فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف الإمام القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105)}
الشقيُّ من قُسِم له الحرمانُ في حاله، والسعيد مَنْ رُزِق الإيمان في مآله.
ويقال الشقاء على قسمين: قومٌ شقاؤهم غير مؤيد، وقومٌ شقاؤهم على التأييد وكذلك القول في السعادة. الشقيُّ مَنْ هو في أَسْرِ التدبير ونسيان جريان التقدير، واسعيد مَنْ رَجِعَ من ظلماتِ التدبير، وحصل على وصف شهود التقدير.
ويقال الشقيُّ من كان في رق العبودية ظانَّا أَنَّ منه طاعاته، السعيد مَنْ تحرر عن رقِّ البشرية وعَلِمَ أن الحادثاتِ كلها لله سبحانه.
وأمَّا الأشقياء- على التأبيد- فهم أهل الخلود في مقتضى الوعيد، والسعداء- على التأبيد- من قال الله تعالى في صفتهم: {لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَأ مَزِيدٌ} [ق: 35].
قوله جلّ ذكره: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّار لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ}.
{إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ} أن يزيد على مُدَّةِ السموات والأرضِ.
{إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ} أن ينقلهم إلى نوعٍ آخر من العذاب غير الزفير والشهيق.
{إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ} ألا تلحقهم تلك العقوبة قبل أَنْ يُدْخِلَهم النار؛ فلا استثناء لبعض أوقاتهِم من العقوبة لا قَبْلَ إدخالهم فيها ولا بعده.
{إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ} من إخراج أهل التوحيد من النار فيكون شقاؤهم غير مؤبَّد.
قوله جلّ ذكره: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ}.
فيه إشارة إلى أن الذي يحصل بمشيئته لا باستحقاق عمل.
{وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)}
لهم اليوم جناب القُربة، ولهم غدًا جناب المثوبة. والكفار اليوم في عقوبة الفرقة، وغدًا في عقوبة الحرقة.
{فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} فلا استثناء لبعض أوقات أهل الجنة من أول أمرهم قبل دخولهم الجنة أو بعده. أو يحتمل أنه يزيد على مدة السموات والأرض.
وفي قوله: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}- أي عطاءً غير مقطوع- دليلٌ على أن تلك النعم غير مقطوعة ولا ممنوعة.
{فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آَبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109)}
لا يريد أنَّه عليه السلام في شَكٍ، ولكنه أراد به تحقيق كونهم مُضَاهين لآبائهم، كما تقول: لا شكَّ أنَّ هذا نهارٌ.
ويقال الخطابُ له والمرادُ به لأُمَّتِه.
{وَإنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ}: تجازيهم على الخير بخير وعلى الشر بضُر. اهـ.

.بحث لابن القيم في استيفاء شبه نفاة الحكمة وذكر الأجوبة المفصلة عنها:

قال عليه الرحمة:
هو الغاية لخلقه وإنما تعذيبه لحكمة ورحمة والحكمة والرحمة تأبى أن يتصل عذابه سرمدا إلى غير نهاية أما الرحمة فظاهر وأما الحكمة فلأنه إنما عذب على أمر طرأ على الفطرة وغيرها ولم يخلق عليه من أصل الخلقة ولا خلق له فهو لم يخلق للإشراك ولا للعذاب وإنما خلق للعبادة والرحمة ولكن طرأ عليه موجب العذاب فاستحق عليه العذاب وذلك الموجب لا دوام له فإنه باطل بخلاف الحق الذي هو موجب الرحمة فإنه دائم بدوام الحق سبحانه وهو الغاية وليس موجب العذاب غاية كما أن العذاب ليس بغاية بخلاف الرحمة فإنها غاية وموجبها غاية فتأمله حق التأمل فإنه سر المسألة، قالوا والرب تعالى تسمى بالغفور الرحيم ولم يتسمى بالمعذب ولا بالمعاقب بل جعل العذاب والعقاب في أفعاله كما قال تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} وقال تعالى: {نَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} وقال: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} وقال: {حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ} وهذا كثير في القرآن فإنه سبحانه يتمدح بالعفو والمغفرة والرحمة والكرم والحلم ويتسمى ولم يتمدح بأنه المعاقب ولا الغضبان ولا المعذب ولا المسقم إلا في الحديث الذي فيه تعديد الأسماء الحسنى ولم يثبت وقد كتب على نفسه كتابا أن رحمته سبقت غضبه وكذلك هو في أهل النار فإن رحمته فيهم سبقت غضبه فإنه رحمهم أنواعا من الرحمة قبل أن أغضبوه بشركهم ورحمهم في حال شركهم ورحمهم بإقامة الحجة عليهم ورحمهم بدعوتهم إليه بعد أن أغضبوه وآذوا رسله وكذبوهم وأمهلهم ولم يعاجلهم بل وسعتهم رحمته فرحمته غلبت غضبه ولولا ذلك لخرب العالم وسقطت السماوات على الأرض وخرت الجبال وإذا كانت الرحمة غالبة للغضب سابقة عليه امتنع أن يكون موجب الغضب دائما بدوامه غالبا لرحمته قالوا والتعذيب إما أن يكون عبثا أو لمصلحة وحكمة وكونه عبثا مما ينزه أحكم الحاكمين عنه ونسبته إليه نسبة لما هو من أعظم النقائص إليه وإن كان لمصلحة فالمصلحة هي المنفعة ولوازمها وملزوماتها وهي إما أن تعود على الرب تعالى وهو يتعالى عن ذلك ويتقدس عنه وإما أن تعود إلى المخلوق إما نفس المعذب وإما غيره أوهما والأول ممتنع ولا مصلحة له في دوام العقوبة بلا نهاية وأما مصلحة غيره فإن كانت هي الاتعاظ والانزجار فقد حصلت وإن كانت تكميل لذته وبهجته وسروره بأن يرى عدوه في تلك الحال وهو في غاية النعيم فهذا لو كان أقسى الخلق لرق لعدوه من طول عذابه ودوام ما يقاسيه فلم يبق إلا كسر تلك النفوس الجبارة العتيدة ومداواتها كيما تصل إلى مادة أدوائها وأمراضها فتحسمها وتلك المادة شر طارئ على خير خلقت عليه في ابتداء فطرتها قالوا والأقسام الممكنة في الخلق خمسة لا مزيد عليها خير محض ومقابله وخير راجح ومقابله وخير وشر متساويان والحكمة تقتضي إيجاد قسمين منها وهما الخير الخالص والراجح وأما الشر الخالص أو الراجح فإن الحكمة لا تقتضي وجوده بل تأبى ذلك فإن كل ما خلقه الله سبحانه فإنما خلقه لحكمة وجودها أولى من عدمها وخلق الدواب الشريرة والأفعال التي هي شر لما يترتب على خلقها من الخير المحبوب فلم يخلق لمجرد الشر الذي لا يستلزم خيرا بوجه ما هذا غاية المحال فالخير هو المقصود بالذات بالقصد الأول والشر إنما قصد قصد الوسائل والمبادئ لا قصد الغايات والنهايات وحينئذ فإذا حصلت الغاية المقصودة بخلقه بطل وزال كما تبطل الوسائل عند الانتهاء إلى غاياتها كما هو معلوم بالحس والعقل وعلى هذا فالعذاب شر وله غاية تطلب به وهو وسيلة إليها فإذا حصلت غايته كان بمنزلة الطريق الموصلة إلى القصد فإذا وصل بها السائر إلى مقصده لم يبق لسلوكها فائدة وسر المسألة أن الرحمة غاية الخلق والأمر لا العذاب فالعذاب من مخلوقاته وذلك مقتضى أنه خلقه لغاية محمودة ولابد من ظهور أسمائه وأثر صفاته عموما وإطلاقا فإن هذا هو الكمال والرب جل جلاله موصوف بالكمال منزه عن النقص قالوا وقد قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} وقال: {النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} قال أبو سعيد الخدري: هذه تقضي على كل آية في القرآنذكره البيهقي وحرب وغيرهما وقال عبد الله بن مسعود: ليأتين على جهنم زمان ليس فيها أحد وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابا وعن عمر بن الخطاب وأبي هريرة مثله ذكره جماعة من المصنفين في السنة وهذا يقتضي أن الدار التي لا يبقى فيها أحد هي التي يلبث فيها أهلها أحقابا وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أخبرنا الله بالذي يشاء لأهل الجنة فقال تعالى: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} ولم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار قالوا ويكفينا ما في سورة الأنعام من قوله: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْأِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} إلى قوله: {يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} وهذا خطاب للكفار من الجن والإنس من وجوه، أحدها استكبارهم منهم أي من إغوائهم وإضلالهم وإنما استكبروا من الكفار، الثاني قوله: {وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْأِنْسِ} وأولياؤهم هم الكفار كما قال تعالى: {إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون} فحزب الشيطان هم أولياؤه والثالث قوله: {إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} ومع هذا فقال: {النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} ثم ختم الآية بقوله: {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} فتعذيبهم متعلق بعلمه وحكمته وكذلك الاستثناء صادر عن علم وحكمة فهو عليم بما يفعل بهم حكيم في ذلك قالوا وقد ورد في القرآن أنه سبحانه إذا ذكر جزاء أهل رحمته وأهل غضبه معا أبّد جزاء أهل الرحمة وأطلق جزاء أهل الغضب كقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ َأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} وقوله: {إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} وقوله: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} وقد يقرن بينهما في الذكر ويقضي لهم بالخلود كقوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} وقوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} ولكن مجرد ذكر الخلود والتأبيد لا يقتضي عدم النهاية بل الخلود هو المكث الطويل كقولهم قيد مخلد وتأبيد كل شيء بحسبه فقد يكون التأبيد لمدة الحياة وقد يكون لمدة الدنيا قال تعالى عن اليهود: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} ومعلوم أنهم يتمنونه في النار حيث يقولون يا مالك ليقض علينا ربك وإنما استفيد عدم انتهاء نعيم الجنة بقوله: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} وقوله: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} وقوله: {لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} أي مقطوع ومن قال لا يمن به عليهم فقد أخطأ أقبح الخطأ ولم يجيء مثل ذلك في عذاب أهل النار وقوله عز وجل: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّار}، {مَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} وقوله: {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} وقوله تعالى: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} في موضعين من القرآن وقوله: {لَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} غير مصروف عن ظاهره وحقيقته على الصحيح وقد زعمت طائفة أن إطلاق هذه الآيات مقيد بآيات التقييد بالاستثناء بالمشيئة فيكون من باب تخصيص العموم وهذا كأنه قول من قال من السلف في آية الاستثناء أنها تقضي على كل وعيد في القرآن والصحيح أن هذه الآيات على عمومها وإطلاقها ولكن ليس فيها ما يدل على أن نفس النار دائمة بدوام الله لا انتهاء لها هذا ليس في القرآن ولا في السنة ما يدل عليه بوجه ما وفرق بين أن يكون عذاب أهلها دائما بدوامها وبين أن يكون هي أبدية لا انقطاع لها فلا تستحيل ولا تضمحل فهذا شيء وهذا شيء لا يقال فلا فرق على هذا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة إذ كان كل منهما يضمحل وينقطع قيل ما أظهر الفروق بينهما والأمر أبين من أن يحتاج إلى فرق وأيضا فعذاب الدنيا ينقطع بموت المعذب وإقلاع العذاب عنه وأما عذاب الآخرة فلا يموت من استحق الخلود فيه، ولا يقلع العذاب عنه ولا يدفعه عنه أحد كما قال تعالى: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} وهو لازم لا يفارق قال تعالى: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} أي لازما ومنه سمى الغريم غريما لملازمة غريمه.
فصل:
وأما الآثار في هذه المسألة فقال الطبراني حدثنا عبد الرحمن بن سلم حدثنا سهل بن عثمان حدثنا عبد الله بن مسعر بن كدام عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ليأتين على جهنم يوم كأنها ورق هاج واحمر تخفق أبوابها» وقال حرب في مسائله: سألت إسحاق قلت قول الله عز وجل: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} قال: أتت هذه الآية على كل وعيد في القرآن.
حدثنا عبد الله بن معاذ حدثنا معتمر بن سليمان قال قال أبي حدثنا أبو نصرة عن جابر أو أبي سعيد أو بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: هذه الآية تأتي على القرآن كله إلا ما شاء ربك إنه فعال لما يريد قال المعتمر: قال أي كل وعيد في القرآن ثم تأول حرب ذلك فقال: معناه عندي والله أعلم أنها تأتي على كل وعيد في القرآن لأهل التوحيد وكذلك قوله إلا ما شاء ربك استثنى من أهل القبلة الذين يخرجون من النار وهذا التأويل لا يصح لأن الاستثناء إنما هو في وعيد الكفار فإنه سبحانه قال: {يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ} الآية ثم قال: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ} فأهل التوحيد من الذين سعدوا شقوا وآية الأنعام صريحة في حق الكفار كما تقدم بيانه قال حرب وحدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي ثنا شعبة عن أبي حدثنا مليح سمع عمر بن ميمون يحدث عن عبد الله بن عمرو قال: ليأتين على جهنم يوم تصطفق فيه أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا.
حدثنا عبيد الله ثنا أبي ثنا شعبة عن يحيى بن أيوب عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: أما الذي أقول أنه سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد وقرأ {فأما الذين شقوا ففي النار} الآية.
قال عبيد الله: كان أصحابنا يقولون يعني بها الموحدين وقد تقدم أن هذا التأويل لا يصح وقال عبد بن حميد في تفسيره أخبرنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن الحسن قال قال عمر: لو لبث أهل النار في النار بقدر رمل عالج لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه.
وقال أخبرنا حجاج بن منهال عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن أن عمر بن الخطاب قال: لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه. ورواة هذا الأثر أئمة ثقات كلهم والحسن سمعه من بعض التابعين ورواه غير منكر له فدل هذا الحديث أنه كان متداولا بين هؤلاء الأئمة لا ينكرونه وقد كانوا ينكرونه على من خرج عن السنة أدنى شيء ويروون الأحاديث المبطلة لفعله وكان الإمام أحمد يقول أحاديث حماد بن سلمة هي الشجا في حلوق المبدعة فلو كان هذا القول عندهم من البدع المخالفة للسنة والإجماع لسارعوا إلى رده وإنكاره وفي تفسير علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} قال: لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه ولا ينزلهم جنة ولا نارا.