فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله: {ولقد آتينا موسى الكتاب} يعني التوراة: {فاخلتف فيه} يعني في الكتاب فمنهم مصدق به ومكذب به كما فعل قومك يا محمد بالقرآن ففيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم: {ولولا كلمة سبقت من ربك} يعني بتأخير العذاب عنهم إلى يوم القيامة لكان الذي يستحقونه من تعجيل العقوبة في الدنيا على كفرهم وتكذيبهم وهو قوله تبارك وتعالى: {لقضي بينهم} يعني لعذبوا في الحال وفرغ من عذابهم وإهلاكهم: {وإنهم لفي شك منه} يعني من القرآن ونزوله عليك يا محمد: {مريب} يعني أنهم قد وقعوا في الريب والتهمة: {وإن كلًا} يعني من الفريقين المختلفين المصدق والمكذب: {لما ليوفينهم ربك أعمالهم} اللام لام القسم تقديره والله ليوفينهم جزاء أعمالهم في القيامة فيجازي المصدق على تصديقه الجنة ويجازي المكذب على تكذيبه النار: {إنه بما يعملون خبير} يعني أنه سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شيء من أعمال عباده وإن دقت ففيه وعد للمحسنين المصدقين وفيه وعيد وتهديد للمكذبين الكافرين.
قوله سبحانه وتعالى: {فاستقم كما أمرت} الخطاب فيه للنبي صلى الله عليه وسلم يعني فاستقم يا محمد على دين ربك والعمل به والدعاء إليه كما أمرك ربك والأمر في فاستقم للتأكيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان على الاستقامة لم يزل عيها كقولك للقائم قم حتى آتيك أي دُم على ما أنت عليه من القيام حتى آتيك: {ومن تاب معك} يعني ومن آمن معك من أمتك فليستقيموا أيضًا على دين الله والعمل بطاعته قال عمر بن الخطاب: الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ منه روغان الثعلب.
(م) عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك قال: «قل آمنت بالله ثم استقم»: {ولا تطغوا} يعني ولا تجاوزوا أمري إلى غيره ولا تعصوني وقيل معناه ولا تغلوا في الدين فتجاوزوا ما أمرتكم به ونهيتكم عنه: {إنه بما تعملون بصير} يعني أنه سبحانه وتعالى عالم بأعمالكم لا يخفى عليه شيء منها قال ابن عباس: ما نزلت آية على رسول الله صلى الله عليه وسلم هي أشد عليه من هذه الآية ولذلك قال شيبتني هود وأخواتها عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة» قوله: إن الدين يسر، اليسر ضد العسر وأراد به التسهيل في الدين وترك التشدد فإن هذا الدين مع يسره وسهولته قوي فلن يغالب ولن يقاوى فسددوا أي اقصدوا السداد من الأمور وهو الصواب وقاربوا أي اطلبوا المقاربة وهي القصد الذي لا غلو فيه ولا تقصير والغدوة الرواح بكرة والرواح الرجوع عشيًا والمراد منه اعملوا أطراف النهار وقتًا وقتًا والدلجة سير الليل والمراد مه اعملوا بالنهار واعملوا بالليل أيضًا وقوله شيء من الدلجة إشارة إلى تقليله.
وقوله تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا} قال ابن عباس: ولا تميلوا والركون هو المحبة والميل بالقلب، وقال أبو العالية: لا ترضوا بأعمالهم، وقال السدي: لا تداهنوا الظلمة، وعن عكرمة لا تطيعوهم، وقيل: معناه ولا تسكنوا إلى الذين ظلموا: {فتمسكم النار} يعني فتصيبكم النار بحرها: {وما لكم من دون الله من أولياء} يعني أعوانًا وأنصارًا يمنعونكم من عذابه: {ثم لا تنصرون} يعني ثم لا تجدون لكم من ينصركم ويخلصكم من عقاب الله غدًا في القيامة ففيه وعيد لمن ركن إلى الظلمة أو رضي بأعمالهم أو أحبهم فكيف حال الظلمة في أنفسهم نعوذ بالله من الظلم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ}
لما بين تعالى إصرار كفار مكة على إنكار التوحيد ونبوّة الرسول والقرآن الذي أتى به، بيّن أنّ الكفار من الأمم السابقة كانوا على هذه السيرة الفاجرة مع أنبيائهم، فليس ذلك ببدع مِن مَن عاصر الرسول صلى الله عليه وسلم، وضرب لذلك مثلًا وهو: إنزال التوراة على موسى فاختلفوا فيها.
والكتاب هنا التوراة، فقبله بعض، وأنكره بعض، كما اختلف هؤلاء في القرآن.
والظاهر عود الضمير فيه على الكتاب لقربه، ويجوز أن يعود على موسى عليه السلام.
ويلزم من الاختلاف في أحدهما الاختلاف في الآخر.
وجوز أن تكون في بمعنى على، أي: فاختلف عليه، وكان بنو إسرائيل أشدّ تعنتًا على موسى وأكثر اختلافًا عليه.
وقد تقدم شرح: {ولولا كلمة سبقت من ربك لقضى بينهم} والظاهر عود الضمير في بينهم على قوم موسى عليه السلام، إذ هم المختلفون فيه، أو في الكتاب.
وقيل: يعود على المختلفين في الرسول من معاصريه.
قال ابن عطية: وأنْ يعمهم اللفظ أحسن عندي، وهذه الجملة من جملة تسليته أيضًا.
{وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111)}
الظاهر عموم كل وشموله للمؤمن والكافر.
وقال الزمخشري: التنوين عوض من المضاف إليه يعني: وإن كلهم، وإن جميع المختلفين فيه.
وقال مقاتل: يعني به كفار هذه الأمة.
وقرأ الحرميان وأبو بكر: وإن كلا بتخفيف النون ساكنة.
وقرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة: لما بالتشديد هنا وفي (يس) و(الطارق) وأجمعت السبعة على نصب كلا، فتصور في قراءتهم أربع قراءات: إحداها: تخفيف أن ولما، وهي قراءة الحرميين.
والثانية: تشديدهما، وهي قراءة ابن عامر وحمزة وحفص.
والثالثة: تخفيف إنْ وتشديد لما وهي قراءة أبي بكر.
والرابعة: تشديد أنْ وتخفيف لمّا، وهي قراءة الكسائي وأبي عمرو.
وقرأ أبيّ والحسن بخلاف عنه، وإبان بن ثعلب وإنْ بالتخفيف كل بالرفع لمّا مشددًا.
وقرأ الزهري وسليمان بن أرقم: وإن كلا لمّا بتشديد الميم وتنوينها، ولم يتعرضوا لتخفيف إنْ ولا تشديدها.
وقال أبو حاتم: الذي في مصحف أبيّ وإن من كل إلا ليوفينهم.
وقرأ الأعمش: وإن كل إلا، وهو حرف ابن مسعود، فهذه أربعة وجوه في الشاذ.
فأما القراءة الأولى فأعمال أنْ مخففة كأعمالها مشددة، وهذا المسألة فيها خلاف: ذهب الكوفيون إلى أنّ تخفيف إن يبطل عملها، ولا يجوز أن تعمل.
وذهب البصريون إلى أنّ إعمالها جائز، لكنه قليل إلا مع المضمر، فلا يجوز إلا إن ورد في شعر، وهذا هو الصحيح لثبوت ذلك في لسان العرب.
حكى سيبويه أن الثقة أخبره أنه سمع بعض العرب أنّ عمر المنطلق، ولثبوت هذه القراءة المتواترة وقد تأولها الكوفيون.
وأما لما فقال الفراء: فاللام فيها هي اللام الداخلة على خبر إنّ، وما موصولة بمعنى الذي كما جاء: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء} والجملة من القسم المحذوف وجوابه الذي هو ليوفينهم صلة، لما نحو قوله تعالى: {وإن منكم لمن ليبطئن} وهذا وجه حسن، ومن إيقاع ما على من يعقل قولهم: لاسيما زيد بالرفع، أي لاسي الذي هو زيد. وقيل: ما نكرة موصوفة وهي لمن يعقل، والجملة القسمية وجوابها قامت مقام الصفة، لأن المعنى: وإنْ كلا لخلق موفى عمله، ورجح الطبري هذا القول واختاره.
وقال أبو عليّ: العرف أن تدخل لام الابتداء على الخير، والخبر هنا هو القسم وفيه لام تدخل على جوابه، فلما اجتمع اللامان والقسم محذوف، واتفقا في اللفظ، وفي تلقي القسم فصل بينهما بما كما فصلوا بين أن واللام انتهى.
ويظهر من كلامه أنّ اللام في لما هي اللام التي تدخل في الخبر، ونص الحوفي على أنها لام إنْ، إلا أنّ المنقول عن أبي علي أنّ الخبر هو ليوفينهم، وتحريره ما ذكرنا وهو القسم وجوابه.
وقيل: اللام في لما موطئة للقسم، وما مزيدة، والخبر الجملة القسمية وجوابها، وإلى هذا القول في التحقيق يؤول قول أبي علي.
وأما القراءة الثانية فتشديد إنّ وإعمالها في كل واضح.
وأما تشديد لمّا فقال المبرد: هذا لحن، لا تقول العرب إنّ زيدًا لما خارج، وهذه جسارة من المبرد على عادته.
وكيف تكون قراءة متواترة لحنًا وليس تركيب الآية كتركيب المثال الذي قال: وهو أنّ زيدًا لما خارج هذا المثال لحن، وأما في الآية فليس لحنًا، ولو سكت وقال كما قال الكسائي: ما أدري ما وجه هذه القراءة لكن قد وفق، وأما غير هذين من النحويين فاختلفوا في تخريجها.
فقال أبو عبيد: أصله لما منونا وقد قرئ كذلك، ثم بني منه فعلى، فصار كتتري نون إذ جعلت ألفه للإلحاق كارطي، ومنع الصرف إذ جعلت ألف تأنيث، وهو مأخوذ من لممته أي جمعته، والتقدير: وإنْ كلًا جميعًا ليوفينهم، ويكون جميعًا فيه معنى التوكيد ككل، ولا يقال لما هذه هي لما المنونة وقف عليها بالألف، لأنها بدل من التنوين، وأجرى الأصل مجرى الوقف، لأنّ ذلك إنما يكون في الشعر.
وما قاله أبو عبيد بعيد، إذ لا يعرف بناء فعلى من اللم، ولما يلزم لمن أمال، فعلى أن يميلها ولم يملها أحد بالإجماع، ومن كتابتها بالياء ولم تكتب بها، وقيل: لما المشدّدة هي لما المخففة، وشدّدها في الوقف كقولك: رأيت فرّحا يريد فرحًا، وأجرى الوصل مجرى الوقف، وهذا بعيد جدًا، وروي عن المازني.
وقال ابن جني وغيره: تقع إلا زائدة، فلا يبعد أن تقع لما بمعناها زائدة انتهى.
وهذا وجه ضعيف مبني على وجه ضعيف في إلا.
وقال المازني: إنْ هي المخفف ثقلت، وهي نافية بمعنى ما، كما خففت إنْ ومعناها المثقلة، ولما بمعنى إلا، وهذا باطل لأنه لم يعهد تثقيل إن النافية، ولنصب كل وإن النافية لا تنصب.
وقيل: لما بمعنى إلا كقولك: نشدتك بالله لما فعلت، تريد إلا فعلت، وقاله الحوفي، وضعفه أبو علي قال: لأن لما هذه لا تفارق القسم انتهى.
وليس كما ذكر، قد تفارق القسم.
وإنما يبطل هذا الوجه، لأنه ليس موضع دخول إلا، لو قلت: إنْ زيدًا إلا ضربته لم يكن تركيبًا عربيًا.
وقيل: لما أصلها لمن ما، ومن هي الموصولة، وما بعدها زائدة، واللام في لما هي داخلة في خبر إن، والصلة الجملة القسمية، فلما أدغمت ميم من في ما الزائدة اجتمعت ثلاث ميمات، فحذفت الوسطى منهن وهي المبدلة من النون، فاجتمع المثلان، فأدغمت ميم من في ميم ما، فصار لمّا وقاله المهدوي.
وقال الفراء، وتبعه جماعة منهم نصر الشيرازي: أصل لمّا لمن ما دخلت من الجارة على ما، كما في قول الشاعر:
وإنا لمن ما يضرب الكبش ضربة ** على رأسه تلقى اللسان من الفم

فعمل بها ما عمل في الوجه الذي قبله.
وهذان الوجهان ضعيفان جدًا لم يعهد حذف نون من، ولا حذف نون من إلا في الشعر، إذا لقيت لام التعريف أو شبهها غير المدغمة نحو قولهم: ملمال يريدون من المال. وهذه كلها تخريجات ضعيفة جدًا ينزه القرآن عنها.
وكنت قد ظهر لي فيها وجه جار على قواعد العربية، وهو أنّ لما هذه هي لما الجارمة حذف فعلها المجزوم لدلالة المعنى عليه، كما حذفوه في قولهم قاربت المدينة، ولما يريدون ولما أدخلها.
وكذلك هنا التقدير وإن كلا لما ينقص من جزاء عمله، ويدل عليه قوله تعالى: {ليوفينهم ربك أعمالهم}، لما أخبر بانتفاء نقص جزاء أعمالهم أكده بالقسم فقال: ليوفينهم ربك أعمالهم، وكنت اعتقدت أني سبقت إلى هذا التخريج السائغ العاري من التكلف وذكرت ذلك لبعض من يقرأ عليّ فقال: قد ذكر ذلك أبو عمرو وابن الحاجب، ولتركي النظر في كلام هذا الرجل لم أقف عليه، ثم رأيت في كتاب التحرير نقل هذا التخريج عن ابن الحاجب قال: لما هذه هي الجازمة حذف فعلها للدلالة عليه لما ثبت من جواز حذف فعلها في قولهم: خرجت ولما سافرت، ولما ونحوه، وهو سائغ فصيح، فيكون التقدير: لما يتركوا، لما تقدم من الدلالة عليه من تفصيل المجموعين في قوله: {فمنهم شقي وسعيد} ثم ذكر الأشقياء والسعداء ومجازاتهم، ثم بين ذلك بقوله: ليوفينهم ربك أعمالهم، قال: وما أعرف وجهًا أشبه من هذا، وإن كان النفوس تستبعده من جهة أن مثله لم يقع في القرآن.