فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأما القراءة الثالثة والرابعة فتخريجهما مفهوم من تخريج القراءتين قبلهما، وأما قراءة أبي ومن ذكر معه فإنْ نافية، ولمّا بمعنى إلا، والتقدير: ما كل إلا والله ليوفينهم.
وكل مبتدأ الخبر الجملة القسمية وجوابها التي بعد لما كقراءة من قرأ: {وإن كل لما جميع}، {إن كل نفس لما عليها حافظ} ولا التفات إلى قول أبي عبيد والفراء من إنكارهما أن لما تكون بمعنى إلا.
قال أبو عبيد: لم نجد هذا في كلام العرب، ومن قال هذا لزمه أن يقول: رأيت القوم لما أخاك يريد إلا أخاك، وهذا غيره موجود.
وقال الفراء: أما من جعل لما بمعنى إلا، فإنه وجه لا نعرفه، وقد قالت العرب مع اليمين بالله: لما قمت عنا، وإلا قمت عنا، فأما في الاستثناء فلم ننقله في شعر.
ألا ترى أنّ ذلك لو جاز لسمع في الكلام: ذهب الناس لما زيدا؟ والقراءة المتواترة في قوله: وإنْ كل لما، وإن كل نفس لما، حجة عليهما.
وكون لما بمعنى إلا نقله الخليل وسيبويه والكسائي، وكون العرب خصصت مجيئها ببعض التراكيب لا يقدح ولا يلزم اطرادها في باب الاستثناء، فكم من شيء خص بتركيب دون ما أشبهه.
وأما قراءة الزهري، وابن أرقم: لما بالتنوين والتشديد، فلما مصدر من قولهم: لممت الشيء جمعته، وخرج نصبه على وجهين: أحدهما: أن يكون صفة لكلا وصف بالمصدر وقدر كل مضافًا إلى نكرة حتى يصح الوصف بالنكرة، كما وصف به في قوله: {أكلًا لما} وهذا تخريج أبي علي.
والوجه الثاني: أن يكون منصوبًا بقوله: ليوفينهم، على حد قولهم: قيامًا لأقومن، وقعودًا لا قعدن، فالتقدير توفية جامعة لأعمالهم ليوفينهم.
وهذا تخريج ابن جني وخبر إنّ على هذين الوجهين هو جملة القسم وجوابه.
وأما ما في مصحف أبي فإنْ نافية، ومن زائدة.
وأما قراءة الأعمش فواضحة، والمعنى: جميع ما لهم.
قيل: وهذه الجملة تضمنت توكيدات بأن وبكل وباللام في الخبر وبالقسم، وبما إذا كانت زائدة، وبنون التوكيد وباللام قبلها وذلك مبالغة في وعد الطائع ووعيد العاصي، وأردف ذلك بالجملة المؤكدة وهي: أنه بما يعملون خبير.
وهذا الوصف يقتضي علم ما خفي.
وقرأ ابن هرمز: بما تعملون على الخطاب.
{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112)}
قال ابن عيينة وجماعة: معناه استقم على القرآن، وقال الضحاك: استقم بالجهاد، وقال مقاتل: امض على التوحيد، وقال جماعة: استقم على أمر ربك بالدعاء إليه، وقال جعفر الصادق: استقم في الإخبار عن الله بصحة العزم، وقال الزمخشري: فاستقم استقامة مثل الاستقامة التي أمرت بها على جادة الحق غير عادل عنها.
وقال ابن عطية: أمر بالاستقامة وهو عليها، وهو أمر بالدوام والثبوت.
والخطاب للرسول وأصحابه الذين تابوا من الكفر ولسائر الأمة، فالمعنى: وأمرت مخاطبة تعظيم انتهى.
وقيل: استفعل هنا للطلب أي: اطلب الإقامة على الدين، كما تقول: استغفر أي اطلب الغفران.
ومن تاب معطوف على الضمير المستكن في فاستقم، وأغنى الفاصل عن التوكيد.
ولا تطغوا قال ابن عباس: في القرآن فتحلوا وتحرموا ما لم آمركم به.
وقال ابن زيد: لا تعصوا ربكم.
وقال مقاتل: لا تخلطوا التوحيد بالشك.
وقال الزمخشري: لا تخرجوا عن حدود الله.
وقرأ الحسن والأعمش: بما يعملون بالياء على الغيبة، ورويت عن عيسى الثقفي بصير مطلع على أعمالهم يراها ويجازى عليها.
{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113)}
قال ابن عباس: معنى الركون الميل.
وقال السدي، وابن زيد: لا تداهنوا الظلمة.
وقال قتادة: لا تلحقوا بهم.
وقال سفيان: لا تدنوا إلى الذين ظلموا.
وقال أبو العالية: لا ترضوا أعمالهم، وقيل: لا تجالسوهم، وقال جعفر الصادق: إلى الذين ظلموا إلى أنفسكم فإنها ظالمة، وهذا شبيه بتفسير الباطنية.
وقيل: لا تتشبهوا بهم.
وقرأ الجمهور: تركنوا بفتح الكاف، والماضي ركن بكسرها، وهي لغة قريش.
وقال الأزهري: هي اللغة الفصحى.
وعن أبي عمرو: بكسر التاء على لغة تميم في مضارع علم غير الياء.
وقرأ قتادة، وطلحة، والأشهب، ورويت عن أبي عمر: وتركنوا بضم الكاف ماضي ركن بفتحها، وهي لغة قيس وتميم، وقال الكسائي: وأهل نجد. وشذ يركن بفتح الكاف، مضارع ركن بفتحها. وقرأ ابن أبي عبلة: ولا تركنوا مبنيًا للمفعول من أركنه إذا أماله، والنهي متناول لانحطاط في هواهم، والانقطاع إليهم، ومصاحبتهم، ومجالستهم، وزيارتهم، ومداهتنهم، والرضا بأعمالهم، والتشبه بهم، والتزيي بزيهم، ومد العين إلى زهرتهم، وذكرهم بما فيه تعظيم لهم.
وتأمّل قوله: ولا تركنوا، فإن الركون هو الميل اليسير.
وقوله: إلى الذين ظلموا، أي الذين وجد منهم الظلم، ولم يقل الظالمين، قاله: الزمخشري.
وقال ابن عطية: ومعناه السكون إلى الشيء والرضا به.
قال أبو العالية: الركون الرضا.
وقال ابن زيد: الركون الإدهان، والركون يقع في قليل هذا وكثيره.
والنهي هنا يترتب من معنى الركون عن الميل إليهم بالشرك معهم إلى أقل الرتب، من ترك التعبير عليهم مع القدرة، والذين ظلموا هنا هم الكفرة، وهو النص للمتأولين، ويدخل بالمعنى أهل المعاصي انتهى.
وقال سفيان الثوري: في جهنم واد لا يسكنه إلا القراء الزائرون الملوك.
وسئل سفيان عن ظالم أشرف على الهلاك في برية هل يسقى شربة ماء؟ فقال: لا.
فقيل له: يموت، فقال: دعه يموت.
وفي الحديث: «من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه» وكتب إلى الزهري حين خالط السلاطين أخ له في الدين كتابًا طويلًا قرّعه فيه أشد التقريع، يوقف عليه في تفسير الزمخشري.
وقرأ ابن وثاب، وعلقمة، والأعمش، وابن مصرف، وحمزة فيما روي عنه: فتمسكم بكسر التاء على لغة تميم، والمس كناية عن الإصابة.
وانتصب الفعل في جواب النهي، والجملة بعدها حال.
ومعنى من أولياء، من أنصار يقدرون على منعكم من عذابه.
ثم لا تنصرون قال الزمخشري: ثم لا ينصركم هو لأنه وجب في حكمته تعذيبكم، وترك الإبقاء عليكم.
فإن قلت: ما معنى؟ ثم قلت: معناها الاستبعاد، لأنّ النصرة من الله مستبعدة مع استيجابهم العذاب وقضاء حكمته له انتهى، وهي ألفاظ المعتزلة.
وقرأ زيد بن علي: ثم لا تنصروا بحذف النون، والفعل منصوب عطفًا على قوله: فتمسكم، والجملة حال، أو اعتراض بين المتعاطفين. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا موسى الكتاب} أي التوراةَ: {فاختلف فِيهِ} أي في شأنه وكونِه من عند الله تعالى فآمن به قومٌ وكفر به آخرون فلا تبالِ باختلاف قومِك فيما آتيناك من القرآن وقولِهم: {لَوْلاَ أُنُزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ} وزعمِهم أنك افتريتَه: {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ} وهي كلمةُ القضاءِ بإنظارهم إلى يوم القيامةِ على حسب الحِكمةِ الداعيةِ إلى ذلك: {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} أي لأوقع القضاءَ بين المختلفين من قومك بإنزال العذابِ الذي يستحقه المبطِلون ليتميّزوا به عن المُحِقّين، وقيل: بين قوم موسى وليس بذاك: {وَإِنَّهُمْ} أي وإن كفارَ قومِك أريد به بعضُ من رجع إليهم ضميرُ بينهم للأمن من الإلباس: {لَفِى شَكّ} عظيم: {مِنْهُ} أي من القرآن وإن لم يجْرِ له ذكر، فإن ذكرَ إيتاءِ كتابِ موسى ووقوعِ الاختلافِ فيه لاسيما بصدد التسليةِ ينادي به نداءً غيرَ خفي: {مُرِيبٍ} مُوقِع في الريبة.
{وَإِنَّ كُلًا} التنوينُ عوضٌ عن المضاف إليه أي وإن كلَّ المختلِفين فيه المؤمنين منهم والكافرين، وقرأ ابنُ كثير، ونافعٌ، وأبو بكر، بالتخفيف مع الإعمال اعتبارًا للأصل: {لَّمَّا لَيُوَفّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} أي أجزيةَ أعمالِهم، واللامُ الأولى موطئةٌ للقسم والثانيةُ جوابٌ للقسم المحذوف، ولما مركبةٌ من مِنْ الجارة وما الموصولة أو الموصوفة وأصلها لمِن فقلبت النون ميمًا للإدغام فاجتمع ثلاث ميماتٍ فحُذفت أولاهن، والمعنى لَمِن الذي أو لمِنْ خلْقٍ أو لمن فريقٍ والله ليوفينهم ربك وقرئ لما بالتخفيف على أن ما مزيدةٌ للفصل بين اللامين والمعنى إن جميعَهم والله ليوفينهم الآية وقرئ لمًّا بالتنوين أي جميعًا كقوله سبحانه: {أَكْلًا لَّمًّا} وقرأ أبي وإنْ كلٌّ لمّا ليوفينهم على أن نافية ولما بمعنى إلا وقد قرئ به: {إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ} أي بما يعمله كلُّ فردٍ من المختلفين من الخير والشر: {خَبِيرٌ} بحيث لا يخفى عليه شيءٌ من جلائله ودقائقه، وهو تعليلٌ لما سبق من توفية أجزيةِ أعمالِهم فإن الإحاطةَ بتفاصيل أعمالِ الفريقين وما يستوجبه كلُّ عمل بمقتضى الحكمةِ من الجزاء المخصوصِ توجب توفيةَ كلِّ ذي حقٍ حقَّه إن خيرًا فخيرٌ وإن شرًا فشر.
{فاستقم كَمَا أُمِرْتَ} لما بيّن في تضاعيف القصص المَحْكية عن الأمم الماضيةِ سوءُ عاقبة الكفرِ وعصيانِ الرسل وأُشير إلى أن حالَ هؤلاء الكفرةِ في الكفر والضلالِ واستحقاق العذابِ مثلُ أولئك المعذبين وأن نصيبَهم من العذاب واصلٌ إليهم من غير نقص وأن تكذيبَهم للقرآن مثلُ تكذيبِ قوم موسى عليه السلام للتوراة وأنه لو لم تسبِقْ كلمةُ القضاءِ بتأخير عقوبتِهم العامةِ ومؤاخذتِهم التامّةِ إلى يوم القيامة لفُعل بهم ما فُعل بآبائهم من قبلُ وأنهم يُوفَّوْن نصيبَهم غيرَ منقوص وأن كل واحدٍ من المؤمنين والكافرين يوفى جزاءَ عملِه أُمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالاستقامة كما أمر به في العقائد والأعمالِ المشتركة بينه وبين سائِر المؤمنين ولاسيما الأعمالُ الخاصةُ به عليه السلام من تبليغ الأحكامِ الشرعية والقيامِ بوظائف النبوةِ وتحمّل أعباءِ الرسالةِ بحيث يدخُل تحته ما أمر به فيما سبق من قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يوحى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} الآية، وبالجملة فهذا الأمرُ منتظمٌ لجميع محاسنِ الأحكامِ الأصليةِ والفرعية والكمالاتِ النظريةِ والعملية والخروجُ من عُهدته في غاية ما يكون من الصعوبة ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شيبتْني سورةُ هود»: {وَمَن تَابَ مَعَكَ} أي تاب من الشرك والكفرِ وشاركك في الإيمان وهو المعنيُّ بالمعية وهو معطوفٌ على المستكنّ في قوله: فاستقم، وحسُن من غير تأكيدٍ لمكان الفاصل القائمِ مَقامَه، وفي الحقيقة هو مِن عطف الجملةِ على الجملة إذ المعنى وليستقم مَنْ تاب معك، وقيل: هو منصوبٌ على أنه مفعولٌ معه كما قاله أبو البقاء، والمعنى استقم مصاحبًا لمن تاب معك: {وَلاَ تَطْغَوْاْ} ولا تنحرفوا عما حُدّ لكم بإفراط أو تفريط، فإن كِلا طرفي قصدِ الأمور ذميمٌ، وإنما سُمّي ذلك طغيانًا وهو تجاوزُ الحدِّ تغليظًا أو تغليبًا لحال سائرِ المؤمنين على حاله عليه السلام: {إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فيجازيكم على ذلك وهو تعليلٌ للأمر والنهي، وفي الآية دِلالةٌ على وجوب اتباعِ المنصوص عليه من غير انحرافٍ بمجرد الرأي فإنه طغيانٌ وضلالٌ، وأما العملُ بمقتضى الاجتهادِ التابعِ لعلل النصوصِ فذلك من باب الاستقامةِ كما أمر على موجب النصوصِ الآمرةِ بالاجتهاد.
{وَلاَ تَرْكَنُواْ} أي لا تميلوا أدنى ميلٍ: {إِلَى الذين ظَلَمُواْ} أي إلى الذين وُجد منهم الظلمُ في الجملة، ومدارُ النهي هو الظلمُ، والجمعُ باعتبار جمعيةِ المخاطَبين وما قيل من أن ذلك للمبالغة في النهي من حيث إن كونهم جماعةً مظِنةُ الرخصةِ في مداهنتهم إنما يتم لو كان المرادُ النهيَ عن الركون إليهم من حيث أنهم جماعةٌ وليس كذلك: {فَتَمَسَّكُمُ} بسبب ذلك: {النار} وإذا كان حالُ الميل في الجملة إلى مَنْ وُجد منه ظلمٌ ما في الإفضاء إلى مِساس النارِ هكذا فما ظنُّك بميل من يميل إلى الراسخين في الظلم والعُدوان ميلًا عظيمًا، ويتهالك على مصاحبتهم ومنادمتِهم ويُلقي شراشِرَه على مؤانستهم ومعاشرتهم، ويبتهج بالتزيّي بزِيّهم ويمُدّ عينيه إلى زهرتهم الفانية ويغبِطُهم بما أوتوا من القطوف الدانية وهو في الحقيقة من الحبة طفيف ومن جناح البعوض خفيف بمعزل عن أن تميل إليه القلوب ضعُف الطالبُ والمطلوب، والآيةُ أبلغُ ما يتصور في النهْي عن الظلم والتهديدِ عليه. وخطابُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم ومَنْ معه من المؤمنين للتثبيت على الاستقامة التي هي العدلُ فإن الميلَ إلى أحد طرفي الإفراطِ والتفريطِ ظلمٌ على نفسه أو على غيره. وقرئ تركنوا على لغة تميم وتُركَنوا على صيغة البناء للمفعول من أركنه: {وَمَا لَكُمْ مّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَاء} أي من أنصار يُنقِذونكم من النار، والجملةُ نصبٌ على الحاليه من قوله: فتمسكم النار، ونفيُ الأولياءِ ليس بطريق نفي أن يكون لكل واحدٍ منهم أولياءُ حتى يصدُقَ أن يكون له وليٌّ بل لمكان (لكم) بطريق انقسامِ الآحادِ على الآحاد لكن لا على معنى نفي استقلالِ كلَ منهم بنصير، بل على معنى نفيِ أن يكون لواحد منهم نصيرٌ بقرينة المقام: {ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} من جهة الله سبحانه إذ قد سبق في حكمه أن يعذبَكم بركونكم إليهم ولا يُبقيَ عليكم، وثم لتراخي رتبةِ كونِهم غيرَ منصورين من جهة الله بعدما أوعدهم بالعذاب وأوجبه عليهم، ويجوز أن يكون منزلًا منزلة الفاءِ بمعنى الاستبعادِ فإنه لما بيّن أن الله تعالى معذبُهم وأن غيرَه لا ينقذهم أنتج أنهم لا يُنصرون أصلًا. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} أي التوراة: {فاختلف فِيهِ} أي في شأن الكتاب وكونه من عند الله تعالى فآمن به قوم وكفر به آخرون فلا تبال باختلاف قومك فيما آتيناك من القرآن، وقولهم: {لَوْلاَ أُنُزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ} [هود: 12] وعزم: {إِنَّكَ افتريته}.
وجوز رجوع الضمير إلى موسى وهو خلاف الظاهر، وإن كان الاختلاف فيه عليه السلام هل هو نبي أم لا؟ مستلزمًا للاختلاف في كتابه هل هو من الله تعالى أم لا، وقيل: إن في على هذا الاحتمال بمعنى على أي فاختلف قومه عليه وتعنتوا كما فعل قومك معك: {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبّكَ} وهي كلمة القضاء بتأخير العذاب إلى الأجل المعلوم على حسب الحكمة الداعية إلى ذلك: {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} أي لأوقع القضاء بين المختلفين من قومك بانزال العذاب الذي يستحقه المبطلون ليتميزوا به عن المحقين، وفي البحر إن الظاهر عود الضمير على قوم موسى، قيل: وليس بذاك.
وقال ابن عطية: عوده على القومين أحسن عندي، وتعقب بأن قوله سبحانه: {وَإِنَّ كُلًا} [هود: 111] إلخ ظاهر في التعميم بعد التخصيص وفيه نظر، والأولى عندي الأول: {وَإِنَّهُمْ} أي وإن كفار قومك أريد بالضمير بعض من رجع إليهم ضمير بينهم للأمن من الالباس: {لَفِى شَكّ} عظيم: {مِنْهُ} أي من القرآن وإن لم يجر له ذكر فان ذكر إيتاء كتاب موسى ووقوع الاختلاف فيه لاسيما بصدد التسلية يناديه نداءًا غير خفي.
وقيل: الضمير للوعيد المفهوم من الكلام: {مُرِيبٍ} أي موقع في الريبة، وجوز أن يكون من أراب إذا صار ذا ريبة.
{وَإِنَّ كُلًا} التنوين عوض عن المضاف إليه كما هو المعروف في تنوين كل عند قوم من النحاة، وقيل: إنه تنوين تمكين لكنه لا يمنع تقدير المضاف إليه أيضًا أي وإن كل المختلفين المؤمنين والكافرين.
وقال مقاتل: يعني به كفار هذه الأمة: {لَّمَّا لَيُوَفّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أعمالهم} أي أجزية أعمالهم، ولام: {لَيُوَفّيَنَّهُمْ} واقعة في جواب القسم أي والله ليوفينهم، و: {لَّمًّا} بالتشديد وهو مع تشديد أن قراءة ابن عامر وحمزة، وحفص وأبي جعفر وتخريج الآية على هذه القراءة مشكل حتى قال المبرد: إنها لحن وهو من الجسارة بمكان لتواتر القراءة وليته قال كما أدري ما وجه هذه القراءة، واختلفوا في تخريجها فقال أبو عبيدة: إن أصل: {لَّمًّا} هذه لما منونا، وقد قرئ كذلك ثم بني على فعلى وهو مأخوذ من لممته إذا جمعته، ولا يقال: إنها: {لَّمًّا} المنوتة وقف عليها بالألف، وأجري الوصل مجرى الموقف لأن ذلك على ما قال أبو حيان: إنما يكون في الشعر واستبعد هذا التخريج بأنه لا يعرف بناء فعلى من لمّ، وبأنه يلزم لمن أمال فعلى أن يميلها ولم يملها أحد بالإجماع وبأنه كان القياس أن تكتب بالياء ولم تكتب بها، وسيعلم إعراب الآية على هذا مما سيأتي إن شاى الله تعالى.