فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرئ {نفعل} بالنون و{ما تشاء} بالفوقية، ومعناه: أصلواتك تأمرك أن نفعل نحن في أموالنا ما تشاؤه أنت وندع ما نشاؤه نحن وما يجري به التراضي بيننا؛ ثم وصفوه بوصفين عظيمين فقالوا: {إِنَّكَ لأَنتَ الحليم الرشيد} على طريقة التهكم به، لأنهم يعتقدون أنه على خلافهما، أو يريدون إنك لأنت الحليم الرشيد عند نفسك، وفي اعتقادك، ومعناهم: أن هذا الذي نهيتنا عنه وأمرتنا به يخالف ما تعتقده في نفسك من الحلم والرشد.
وقيل: إنهم قالوا ذلك لا على طريقة الاستهزاء بل هو عندهم كذلك، وأنكروا عليه الأمر والنهي منه لهم بما يخالف الحلم والرشد في اعتقادهم.
وقد تقدّم تفسير الحلم والرشد.
وجملة: {قَالَ يَاقَوْمٌ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ على بَيّنَةٍ مّن رَّبّى} مستأنفة كالجمل التي قبلها.
والمعنى: أخبروني إن كنت على حجة واضحة من عند ربي فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه: {وَرَزَقَنِى مِنْهُ} أي من فضله وخزائن ملكه: {رِزْقًا حَسَنًا} أي: كثيرًا واسعًا حلالًا طيبًا، وقد كان عليه السلام كثير المال.
وقيل: أراد بالرزق: النبوّة.
وقيل: الحكمة، وقيل: العلم.
وقيل: التوفيق، وجواب الشرط محذوف يدلّ عليه سياق الكلام تقديره: أترك أمركم ونهيكم، أو أتقولون في شأني ما تقولون مما تريدون به السخرية والاستهزاء: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلى مَا أنهاكم عَنْهُ} أي: وما أريد بنهيي لكم عن التطفيف والبخس أن أخالفكم إلى ما نهيتكم عنه فأفعله دونكم، يقال: خالفه إلى كذا إذا قصده وهو مولّ عنه، وخالفته عن كذا في عكس ذلك: {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإصلاح} أي: ما أريد بالأمر والنهي إلا الإصلاح لكم، ودفع الفساد في دينكم ومعاملاتكم: {مَا استطعت} ما بلغت إليه استطاعتي، وتمكنت منه طاقتي: {وَمَا تَوْفِيقِى إِلاَّ بالله} أي: ما صرت موفقًا هاديًا نبيًا مرشدًا إلا بتأييد الله سبحانه، وإقداري عليه ومنحي إياه: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} في جميع أموري التي منها أمركم ونهيكم: {وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} أي: أرجع في كل ما نابني من الأمور، وأفوّض جميع أموري إلى ما يختاره لي من قضائه وقدره، وقيل: معناه: وإليه أرجع في الآخرة.
وقيل: إن الإنابة: الدعاء.
ومعناه: وله أدعوا.
قوله: {وياقوم لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِى} قال الزجاج: معناه لا يكسبنكم شقاقي إصابة العذاب إياكم، كما أصاب من كان قبلكم.
وقيل: معناه: لا يحملنكم شقاقي، والشقاق: العداوة، ومنه قول الأخطل:
ألا من مبلغ عني رسولا ** فكيف وجدتم طعم الشقاق

و: {أَن يُصِيبَكُمُ} في محل نصب على أنه مفعول ثان ليجرمنكم: {مّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ} من الغرق: {أَوْ قَوْمَ هُودٍ} من الريح: {أَوْ قَوْمَ صالح} من الصيحة، وقد تقدّم تفسير يجرمنكم وتفسير الشقاق: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مّنكُم بِبَعِيدٍ} يحتمل أن يريد ليس مكانهم ببعيد من مكانكم، أو ليس زمانهم ببعيد من زمانكم، أو ليسوا ببعيد منكم في السبب الموجب لعقوبتهم، وهو مطلق الكفر، وأفرد لفظ: {بَعِيدٍ} لمثل ما سبق في: {وَمَا هِى مِنَ الظالمين بِبَعِيدٍ}.
ثم بعد ترهيبهم بالعذاب أمرهم بالاستغفار والتوبة، فقال: {واستغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبّى رَحِيمٌ وَدُودٌ} وقد تقدّم تفسير الاستغفار مع ترتيب التوبة عليه في أوّل السورة، وتقدّم تفسير الرحيم، والمراد هنا: أنه عظيم الرحمة للتائبين، والودود: المحبّ.
قال في الصحاح: وددت الرجل أودّه ودًّا: إذا أحببته، والودود المحب، والودّ والوُدّ والوَدّ: المحبة، والمعنى هنا: أنه يفعل بعباده ما يفعله من هو بليغ المودّة بمن يودّه من اللطف به، وسوق الخير إليه، ودفع الشرّ عنه.
وفي هذا تعليل لما قبله من الأمر بالاستغفار والتوبة.
جملة: {قَالُواْ ياشُعَيْبٌ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مّمَّا تَقُولُ} مستأنفة كالجمل السابقة، والمعنى: أنك تأتينا بما لا عهد لنا به من الإخبار بالأمور الغيبية، كالبعث والنشور، ولا نفقه ذلك: أي نفهمه كما نفهم الأمور الحاضرة المشاهدة، فيكون نفي الفقه على هذا حقيقة لا مجازًا.
وقيل: قالوا ذلك إعراضًا عن سماعه، واحتقار الكلام مع كونه مفهومًا لديهم معلومًا عندهم، فلا يكون نفي الفقه حقيقة بل مجازًا، يقال: فقه يفقه: إذا فهم فِقْها وفَقها، وحكى الكسائي فقهانا، ويقال: فقه فقهًا: إذا صار فقيهًا: {وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا} أي: لا قوّة لك تقدر بها على أن تمنع نفسك منا، وتتمكن بها من مخالفتنا.
وقيل: المراد أنه ضعيف في بدنه، قاله عليّ بن عيسى.
وقيل: إنه كان مصابًا ببصره.
قال النحاس: وحكى أهل اللغة أن حمير تقول للأعمى: ضعيف، أي قد ضعف بذهاب بصره كما يقال له ضرير، أي قد ضرّ بذهاب بصره.
وقيل: الضعيف: المهين، وهو قريب من القول الأوّل: {وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لرجمناك} رهط الرجل: عشيرته الذين يستند إليهم، ويتقوّى بهم، ومنه الراهط لجحر اليربوع، لأنه يتوثق به ويخبأ فيه ولده، والرهط يقع على الثلاثة إلى العشرة، وإنما جعلوا رهطه مانعًا من إنزال الضرر به مع كونهم في قلة، والكفار ألوف مؤلفة؛ لأنهم كانوا على دينهم، فتركوه احترامًا لهم لا خوفًا منهم، ثم أكدوا ما وصفوه به من الضعف بقولهم: {وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} حتى نكفّ عنك لأجل عزتك عندنا، بل تركنا رجمك لعزة رهطك علينا، ومعنى: {لرجمناك} لقتلناك بالرجم، وكانوا إذا قتلوا إنسانًا رجموه بالحجارة وقيل: معنى: {لرجمناك} لشتمناك، ومنه قول الجعدي:
تراجمنا بمرّ القول حتى ** نصير كأننا فرسا رهان

ويطلق الرجم على اللعن، ومنه الشيطان الرجيم، وجملة: {قَالَ يَاقَوْمٌ أَرَهْطِى أَعَزُّ عَلَيْكُم مّنَ الله} مستأنفة، وإنما قال: أعزّ عليكم من الله، ولم يقل: أعزّ عليكم مني؛ لأن نفي العزّة عنه وإثباتها لقومه كما يدل عليه إيلاء الضمير حرف النفي استهانة به، والاستهانة بأنبياء الله استهانة بالله عزّ وجلّ، فقد تضمن كلامهم أن رهطه أعزّ عليه من الله، فاستنكر ذلك عليهم، وتعجب منه، وألزمهم ما لا مخلص لهم عنه، ولا مخرج لهم منه بصورة الاستفهام، وفي هذا من قوّة المحاجة ووضوح المجادلة وإلقام الخصم الحجر ما لا يخفى، ولأمر ما سمي شعيب خطيب الأنبياء، والضمير في: {واتخذتموه} راجع إلى الله سبحانه.
والمعنى: واتخذتم الله عزّ وجلّ بسبب عدم اعتدادكم بنبيه الذي أرسله إليكم: {وَرَاءكُمْ ظِهْرِيًّا} أي: منبوذًا وراء الظهر لا تبالون به.
وقيل: المعنى: واتخذتم أمر الله الذي أمرني بإبلاغه إليكم، وهو ما جئتكم به وراء ظهوركم، يقال: جعلت أمره بظهر: إذا قصرت فيه، و: {ظِهْرِيًّا} منسوب إلى الظهر، والكسر لتغيير النسب: {إِنَّ رَبّى بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} لا يخفى عليه شيء من أقوالكم وأفعالكم.
{ويا قوم اعملوا على مَكَانَتِكُمْ إِنّى عامل سَوْفَ تَعْلَمُونَ} لما رأى إصرارهم على الكفر وتصميمهم على دين آبائهم، وعدم تأثير الموعظة فيهم، توعدهم بأن يعملوا على غاية تمكنهم ونهاية استطاعتهم، يقال: مكن مكانة: إذا تمكن أبلغ تمكن، وأخبرهم أنه عامل على حسب ما يمكنه ويقدّر الله له، ثم بالغ في التهديد والوعيد بقوله: {سَوْفَ تَعْلَمُونَ} أي: عاقبة ما أنتم فيه من عبادة غير الله والإضرار بعباده، وقد تقدّم مثله في الأنعام: {مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} من في محل نصب ب: {تعلمون}: أي: سوف تعلمون من هو الذي يأتيه العذاب المخزي الذي يتأثر عنه الذلّ والفضيحة والعار: {وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ} معطوف على: {من يأتيه}؛ والمعنى: ستعلمون من هو المعذب ومن هو الكاذب؟ وفيه تعريض بكذبهم في قولهم: {لَوْلاَ رَهْطُكَ لرجمناك وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ}.
وقيل: إن من مبتدأ، وما بعدها صلتها، والخبر محذوف، والتقدير: من هو كاذب فسيعلم كذبه ويذوق وبال أمره.
قال الفراء: إنما جاء بهو في: {مَنْ هُوَ كاذب} لأنهم لا يقولون من قائم، إنما يقولون: من قام، ومن يقوم، ومن القائم، فزادوا هو ليكون جملة تقوم مقام فعل ويفعل.
قال النحاس: ويدل على خلاف هذا قول الشاعر:
من رسولي إلى الثريا فإني ** ضقت ذرعًا بهجرها والكتاب

{وارتقبوا إِنّى مَعَكُمْ رَقِيبٌ} أي: انتظروا إني معكم منتظر لما يقضي به الله بيننا: {وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا والذين ءامَنُواْ مَعَهُ} أي: لما جاء عذابنا، أو أمرنا بعذابهم، نجينا شعيبًا وأتباعه الذين آمنوا به: {بِرَحْمَةٍ مّنَّا} لهم بسبب إيمانهم، أو برحمة منا لهم: وهي هدايتهم للإيمان: {وَأَخَذَتِ الذين ظَلَمُواْ} غيرهم بما أخذوا من أموالهم بغير وجه، وظلموا أنفسهم بالتصميم على الكفر: {الصيحة} التي صاح بهم جبرائيل حتى خرجت أرواحهم من أجسادهم، وفي الأعراف: {فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} [الأعراف: 78] وكذا في العنكبوت.
وقد قدّمنا أن الرجفة: الزلزلة، وأنها تكون تابعة للصيحة لتموّج الهوى المفضي إليها: {فَأَصْبَحُواْ في دِيَارِهِمْ جاثمين} أي: ميتين، وقد تقدّم تفسيره وتفسير: {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا} قريبًا، وكذا تفسير: {أَلاَ بُعْدًا لّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ} وحكى الكسائي أن أبا عبد الرحمن السلمي قرأ: {كما بعدت ثمود} بضم العين.
قال المهدوي: من ضم العين من {بعدت} فهي لغة تستعمل في الخير والشرّ، و{بعدت} بالكسر على قراءة الجمهور تستعمل في الشرّ خاصة، وهي هنا بمعنى اللعنة.
وقد أخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، عن ابن عباس، في قوله: {إِنّى أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ} قال: رخص السعر: {وَإِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ} قال: غلاء السعر، وأخرج ابن جرير، عنه: {بَقِيَّتُ الله} قال: رزق الله.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة: {بَقِيَّتُ الله خَيْرٌ لَّكُمْ} يقول: حظكم من ربكم خير لكم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد قال: طاعة الله.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن الأعمش في قوله: {أصلواتك تَأْمُرُكَ} قال: أقراءتك.
وأخرج ابن عساكر، عن الأحنف: أن شعيبًا كان أكثر الأنبياء صلاة.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، عن ابن زيد، في قوله: {أَوْ أَن نَّفْعَلَ في أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} قال: نهاهم عن قطع هذه الدنانير والدراهم فقالوا: إنما هي أموالنا نفعل فيها ما نشاء، إن شئنا قطعناها، وإن شئنا أحرقناها، وإن شئنا طرحناها.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن محمد بن كعب نحوه.
وأخرجا عن زيد بن أسلم نحوه أيضًا.
وأخرج عبد الرزاق، وابن سعد، وابن المنذر، وأبو الشيخ، وعبد بن حميد، عن سعيد بن المسيب، نحوه أيضًا.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عباس، في قوله: {إِنَّكَ لأَنتَ الحليم الرشيد} قال: يقولون إنك لست بحليم ولا رشيد.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة قال: استهزاء به.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن الضحاك، في قوله: {وَرَزَقَنِى مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا} قال: الحلال.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة، في قوله: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلى مَا أنهاكم عَنْهُ} قال: يقول لم أكن لأنهاكم عن أمر وأركبه.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد، في قوله: {وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} قال: إليه أرجع.
وأخرج أبو نعيم في الحلية، عن عليّ، قال: قلت: يا رسول، الله أوصني، قال: {قل الله ربي ثم استقم}، قلت: ربي الله وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، قال: «ليهنك العلم أبا الحسن، لقد شربت العلم شربًا ونهلته نهلًا» وفي إسناده محمد بن يوسف الكديمي.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن قتادة: {لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِى} لا يحملنكم فراقي.
وأخرج ابن المنذر، عن مجاهد، قال: شقاقي عداوتي.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن السديّ قال: لا تحملنكم عداوتي.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، عن قتادة، في قوله: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مّنكُم بِبَعِيدٍ} قال: إنما كانوا حديثي عهد قريب بعد نوح وثمود.
وأخرج أبو الشيخ، وابن عساكر، عن سعيد بن جبير: {وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا} قال: كان أعمى، وإنما عمي من بكائه من حبّ الله عزّ وجلّ.
وأخرج الواحدي، وابن عساكر، عن شدّاد بن أوس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بكى شعيب عليه السلام من حبّ الله حتى عمي».
وأخرج ابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، والخطيب، وابن عساكر من طرق، عن ابن عباس، في قوله: {وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا} قال: كان ضرير البصر.
وأخرج أبو الشيخ، عن أبي صالح، مثله.
وأخرج أبو الشيخ، عن سفيان في قوله: {وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا} قال: كان أعمى، وكان يقال له خطيب الأنبياء.
وأخرج أبو الشيخ، عن السديّ، قال: معناه إنما أنت واحد.
وأخرج أبو الشيخ، عن عليّ بن أبي طالب، أنه خطب فتلا هذه الآية في شعيب: {وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا} قال: كان مكفوفًا، فنسبوه إلى الضعف: {وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لرجمناك} قال عليّ: فوالله الذي لا إله غيره ما هابوا جلال ربهم ما هابوا إلا العشيرة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن مجاهد، في قوله: {واتخذتموه وَرَاءكُمْ ظِهْرِيًّا} قال: نبذتم أمره.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن قتادة، قال في الآية: لا تخافونه.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال: تهاونتم به. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ} [84]: {وَإِلَى مَدْيَنَ} أي: وأرسلنا إلى مدين، عطف على ما قبله و(مدين) بلد بين الحجاز والشام، على مقربة من (معان) ويطلق على أهلها، وهم قوم من العرب كانوا يعمرونها.
{أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ} أي: لتبخسوا الناس أشياءهم بالباطل: {إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ} أي: نعمة وثروة في رزقكم ومعيشتكم، وعافية وتمتع في وجودكم. يعني: فلا تتعرضوا لزوال ذلك عنكم بما تأتونه مما تنهون عنه، كما قال سبحانه: {وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ} أي: مهلك، أو لا يشذ منه أحد.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [85]
{وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} أي: العدل. قال الزمخشري: فإن قلت: النهي عن النقصان أمر بالإيفاء، فما فائدة قوله: {أَوْفُواْ}؟. قلت: نهوا أولًا عن عين القبح الذي كانوا عليه من نقص المكيال والميزان؛ لأن في التصريح بالقبيح بغيًا على المنهي، وتعييرًا له. ثم ورد الأمر بالإيفاء، الذي هو حسن في العقول، مصرحًا بلفظه لزيادة ترغيبٍ فيه، وبعث عليه، وجيء به مقيدًا (بالقسط) أي: ليكن الإيفاء على وجه العدل والتسوية، من غير زيادة ولا نقصان أمرًا بما هو الواجب؛ لأن ما جاوز العدل فضل، وأمر مندوب إليه، وفيه توقيف على أن الموفي عليه أن ينوي بالوفاء القسط؛ لأن الإيفاء وجه حسنه أنه قسط وعدل. فهذه ثلاث فوائد. انتهى-.