فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)}
أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله: {وكلًا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك} لتعلم يا محمد ما لقيت الرسل من قبلك من أممهم.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن عباس: {وجاءك في هذه الحق} قال: في هذه السورة.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي موسى الأشعري: {وجاءك في هذه الحق} قال: في هذه السورة.
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير. مثله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة: {وجاءك في هذه الحق} قال: في هذه الدنيا.
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد قال: كان قتادة يقول في هذه السورة، وقال الحسن: في الدنيا.
وأخرج أبو الشيخ من طريق أبي رجاء عن الحسن: {وجاءك في هذه الحق} قال: في هذه السورة.
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {اعملوا على مكانتكم} أي منازلكم.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله: {وانتظروا إنا منتظرون} قال: يقول: انتظروا مواعيد الشيطان إياكم على ما يزين لكم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}
قوله تعالى: {وَكُلًا نَّقُصُّ}: في نصبه أوجه، أحدها: أنه مفعولٌ به والمضاف إليه محذوفٌ، عُوِّض منه التنوين، تقديره: وكل نبأ نَقُصُّ عليك. و{مِنْ أنباء} بيانٌ له أو صفة إذا قُدِّر المضاف إليه نكرة. وقوله: {ما نُثَبِّتُ} يجوز أن يكونَ بدلًا من {كلًا}، وأن يكونَ خبرَ مبتدأ مضمر، أي: هو ما نثبِّت، أو منصوبٌ بإضمار أعني.
الثاني: أنه منصوبٌ على المصدرِ، أي: كلَّ اقتصاصٍ نَقُصُّ، و{مِنْ أنباء} صفةٌ أو بيان، و{ما نُثَبِّت} هو مفعول {نَقُصُّ}.
الثالث: كما تقدَّم، إلا أنه بجَعْل {ما} صلةً، والتقدير: {وكلًا نَقُصُّ من أنباء الرسل نُثَبِّت به فؤادك}، كذا أعربه الشيخ وقال: كهي في قوله: {قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3].
الرابع: أن يكون {كلًا} نصبا على الحال من {ما نُثَبِّت} وهي في معنى جميعًا. وقيل: بل هي حال من الضمير في {به}. وقيل: بل هي حال من {أنباء}، وهذان الوجهان إنما يجوزان عند الأخفش، فإنه يُجيز تقديم حالِ المجرورِ بالحرف عليه، كقوله تعالى: {والسماوات مَطْوِيَّاتٍ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] في قراءةِ مَنْ نصب {مَطْويات} وقول الآخر:
رَهْطُ ابنِ كُوْزٍ مُحْقبي أَدْراعهم ** فيهم ورَهْطُ ربيعةَ بنِ حُذار

وإعراب باقي السورة واضح ممَّا تقدم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَكُلًا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}.
سكَّنَ قلبه بما قصَّ عليه من أنباء المرسلين، وعرَّفه أنه لم يُرَقِّ أحدًا إلى المحلِّ الذي رقّاه إليه، ولم يُنْعِمْ على أحد بمثل ما أنعم عليه.
ويقال قَصَّ عليه قِصَصَ الجميع، ولم يذكر قصَته لأحد تعريفًا له وتخصيصًا. ويقال لم يكن ثباتُ قلبه بما قصَّ عليه ولكن لاستقلال قلبه بِمَنْ كان يقص عليه، وفَرْقٌ بين من يقعل بما يسمع وبين مَنْ يَستقل بِمَنْ منه يسمع، وأنشدوا:
وَحَدَّثَتَنِي يا سَعْدُ عنها فَزْدْتَنِي ** حَنِينًا فَزِدْنِي مِنْ حديثِكَ يا سعدُ

{وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122)}
إن الذين يجحدون التوحيد، ويؤثِرون على الحقِّ غيرَ الحق، ولم يُصَدِّقوا الوعيد، يوشِكُ أَنْ يَنْصَبّ عليهم الانتقامُ فيغرقون في بحار العقوبة، ويسقطون في وهاد الهوان، فلا لويلهم انتهاءٌ، ولا لِذُلِّهم انقضاءٌ. اهـ.

.تفسير الآية رقم (123):

قوله تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما تضمن هذا التهديد العلم والقدرة، قال عاطفًا على ما تقديره: فلله كل ما شوهد من أمرنا وأمركم وأمر عالم الغيب والشهادة كله ما كان من ابتداء أمورنا: {ولله} أي المحيط وحده بكل شيء مع ذلك: {غيب السماوات والأرض} أي جميع ما غاب علمه عن العباد فهو تام العلم، ومنه ما ينهى عنه وإن ظن الجهلة أنه خارج عن قدرته لما أظهر من الزجر عنه ومن كراهيته.
ولما كان السياق هنا لأنه سبحانه خلق الخلق ذواتهم ومعانيهم للاختلاف، وكان تهديدهم على المعاصي ربما أوهم أنه بغير إرادته، فكان ربما قال جاهل: أنا بريء من المخالفين لأوليائه كثيرًا جدًا، وعادة الخلق أن من خالفهم خارج عن أمرهم، كان الجواب على تقدير التسليم لهذا الأمر الظاهر: فله كان الأمر كله ظاهرًا وباطنًا: {وإليه} أي وحده: {يرجع} بعد أن كان ظهر للجاهل أن خرج عنه؛ والرجوع: ذهاب الشيء إلى حيث ابتدأ منه: {الأمر كله} في الحال على لبس وخفاء، وفي المال على ظهور واتضاح وجلاء، فهو شامل القدرة كما هو شامل العلم، فلابد من أن يرجع إليه أمرك وأمر أعدائك، أي يعمل فيه عمل من يرجع إليه الأمر فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، ولذلك سبب عن إسناد الأمور كلها إليه قوله: {فاعبده} أي وحده عبادة لا شوب فيها: {وتوكل} معتمدًا في أمورك كلها: {عليه} فإنه القوي المتين، وفي تقديم الأمر بالعبادة على التوكل تنبيه على أنه إنما ينفع العابد.
ولما كانت العادة جارية بأن العالم قد يغفل، نزه عن ذلك سبحانه نفسه فقال مرغبًا مرهبًا: {وما ربك} أي المحسن إليك بما يعمله بإحاطة عمله إحسانًا، وأغرق في النفي فقال: {بغافل عما تعملون} ولا تهديد أبلغ من العلم، وهذا بعينه مضمون قوله تعالى: {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير الا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير} [هود 1- 2]. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم إنه تعالى ذكر خاتمة شريفة عالية جامعة لكل المطالب الشريفة المقدسة فقال: {وَللَّهِ غَيْبُ السموات والأرض}.
واعلم أن مجموع ما يحتاج الإنسان إلى معرفته أمور ثلاثة.
وهي: الماضي والحاضر والمستقبل.
أما الماضي فهو أن يعرف الموجود الذي كان موجودًا قبله، وذلك الموجود المتقدم عليه هو الذي نقله من العدم إلى الوجود، وذلك هو الإله تعالى وتقدس.
واعلم أن حقيقة ذات الإله وكنه هويته غير معلومة للبشر ألبتة، وإنما المعلوم للبشر صفاته، ثم إن صفاته قسمان: صفات الجلال، وصفات الإكرام.
أما صفات الجلال، فهي سلوب، كقولنا: إنه ليس بجوهر ولا جسم، ولا كذا ولا كذا.
وهذه السلوب في الحقيقة ليست صفات الكمال، لأن السلوب عدم، والعدم المحض والنفي الصرف، لا كمال فيه، فقولنا لا تأخذه سنة ولا نوم إنما أفاد الكلام لدلالته على العلم المحيط الدائم المبرأ عن التغير ولولا ذلك كان عدم النوم ليس يدل على كمال أصلًا، ألا ترى أن الميت والجماد لا تأخذه سنة ولا نوم وقوله: {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ} [الأنعام: 14] إنما أفاد، الجلال والكمال والكبرياء، لأن قوله: {وَلاَ يُطْعَمُ} يفيد كونه واجب الوجود لذاته غنيًا عن الطعام والشراب بل عن كل ما سواه، فثبت أن صفات الكمال والعز والعلو هي الصفات الثبوتية، وأشرف الصفات الثبوتية الدالة على الكمال والجلال صفتان: العلم والقدرة، فلهذا السبب وصف الله تعالى ذاته في هذه الآية بهما في معرض التعظيم والثناء والمدح.
أما صفة العلم فقوله: {وَللَّهِ غَيْبُ السموات والأرض} والمراد أن علمه نافذ في جميع الكليات والجزئيات والمعدومات والموجودات والحاضرات والغائبات، وتمام البيان والشرح في دلالة هذا اللفظ على نهاية الكمال ما ذكرناه في تفسير قوله سبحانه وتعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغيب لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} [الأنعام: 59] وأما صفة القدرة، فقوله: {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمر كُلُّهُ} والمراد أن مرجع الكل إليه، وإنما يكون كذلك لو كان مصدر الكل ومبدأ الكل هو هو والذي يكون مبدأ لجميع الممكنات وإليه يكون مرجع كل المحدثات والكائنات، كان عظيم القدرة نافذ المشيئة قهارًا للعدم بالوجود والتحصيل جبارًا له بالقوة والفعل والتكميل، فهذان الوصفان هما المذكوران في شرح جلال المبدأ ونعت كبريائه.
والمرتبة الثانية: من المراتب التي يجب على الإنسان كونه عالمًا بها أن يعرف ما هو مهم له في زمان حياته في الدنيا، وما ذلك إلا تكميل النفس بالمعارف الروحانية والجلايا القدسية، وهذه المرتبة لها بداية ونهاية.
أما بدايتها فالاشتغال بالعبادات الجسدانية والروحانية.
أما العبادات الجسدانية، فأفضل الحركات الصلاة، وأكمل السكنات الصيام، وأنفع البر الصدقة.
وأما العبادة الروحانية فهي: الفكر، والتأمل في عجائب صنع الله تعالى في ملكوت السموات والأرض، كما قال تعالى: {وَيَتَفَكَّرُونَ في خَلْقِ السموات والأرض} [آل عمران: 191] وأما نهاية هذه المرتبة، فالانتهاء من الأسباب إلى مسببها، وقطع النظر عن كل الممكنات والمبدعات، وتوجيه حدقة العقل إلى نور عالم الجلال، واستغراق الروح في أضواء عالم الكبرياء، ومن وصل إلى هذه الدرجة رأى كل ما سواه مهرولًا تائهًا في ساحة كبريائه هالكًا فانيًا في فناء سناء أسمائه.
وحاصل الكلام: أن أول درجات السير إلى الله تعالى هو عبودية الله، وآخرها التوكل على الله، فلهذا السبب قال: {فاعبده وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ}.
والمرتبة الثالثة: من المراتب المهمة لكل عامل معرفة المستقبل وهو أنه يعرف كيف يصير حاله بعد انقضاء هذه الحياة الجسمانية، وهل لأعماله أثر في السعادة والشقاوة، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ} والمقصود أنه لا يضيع طاعات المطيعين ولا يهمل أحوال المتمردين الجاحدين، وذلك بأن يحضروا في موقف القيامة ويحاسبوا على النقير والقطمير ويعاتبوا في الصغير والكبير، ثم يحصل عاقبة الأمر فريق في الجنة وفريق في السعير، فظهر أن هذه الآية وافية بالإشارة إلى جميع المطالب العلوية، والمقاصد القدسية، وأنه ليس وراءها للعقول مرتقى ولا للخواطر منتهى والله الهادي للصواب، تمت السورة بحمد الله وعونه، وقد وجد بخط المصنف رضي الله عنه في النسخة المنتقل منها تم تفسير هذه السورة قبل طلوع الصبح ليلة الاثنين من شهر رجب ختمه الله بالخير والبركة سنة إحدى وستمائة، وقد كان لي ولد صالح حسن السيرة فتوفي في الغربة في عنفوان شبابه، وكان قلبي كالمحترق لذلك السبب، فأنا أنشد الله إخواني في الدين وشركائي في طلب اليقين وكل من نظر في هذا الكتاب وانتفع به أن يذكر ذلك الشاب بالرحمة والمغفرة، وأن يذكر هذا المسكين بالدعاء وهو يقول: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوهاب} [آل عمران: 8] وصلى الله على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه وسلم. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {ولله غيب السماوات والأرض} الآية.
هذه آية تعظم وانفراد بما لا حظ لمخلوق فيه، وهو علم الغيب، وتبين أن الخير والشر، وجليل الأشياء وحقيرها- مصروف إلى أحكام مالكه، ثم أمر البشر بالعبادة والتوكل على الله تعالى، وفيها زوال همه وصلاحه ووصوله إلى رضوان الله.
وقرأ السبعة- غير نافع- {يرجعُ الأمرُ} على بناء الفعل للفاعل، وقرأ نافع وحفص عن عاصم: {يُرجع الأمرُ} على بنائه للمفعول ورواها ابن أبي الزناد عن أهل المدينة، وقرأ: {تعملون} بالتاء من فوق، نافع وابن عامر وحفص عن عاصم، وهي قراءة الأعرج والحسن وأبي جعفر وشيبة وعيسى بن عمرو وقتادة والجحدري، واختلف عن الحسن وعيسى، وقرأ الباقون: {يعملون} بالياء على كناية الغائب. اهـ.