فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والحق سبحانه يتكلم عن أهل النار من الكفار، فيقول تعالى: {وَلاَ يَدْخُلُونَ الجنة حتى يَلِجَ الجمل فِي سَمِّ الخياط} [الأعراف: 40].
فهل سيلج الجمل في سَمِّ الخِياط؟ إن ذلك محال.
ولذلك أقول: فلنأخذ التعليقات في نطاق أنه سبحانه: {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [هود: 107].
وقد جاء في الكتاب قول سيدنا عيسى عليه السلام: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم} [المائدة: 118].
فكان مقتضى السياق أن يقول سبحانه: وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم.
وهذه نظرة سطحية لمدلولات القرآن، بعقول البشر، أما ببلاغة الحق سبحانه فيكون الأمر مخالفًا، فأمر التعذيب أو الغفران موكول لله سبحانه بيده وحده، وليس لأحد أن يسأله لِمَ فعل هذا؟ ولِمَ ترك هذا؟
لذلك كان هذا هو معنى العزة؛ ولذلك كان سبحانه عزيزًا، وهو سبحانه أيضًا حكيم في أي أمر يحكم فيه سواء أكان بالتعذيب أو المغفرة.
لذلك جاء سبحانه بالخاتمة التي تثبت للحق سبحانه التعذيب أو المغفرة.
ففي تعذيب الكافرين قال سبحانه: {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [هود: 107].
وفي الكلام عن الطائعين الذين أدخلوا الجنة قال سبحانه: {وَأَمَّا الذين سُعِدُواْ فَفِي الجنة}
فالحق سبحانه يعطي المؤمنين ما شاء، ويؤكد خلودهم في الجنة، وعطاؤه لهم لا مقطوع ولا ممنوع.
وبعد ذلك يقول الحق سبحانه: {فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هؤلاء}
فهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم في مرية؟
هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم في شك؟
لا، ولكنه قول الآمر الأعلى سبحانه للأدنى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في صدد هذا الأمر؛ وبذلك ينصرف أمر الحق سبحانه إلى الدوام.
مثلما قال الحق سبحانه للنبي صلى الله عليه وسلم: {أَقِمِ الصلاة} [الإسراء: 78].
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقيم الصلاة قبلها، ولكن قول الحق سبحانه هنا إنما يمثل بداية التشريع.
ومثل هذا أيضًا قول الحق سبحانه في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم: {يا أيها النبي اتق الله وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين} [الأحزاب: 1].
فهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتقي الله؟
نقول: لا، إنما هو لإدامة التقوى، فإنه إذا أمر الأعلى الأدنى بأمر هو بصدد فعله، انصرف هذا الأمر إلى الدوام، واتباع أمته للتقوى والإعراض عن النفاق والكفر، وهو خطاب للرسول وأمته، فللرسول الدوام والترقي والحصانة، ولأمته الاتباع لمنهج الله.
ومثل هذا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ} [البقرة: 153].
وهو سبحانه يناديهم بالإيمان؛ لأنهم اعتقدوا اعتقاد الالوهية الواحدة، ومن يسمع منهم هذا الخطاب عليه أن يداوم على الإيمان.
وما دام قد آمن بالإله الواحد قبل الخطاب، فقد استحق أن ينال التكريم من الحق سبحانه بأن يخاطبه ويصفه بأنه من المؤمنين، فإذا نُودِي عليهم بهذه الصفة فهي علامة السمو المقبول.
وإذا طُلبت الصفة ممن توجد الصفة فيه، فاعلم أنه سبحانه يطلب دوام الصفة فيه واستمرارها، وفي الاستمرارية ارتقاء.
وقول الحق سبحانه هنا: {مِّمَّا يَعْبُدُ هؤلاء} [هود: 109].
نجد أن التحقيق لا يثبت لهم عبادة؛ لأن معنى العبادة ائتمار عابدٍ بأمر معبود. وهؤلاء إنما يعبدون الأصنام، وليس للأصنام منهج يسير عليه من آمنوا بها.
ولكن الحق سبحانه أثبت لهم هنا أنهم عبدوا الأصنام، وهم قد قالوا من قبل: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى الله زلفى} [الزمر: 3].
وهو إيمان فقد حجية التعقل الإيماني، أي: أن تستقبل أنت بذاتك القضية الإيمانية وتناقشها لتدخل عليها باقتناع ذاتك.
وهم قد دخلوا إلى الإيمان بعبادة الأصنام باقتناع الغير، وهم الآباء، فإيمانهم إيمان تقليد، وفي التقليد جفاف الفطرة السليمة وهو لا ينفع.
ونحن نعلم أن الحق سبحانه وتعالى قد جعل النِّسَب في الكون إما ليثبت نسبة إيجابية، أو نسبة سلبية.
{مَا يَعْبُدُونَ} [هود: 109].
أي: على ما قالوا إنه عبادة، ولكنه ليس عبادة، لأن العبادة تقتضي أمرًا ونهيًا، وليس للأصنام أوامر أو نواهٍ، وعبادتهم هي عبادة تقليدية للآباء؛ ولذلك قالوا: {بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [البقرة: 170].
ولذلك يقرر الحق سبحانه هنا جزاءهم، فيقول تعالى: {وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ} [هود: 109].
أي: سنعطيهم جزاءهم كاملًا؛ لأنهم يفسدون في الكون، رغم أن الحق سبحانه قد جعل لكل منهم حق الاختيار في أن يفعل الشيء أو لا يفعله، وإن لم تنضبط حركة الاختيار، فالتوازن الاجتماعي يصير إلى اختلال.
وما دام للإنسان حق الاختيار؛ فقد أنزل الحق سبحانه له المنهج الذي يضم التكاليف الإيمانية.
وهم حين قلدوا الآباء قد ساروا في طريق إفساد الكون؛ لذلك يُوفِّيهم الحق سبحانه نصيبهم من العذاب.
والمفهوم من كلمة النصيب أنها للرزق، ويذكرها الحق سبحانه هنا لتقرير نصيب من العذاب، وفي هذا تهكم عليهم، وسخرية منهم. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ}
المراد بالآيات: التوراة، والسلطان المبين: المعجزات. وقيل: المراد بالآيات: هي التسع المذكورة في غير هذا الموضع، والسلطان المبين: العصا، وهي وإن كانت من التسع لكنها لما كانت أبهرها أفردت بالذكر؛ وقيل: المراد بالآيات: ما يفيد الظنّ، والسلطان المبين ما يفيد القطع بما جاء به موسى؛ وقيل: هما جميعًا عبارة عن شيء واحد: أي أرسلناه بما يجمع وصف كونه آية، وكونه سلطانًا مبينًا؛ وقيل إن السلطان المبين: ما أورده موسى على فرعون في المحاورة بينهما: {إلى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِه} أي: أرسلناه بذلك إلى هؤلاء.
وقد تقدّم أن الملأ أشراف القوم، وإنما خصهم بالذكر دون سائر القوم، لأنهم أتباع لهم في الإصدار والإيراد، وخصّ هؤلاء الملأ دون فرعون بقوله: {فاتبعوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ} أي: أمره لهم بالكفر، لأن حال فرعون في الكفر أمر واضح، إذ كفر قومه من الأشراف وغيرهم إنما هو مستند إلى كفره، ويجوز أن يراد بأمر فرعون شأنه وطريقته، فيعمّ الكفر وغيره: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} أي: ليس فيه رشد قط، بل هو: غيّ وضلال، والرشيد بمعنى المرشد، والإسناد مجازي، أو بمعنى ذي رشد، وفيه تعريض بأن الرشد في أمر موسى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القيامة} من قدمه بمعنى تقدّمه: أي يصير متقدّمًا لهم يوم القيامة سابقًا لهم إلى عذاب النار، كما كان يتقدّمهم في الدنيا: {فَأَوْرَدَهُمُ النار} أي: إنه لا يزال متقدّمًا لهم، وهم يتبعونه حتى يوردهم النار، وعبر بالماضي تنبيهًا على تحقق وقوعه، ثم ذمّ الورد الذي أوردهم إليه، فقال: {وَبِئْسَ الورد المورود} لأن الوارد إلى الماء الذي يقول له الورد، إنما يرده ليطفئ حرّ العطش، ويذهب ظمأه، والنار على ضدّ ذلك.
ثم ذمهم بعد ذمّ المكان الذي يردونه، فقال: {وَأُتْبِعُواْ في هذه لَعْنَةً} أي: أتبع قوم فرعون مطلقًا، أو الملأ خاصة، أو هم وفرعون في هذه الدنيا لعنة عظيمة: أي طردًا وإبعادًا: {وَيَوْمَ القيامة} أي: وأتبعوا لعنة يوم القيامة، يلعنهم أهل المحشر جميعًا، ثم إنه جعل اللعنة رفدًا لهم على طريقة التهكم، فقال: {بِئْسَ الرفد المرفود}.
قال الكسائي وأبو عبيدة: رفدته أرفده رفدًا: أمنته وأعطيته، واسم العطية الرفد: أي بئس العطاء، والإعانة ما أعطوهم إياه، وأعانوهم به، والمخصوص بالذمّ محذوف: أي رفدهم، وهو: اللعنة التي أتبعوها في الدنيا والآخرة، كأنها لعنة بعد لعنة تمدّ الأخرى الأولى وتؤبدها.
وذكر الماوردي حكاية عن الأصمعي أن الرفد بالفتح: القدح، وبالكسر: ما فيه من الشراب فكأنه ذمّ ما يستقونه في النار، وهذا أنسب بالمقام. وقيل: إن الرفد: الزيادة: أي بئس ما يرفدون به بعد الغرق، وهو الزيادة قاله الكلبي.
والإشارة بقوله: {ذلك مِنْ أَنْبَاء القرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ} أي: ما قصه الله سبحانه في هذه السورة من أخبار الأمم السالفة، وما فعلوه مع أنبيائهم، أي هو مقصوص عليك خبر بعد خبر، وقد تقدّم تحقيق معنى القصص، والضمير في: {منها} عائد إلى: {القرى}: أي من القرى قائم، ومنها حصيد، والقائم: ما كان قائمًا على عروشه، والحصيد: ما لا أثر له.
وقيل القائم: العامر، والحصيد: الخراب.
وقيل: القائم: القرى الخاوية على عروشها، والحصيد: المستأصل بمعنى محصود، شبه القرى بالزرع القائم على ساقه والمقطوع.
قال الشاعر:
والناس في قسم المنية بينهم ** كالزرع منه قائم وحصيد

{وَمَا ظلمناهم} بما فعلنا بهم من العذاب: {ولكن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ} بالكفر والمعاصي: {فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ ءالِهَتَهُمُ} أي: فما دفعت عنهم أصنامهم التي يعبدونها من دون الله شيئًا من العذاب: {لَّمَّا جَاء أَمْرُ رَبّكَ} أي: لما جاء عذابه: {وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ}: الهلاك والخسران: أي ما زادتهم الأصنام التي يعبدونها إلا هلاكًا وخسرانًا، وقد كانوا يعتقدون أنها تعينهم على تحصيل المنافع: {وكذلك أَخْذُ رَبّكَ} قرأ الجحدري وطلحة بن مصرف {أخذ} على أنه فعل.
وقرأ غيرهما: {أخذ} على المصدر: {إِذَا أَخَذَ القرى وَهِىَ ظالمة} أي: أهلها وهم ظالمون: {إِنَّ أَخْذَهُ} أي: عقوبته للكافرين: {أَلِيمٌ شَدِيدٌ} أي: موجع غليظ: {إِنَّ في ذَلِكَ لآيَةً} أي: في أخذ الله سبحانه لأهل القرى، أو في القصص الذي قصه على رسوله لعبرة وموعظة: {لّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخرة} لأنهم الذين يعتبرون بالعبر، ويتعظون بالمواعظ، والإشارة بقوله: {ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس} إلى يوم القيامة المدلول عليه بذكر الآخرة أن يجمع فيه الناس للمحاسبة والمجازاة: {وَذَلِكَ} أي: يوم القيامة: {يَوْمٌ مَّشْهُودٌ} أي: يشهده أهل المحشر، أو مشهود فيه الخلائق، فاتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول: {وَمَا نُؤَخّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ} أي: وما نؤخر ذلك اليوم إلا لانتهاء أجل معدود معلوم بالعدد، قد عيّن الله سبحانه وقوع الجزاء بعده: {يَوْمَ يَأْتِ} قرأ أهل المدينة وأبو عمرو، والكسائي بإثبات الياء في الدرج، حذفها في الوقف.
وقرأ أبيّ، وابن مسعود بإثباتها وصلًا ووقفًا.
وقرأ الأعمش بحذفها فيهما، ووجه حذف الياء مع الوقف ما قاله الكسائي: أن الفعل السالم يوقف عليه كالمجزوم فحذفت الياء كما تحذف الضمة.
ووجه قراءة من قرأ بحذف الياء مع الوصل: أنهم رأوا رسم المصحف كذلك.
وحكى الخليل وسيبويه أن العرب تقول: لا أدر، فتحذف الياء وتجتزئ بالكسر، وأنشد الفراء في حذف الياء:
كفاك كف ما تليق درهما ** جودًا وأخرى تعط بالسيف الدما

قال الزجاج: والأجود في النحو إثبات الياء، والمعنى: حين يأتي يوم القيامة: {لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ} أي: لا تتكلم حذفت إحدى التاءين تخفيفًا: أي لا تتكلم فيه نفس إلا بما أذن لها من الكلام.
وقيل: لا تكلم بحجة ولا شفاعة: {إِلاَّ بِإِذْنِهِ} سبحانه لها في التكلم بذلك، وقد جمع بين هذا وبين قوله: {هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [المرسلات: 35، 36] باختلاف أحوالهم باختلاف مواقف القيامة.
وقد تكرّر مثل هذا الجمع في مواضع: {فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَسَعِيدٌ} أي: من الأنفس شقيّ، ومنهم سعيد.
فالشقيّ: من كتبت عليه الشقاوة، والسعيد: من كتبت له السعادة، وتقديم الشقيّ على السعيد لأن المقام مقام تحذير: {فَأَمَّا الذين شَقُواْ فَفِى النار لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} أي: فأما الذين سبقت لهم الشقاوة، فمستقرّون في النار لهم فيها زفير وشهيق.
قال الزجاج: الزفير من شدّة الأنين، وهو المرتفع جدًا.
قال: وزعم أهل اللغة من البصريين والكوفيين: أن الزفير بمنزلة ابتداء صوت الحمير، والشهيق: بمنزلة آخره.
وقيل الزفير: الصوت الشديد، والشهيق: الصوت الضعيف.
وقيل الزفير: إخراج النفس، والشهيق: ردّ النفس.
وقيل: الزفير من الصدر، والشهيق: من الحلق.
وقيل الزفير: ترديد النفس من شدّة الخوف، والشهيق: النفس الطويل الممتد، والجملة إما مستأنفة كأنه قيل: ما حالهم فيها؟ أو في محل نصب على الحال: {خالدين فِيهَا مَا دَامَتِ السموات والأرض} أي: مدّة دوامهما.
وقد اختلف العلماء في بيان معنى هذا التوقيت، لأنه قد علم بالأدلة القطعية تأييد عذاب الكفار في النار، وعدم انقطاعه عنهم، وثبت أيضًا أن السموات والأرض تذهب عند انقضاء أيام الدنيا، فقالت طائفة: إن هذا الإخبار جار على ما كانت العرب تعتاده إذا أرادوا المبالغة في دوام الشيء، قالوا: هو دائم ما دامت السموات والأرض، ومنه قولهم: لا آتيك ما جنّ ليل، وما اختلف الليل والنهار، وما ناح الحمام ونحو ذلك.
فيكون معنى الآية: أنهم خالدون فيها أبدًا لا انقطاع لذلك ولا انتهاء له.
وقيل: إن المراد: سموات الآخرة وأرضها، فقد ورد ما يدل على أن للآخرة سموات وأرضًا غير هذه الموجودة في الدنيا، وهي دائمة بدوام دار الآخرة، وأيضًا لابد لهم من موضع يقلهم وآخر يظلهم، وهما أرض وسماء.
قوله: {إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ} قد اختلف أهل العلم في معنى هذا الاستثناء على أقوال: الأوّل: أنه من قوله: {فَفِى النار} كأنه قال: إلا ما شاء ربك من تأخير قوم عن ذلك.
روي هذا أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري.
الثاني: أن الاستثناء إنما هو للعصاة من الموحدين، وأنهم يخرجون بعد مدّة من النار، وعلى هذا يكون قوله سبحانه: {فَأَمَّا الذين شَقُواْ} عامًا في الكفرة والعصاة، ويكون الاستثناء من: {خالدين}، وتكون ما بمعنى من، وبهذا قال قتادة، والضحاك، وأبو سنان، وغيرهم.
وقد ثبت بالأحاديث المتواترة تواترًا يفيد العلم الضروري بأنه يخرج من النار أهل التوحيد، فكان ذلك مخصصًا لكل عموم.
الثالث: أن الاستثناء من الزفير والشهيق: أي لهم فيها زفير وشهيق: {إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ} من أنواع العذاب غير الزفير والشهيق، قاله ابن الأنباري.
الرابع أن معنى الاستثناء: أنهم خالدون فيها ما دامت السموات والأرض، لا يموتون إلا ما شاء ربك، فإنه يأمر النار فتأكلهم حتى يفنوا، ثم يجدّد الله خلقهم، روي ذلك عن ابن مسعود.
الخامس: أن: {إلا} بمعنى سوى، والمعنى: ما دامت السموات والأرض سوى ما يتجاوز ذلك من الخلود، كأنه ذكر في خلودهم ما ليس عند العرب أطول منه، ثم زاد عليه الدوام الذي لا آخر له حكاه الزجاج.
السادس: ما روي عن الفراء وابن الأنباري وابن قتيبة من أن هذا لا ينافي عدم المشيئة كقولك: والله لأضربنه إلا أن أرى غير ذلك، ونوقش هذا بأن معنى الآية الحكم بخلودهم إلا لمدة التي شاء الله، فالمشيئة قد حصلت جزمًا؛ وقد حكي هذا القول الزجاج أيضًا.