فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



بقيع الغرقد هو مقبرة أهل المدينة الشريفة ومدفنهم والمخصرة كالسوط والعصا ونحو ذلك مما يمسكه بيده الإنسان والنكت بالنون والتاء المثناة من فوق ضرب الشيء بتلك المخصرة أبو اليد ونحو ذلك حتى يؤثر فيه واستدل بعض العلماء بهذه الآية وهذا الحديث على أن أهل الموقف قسمان شقي وسعيد لا ثالث لهما وظاهر الآية والحديث يدل على ذلك لكن بقي قسم آخر مسكوت عنه وهو من استوت حسناته وسيئاته وهم أصحاب الأعراف في قول والأطفال والمجانين الذين لا حسنات لهم ولا سيئات فهؤلاء مسكوت عنهم فهم تحت مشيئة الله يوم القيامة يحكم فيهم بما يشاء وتخصيص هذين القسمين بالذكر لا يدل على نفي القسم الثالث: {فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها} أي في النار من العذاب والهوان: {زفير وشهيق} أصل الزفير ترديد النفس في الصدر حتى تنتفخ منه الضلوع والشهيق رد النفس إلى الصدر أو الزفير مده وإخراجه من الصدر وقال ابن عباس: الزفير الصوت الشديد والشهيق الصوت الضعيف، وقال الضحاك ومقاتل: الزفير أول صوت الحمار والشهيق آخره إذا رده إلى صدره وقال أبو العالية، الزفير في الحلق والشهيق في الجوف.
{خالدين فيها} يعني لابثين مقيمين في النار: {ما دامت السموات والأرض} قال الضحاك: يعني ما دامت سموات الجنة والنار وأرضهما ولابد لأهل الجنة وأهل النار من سماء تظلهم وأرض تقلهم فكل ما علاك فأظلك فهو سماء وكل ما استقر عليه قدمك فهو أرض وقال أهل المعاني هذه عبارة عن التأبيد وذلك على عادة العرب فإنهم يقولون لا آتيك ما دامت السموات والأرض وما اختلف الليل والنهار يريدون بذلك التأبيد.
وقوله سبحانه وتعالى: {إلا ما شاء ربك} اختلف العلماء في معنى هذين الإستثناءين فقال ابن عباس والضحاك: الإستثناء الأول المذكور في أهل الشقاء يرجع إلى قوم من المؤمنين يدخلهم الله النار بذنوب اقترفوها ثم يخرجهم منها فيكون استثناء من غير الجنس لأن الذين أخرجوا من النار سعداء في الحقيقة استثناهم الله تعالى من الأشقياء ويدل على صحة هذا التأويل ما روي عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله سبحانه وتعالى يخرج قومًا من النار بالشفاعة فيدخلهم الجنة» وفي رواية «إن الله يخرج ناسًا من النار فيدخلهم الجنة» أخرجه البخاري ومسلم، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج من النار قوم بعد ما مسهم منها سفع فيدخلون الجنة فيسميهم أهل الجنة الجهنميين». وفي رواية: «ليصيبن أقوامًا سفع من النار بذنوب أصابوها عقوبة لهم ثم يدخلهم الله الجنة بفضله ورحمته فيقال لهم الجهنميون». عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج قوم من النار بشفاعة محمد فيدخلون الجنة يسمون الجهنميين» وأما الاستثناء الثاني المذكور في أهل السعادة فيرجع إلى مدة لبث هؤلاء في النار قبل دخولهم الجنة فعلى هذا القول يكون معنى الآية فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك أن يخرجهم منها فيدخلهم الجنة: {إن ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك} أن يدخله النار أولًا ثم يخرجه منها فيدخله الجنة فحاصل هذا القول إن الاستثناءين يرجع كل واحد منهما إلى قوم مخصوصين هم في الحقيقة سعداء أصابوا ذنوبًا استوجبوا بها عقوبة يسيرة في النار ثم يخرجون منها فيدخلون الجنة لأن إجماع الأمة على أن من دخل الجنة لا يخرج منها أبدًا وقيل إن الاستثناءين يرجعان إلى الفريقين السعداء والأشقياء وهو مدة تعميرهم في الدنيا واحتباسهم في البرزخ وهو ما بين الموت إلى البعث ومدة وقوفهم للحساب ثم يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار فيكون المعنى خالدين في الجنة والنار إلا هذا المقدار، وقيل: معنى إلا ما شاء ربك سوى ما شاء ربك فيكون الامعنى خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك من الزيادة على ذلك وهو كقولك لفلان علي ألف إلا ألفين أي سوى ألفين وقيل إلا بمعنى الواو بمعنى وقد شاء ربك خلود هؤلاء في النار وخلود هؤلاء في الجنة فهو كقوله تمجدو تعالى لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا فيها، قال الفراء: هذا استثناء استثناه الله ولا يفعله كقوله والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك وعزمه أن يضربه فهذه الأقوال في معنى الاستثناء ترجع إلى الفريقين والصحيح هو القول الأول ويدل عليه قوله سبحانه وتعالى: {إن ربك فعال لما يريد} يعني من إخراج من أراد من النار وإدخالهم الجنة فهذا على الإجمال في حال الفريقين فأما على التفصيل فقوله إلا ما شاء ربك في جانب الأشقياء يرجع إلى الزفير والشهيق وتقريره أن يفيد حصول الزفير والشهيق مع خلود لأنه إذا دخل الاستثناء عليه وجب أن يحصل فيه هذا المجموع والاستثناء في جانب السعداء يكون بمعنى الزيادة يعني إلا ما شاء ربك من الزيادة لهم من النعيم بعد الخلود، وقيل: إن الاستثناء الأول في جانب الأشقياء معناه إلا ما شاء ربك من الزيادة لهم من النعيم بعد الخلود، وقيل: إن الاستثناء الأول في جانب الأشقياء معناه إلا ما شاء ربك من أن يخرجهم من حرّ النار إلى البرد والزمهرير وفي جانب السعداء معناه إلا ما شاء ربك أن يرفع بعضهم إلى منازل أعلى منازل الجنان ودرجاتها والقول الأول هو المختار ويدل على خلود أهل الجنة في الجنة أن الأمة مجتمعة على من دخل الجنة لا يخرج منها بل هو خالد فيها.
وقوله سبحانه وتعالى في جانب السعداء: {عطاء غير مجذوذ} يعني غير مقطوع قال ابن زيد: أخبرنا الله سبحانه وتعالى بالذي يشاء لأهل الجنة فقال تعالى: {عطاء غير مجذوذ} ولم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار وروي عن ابن مسعود أنه قال: «ليأتين على جهنم زمان ليس فيها أحد وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابًا» وعن أبي هريرة نحوه، وهذا إن صح عن ابن مسعود وأبي هريرة: فمحمول عند أهل السنة على إخلاء أماكن المؤمنين الذي استحقوا النار من النار بعد إخراجهم منها لأنه ثبت بالدليل الصحيح القاطع إخراج جميع الموحدين وخلود الكفار فيها أو يكون محمولًا على إخراج الكفار من حر النار إلى برد الزمهرير ليزدادوا عذابًا فوق عذابهم والله أعلم.
قوله سبحانه وتعالى: {فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء}.
يعني فلا تك في شك يا محمد في هذه الأصنام التي يعبدها هؤلاء الكفار فإنها لا تضر ولا تنفع: {ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل} يعني أنه ليس لهم في عبادة هذه الأصنام مستند إلا أنهم رأوا آباءهم يعبدونها فعبدوها مثلهم: {وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص} يعني وإنا مع عبادتهم هذه الأصنام نرزقهم الرزق الذي قدرناه لهم من غير نقص فيه ويحتمل أن يكون المراد من توفية نصيبهم يعني من العذاب الذي قدر لهم في الآخرة كاملًا موفرًا غير ناقص. اهـ.

.قال أبو حيان:

{يَوْمَ يَأْتِ}
وقرأ النحويان ونافع يأتي بإثبات الياء وصلًا وحذفها وقفًا وابن كثير بإثباتها وصلًا ووقفًا وهي ثابتة في مصحف أبيّ وقرأ باقي السبعة بحذفها وصلًا ووقفًا وسقطت في مصحف الإمام عثمان وقرأ الأعمش يأتون وكذا في مصحف عبد الله وإثباتها وصلًا ووقفًا هو الوجه ووجه حذفها في الوقف التشبيه بالفواصل وقفًا ووصلًا التخفيف كما قالوا لا أدرِ ولا أبالِ وذكر الزمخشري أنّ الاجتزاء بالكسرة عن الياء كثير في لغة هذيل وأنشد الطبري:
كفاك كف ما يليق درهما ** جود وأخرى تعط بالسيف الدما

والظاهر أنّ الفاعل بيأتي ضمير يعود على ما عاد عليه الضمير في نؤخره وهو قوله ذلك يوم والناصب له لا تكلم والمعنى لا تكلم نفس يوم يأتي ذلك اليوم إلا بإذن الله وذلك من عظم المهابة والهول في ذلك اليوم وهو نظير لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ هو ناصب كقوله يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا والمراد بإتيان اليوم إتيان أهواله وشدائده إذ اليوم لا يكون وقتًا لإتيان اليوم.
وأجاز الزمخشري أن يكون فاعل يأتي ضميرًا عائدًا على الله قال كقوله هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ وجاء ربك ويعضده قراءة وما يؤخره بالياء وقوله بِإِذْنِهِ وأجاز أيضًا أن ينتصب يوم يأتي باذكر أو بالانتهاء المحذوف في قوله إلا لأجل معدود أي ينتهي الأجل يوم يأتي وأجاز الحوفي أن يكون لا تكلم حالًا من ضمير اليوم المتقدم في مشهود أو نعتًا لأنه نكره والتقدير لا تكلم نفس فيه يوم يأتي إلا بإذنه وقال ابن عطية لا تكلم نفس يصح أن يكون جملة في موضع الحال من الضمير الذي في يأتي وهو العائد على قوله ذلك يوم ويكون على هذا عائد محذوف تقديره لا تكلم نفس فيه إلا بإذنه ويصح أن يكون قوله لا تكلم نفس صفة لقوله يوم يأتي أو يوم يأتي يراد به الحين والوقت لا النهار بعينه وما ورد في القرآن من ذكر كلام أهل الموقف في التلازم والتساؤل والتجادل فإما أن يكون بإذن الله وإما أن يكون هذه مختصة هنا في تكلم شفاعة أو إقامة حجة انتهى وكلامه في إعراب لا تكلم كأنه منقول من كلام الحوفي وقيل يوم القيامة يوم طويل له مواقف ففي بعضها يجادلون عن أنفسهم وفي بعضها يكفون عن الكلام فلا يؤذن لهم وفي بعضها يؤذن لهم فيتكلمون وفي بعضها يختم على أفواههم وتكلم أيديهم وتشهد أرجلهم والضمير في منهم عائد على الناس في قوله مجموع له الناس وقال الزمخشري الضمير لأهل الموقف ولم يذكروا إلا أن ذلك معلوم ولأنّ قوله لا تكلم نفس يدل عليه وقد مرّ ذكر الناس في قوله مجموع له الناس وقال ابن عطية فمنهم عائد على الجميع الذي تضمنه قوله نفس إذ هو اسم جنس يراد به الجميع انتهى قال ابن عباس الشقي من كتبت عليه الشقاوة والسعيد الذي كتبت له السعادة وقيل معذب ومنعم وقيل محروم ومرزوق وقيل الضمير في منهم عائد على أمة محمد صلى الله عليه وسلم. ذكره ابن الأنباري.
{فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} الزفير والشهيق: زعم أهل اللغة من الكوفيين والبصريين أنّ الزفير بمنزلة ابتداء صوت الحمار، والشهيق بمنزلة آخر نهيقه.
وقال رؤبة:
حشرج في الصدر صهيلًا وشهق ** حتى يقال ناهق وما نهق

وقال ابن فارس: الشهيق ضد الزفير، لأن الشهيق رد النفس، والزفير إخراج النفس من شدة الجري، مأخوذ من الزفر وهو الحمل على الظهر لشدته.
وقال الشماخ:
بعيد مدى التطريب أول صوته ** زفير ويتلوه شهيق محشرج

والشهيق النفس الطويل الممتد، مأخوذ من قولهم: جبل شاهق أي طويل.
وقال الليث: الزفير أن يملأ الرجل صدره حال كونه في الغم الشديد من النفس ويخرجه، والشهيق أن يخرج ذلك النفس بشدّة يقال: إنه عظيم الزفرة.
الجذ القطع بالمعجمة والمهملة.
قال ابن قتيبة: جذذت وجددت، وهو بالذال أكثر.
قال النابغة:
تجذ السلوقي المضاعف يسجه ** وتوقد بالصفاح نار الحباحب

{فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ} قال الضحاك ومقاتل والفراء: الزفير أول نهيق الحمار، والشهيق آخره، وروي عن ابن عباس، وقال أبو العالية والربيع بن أنس: الزفير في الحلق، والشهيق في الصدر، وروي عن ابن عباس أيضًا.
وقال ابن السائب: الزفير زفير الحمار، والشهيق شهيق البغال.
وانتصاب خالدين على أنها حال مقدرة، وما مصدرية ظرفية أي: مدة دوام السموات والأرض، والمراد بهذا التوقيت التأييد كقول العرب: ما أقام ثبير وما لاح كوكب، وضعت العرب ذلك للتأييد من غير نظر لفناء ثبير أو الكوكب، أو عدم فنائهما.
وقيل: سموات الآخرة وأرضها وهي دائمة لابد، يدل على ذلك: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات} وقوله: {وأورثنا الأرض نتبوّأ من الجنة حيث نشاء} ولأنه لابد لأهل الآخرة مما يقلهم ويظلمهم، إما سماء يخلقها الله، أو يظلهم العرش وكلما أظلك فهو سماء.
وعن ابن عباس: إن السموات والأرض في الآخرة يردان إلى النور الذي أخذتا منه، فهما دائمتان أبدًا في نور العرش.
والظاهر أنّ قوله: إلا ما شاء ربك استثناء من الزمان الدال عليه قوله: خالدين فيهما ما دامت السموات والأرض.
والمعنى: إلا الزمان الذي شاءه الله تعالى، فلا يكون في النار، ولا في الجنة، ويمكن أن يكون هذا الزمان المستثنى هو الزمان الذي يفصل الله بين الخلق يوم القيامة، إذا كان الاستثناء من الكون في النار والجنة، لأنه زمان يخلو فيه الشقي والسعيد من دخول النار أو الجنة.
وأما إن كان الاستثناء من الخلود فيمكن ذلك بالنسبة إلى أهل النار، ويكون الزمان المستثنى، هو الزمان الذي فات أهل النار العصاة من المؤمنين الذين يخرجون من النار ويدخلون الجنة، فليسوا خالدين في النار إذ قد أخرجوا منها وصاروا في الجنة، وهذا روى معناه عن قتادة والضحاك وغيرهما، ويكون الذين شقوا شاملًا للكفار وعصارة المسلمين.
وأما بالنسبة إلى أهل الجنة فلا يتأتى منهم ما تأتى في أهل النار، إذ ليس منهم من يدخل الجنة ثم لا يخلد فيها، لكن يمكن ذلك باعتبار أن يكون أريد الزمان الذي فات أهل النار العصاة من المؤمنين، أو الذي فات أصحاب الأعراف، فإنهم بفوات تلك المدة التي دخل المؤمنون فيها الجنة وخلدوا فيها صدق على العصاة المؤمنين وأصحاب الأعراف أنهم ما خلدوا في الجنة تخليد من دخلها لأول وهلة، ويجوز أن يكون استثناء من الضمير المستكن في الجار والمجرور، أو في خالدين، وتكون ما واقعة على نوع من يعقل، كما وقعت في قوله: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} أو تكون واقعة على من يعقل على مذهب من يرى وقوعها على من يعقل مطلقًا، ويكون المستثنى في قصة النار عصاة المؤمنين، وفي قصة الجنة هم، أو أصحاب الأعراف لأنهم لم يدخلوا الجنة لأول وهلة، ولا خلدوا فيها خلود من دخلها أول وهلة.
وقال الزمخشري: (فإن قلت): ما معنى الاستثناء في قوله: إلا ما شاء ربك، وقد ثبت خلود أهل الجنة والنار في الآية من غير استثناء؟ (قلت): هو استثناء من الخلود في عذاب النار، ومن الخلود في نعيم أهل الجنة، وذلك أنّ أهل النار لا يخلدون في عذاب النار وحده، بل يعذبون بالزمهرير وبأنواع من العذاب يساوي عذاب النار، وبما هو أغلظ منها كلها وهو سخط الله عليهم وخسؤه لهم وإهانته إياهم.
وهكذا أهل الجنة لهم مع تبوّء الجنة ما هو أكبر منها وأجل موقعًا منهم، وهو رضوان الله تعالى.
كما قال: {وعد الله} الآية إلى قوله: {ورضوان من الله أكبر} ولهم ما يتفضل به عليهم سوى ثواب الجنة ما لا يعرف كنهه إلا هو، فهو المراد بالاستثناء، والدليل عليه قوله: عطاء غير مجذوذ.
ومعنى قوله في مقابلته: إن ربك فعال لما يريد، أنه يفعل بأهل النار، ما يريد من العذاب، كما يعطي أهل الجنة عطاءه الذي لا انقطاع له، فتأمله فإنّ القرآن يفسر بعضه بعضًا ولا يخدعنك عنه قول المجبرة: المراد بالاستثناء خروج أهل الكبائر من النار بالشفاعة، فإن الاستثناء الثاني ينادي على تكذيبهم ويسجل بافترائهم.
وما ظنك بقوم نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم لما روي لهم بعض الثوابت عن عبد الله بن عمرو بن العاص: ليأتين على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد، وذلك عندما يلبثون فيها أحقابًا.
وقد بلغني أن من الضلال من اعتبر هذا الحديث، فاعتقد أنّ الكفار لا يخلدون في النار، وهذا ونحوه والعياذ بالله من الخذلان المبين زادنا الله هداية إلى الحق ومعرفة بكتابه، وتنبيهًا عن أن نغفل عنه.
ولئن صح هذا عن أبي العاص فمعناه يخرجون من النار إلى برد الزمهرير، فذلك خلو جهنم وصفق أبوابها انتهى.
وهو على طريق الاعتزال في تخليد أهل الكبائر غير التائبين من المؤمنين في النار، وأما ما ذكره من الاستثناء في أهل النار من كونهم لا يخلدون في عذاب النار، إذ ينتقلون إلى الزمهرير فلا يضيق عليهم أنهم خالدون في عذاب النار، فقد يتمشى.