فصل: مسألة: أكل البصل والثوم وما له رائحة كريهة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مسألة: أكل البصل والثوم وما له رائحة كريهة:

اختلف العلماء في أكل البصل والثوم وما له رائحة كريهة من سائر البقول.
فذهب جمهور العلماء إلى إباحة ذلك؛ للأحاديث الثابتة في ذلك.
وذهبت طائفة من أهل الظاهر القائلين بوجوب الصلاة في الجماعة فرضًا إلى المنع، وقالوا: كل ما مَنَع من إتيان الفرض والقيام به فحرام عمله والتشاغل به.
واحتجوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمّاها خبيثة؛ والله عز وجل قد وصف نبيّه عليه السلام بأنه يحرّم الخبائث.
ومن الحجة للجمهور ما ثبت عن جابر: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ ببَدْر فيه خَضِرات من بقول فوجد لها ريحًا؛ قال: فأخْبِر بما فيها من البقول؛ فقال: «قرّبوها» إلى بعض أصحابه كان معه فلما رآه كره أكلها، قال: «كُلْ فإنِّي أُناجِيَ مَن لا تُناجِي» أخرجه مسلم وأبو داود.
فهذا بَيِّنٌ في الخصوص له والإباحة لغيره.
وفي صحيح مسلم أيضًا عن أبي أيوب: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نزل على أبي أيوب، فصنع للنبيّ صلى الله عليه وسلم طعامًا فيه ثُوم، فلما رُدّ إليه سأل عن موضع أصابع النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقيل له: لم يأكل.
ففزِع وصعِد إليه فقال: أحرامٌ هو؟ قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا ولكني أكْرَهُه».
قال: فإني أكره ما تكره أو ما كرهت، قال: وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يُؤْتَى يعني يأتيه الوحي فهذا نصّ على عدم التحريم.
وكذلك ما رواه أبو سعيد الخُدْرِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم حين أكلوا الثّوم زمنَ خَيْبَر وفتحها: «أيها الناس إنه ليس لي تحريمُ ما أحلّ الله ولكنها شجرة أكره ريحها» فهذه الأحاديث تُشعر بأن الحكم خاصّ به، إذ هو المخصوص بمناجاة المَلَك.
لكن قد علمنا هذا الحكم في حديث جابر بما يقتضي التسوية بينه وبين غيره في هذا الحكم حيث قال: «من أكل من هذه البقلةِ الثوم وقال مرة: من أكل البصل والثوم والكُرّاث فلا يَقْرَبَنّ مسجدنا فإن الملائكة تتأذّى مما يتأذّى منه بنو آدم».
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث فيه طُول: إنكم أيها الناس، تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين، هذا البصل والثوم ولقد «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأُخْرِج إلى البَقيع، فمن أكلهما فَلْيُمِتْهُمَا طبخًا» خرّجه مسلم.
قوله تعالى: {وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا} العدس معروف.
والعَدَسَةُ: بثْرَةٌ تخرج بالإنسان، وربما قتلت.
وعَدَسْ: زَجْرٌ للبغال؛ قال:
عَدَسْ ما لِعبّادٍ عليكِ إمارةٌ ** نَجوْتِ وهذا تحملين طَلِيق

والعَدْس: شدّة الوطء، والكَدْح أيضًا؛ يقال: عَدَسه.
وعَدَس في الأرض: ذهب فيها.
وعَدَستْ إليه المنيّة أي سارت؛ قال الكُمَيْت:
أُكَلّفها هَوْلَ الظلامِ ولم أزَلْ ** أخا الليلِ مَعْدوسًا إليّ وعادِسَا

أي يُسار إليّ بالليل.
وعَدَسْ: لغة في حَدَس؛ قاله الجوهري.
ويؤثَرُ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من حديث عليّ أنه قال: «عليكم بالعدس فإنه مبارَك مقدّس وإنه يَرِقّ القلب ويكثر الدَّمعة فإنه بارك فيه سبعون نبيًّا آخرهم عيسى ابن مريم»؛ ذكره الثعلبي وغيره.
وكان عمر بن عبد العزيز يأكل يومًا خبزًا بزيت، ويومًا بلحم، ويومًا بعدس.
قال الحَلِيميّ: والعدس والزيت طعام الصالحين؛ ولو لم يكن له فضيلة إلا أنه ضيافة إبراهيم عليه السلام في مدينته لا تخلو منه لكان فيه كفاية.
وهو مما يخفّف البدن فيخِفّ للعبادة، ولا تثور منه الشهوات كما تثور من اللحم.
والحِنْطة من جملة الحبوب وهي الفُوم على الصحيح، والشعير قريب منها وكان طعام أهل المدينة، كما كان العدس من طعام قرية إبراهيم عليه السلام؛ فصار لكل واحد من الحبتين بأحد النبيين عليهما السلام فضيلة.
وقد روي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يَشْبع هو وأهله من خُبْزِ بُرًّ ثلاثة أيام متتابعة منذ قِدم المدينة إلى أن توفاه الله عزّ وجل. اهـ.

.قال الفخر:

القراءة المعروفة: {أَتَسْتَبْدِلُونَ} وفي حرف أبي بن كعب: {أتبدلون} بإسكان الباء وعن زهير الفرقبي: {أدنأ} بالهمزة من الدناءة.
واختلفوا في المراد بالأدنى وضبط القول فيه أن المراد إما أن يكون أدنى في المصلحة في الدين أو في المنفعة في الدنيا، والأول غير مراد لأن الذي كانوا عليه لو كان أنفع في باب الدين من الذي طلبوه لما جاز أن يجيبهم إليه، لكنه قد أجابهم إليه بقوله: {اهبطوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ}، فبقي أن يكون المراد منه المنفعة في الدنيا ثم لا يجوز أن يكون المراد أن هذا النوع الذي أنتم عليه أفضل من الذي تطلبونه لما بينا أن الطعام الذي يكون ألذ الأطعمة عند قوم قد يكون أخسها عند آخرين، بل المراد ما بينا أن المن والسلوى متيقن الحصول وما يطلبونه مشكوك الحصول والمتيقين خير من المشكوك أو لأن هذا يحصل من غير كد ولا تعب، وذلك لا يحصل إلا مع الكد والتعب، فيكون الأول أولى.
فإن قيل: كان لهم أن يقولوا هذا الذي يحصل عفوًا صفوًا لما كرهناه بطباعنا كان تناوله أشق من الذي لا يحصل إلا مع الكد إذا اشتهته طباعنا.
قلنا: هب أنه وقع التعارض من هذه الجهة لكنه وقع الترجيح بما أن الحاضر المتيقن راجع على الغائب المشكوك. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الذي هُوَ أدنى بالذي هُوَ خَيْرٌ} الاستبدال: وضع الشيء موضع الآخر؛ ومنه البدل، وقد تقدّم.
و{أدْنَى} مأخوذ عند الزجاج من الدُّنُوّ أي القُرْب في القيمة؛ من قولهم: ثَوْبٌ مقارِب؛ أي قليل الثمن.
وقال عليّ بن سليمان: هو مهموز من الدنيء البيّن الدناءة بمعنى الأخس، إلا أنه خفّف همزته.
وقيل: هو مأخوذ من الدُّون أي الأحط؛ فأصله أَدْوَن، أفْعَل، قُلِب فجاء أفْلَع؛ وحُوّلت الواو ألفًا لتطرُّفها.
وقرئ في الشّواذّ أدنأ.
ومعنى الآية: أتستبدلون البَقْل والقِثّاء والفُومَ والعَدَس والبَصل الذي هو أدنى بالمنّ والسَّلْوَى الذي هو خير.
واختلف في الوجوه التي توجب فضل المنّ والسّلْوَى على الشيء الذي طلبوه وهي خمسة:
الأوّل: أن البقول لما كانت لا خطر لها بالنسبة إلى المنّ والسلوى كانا أفضل؛ قاله الزجاج.
الثاني: لمّا كان المنّ والسلوى طعامًا منّ الله به عليهم وأمرهم بأكله وكان في استدامة أمر الله وشكر نعمته أجر وذُخْرٌ في الآخرة، والذي طلبوه عارٍ من هذه الخصائل، كان أدنى في هذا الوجه.
الثالث: لمّا كان ما منّ الله به عليهم أطيب وألذّ من الذي سألوه، كان ما سألوه أدنى من هذا الوجه لا محالة.
الرابع: لمّا كان ما أُعْطُوا لا كُلْفةَ فيه ولا تعب، والذي طلبوه لا يجيء إلا بالحرث والزراعة والتعب، كان أدنى.
الخامس: لمّا كان ما ينزل عليهم لا مِرْيةَ في حِلّه وخُلوصه لنزوله من عند الله، والحبوب والأرض يتخلّلها البيوع والغصوب وتدخلها الشُّبه، كانت أدنى من هذا الوجه.

.مسألة: إباحة أكل الطيبات:

في هذه الآية دليلٌ على جواز أكل الطّيبات والمطاعم المستلذّات، وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يحبّ الحَلْوى والعَسَل، ويشرب الماء البارد العَذْب؛ وسيأتي هذا المعنى في المائدة والنحل إن شاء الله مستوفىً. اهـ.

.قال الفخر:

القراءة المعروفة: {اهبطوا} بكسر الباء وقرئ بضم الباء، القراءة المشهورة: {مِصْرًا} بالتنوين وإنما صرفه مع اجتماع السببين فيه وهما التعريف والتأنيث لسكون وسطه كقوله: {وَنُوحًا هَدَيْنَا وَلُوطًا} [الأنعام: 84، 86] وفيهما العجمة والتعريف وإن أريد به البلد، فما فيه إلا سبب واحد، وفي مصحف عبد الله وقرأ به الأعمش: {اهبطوا مِصْرًا} بغير تنوين كقوله: {أَدْخِلُواْ مِصْرًا} واختلف المفسرون في قوله: {اهبطوا مِصْرًا} روي عن ابن مسعود وأبي بن كعب ترك التنوين، وقال الحسن: الألف في مصرًا زيادة من الكاتب فحينئذ تكون معرفة فيجب أن تحمل على ما هو المختص بهذا الاسم وهو البلد الذي كان فيه فرعون وهو مروي عن أبي العالية والربيع، وأما الذين قرؤوا بالتنوين وهي القراءة المشهورة فقد اختلفوا، فمنهم من قال: المراد البلد الذي كان فيه فرعون ودخول التنوين فيه كدخوله في نوح ولوط، وقال آخرون: المراد الأمر بدخول أي بلد كان كأنه قيل لهم ادخلوا بلدًا أي بلد كان لتجدوا فيه هذه الأشياء، وبالجملة فالمفسرون قد اختلفوا في أن المراد من مصر هو البلد الذي كانوا فيه أولًا أو بلد آخر، فقال كثير من المفسرين: لا يجوز أن يكون هو البلد الذي كانوا فيه مع فرعون.
واحتجوا عليه بقوله تعالى: {ادْخُلُوا الأرْضَ المُقَدَّسَةَ التي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا على أدباركم} [المائدة: 21] والاستدلال بهذه الآية من ثلاثة أوجه:
الأول: أن قوله تعالى: {ادْخُلُوا الأرْضَ المُقَدَّسَةَ} إيجاب لدخول تلك الأرض، وذلك يقتضي المنع من دخول أرض أخرى.
والثاني: أن قوله: {كتاب الله} يقتضي دوام كونهم فيه.
والثالث: أن قوله: {وَلاَ تَرْتَدُّوا على أدباركم} صريح في المنع من الرجوع عن بيت المقدس.
الرابع: أنه تعالى بعد أن أمر بدخول الأرض المقدسة قال: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ في الارض} [المائدة: 26] فإذا تقدم هذا الأمر ثم بين تعالى أنهم ممنوعون من دخولها هذه المدة فعند زوال العذر وجب أن يلزمهم دخولها، وإذا كان كذلك لم يجز أن يكون المراد من مصر سواها.
فإن قيل: هذه الوجوه ضعيفة.
أما الأول: فلأن قوله: {ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ} أمر والأمر للندب فلعلهم ندبوا إلى دخول الأرض المقدسة مع أنهم ما منعوا من دخول مصر، أما الثاني: فهو كقوله: {كَتَبَ الله لَكُمْ} فذلك يدل على دوام تلك الندبية.
وأما الثالث: وهو قوله تعالى: {وَلاَ تَرْتَدُّوا على أدباركم} فلا نسلم أن معناه ولا ترجعوا إلى مصر بل فيه وجهان آخران.
الأول: المراد لا تعصوا فيما أمرتم به إذ العرب تقول لمن عصى فيما يؤمر به: ارتد على عقبه.
والمراد من هذا العصيان أن ينكر أن يكون دخول الأرض المقدسة أولى.
الثاني: أن يخصص ذلك النهي بوقت معين فقط.
قلنا: ثبت في أصول الفقه أن ظاهر الأمر للوجوب فيتم دليلنا بناء على هذا الأصل، وأيضًا فهب أنه للندب ولكن الإذن في تركه يكون إذنًا في ترك المندوب، وذلك لا يليق بالأنبياء.
قوله: لا نسلم أن المراد من قوله: {وَلاَ تَرْتَدُّوا} لا ترجعوا.
قلنا: الدليل عليه أنه لما أمر بدخول الأرض المقدسة، ثم قال بعده: {وَلاَ تَرْتَدُّوا على أدباركم} تبادر إلى الفهم أن هذا النهي يرجع إلى ما تعلق به ذلك الأمر.
قوله: أن يخصص ذلك النهي بوقت معين، قلنا: التخصيص خلاف الظاهر، أما أبو مسلم الأصفهاني فإنه جوز أن يكون المراد مصر فرعون واحتج عليه بوجهين:
الأول: أنا إن قرأنا: {اهبطوا مِصْرًا} بغير تنوين كان لا محالة علمًا لبلد معين وليس في العالم بلدة ملقبة بهذا اللقب سوى هذه البلدة المعينة فوجب حمل اللفظ عليه ولأن اللفظ إذا دار بين كونه علمًا وبين كونه صفة فحمله على العلم أولى من حمله على الصفة مثل ظالم وحادث، فإنهما لما جاءا علمين كان حملهما على العلمية أولى.
أما إن قرأناه بالتنوين فإما أن نجعله مع ذلك اسم علم ونقول: إنه إنما دخل فيه التنوين لسكون وسطه كما في نوح ولوط فيكون التقرير أيضًا ما تقدم بعينه، وأما إن جعلناه اسم جنس فقوله تعالى: {اهبطوا مِصْرًا} يقتضي التخيير كما إذ قال: أعتق رقبة فإنه يقتضي التخيير بين جميع رقاب الدنيا.
الوجه الثاني: أن الله تعالى ورث بني إسرائيل أرض مصر وإذا كانت موروثة لهم امتنع أن يحرم عليهم دخولها بيان أنها موروثة لهم، قوله تعالى: {فأخرجناهم مّن جنات وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} إلى قوله: {كَذَلِكَ وأورثناها بَنِى إسراءيل} [الشعراء: 57 59] ولما ثبت أنها موروثة لهم وجب أن لا يكونوا ممنوعين من دخولها لأن الإرث يفيد الملك والملك مطلق للتصرف.
فإن قيل: الرجل قد يكون مالكًا للدار وإن كان ممنوعًا عن دخولها بوجه آخر، كحال من أوجب على نفسه اعتكاف أيام في المسجد، فإن داره وإن كانت مملوكة له لكنه يحرم عليه دخولها، فلم لا يجوز أن يقال: إن الله ورثهم مصر بمعنى الولاية والتصرف فيها، ثم إنه تعالى حرم عليهم دخولها من حيث أوجب عليهم أن يسكنوا الأرض المقدسة بقوله: {ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ} قلنا الأصل أن الملك مطلق للتصرف والمنع من التصرف خلاف الدليل، أجاب الفريق الأول عن هاتين الحجتين اللتين ذكرهما أبو مسلم فقالوا: أما الوجه الأول فالجواب عنه أنا نتمسك بالقراءة المشهورة وهي التي فيها التنوين.
قوله: هذه القراءة تقتضي التخيير، قلنا: نعم لكنا نخصص العموم في حق هذه البلدة المعينة بما ذكرناه من الدليل.
أما الوجه الثاني: فالجواب عنه أنا لا ننازع في أن الملك مطلق للتصرف ولكن قد يترك هذا الأصل لعارض كالمرهون والمستأجر، فنحن تركنا هذا الأصل لما قدمناه من الدلالة. اهـ.