فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا} وهي الآيات التسع العصا واليد البيضاء والطوفان والجراد والقول والقمل والضفادع والدم والنقص من الثمرات والأنفس، والباء متعلقة بمحذوف وقع حالًا من مفعول: {أَرْسَلْنَا} أو نعتًا لمصدره المؤكد أي أرسلناه حال كونه ملتبسًا بآياتنا، أو أرسلناه إرسالًا ملتبسًا بها.
{وسلطان مُّبِينٍ} هو المعجزات الباهرة منها وهو العصا والإفراد بالذكر لإظهار شرفها لكونها أبهرها، والمراد بالآيات ما عداها، ويجوز أن يراد بهما واحد، والعطف باعتبار التغاير الوصفي أي أرسلناه بالجامع بين كونه آياتنا وكونه سلطانًا له على نبوته واضحًا في نفسه أو موضحًا إياها من أبان لازمًا بمعنى تبين ومتعديًا بمعنى بين، وجعل بعضهم الآيات والسلطان شيئًا واحدًا في نفس الأمر إلا أن في ذلك تجريدًا نحو مررت بالرجل الكريم، والنسمة المباركة كأنه جرد من الآيات الحجة وجعلها غيرها وعطفت عليها لذلك، وجوز أن يكون المراد بالآيات ما سمعت وبالسلطان ما بينه عليه السلام في تضاعيف دعوته حين قال له فرعون: {مِنْ رَبّكُمَا} [طه: 49]: {فَمَا بَالُ القرون الاولى} [طه: 51] من الحقائق الرائقة والدقائق اللائقة، أو هو الغلبة والاستيلاء كما في قوله سبحانه: {وَنَجْعَلُ لَكُمَا سلطانا} [القصص: 35] وجعله عبارة عن التوراة، أو إدراجها في جملة الآيات يرده كما قال أبو حيان قوله عز وجل: {إلى فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ} فإن نزولها إنما كان بعد مهلك فرعون وقومه قاطبة ليعمل بها بنو إسرائيل فيما يأتون ويذرون، وأما فرعون وقومه فإنما كانوا مأمورين بعبادة رب العالمين وترك العظيمة الشنعاء التي كان يدعيها الطاغية وتقلبها منه فئته الباغية وبإرسال بني إسرائيل من الأسر والقسر، ومن هذا يعلم ما في عند النقص من الثمرات والنقص من الأنفس آية واحدة من الآيات التسع، وعد إظلال الجبل منها لأن ذلك إنما كان لقبول التوراة حين أباه بنو إسرائيل فهو متأخر أيضًا ضرورة.
ومثل ذلك عد فلق البحر وإظلال الغمام بدلهما لأن هذا الإظلال أيضًا متأخر عن مهلك فرعون وقومه.
وأجاب بعض الأفاضل عن الاعتراض على جعل التوراة من الآيات بأت التصحيح ممكن، أما أولًا: فبما صرحوا به من جواز إرجاع الضمير وتعلق الجار ونحوه بالمطلق الذي في ضمن المقيد فقوله سبحانه: {إلى فِرْعَوْنَ} يجوز أن يتعلق بالإرسال المطلق لا المقيد بكونه بالتوراة، وأما ثانيًا: فبأن يقال: إن موسى عليه السلام كما أرسل إلى الفراعنة أرسل إلى بني إسرائيل أيضًا فيجب أن يحمل ملأ فرعون على ما يشملهم فيجيء الكلام على التوزيع على معنى أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين وإلى وملائه بالتوراة فيكون لفًا ونشرًا غير مرتب، ويقال نحو هذا على تقدير عدّ إظلال الجبل، أو الغمام من الآيات، وفي مجموعة سرى الدين المصري أن هذا السؤال مما أورد الحافظ الطاشكندي على مخدوم الملك فأجاب بأن قوله سبحانه: {بآياتنا} [هود: 96] حال مقدرة أي مقدرين تلبسه أو نصرته بالآيات والسلطان إلى فرعون وملائه فلا يقدح فيه ظهور بعضها بعد هلاك فرعون كالتوراة، وانفجار الماء، وغير ذلك، وبأنه قيل: إن إعطاء التوراة مجموعًا مرتبًا مكتوبًا في الألواح بعد غرق فرعون، وأوحى بها إلى موسى عليه السلام في حياة فرعون وكان يأمر بها قومه ويبلغها إلى فرعون وملائه، ويؤيده ما قيل: إن بعض الألواح كان منزلًا قبل نزول التوراة بتمامها وكانت تلك الألواح من خشب والألواح التي كانت فيها التوراة بتمامها كانت من زمرد أو من ياقوت أحمر أو من صخرة صماء انتهى، ولا يخفى أن الذهاب إلى كون الحال مقدرة مما لا يكاد يقبله الذوق السليم، وماحكى من أن إعطاء التوراة مجموعًا كان بعض والإيحاء بها كان قبل إلخ مما لا مستند له من الأخبار الصحيحة، وما ذكر أولًا: من حديث التعلق بالمطلق.
وثانيًا: من حمل: {الملأ} على ما يشمل بني إسرائيل إلخ مما ينبغي أن ينزه ساحة التنزيل عنه، وكيف يحمل الملأ على ما يشمل بني إسرائيل مع الإضافة إليه وجعلهم من أهل النار، ولا أظنك في مرية من القول بعدم صحة ذلك؛ وقيل: لو جعل: {إلى فِرْعَوْنَ} متعلقًا {بسلطان مُّبِينٍ} [هود: 96] لفظًا أو معنى على تقدير وسلطان مرسل به إلى فرعون لم يبعد مع المناسبة بينه وبين السلطان، وفيه ما لا يخفى فتأمل.
وتخصيص الملأ بالذكر مع عموم رسالة موسى عليه السلام للقوم كافة لأصالتهم في الرأي وتدبير الأمور واتباع الغير لهم في الورود والصدور، ولم يصرح بكفر فرعون بالآيات وانهماكه فيما كان عليه من الضلال والإضلال بل اقتصر على ذكر شأنه ملائه فقيل: {فاتبعوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ} أي أمره بالكفر بما جاء به موسى عليه السلام من الحق للإيذان بوضوح حاله فكأن كفره وأمر ملائه بذلك أمر متحقق الوجود غير محتاج إلى الذكر صريحًا، وإنما المحتاج إلى ذلك شأن ملائه المترددين بين هاد إلى الحق وهو موسى عليه السلام وداع إلى الضلال وهو فرعون فنعى عليهم سوء اختيارهم، وإيراد الفاء للإشعار بمفاجأتهم في الاتباع ومسارعة فرعون إلى الكفر والأمر به، فكأن ذلك لم يتراخ عن الإرسال والتبليغ.
وجوز أن يراد من الأمر الطريقة والشأن، قيل: ومعنى: {فاتبعوا} فاستمروا على الاتباع، والفاء مثل ما في قولك: وعظته فلم يتعظ وزجرته فلم ينزجر، فإن الإتيان بالشيء بعد ورود ما يوجب الإقلاع عنه وإن كان استمرارًا عليه لكنه بحسب العنوان فعل جديد وصنع حادث، ويجوز أن يكون المراد فاتصفوا بما اتصف به فرعون من الكفر بما جاء به موسى عليه السلام والتكذيب له ووافقوه في ذلك، وإيراد الفاء للاشعار بمفاجأتهم في الموافقة لفرعون في الكفر ومسارعته إليه فكأنه حين حصل الإرسال والتبليغ حصل كفر فرعون بما جاء به موسى عليه السلام ووقع على أثره الموافقة منهم، ولا تتوهمن أن هذه الموافقة كانت حاصلة لهم قبل لأنها تتوقف على اتصاف فرعون بالكفر بما جاء به موسى عليه السلام، وذلك إنما تجدد له بعد الإرسال والتبليغ فلا ضرورة إلى الحمل على الاستمرار، وجعل الفاء كما في قوكل: زجرته فانزجر فتأمل.
وعدل عن أمره إلى أمر فرعون لدفع توهم رجوع الضمير إلى موسى عليه السلام من أول الأمر ولزيادة تقبيح حال المتبعين فإن فرعون علم في الفساد والإفساد والضلال والإضلال، فاتباعه لفرط الجهالة وعدم الاستبصار، وكذا الحال في قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} أي براشد أو بذي رشد، والرشد ضد الغي وإسناده إلى الأمر مجازي وكأن في العدول عن وأمر فرعون غي وضلال إلى ما في النظم الكريم زيادة في تقبيح فعلهم وتحسيرًا لهم على فوات ما فيه صلاح الدارين أعني الرشد.
ويجوز أن يجعل الرشد كناية عن المحمودية والإسناد حقيقي أي وما أمر فرعون بصالح حميد العاقبة وقوله سبحانه: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة فَأَوْرَدَهُمُ النار} على الأول: استئناف وقع جوابًا لمن سأل عن حال المتبوع والتابع مآلًا، وعلى الثاني: تفسير وإيضاح لعدم صلاح عاقبته أي كيف يرشد أمر من هذه عاقبته، وجملة: {وَمَا أَمْرُ} [هود: 97] إلخ جوز أن تكون حالًا من فاعل اتبعوا وأن تكون حالًا من مفعوله قيل: وهو مختار الزمخشري، والمراد بالقوم ما يشمل الملأ وغيرهم، و: {يَقْدُمُ} كينصر من قدم كنصر بمعنى تقدم، ومنه قادمة الرحل، وهذا كما يقال: قدمه بمعنى تقدمه، ومنه مقدمة الجيش وأقدم بمعنى تقدم، ومنه مقدم العين فإنه بالكسر لا غير كما قاله المرزوقي، ومثله مؤخر العير كما في المزهر، والمراد من أوردهم يوردهم، والتعبير به دونه للإيذان بتحقق وقوعه لا محالة، والقول: بأنه باق على حقيقته والمراد فأوردهم في الدنيا النار أي موجبها وهو الكفر ليس بشيء، ونصب النار على أنه مفعول اثن لأوردهم وهي استعارة مكنية تهكمية للضدّ وهو الماء، وفي قرينتها احتمالًا كما شاع في: {يَنقُضُونَ عَهْدَ الله} [البقرة: 27] وعلى احتمال المجاز يكون الإيراد مستعارًا استعارة تبعية لسوقهم إلى النار.
وجوز أن يقال: إنه شبه فرعون بالفارط وهو الذي يتقدم القوم للماء ففيه استعارة مكنية، وجعل اتباعه واردة وإثبات الورود لهم تخييل، وجوز أيضًا جعل المجموع تمثيلًا.
وجوز بعضهم كون: {يَقْدُمُ} وأورد متنازعين في النار إلا أنه أعمل الثاني وحذف مفعول الأول وليس بذلك.
{وَبِئْسَ الورد المورود} أي بئس الورد الذي يردونه النار لأن الورد إنما يورد لتسكين العطش وتبريد الأكبار وفي النار تقطع الأكباد واشتعالها كذا قيل، فالورد على هذا بمعنى النصيب من الماء: {والمورود} صفته، والمخصوص بالذم محذوف وهو النار، وتعقب بأنه لابد من تصادق فاعل: {بالالقاب بِئْسَ} ومخصوصها ولا تصادق على هذا، وأيضًا في جواز وصف فاعل نعم، وبئس خلاف، وابن السراج، والفارسي على عدم الجواز.
وجوز ابن عطية كون (المورود) صفة والمخصوص الناس إلا أنه جعل الكلام على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، فالتصادق حاصل في الحقيقة أي بئس مكان الورود المورود النار ومنهم من يجعل: {المورود} هو المخصوص بالذم، والمراد به النار، ويقدر المضاف ليحصل التصادق أيضًا أي بئس مكان الورد النار ومن يجعل الورد فاعل: {بِئْسَ} ويفسره بالجمع الوارد.
و{المورود} صفة لهم والمخصوص بالذم ضميرهم المحذوف أي بئس القوم المورود بهم هم فيكون ذمًا للواردين لا لموضع الورود.
{وَأُتْبِعُوا} أي الملأ الذين اتبعوا أمر فرعون، وقيل: القوم مطلقًا: {فِى هذه} أي في الدنيا: {لَّعْنَةُ} عظيمة حيث يلعنهم من بعدهم من الأمم: {وَيَوْمَ القيامة} أيضًا حيث يلعنهم أهل الموقف قاطبة فهي تابعة لهم حيثما ساروا ودائرة أينما داروا فكما اتبعوا أمر فرعون اتبعتهم اللعنة في الدارين جزاءًا وفاقًا.
وقال الكلبي: اللعنة في الدنيا من المؤمنين أو بالغرق، ويوم القيامة من الملائكة أو بالنار.
{بِئْسَ الرفد المرفود} أي بئس العون المعان كما نقل عن أبي عبيدة، والمخصوص بالذم محذوف أي رفدهم، ويكون: {الرفد} بمعنى العطية كما يكون بمعنى العون.
قال أبو حيان: يقال: رفد الرجل يرفده رفدًا ورفدًا إذا أعطاه وأعانه من رفد الحائط دعمه، وعن الأصمعي الرفد بالفتح القدح. والرفد بالكسر ما فيه من الشراب، وقال الليث: أصل الرفد العطاء والمعونة، ومنه رفادة قريش وهي معاونتهم للحاج بشيء يخرجونه للفقراء، ويقال رفده رفدًا ورفدًا بكسر الراء وفتحها، ويقال: بالكسر الاسم.
وبالفتح المصدر، وفسره هنا بالعطاء غير واحد. وزعم أن المقام لا يلائمه ليس بشيء؛ نعم تفسيره بالعون جاء في صحيح البخاري، والمراد به على التفسرين اللعنة وتسميتها عونًا على التفسير الأول من باب الاستعارة التهكمية، وأما كونها معانًا فلأنها أرفدت في الأخرة بلعنة أخرى لتكونا هاديتين إلى صراط الجحيم، وكان القياس أن يسند المرفود إليهم لأن اللعنة في الدنيا تتبعهم وكذا في الآخرة لقوله سبحانه: {واتبعوا} إلخ، ولكن أسند إلى الرفد الذي هو اللعنة على الإسناد المجازي نحو جدّ جدّه، وجنونك مجنون، وكذا يعتبر الاستعارة والمجاز المذكوران على التفسير الثاني كذا قيل.
وقال بعض المدققين: إن في قول الزمخشري في بيان الآية على المعنى الأول المنقول عن أبي عبيدة وذلك أن اللعنة في الدنيا رفد للعذاب ومدد له، وقد رفدت باللعنة في الآخرة ما يشعر بأنه ليس من الاستعارة التهكمية في شيء إذ لو كان رفدًا للمعذبين لكان من ذلك القبيل، ثم قال: وجعله من باب جد جده أبعد وأبعد لأنه ذكر أنه رفد أعين برد أما لو فسر بالتفسير الثاني ففيه الأول لا الثاني لأنه ليس مصدرًا وإنما العطاء بمعنى ما يعطى فكثيرًا ما يطلق عليه انتهى وفيه نظر لا يخفى، ثم إن القول بأن هناك لعنتين رفدت إحداهما بالأخرى هو المروي عن مجاهد وغيه، فيوم معطوف على محل في الدنيا.
وذهب قوم إلى أن التقسيم هو أن لهم في الدنيا لعنة ويوم القيامة بئس ما يرفدون به فهي لعنة واحدة أولًا وقبح إرفاد آخرًا انتهى، وتعقبه في البحر بأن هذا لا يصح لأنه يدل على أن: {يَوْمٍ} معمول: {بِئْسَ} وهي لا تتصرف فلا يتقدم معمولها عليها، ولو كان: {يَوْمٍ} متأخرًا صح ذلك كما قال الشاعر:
ولنعم حشو الدرع أنت إذا ** دعيت نزال ولج في الذعر

وهو كلام وجيه، والآية ظاهرة في سوء حال فرعون يوم القيامة لأنه إذا كان حال الاتباع ما قص الله سبحانه فما ظنك بحال من أغواهم وألقاهم في هذا الضلال البعيد؟ وهذا يعكر على من ذهب إلى أنه قبض طاهرًا مطهرًا بل قال بعضهم: إنها نص في رد ذلك لأنه تعالى سلب عنه فيها الرشاد بعد موته والمؤمن الطاهر المطهر لا يسلب عنه الرشاد بعد الموت، ولعل من ذهب إلى ذلك يقول: باب التأويل واسع، وباب الرحمة أوسع منه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} عطف قصة على قصة.
وعقّبت قصة مدين بذكر بعثة موسى عليه السّلام لقرب ما بين زمنيهما، ولشدة الصلة بين النبيئين فإن موسى بعث في حياة شعيب عليهما السّلام وقد تزوّج ابنة شعيب.
وتأكيد الخبر بـ (قد) مثل تأكيد خبر نوح عليه السّلام في قوله تعالى: {ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه} [هود: 25].
والباء في: {بآياتنا} للمصاحبة فإن ظهور الآيات كان مصاحبًا لزمن الإرسال إلى فرعون وهو مدّة دعوة موسى عليه السّلام فرعون وملأه.
والسلطان: البرهان المبين، أي المُظهر صدق الجائِي به وهو الحجّة العقليّة أو التأييد الإلهي.
وقد تقدّم ذكر فرعون ومَلإه في سورة الأعراف.
وعُقب ذكر إرسال موسى عليه السّلام بذكر اتّباع الملإ أمرَ فرعون لأنّ اتّباعهم أمر فرعون حصل بإثر الإرسال ففهم منه أنّ فرعون أمرهم بتكذيب تلك الرسالة.
وإظهار اسم فرعون في المرّة الثانية دون الضمير والمرة الثالثة للتّشهير بهم، والإعلان بذمّه وهو انتفاء الرشد عن أمره.
وجملة: {وما أمر فرعون برشيد} حال من: {فرعون}.
والرشيد: فعيل من رشد من باب نصر وفرح، إذا اتّصف بإصابة الصواب.
يقال: أرشدك الله.
وأجري وصف رشيد على الأمر مجازًا عقليًا.
وإنّما الرشيد الآمر مبالغة في اشتمال الأمر على ما يقتضي انتفاء الرشد فكأنّ الأمر هو الموصوف بعدم الرشد.
والمقصود أن أمر فرعون سَفَهٌ إذْ لاَ واسطة بين الرشد والسفه.
ولكن عدل عن وصف أمره بالسّفيه إلى نفي الرشد عنه تجهيلًا للذين اتبعوا أمرَه لأنّ شأن العقلاء أن يَتطلبوا الاقتداء بما فيه صلاح وأنهم اتبعوا ما ليس فيه أمارة على سداده واستحقاقه لأن يتّبع فماذا غرّهم باتباعه.
{يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ}
جملة: {يقدم قومَه} يجوز أن تكون في موضع الحال من: {فرعون} [هود: 97] المذكور في الجملة قبلها.
ويجوز أن تكون استئنافًا بيانيًا.
والإيراد: جعل الشيء واردًا، أي قاصدًا الماء، والذي يوردهم هو الفارط، ويقال له: الفَرَط.
والوِرد بكسر الواو: الماء المورود، وهو فِعْل بمعنى مَفعول، مثل دبْح.
وفي قوله: {فأوردهم النار وبئس الورد المورود} استعارة الإيراد إلى التقدّم بالناس إلى العذاب، وهي تهكمّية لأن الإيراد يكون لأجل الانتفاع بالسقي وأمّا التقدّم بقومه إلى النار فهو ضد ذلك.
و: {يقدُم} مضارع قدَم بفتح الدّال بمعنى تقدّم المتعدي إذا كان متقدّمًا غيره.
وإنما جاء: {فأوردهم} بصيغة الماضي للتّنْبِيه على تحقيق وقوع ذلك الإيراد وإلاّ فقرينة قوله: {يوم القيامة} تدلّ على أنّه لم يقع في الماضي:
وجملة: {وبئس الورد المورود} في موضع الحال والضمير المخصوص بالمدح المحذوف هو الرابط وهو تجريد للاستعارة، كقوله تعالى: {بئس الشراب} [الكهف: 29]، لأن الورد المشبه به لا يكون مذمومًا.
والإتْبَاع: الإلحاق.
واللعنة: هي لعنة العذاب في الدّنيا وفي الآخرة.
و: {يوم القيامة} متعلق بـ: {أتبعوا}، فعلم أنّهم أتبعوا لعنة يوم القيامة، لأنّ اللّعنة الأولى قيّدت بالمجرور بحرف: {في} الظرفية، فتعيّن أنّ الإتباع في يوم القيامة بلعنة أخرى.
وجملة: {بئس الرفد المرفود} مستأنفة لإنشاء ذمّ اللّعنة.
والمخصوص بالذمّ محذوف دل عليه ذكر اللّعنة، أي بئس الرفد هي.
والرفد بكسر الرّاء اسم على وزن فِعل بمعنى مفعول مثل ذبح، أي ما يرفد به.
أي يُعطى.
يقال: رفده إذا أعطاه ما يعينه به من مال ونحوه.
وفي حذف المخصوص بالمدح إيجاز ليكون الذمّ متوجّهًا لإحدى اللّعنتين لا على التعيين لأنّ كلتيهما بَئيس.
وإطلاق الرّفد على اللّعنة استعارة تهكّمية، كقول عمرو بن معد يكرب:
تحية بينهم ضرب وجيع

والمرفود: حقيقته المعطَى شيئًا.
ووصف الرفد بالمرفود لأنّ كلتا اللّعنتين معْضودة بالأخرى، فشبّهت كل واحدة بمَن أعطي عطاء فهي مرفودة.
وإنما أجري المرفود على التذكير باعتبار أنّه أطلق عليه رفد. اهـ.