فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الوجه الثاني: في الفرق بين الزفير والشهيق.
قال بعضهم: الزفير بمنزلة ابتداء صوت الحمار بالنهيق.
وأما الشهيق فهو بمنزلة آخر صوت الحمار.
الوجه الثالث: قال الحسن: قد ذكرنا أن الزفير عبارة عن الارتفاع.
فنقول: الزفير لهيب جهنم يرفعهم بقوته حتى إذا وصلوا إلى أعلى درجات جهنم وطمعوا في أن يخرجوا منها ضربتهم الملائكة بمقامع من حديد ويردونهم إلى الدرك الأسفل من جهنم، وذلك قوله تعالى: {كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَا أُعِيدُواْ فِيهَا} فارتفاعهم في النار هو الزفير وانحطاطهم مرة أخرى هو الشهيق.
الوجه الرابع: قال أبو مسلم: الزفير: ما يجتمع في الصدر من النفس عند البكاء الشديد فينقطع النفس، والشهيق: هوا الذي يظهر عند اشتداد الكربة والحزن، وربما تبعهما الغشية، وربما حصل عقيبه الموت.
الوجه الخامس: قال أبو العالية: الزفير في الحلق والشهيق في الصدر.
الوجه السادس: قال قوم: الزفير الصوت الشديد، والشهيق الصوت الضعيف.
الوجه السابع: قال ابن عباس رضي الله عنهما: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} يريد ندامة ونفسًا عالية وبكاء لا ينقطع وحزنًا لا يندفع.
الوجه الثامن: الزفير مشعر بالقوة، والشهيق بالضعف على ما قررناه بحسب اللغة.
إذا عرفت هذا فنقول: لم يبعد أن يكون المراد من الزفير قوة ميلهم إلى عالم الدنيا وإلى اللذات الجسدانية، والمراد من الشهيق ضعفهم عن الاستسعاد بعالم الروحانيات والاستكمال بالأنوار الإلهية والمعارج القدسية.
ثم قال تعالى: {خالدين فِيهَا مَا دَامَتِ السموات والأرض إِلا ما شاء رَبَّكَ}
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
قال قوم إن عذاب الكفار منقطع ولها نهاية، واحتجوا بالقرآن والمعقول.
أما القرآن فآيات منها هذه الآية والاستدلال بها من وجهين: الأول: أنه تعالى قال: {مَا دَامَتِ السموات والأرض} دل هذا النص على أن مدة عقابهم مساوية لمدة بقاء السموات والأرض، ثم توافقنا على أن مدة بقاء السموات والأرض متناهية فلزم أن تكون مدة عقاب الكفار منقطعة.
الثاني: أن قوله: {إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ} استثناء من مدة عقابهم وذلك يدل على زوال ذلك العذاب في وقت هذا الاستثناء ومما تمسكوا به أيضًا قوله تعالى في سورة عم يتساءلون: {لابثين فِيهَا أَحْقَابًا} [النبأ: 23] بين تعالى أن لبثهم في ذلك العذاب لا يكون إلا أحقابًا معدودة.
وأما العقل فوجهان: الأول: أن معصية الكافر متناهية ومقابلة الجرم المتناهي بعقاب لا نهاية له ظلم وأنه لا يجوز.
الثاني: أن ذلك العقاب ضرر خال عن النفع فيكون قبيحًا بيان خلوه عن النفع أن ذلك النفع لا يرجع إلى الله تعالى لكونه متعاليًا عن النفع والضرر ولا إلى ذلك المعاقب لأنه في حقه ضرر محض ولا إلى غيره، لأن أهل الجنة مشغولون بلذاتهم فلا فائدة لهم في الالتذاذ بالعذاب الدائم في حق غيرهم، فثبت أن ذلك العذاب ضرر خال عن جميع جهات النفع فوجب أن لا يجوز، وأما الجمهور الأعظم من الأمة، فقد اتفقوا على أن عذاب الكافر دائم وعند هذا احتاجوا إلى الجواب عن التمسك بهذه الآية. أما قوله: {خالدين فِيهَا مَا دَامَتِ السموات والأرض} فذكروا عنه جوابين: الأول: قالوا المراد سموات الآخرة وأرضها.
قالوا والدليل على أن في الآخرة سماء وأرضًا قوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسموات} [إبراهيم: 48] وقوله: {وَأَوْرَثَنَا الأرض نَتَبَوَّأُ مِنَ الجنة حَيْثُ نَشَاء} [الزمر: 74] وأيضًا لابد لأهل الآخرة مما يقلهم ويظلهم، وذلك هو الأرض والسموات.
ولقائل أن يقول: التشبيه إنما يحسن ويجوز إذا كان حال المشبه به معلومًا مقررًا فيشبه به غيره تأكيدًا لثبوت الحكم في المشبه ووجود السموات والأرض في الآخرة غير معلوم وبتقدير أن يكون وجوده معلومًا إلا أن بقاءها على وجه لا يفنى ألبتة غير معلوم، فإذا كان أصل وجودهما مجهولًا لأكثر الخلق ودوامهما أيضًا مجهولًا للأكثر، كان تشبيه عقاب الأشقياء به في الدوام كلامًا عديم الفائدة، أقصى ما في الباب أن يقال: لما ثبت بالقرآن وجود سموات وأرض في الآخرة وثبت دوامهما وجب الاعتراف به، وحينئذ يحسن التشبيه، إلا أنا نقول: لما كان الطريق في إثبات دوام سموات أهل الآخرة ودوام أرضهم هو السمع، ثم السمع دل على دوام عقاب الكافر، فحينئذ الدليل الذي دل على ثبوت الحكم في الأصل حاصل بعينه في الفرع، وفي هذه الصورة أجمعوا على أن القياس ضائع والتشبيه باطل، فكذا ههنا.
والوجه الثاني: في الجواب قالوا إن العرب يعبرون عن الدوام والأبد بقولهم ما دامت السموات والأرض، ونظيره أيضًا قولهم ما اختلف الليل والنهار، وما طما البحر، وما أقام الجبل، وأنه تعالى خاطب العرب على عرفهم في كلامهم فلما ذكروا هذه الأشياء بناء على اعتقادهم أنها باقية أبد الآباد، علمنا أن هذه الألفاظ بحسب عرفهم تفيد الأبد والدوام الخالي عن الانقطاع.
ولقائل أن يقول: هل تسلمون أن قول القائل: خالدين فيها ما دامت السموات والأرض، يمنع من بقائها موجودة بعد فناء السموات، أو تقولون إنه لا يدل على هذا المعنى، فإن كان الأول، فالإشكال لازم، لأن النص لما دل على أنه يجب أن تكون مدة كونهم في النار مساوية لمدة بقاء السموات ويمنع من حصول بقائهم في النار بعد فناء السموات، ثم ثبت أنه لابد من فناء السموات فعندها يلزمكم القول بانقطاع ذلك العقاب، وأما إن قلتم هذا الكلام لا يمنع بقاء كونهم في النار بعد فناء السموات والأرض، فلا حاجة بكم إلى هذا الجواب ألبتة، فثبت أن هذا الجواب على كلا التقديرين ضائع.
واعلم أن الجواب الحق عندي في هذا الباب شيء آخر، وهو أن المعهود من الآية أنه متى كانت السموات والأرض دائمتين، كان كونهم في النار باقيًا فهذا يقتضي أن كلما حصل الشرط حصل المشروط ولا يقتضي أنه إذا عدم الشرط يعدم المشروط: ألا ترى أنا نقول: إن كان هذا إنسانًا فهو حيوان.
فإن قلنا: لكنه إنسان فإنه ينتج أنه حيوان، أما إذا قلنا لكنه ليس بإنسان لم ينتج أنه ليس بحيوان، لأنه ثبت في علم المنطق أن استثناء نقيض المقدم لا ينتج شيئًا، فكذا هاهنا إذا قلنا متى دامت السموات دام عقابهم، فإذا قلنا لكن السموات دائمة لزم أن يكون عقابهم حاصلًا، أما إذا قلنا لكنه ما بقيت السموات لم يلزم عدم دوام عقابهم.
فإن قالوا: فإذا كان العقاب حاصلًا سواء بقيت السموات أو لم تبق لم يبق لهذا التشبيه فائدة؟
قلنا بل فيه أعظم الفوائد وهو أنه يدل على نفاذ ذلك العذاب دهرًا دهرًا، وزمانًا لا يحيط العقل بطوله وامتداده، فأما أنه هل يحصل له آخر أم لا فذلك يستفاد من دلائل أخر، وهذا الجواب الذي قررته جواب حق ولكنه إنما يفهمه إنسان ألف شيئًا من المعقولات.
وأما الشبهة الثانية: وهي التمسك بقوله تعالى: {إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ} فقد ذكروا فيه أنواعًا من الأجوبة.
الوجه الأول: في الجواب وهو الذي ذكره ابن قتيبة وابن الأنباري والفراء.
قالوا هذا استثناء استثناه الله تعالى ولا يفعله ألبتة، كقولك: والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك مع أن عزيمتك تكون على ضربه، فكذا هاهنا وطولوا في تقرير هذا الجواب، وفي ضرب الأمثلة فيه، وحاصله ما ذكرناه.
ولقائل أن يقول: هذا ضعيف لأنه إذا قال: لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك، معناه: لأضربنك إلا إذا رأيت أن الأولى ترك مضرب، وهذا لا يدل ألبتة على أن هذه الرؤية قد حصلت أم لا بخلاف قوله: {خالدين فِيهَا مَا دَامَتِ السموات والأرض إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ} فإن معناه الحكم بخلودهم فيها إلا المدة التي شاء ربك، فههنا اللفظ يدل على أن هذه المشيئة قد حصلت جزمًا، فكيف يحصل قياس هذا الكلام على ذلك الكلام.
الوجه الثاني: في الجواب أن يقال: إن كلمة: {إِلا} هاهنا وردت بمعنى: سوى.
والمعنى أنه تعالى لما قال: {خالدين فِيهَا مَا دَامَتِ السموات والأرض} فهم منه أنهم يكونون في النار في جميع مدة بقاء السموات والأرض في الدنيا، ثم قال سوى ما يتجاوز ذلك من الخلود الدائم فذكر أولًا في خلودهم ماليس عند العرب أطول منه، ثم زاد عليه الدوام الذي لا آخر له بقوله: {إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ} المعنى: إلا ما شاء ربك من الزيادة التي لا آخر لها.
الوجه الثالث: في الجواب وهو أن المراد من هذا الاستثناء زمان وقوفهم في الموقف فكأنه تعالى قال فأما الذين شقوا ففي النار إلا وقت وقوفهم للمحاسبة فإنهم في ذلك الوقت لا يكونون في النار، وقال أبو بكر الأصم المراد إلا ما شاء ربك وهو حال كونهم في القبر، أو المراد إلا ما شاء ربك حال عمرهم في الدنيا وهذه الأقوال الثلاثة متقاربة، والمعنى: خالدين فيها بمقدار مكثهم في الدنيا أو في البرزخ أو مقدار وقوفهم للحساب ثم يصيرون إلى النار.
الوجه الرابع: في الجواب قالوا: الاستثناء يرجع إلى قوله: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} [هود: 106] وتقريره أن نقول: قوله: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خالدين فِيهَا} يفيد حصول الزفير والشهيق مع الخلود فإذا دخل الاستثناء عليه وجب أن يحصل وقت لا يحصل فيه هذا المجموع لكنه ثبت في المعقولات أنه كما ينتفي المجموع بانتفاء جميع أجزائه فكذلك ينتفي بانتفاء فرد واحد من أجزائه فإذا انتهوا آخر الأمر إلى أن يصيروا ساكنين هامدين خامدين فحينئذ لم يبق لهم زفير وشهيق فانتفى أحد أجزاء ذلك المجموع فحينئذ يصح ذلك الاستثناء من غير حاجة إلى الحكم بانقطاع كونهم في النار.
الوجه الخامس: في الجواب أن يحمل هذا الاستثناء على أن أهل العذاب لا يكونون أبدًا في النار، بل قد ينقلون إلى البرد والزمهرير وسائر أنواع العذاب وذلك يكفي في صحة هذا الاستثناء.
الوجه السادس: في الجواب قال قوم: هذا الاستثناء يفيد إخراج أهل التوحيد من النار، لأن قوله: {فَأَمَّا الذين شَقُواْ فَفِي النار} يفيد أن جملة الأشقياء محكوم عليهم بهذا الحكم، ثم قوله: {إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ} يوجب أن لا يبقى ذلك الحكم على ذلك المجموع.
ويكفي في زوال حكم الخلود عن المجموع زواله عن بعضهم، فوجب أن لا يبقى حكم الخلود لبعض الأشقياء، ولما ثبت أن الخلود واجب للكفار وجب أن يقال: الذين زال حكم الخلود عنهم هم الفساق من أهل الصلاة، وهذا كلام قوي في هذا الباب.
فإن قيل: فهذا الوجه إنما يتعين إذا فسدت سائر الوجوه التي ذكرتموها، فما الدليل على فسادها، وأيضًا فمثل هذا الاستثناء مذكور في جانب السعداء، فإنه تعالى قال: {وَأَمَّا الذين سُعِدُواْ فَفِى الجنة خالدين فِيهَا مَا دَامَتِ السموات والأرض إلا مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ}.
قلنا: إنا بهذا الوجه بينا أن هذه الآية لا تدل على انقطاع وعيد الكفار، ثم إذا أردنا الاستدلال بهذه الآية على صحة قولنا في أنه تعالى يخرج الفساق من أهل الصلاة من النار.
قلنا: أما حمل كلمة {إلا} على سوى فهو عدول عن الظاهر، وأما حمل الاستثناء على حال عمر الدنيا والبرزخ والموقف فبعيد أيضًا، لأن الاستثناء وقع عن الخلود في النار، ومن المعلوم أن الخلود في النار كيفية من كيفيات الحصول في النار، فقبل الحصول في النار امتنع حصول الخلود في النار، وإذا لم يحصل الخلود لم يحصل المستثنى منه وامتنع حصول الاستثناء.
وأما قوله الاستثناء عائد إلى الزفير والشهيق فهذا أيضًا ترك للظاهر، فلم يبق للآية محمل صحيح إلا هذا الذي ذكرناه، وأما قوله المراد من الاستثناء نقله من النار إلى الزمهرير.
فنقول: لو كان الأمر كذلك لوجب أن لا يحصل العذاب بالزمهرير إلا بعد انقضاء مدة السموات والأرض.
والأخبار الصحيحة دلت على أن النقل من النار إلى الزمهرير وبالعكس يحصل في كل يوم مرارًا فبطل هذا الوجه، وأما قوله إن مثل هذا الاستثناء حاصل في جانب السعداء فنقول: أجمعت الأمة على أنه يمتنع أن يقال: إن أحدًا يدخل الجنة ثم يخرج منها إلى النار، فلأجل هذا الإجماع افتقرنا فيه إلى حمل ذلك الاستثناء على أحد تلك التأويلات.
أما في هذه الآية لم يحصل هذا الإجماع، فوجب إجراؤها على ظاهرها فهذا تمام الكلام في هذه الآية.
واعلم أنه تعالى لما ذكر هذا الاستثناء قال: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لّمَا يُرِيدُ} وهذا يحسن انطباقه على هذه الآية إذا حملنا الاستثناء على إخراج الفساق من النار، كأنه تعالى يقول أظهرت القهر والقدرة ثم أظهرت المغفرة والرحمة لأني فعال لما أريد وليس لأحد عليَّ حكم ألبتة.
ثم قال: {وَأَمَّا الذين سُعِدُواْ فَفِي الجنة خالدين فِيهَا مَا دَامَتِ السموات والأرض إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ} وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: {سُعِدُواْ} بضم السين والباقون بفتحها وإنما جاز ضم السين لأنه على حذف الزيادة من أسعد ولأن سعد لا يتعدى وأسعد يتعدى وسعد وأسعد بمعنى ومنه المسعود من أسماء الرجال.
المسألة الثانية:
الاستثناء في باب السعداء يجب حمله على أحد الوجوه المذكورة فيما تقدم وهاهنا وجه آخر وهو أنه ربما اتفق لبعضهم أن يرفع من الجنة إلى العرش وإلى المنازل الرفيعة التي لا يعلمها إلا الله تعالى.
قال الله تعالى: {وَعَدَ الله المؤمنين والمؤمنات جنات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا ومساكن طَيّبَةً في جَنَّاتِ عَدْنٍ ورضوان مّنَ الله أكبر} [التوبة: 72] وقوله: {عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ} فيه مسألتان:
المسألة الأولى:
جذه يجذه جذًا إذا قطعه وجذ الله دابرهم، فقوله: {غَيْرَ مَجْذُوذٍ} أي غير مقطوع، ونظيره قوله تعالى في صفة نعيم الجنة: {لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة: 33].
المسألة الثانية:
اعلم أنه تعالى لما صرح في هذه الآية أنه ليس المراد من هذا الاستثناء كون هذه الحالة منقطعة، فلما خص هذا الموضع بهذا البيان ولم يذكر ذلك في جانب الأشقياء دل ذلك على أن المراد من ذلك الاستثناء هو الانقطاع، فهذا تمام الكلام في هذه الآية.
{فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آَبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ}
اعلم أنه تعالى لما شرح أقاصيص عبدة الأوثان ثم أتبعه بأحوال الأشقياء وأحوال السعداء شرح للرسول عليه الصلاة والسلام أحوال الكفار من قومه فقال: {فَلاَ تَكُ في مِرْيَةٍ} والمعنى: فلا تكن، إلا أنه حذف النون لكثرة الاستعمال، ولأن النون إذا وقع على طرف الكلام لم يبق عند التلفظ به إلا مجرد الغنة فلا جرم أسقطوه، والمعنى: فلا تك في شك من حال ما يعبدون في أنها لا تضر ولا تنفع. ثم قال تعالى: {مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ ءابَاؤهُم مّن قَبْلُ} والمراد أنهم أشبهوا آباءهم في لزوم الجهل والتقليد.
ثم قال: {وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ} فيحتمل أن يكون المراد إنا موفوهم نصيبهم أي ما يخصهم من العذاب. ويحتمل أن يكون المراد أنهم وإن كفروا وأعرضوا عن الحق فإنا موفوهم نصيبهم من الرزق والخيرات الدنيوية.
ويحتمل أيضًا أن يكون المراد إنا موفوهم نصيبهم من إزالة العذر وإزاحة العلل وإظهار الدلائل وإرسال الرسل وإنزال الكتب، ويحتمل أيضًا أن يكون الكل مرادًا. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه}
فيه ثلاث تأويلات:
أحدها: لا تشفع إلا بإذنه.
الثاني: لا تتكلم إلا بالمأذون فيه من حسن الكلام لأنهم ملجؤون إلى ترك القبيح.