عليه السلام ربه في عقوبتهم فأذن له، فضرب بجناحه وجوههم فطمس أعينهم فأعماهم كما قال الله تعالى: {فطمسنا أعينهم} [القمر: 37] فصاروا لا يعرفون الطريق فخرجوا وهم يقولون: النجاء، النجاء فإن في بيت لوط قومًا سحرة: {لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ} جملة موضحة للتي قبلها لأنهم إذا كانوا رسل الله لم يصلوا إليه ولم يقدروا على ضرره: {فَأَسْرِ}، {فسر} بالوصل: حجازي من سرى: {بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مّنَ الليْلِ} طائفة منه أو نصفه: {وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ} بقلبه إلى ما خلف أو لا ينظر إلى ما وراءه أو لا يتخلف منكم أحد: {إِلاَّ امرأتك} مستثنى من: {فأسر بأهلك}.
وبالرفع: مكي وأبو عمرو على البدل من أحد، وفي إخراجها مع أهله روايتان.
روي أنه أخرجها معهم وأمر أن لا يلتفت منهم أحد إلا هي، فلما سمعت هدّة العذاب التفتت وقالت: يا قوماه.
فأدركها حجر فقتلها.
وروي أنه أمر بأن يخلفها مع قومها فإنّ هواها إليهم فلم يسر بها، واختلاف القراءتين لاختلاف الروايتين.
{إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ} أي إن الأمر.
وروي أنه قال لهم متى موعد هلاكهم؟ قالوا: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصبح} فقال: أريد أسرع من ذلك فقالوا: {أَلَيْسَ الصبح بِقَرِيبٍ فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عاليها سَافِلَهَا} جعل جبريل عليه السلام جناحه في أسفلها أي أسفل قراها، ثم رفعها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب وصياح الديكة ثم قلبها عليهم وأتبعوا الحجارة من فوقهم وذلك قوله: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ} هي كلمة معربة من سنك كل بدليل قوله: {حجارة من طين} [الذاريات: 33].
{مَّنْضُودٍ} نعت لسجيل أي متتابع أو مجموع معه للعذاب.
{مُّسَوَّمَةً} نعت ل: {حجارة} أي معلمة للعذاب.
قيل: مكتوب على كل واحد اسم من يرمي به: {عِندَ رَبّكَ} في خزائنه أو في حكمه: {وَمَا هِى مِنَ الظالمين بِبَعِيدٍ} بشيء بعيد، وفيه وعيد لأهل مكة فإن جبريل عليه السلام قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعني ظالمي أمتك ما من ظالم منهم إلا وهو بعرَض حجر يسقط عليه من ساعة إلى ساعة، أو الضمير للقرى أي هي قريبة من ظالمي مكة يمرون بها في مسايرهم. اهـ.

.قال البيضاوي:

{وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إبراهيم} يعني الملائكة، قيل: كانوا تسعة، وقيل ثلاثة جبريل وميكائيل وإسرافيل: {بالبشرى} ببشارة الولد. وقيل بهلاك قوم لوط: {قَالُواْ سَلاَمًا} سلمنا عليك سلامًا ويجوز نصبه ب: {قَالُواْ} على معنى ذكروا سلامًا: {قَالَ سلام} أي أمركم أو جوابي سلام أو وعليكم سلام، رفعه إجابة بأحسن من تحيتهم. وقرأ حمزة والكسائي: {سلم} وكذلك في الذاريات وهما لغتان كحرم وحرام وقيل المراد به الصلح: {فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} فما أبطأ مجيئه به، أو فما أبطأ في المجيء به، أو فما تأخر عنه والجار في: {أن} مقدر أو محذوف والحنيذ المشوي بالرضف. وقيل الذي يقطر ودكه من حنذت الفرس إذا عرفته بالجلال لقوله: {بِعِجْلٍ سَمِينٍ}، {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ} لا يمدون إليه أيديهم: {نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} أنكر ذلك منهم وخاف أن يريدوا به مكروهًا، ونكر وأنكر واستنكر بمعنى والإِيجاس الإِدراك وقيل الإِضمار: {قَالُواْ} له لما أحسوا منه أثر الخوف: {لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمِ لُوطٍ} إنا ملائكة مرسلة إليهم بالعذاب، وإنما لم نمد إليه أيدينا لأنا لا نأكل.
{وامرأته قَائِمَةٌ} وراء الستر تسمع محاورتهم أو على رؤوسهم للخدمة: {فَضَحِكَتْ} سرورًا بزوال الخيفة أو بهلاك أهل الفساد أو بإصابة رأيها فإنها كانت تقول لإِبراهيم: اضمم إليك لوطًا فإني أعلم أن العذاب ينزل بهؤلاء القوم. وقيل فضحكت فحاضت قال الشاعر:
وَعَهْدِي بِسَلْمَى ضَاحِكًا فِي لُبَابَة ** وَلَمْ يَعْدُ حُقًّا ثَدْيُهَا أَنْ تَحَلَّمَا

ومنه ضحكت السمرة إذا سال صمغها وقرئ بفتح الحاء: {فبشرناها بإسحاق وَمِن وَرَاء إسحاق يَعْقُوبَ} نصبه ابن عامر وحمزة وحفص بفعل يفسره ما دل عليه الكلام وتقديره: ووهبناها من وراء إسحاق يعقوب. وقيل إنه معطوف على موضع: {بإسحاق} أو على لفظ: {إسحاق}، وفتحته للجر فإنه غير مصروف ورد للفصل بينه وبين ما عطف عليه بالظرف. وقرأ الباقون بالرفع على أنه مبتدأ.
وخبره الظرف أي و: {يَعْقُوبَ} مولود من بعده. وقيل الوراء ولد الولد ولعله سمي به لأنه بعد الولد وعلى هذا تكون إضافته إلى: {إسحاق} ليس من حيث أن يعقوب عليه الصلاة والسلام وراءه، بل من حيث أنه وراء إبراهيم من جهته وفيه نظر. والاسمان يحتمل وقوعهما في البشارة كيحيى، ويحتمل وقوعهما في الحكاية بعد أن ولدا فسميا به، وتوجيه البشارة إليها للدلالة على أن الولد المبشر به يكون منها لا من هاجر ولأنها كانت عقيمة حريصة على الولد.
{قَالَتْ يَا وَيْلَتِي} يا عجبًا، وأصله في الشر فأطلق على كل أمر فظيع. وقرئ بالياء على الأصل: {ءأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وهذا} ابنة تسعين أو تسع وتسعين: {وهذا بَعْلِى} زوجي وأصله القائم بالأمر: {شَيْخًا} ابن مائة أو مائة وعشرين، ونصبه على الحال والعامل فيها معنى اسم الإِشارة. وقرئ بالرفع على أنه خبر محذوف أي هو شيخ، أو خبر بعد خبر أو هو الخبر و: {بَعْلِى} بدل: {إِنَّ هذا لَشَئ عَجِيبٌ} يعني الولد من هرمين، وهو استعجاب من حيث العادة دون القدرة ولذلك: {قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله رَحْمَتُ الله وبركاته عَلَيْكُمْ أَهْلَ البيت} منكرين عليها فإِن خوارق العادات باعتبار أهل بيت النبوة ومهبط المعجزات، وتخصيصهم بمزيد النعم والكرامات ليس ببدع ولا حقيق بأن يستغربه عاقل فضلًا عمن نشأت وشابت في ملاحظة الآيات، وأهل البيت نصب على المدح أو النداء لقصد التخصيص كقولهم: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة: {إِنَّهُ حَمِيدٌ} فاعل ما يستوجب به الحمد: {مَّجِيدٌ} كثير الخير والإِحسان.
{فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إبراهيم الروع} أي ما أوجس من الخيفة واطمأن قلبه بعرفانهم: {وَجَاءتْهُ البشرى} بدل الورع: {يجادلنا في قَوْمِ لُوطٍ} يجادل رسلنا في شأنهم ومجادلته إياهم قوله: {إِنَّ فِيهَا لُوطًا} وهو إما جواب لما جيء به مضارعًا على حكاية الحال أو لأنه في سياق الجواب بمعنى الماضي كجواب لو، أو دليل جوابه المحذوف مثل اجترأ على خطابنا أو شرع في جدالنا، أو متعلق به أقيم مقامه مثل أخذ أو أقبل يجادلنا.
{إِنَّ إبراهيم لَحَلِيمٌ} غير عجول على الانتقام من المسيء إليه: {أَوَّاهٌ} كثير التأوه من الذنوب والتأسف على الناس: {مُّنِيبٌ} راجع إلى الله، والمقصود من ذلك بيان الحامل له على المجادلة وهو رقة قلبه وفرط ترحمه.
{يَا إِبْرَاهِيمَ} على إرادة القول أي قالت الملائكة: {يَا إِبْرَاهِيمَ أَعْرِضْ عَنْ هذا} الجدال: {إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبّكَ} قدره بمقتضى قضائه الأزلي بعذابهم وهو أعلم بحالهم: {وَإِنَّهُمْ اتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} مصروف بجدال ولا دعاء ولا غير ذلك.
{وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيْءَ بِهِمُ} ساءه مجيئهم لأنهم جاؤوه في صورة غلمان فظن أنهم أناس فخاف عليهم أن يقصدهم قومه فيعجز عن مدافعتهم: {وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} وضاق بمكانهم صدره، وهو كناية عن شدة الانقباض للعجز عن مدافعة المكروه والاحتيال فيه: {وَقَالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ} شديد من عصبه إذا شده.
{وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} يسرعون إليه كأنهم يدفعون دفعًا لطلب الفاحشة من أضيافه: {وَمِن قَبْلُ} أي ومن قبل ذلك الوقت: {كَانُواْ يَعْمَلُونَ السيئات} الفواحش فتمرنوا بها ولم يستحيوا منها حتى جاؤوا يهرعون لها مجاهرين: {قَالَ يَا قَوْمِ هؤلاء بَنَاتِى} فدى بهن أضيافه كرمًا وحمية، والمعنى هؤلاء بناتي فتزوجوهن، وكانوا يطلبونهن قبل فلا يجيبهم لخبثهم وعدم كفاءتهم لا لحرمة المسلمات على الكفار فإنه شرع طارئ أو مبالغة في تناهي خبث ما يرومونه حتى إن ذلك أهون منه، أو إظهارًا لشدة امتعاضه من ذلك كي يرقوا له.
وقيل المراد بالبنات نساؤهم فإن كل نبي أبو أمته من حيث الشفقة والتربية وفي حرف ابن مسعود: {وأزواجه أمهاتهم} وهو أب لهم: {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} أنظف فعلًا وأقل فحشًا كقولك: الميتة أطيب من المغصوب وأحل منه. وقرئ: {أَطْهَرُ} بالنصب على الحال على أن هن خبر بناتي كقولك: هذا أخي هو الأفضل فإنه لا يقع بين الحال وصاحبها: {فاتقوا الله} بترك الفواحش أو بإيثارهن عليهم: {وَلاَ تُخْزُونِ} ولا تفضحوني من الخزي، أو ولا تخجلوني من الخزاية بمعنى الحياء: {فِى ضَيْفِى} في شأنهم فإن إخزاء ضيف الرجل إخزاؤه: {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ} يهتدي إلى الحق ويرعوي عن القبيح.
{قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا في بَنَاتِكَ مِنْ حَقّ} من حاجة: {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} وهو إتيان الذكران.
{قَالَ لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً} لو قويت بنفسي على دفعكم: {أَوْ اوِى إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ} إلى قوي أبلغ به عنكم. شبهه بركن الجبل في شدته. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «رحم الله أخي لوطًا كان يأوي إلى ركن شديد». وقرئ: {أَوْ آوِى} بالنصب بإضمار أن كأنه قال: لو أن لي بكم قوة أو أويًا وجواب لو محذوف تقديره لدفعتكم روي أنه أغلق بابه دون أضيافه وأخذ يجادلهم من وراء الباب فتسوروا الجدار، فلما رأت الملائكة ما على لوط من الكرب.
{قَالُواْ يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ} لن يصلوا إلى إضرارك بإضرارنا فهون عليك ودعنا وإياهم، فخلاهم أن يدخلوا فضرب جبريل عليه السلام بجناحه وجوههم فطمس أعينهم وأعماهم، فخرجوا يقولون النجاء النجاء فإن في بيت لوط سحرة: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} بالقطع من الإِسراء، وقرأ ابن كثير ونافع بالوصل حيث وقع في القرآن من السرى: {بِقِطْعٍ مّنَ اليل} بطائفة منه: {وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ} ولا يتخلف أو لا ينظر إلى ورائه والنهي في اللفظ لأحد وفي المعنى للوط: {إِلاَّ امرأتك} استثناء من قوله: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} ويدل عليه أنه قرئ فأسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك، وهذا إنما يصح على تأويل الالتفات بالتخلف فإنه إن فسر بالنظر إلى الوراء في الذهاب ناقض ذلك قراءة ابن كثير وأبي عمرو بالرفع على البدل من أحد، ولا يجوز حمل القراءتين على الروايتين في أنه خلفها مع قومها أو أخرجها فلما سمعت صوت العذاب التفتت وقالت يا قوماه فأدركها حجر فقتلها، لأن القواطع لا يصح حملها على المعاني المتناقضة، والأولى جعل الاستثناء في القراءتين من قوله: {وَلاَ يَلْتَفِتْ} مثله في قوله تعالى: {مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ} ولا يبعد أن يكون أكثر القراء على غير الأفصح، ولا يلزم من ذلك أمرها بالالتفات بل عدم نهيها عنه استصلاحًا ولذلك علل طريقة الاستئناف بقوله: {إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ} ولا يحسن جعل الاستثناء منقطعًا على قراءة الرفع: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصبح} كأنه علة الأمر بالإِسراء: {أَلَيْسَ الصبح بِقَرِيبٍ} جواب لاستعجال لوط واستبطائه العذاب.
{فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا} عذابنا أو أمرنا به، ويؤيده الأصل وجعل التعذيب مسببًا عنه بقوله: {جَعَلْنَا عاليها سَافِلَهَا} فإنه جواب لما وكان حقه: جعلوا عاليها سافلها أي الملائكة المأمورون به، فأسند إلى نفسه من حيث إنه المسبب تعظيمًا للأمر فإنه روي: (أن جبريل عليه السلام أدخل جناحه تحت مدائنهم ورفعها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب وصياح الديكة ثم قلبها عليهم): {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا} على المدن أو على شذاذها: {حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ} من طين متحجر لقوله: {حِجَارَةً مّن طِينٍ} وأصله سنك كل فعرب. وقيل إنه من أسجله إذا أرسله أو أدر عطيته، والمعنى من مثل الشيء المرسل أو من مثل العطية في الإِدرار، أو من السجل أي مما كتب الله أن يعذبهم به وقيل أصله من سجين أي من جهنم فأبدلت نونه لامًا: {مَّنْضُودٍ} نضد معدًا لعذابهم، أو نضد في الإِرسال بتتابع بعضه بعضًا كقطار الأمطار، أو نضد بعضه على بعض وألصق به.
{مُّسَوَّمَةً} معلمة للعذاب. وقيل معلمة ببياض وحمرةً. أو بسيما تتميز به عن حجارة الأرض، أو باسم من يرمى بها: {عِندَ رَبّكَ} في خزائنه: {وَمَا هِى مِنَ الظالمين بِبَعِيدٍ} فإنهم بظلمهم حقيق بأن تمطر عليهم، وفيه وعيد لكل ظالم. وعنه عليه الصلاة والسلام: «أنه سأل جبريل عليه السلام فقال: يعني ظالمي أمتك ما من ظالم منهم إلا وهو بعرض حجر يسقط عليه من ساعة إلى ساعة». وقيل الضمير للقرى أي هي قريبة من ظالمي مكة يمرون بها في أسفارهم إلى الشام، وتذكير البعيد على تأويل الحجر أو المكان. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابورى في الآيات السابقة:

{وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)} إلى قوله تعالى: {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)}
التفسير:
الرسل هاهنا الملائكة، وأجمعوا على أن الأصل فيهم جبرائيل، ثم اختلفوا فقيل: كان معه اثناء عشر ملكًا على أحسن ما يكون من صورة الغلمان. وقال الضحاك: كانوا تسعة. وقال ابن عباس: كانوا ثلاثة جبرائيل وميكائيل وإسرائفيل وهم الذين ذكر الله تعالى في سورة الحجر: {ونبئهم عن ضيف إبراهيم} [الآية: 51] وفي الذاريات: {هل أتاك حديث إبراهيم} [الآية: 24] والظاهر أن البشرى هي البشارة بالولد. وقيل: بهلاك قوم لوط. ومعنى: {سلامًا} سلمنا عليك. ومعنى: {سلام} أمركم سلام أو سلام عليكم. ولأن الرفع يدل على الثبات والاستقرار، والنصب يدل على الحدوث لمكان تقدير الفعل. قال العلماء: إن سلام إبراهيم كان أحسن اقتداء بقوله تعالى: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحس منها} [النساء: 86] وإنما صح وقوع: {سلام} مبتدأ مع كونه نكرة لتخصصها بالإِضافة إلى المتكلم إذ أصله سلمت سلامًا فعدل إلى الرفع لإفادة الثبات. ومن قرأ: {سلمًا} فمعناه السلام أيضًا. قال الفراء. سلم وسلام كحل وحلال وحرم وحرام. وقال أبو علي الفارسي: يحتمل أن يراد بالسلم خلاف الحرب. قالوا: مكث إبراهيم خمس عشرة ليلة لا يأتيه ضيف فاغتم لذلك فجاءته الملائكة فرأى أضيافًا لم ير مثلهم فما لبث: {أن جاء} أي فما لبث في أن جاء بل عجل أو فما لبث مجيئه: {بعجل} هو ولد البقرة: {حنيذ} مشوي في حرفة من الأرض بالحجارة المحماة وهو من فعل أهل البادية معروف. ومعناه محنوذ كطبيخ بمعنى مطبوخ.
وقيل: الحنيذ الذي يقطر دسمًا لقوله: {بعجل سمين} [الذاريات: 26] تقول: حنذت الفرس إذا ألقيت عليها الجل حتى يقطر عرقًا: {فلما رأى أيديهم لا تصل إليه} إلى العجل أو الطعام: {نكرهم} أي أنكرهم واستنكر فعلهم: {وأوجس} أضمر: {منهم خيفة} لأنه ما كان يعرف أنهم ملائكة وكان من عادة العرب أنه إذا نزل بهم الضيف ولم يتناول طعامهم وتوقعوا منه المكروه والشر. وقيل: إنه كان ينزل في طرف من الأرض بعيد عن الناس، فلما امتنعوا من الأكل خاف أن يريدوا به شرًا. وقيل: إنه كان يعرف أنهم ملائكة الله لقولهم: {لا تخف}، و{إنا أرسلنا إلى قوم لوط} لم يقولوا لا تخف إنا ملائكة بل ذكروا سبب الإرسال وهو إهلاك قوم لوط. وعلى هذا فإنما خاف أن يكون نزولهم لأمر أنكره الله أو لتعذيب قومه، والاحتمال الأول وهو أنه كان لا يعرف أنهم ملائكة أقرب بدليل إحضاره الطعام واستدلاله بترك أكلهم على توقع الشر منهم. وإنما ذكروا سبب الإرسال إيجازًا واختصارًا لدلالة الإرسال على كونهم رسلًا لا أضافيًا. وإنما أتوه على صورة الأضياف ليكونوا على صفة يحبها لأنه كان مشغوفًا بالضيافة. وبم عرف الملائكة خوفه؟ قيل: بالتغير في وجهه أو بتعريف الله، أو علموا أن علمه بأنهم ملائكة موجب للخوف لأنهم كانوا لا ينزلون إلا بعذاب: {وامرأته} وهي سارة بنت هاران بن ناحورا بنت عم إبراهيم: {قائمة} وراء الستر تسمع تحاورهم، أو كانت قائمة على رؤوسهم تخدمهم وهو قعود: {فضحكت}.
قال العلماء: لابد للضحك من سبب فقيل: سببه السرور بزوال الخيفة. وقيل: بهلاك أهل الخبائث. وعن السدي أن إبراهيم قال لهم: ألا تأكلون؟ قالوا: إنا لا نأكل طعامًا إلا بالثمن. فقال: ثمنه أن تذكروا اسم الله على أوله وتحمدوه في آخره. فقال جبرائيل لميكائيل: حق لمصل هذا الرجل أن يتخذه ربه خليلًا، فضحكت امرأته فرحًا بهذا الكلام. وقيل: كانت تقول لإبراهيم اضمم لوطًا ابن أخيك إليك فإني أعلم أنه ينزل بهؤلاء القوم عذاب، ففرحت بموافقة قولهم لقولها فضحكت. وقيل: طلب إبراهيم صلى الله عليه وسلم منهم معجزة دالة على أنهم من الملائكة فدعوا ربهم بإحياء العجل المشوي فطفر ذلك العجل المشوي إلى مرعاه فضحكت سارة من طفرته. وقيل: ضحكت تعجبًا من قوم أتاهم العذاب وهم غافلون. وقيل: تعجبت من خوف إبراهيم مع كثرة خدمه وحشمه من ثلاثة أنفس. وقيل: في الكلام تقديم وتأخير أي فبشرناها بإسحق، فضحكت سرورًا. وعن مجاهد وعكرمة ضحكت أي حاضت ومنه ضحكت الطلعة إذا انشقت يعني استعدادها لعلوق الولد. من قرأ: {يعقوب} بالرفع فعلى الابتداء والخبر محذوف أي يعقوب مولود أو موجود بعد إسحاق، ومن قرأ بالنصب فعلى العبارة المتروكة كأنه قيل: ووهبنا لها إسحق ومن بعد إسحق يعقوب.