فصل: قال بيان الحق الغزنوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ} {من} في موضع نصب، أي نرفع من نشاء درجات.
يقول: نفضّل من نشاء بالدرجات. ومن قال: {نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ} فيكون {من} في موضع خفض.
وقوله: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} يقول: ليس من عالم إلّا وفوقه أعلم منه.
وقوله: {فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ} [77] أسرّ الكلمة. ولو قال: {فأسرّه} ذهب إلى تذكير الكلام كان صوابا كقوله: {تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ} و{ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ}، {وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ}: أضمرها في نفسه ولم يظهرها.
وقوله: {مَعاذَ اللَّهِ} [79] نصب لأنه مصدر، وكل مصدر تكلّمت العرب في معناه بفعل أو يفعل فالنصب فيه جائز. ومن ذلك الحمد للّه لأنك قد تقول في موضعه يحمد اللّه. وكذلك أعوذ باللّه تصلح في معنى معاذ اللّه.
وقوله: {خَلَصُوا نَجِيًّا} [80] ونجوى قال اللّه عزّ وجل: {ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ} وقوله: {قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْأَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ} {ما} التي مع {فرّطتم} في موضع رفع كأنه قال: ومن قبل هذا تفريطكم في يوسف.
فإن شئت جعلتها نصبا، أي ألم تعلموا هذا وتعلموا من قبل تفريطكم في يوسف. وإن شئت جعلت {ما} صلة كأنه قال: ومن قبل فرّطتم في يوسف.
وقوله: {إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ} [81] ويقرأ: {سرّق} ولا أشتهيها لأنها شاذّة. وكأنه ذهب إلى أنه لا يستحلّ أن يسرّق ولم يسرق: وذكر أن ميمون بن مهران لقى رجاء بن حيوة بمكّة، وكان رجاء يقول: لا يصلح الكذب في جد ولا هزل. وكان ميمون يقول: ربّ كذبة هي خير من صدق كثير. قال فقال ميمون لرجاء: من كان زميلك؟ قال: رجل من قيس. قال: فلو أنك إذ مررت بالبشر قالت لك تغلب: أنت الغاية في الصدق فمن زميلك هذا؟ فإن كان من قيس قتلناة، فقد علمت ما قتلت قيس منّا، أكنت تقول: من قيس أم من غير قيس؟ قال: بل من غير قيس. قال: فهى كانت أفضل أم الصدق؟ قال الفراء: قد جعل اللّه عزّ وجلّ للأنبياء من المكايد ما هو أكثر من هذا. واللّه أعلم بتأويل ذلك.
وقوله: {وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ} يقول: لم نكن نحفظ غيب ابنك ولا ندرى ما يصنع إذا غاب عنا. ويقال: لو علمنا أن هذا يكون لم نخرجه معنا.
وقوله: {أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [83] الصبر الجميل مرفوع لأنه عزّى نفسه وقال: ما هو إلا الصبر، ولو أمرهم بالصبر لكان النصب أسهل، كما قال الشاعر:
يشكو إلىّ جملى طول السّرى ** صبرا جميلا فكلانا مبتلى

وقوله: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} يقول: لا شكوى فيه إلّا إلى اللّه جلّ وعزّ.
قالو: {تَاللَّهِ تَفْتَؤُا} [85] معناه لا تزال تذكر يوسف و{لا} قد تضمر مع الأيمان لأنها إذا كانت خبرا لا يضمر فيها (لا) لم تكن إلا بلام ألا ترى أنك تقول: واللّه لآتينّك، ولا يجوز أن تقول: واللّه آتيك إلّا أن تكون تريد (لا) فلمّا تبيّن موضعها وقد فارقت الخبر أضمرت، قال امرؤ القيس:
فقلت يمين اللّه أبرح قاعدا ** ولو قطعوا رأسى لديك وأوصالى

وأنشدنى بعضهم:
فلا وأبى دهماء زالت عزيزة ** على قومها ما فتّل الزّند قادح

يريد: لا زالت. وقوله: {حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا}] يقال: رجل حرض وامرأة حرض وقوم حرض، يكون موحّدا على كلّ حال: الذكر والأنثى، والجميع فيه سواء، ومن العرب من يقول للذكر: حارض، وللأنثى حارضة، فيثّنى هاهنا ويجمع لأنه قد خرج على صورة فاعل وفاعل يجمع. والحارض: الفاسد في جسمه أو عقله. ويقال للرجل: إنه لحارض أي أحمق.
والفاسد في عقله أيضا. وأمّا حرض فترك جمعه لأنه مصدر بمنزلة دنف وضنى. والعرب تقول: قوم دنف، وضنى وعدل، ورضا، وزور، وعود، وضيف. ولو ثنّى وجمع لكان صوابا كما قالوا: ضيف وأضياف. وقال عزّ وجل: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا} وقال في موضع آخر: {ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ} والعرب إلى التثنية أسرع منهم إلى جمعه لأن الواحد قد يكون في معنى الجمع ولا يكون في معنى اثنين ألا ترى أنك تقول: كم عندك من درهم ومن دراهم، ولا يجوز: كم عندك من درهمين. فلذلك كثرت التثنية ولم يجمع.
وقوله: {وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ} [88] ذكروا أنهم قدموا مصر ببضاعة، فباعوها بدراهم لا تنفق في الطعام إلّا بغير سعر الجياد، فسألوا يوسف أن يأخذها منهم ولا ينقصهم. فذلك قوله: {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا} بفضل ما بين السّعرين.
وقوله: {يَأْتِ بَصِيرًا} [93] أي يرجع بصيرا.
وقوله: {لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ} [94] يقول: تكذبون وتعجّزون وتضعفون.
وقوله: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} [98] قال: حدّثنا الفراء {عن} شريك عن السّدّىّ في هذه الآية أخّرهم إلى السّحر قال أبو زكريا وزادنا حبّان عن الكلبىّ عن أبى صالح عن ابن عبّاس قال: أخّرهم إلى السحر ليلة الجمعة.
وقوله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} [105] فآيات السّموات الشمس والقمر والنجوم. وآيات الأرض الجبال والأنهار وأشباه ذلك.
وقوله: {وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [106] يقول: إذا سألتهم من خلقكم؟
قالوا: اللّه، أو من رزقكم؟ قالوا: اللّه، وهم يشركون به فيعبدون الأصنام. فذلك قوله: {وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}.
وقوله: {أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [108] يقول: أنا ومن اتّبعنى، فهو يدعو على بصيرة كما أدعو.
وقوله: {وَلَدارُ الْآخِرَةِ} [109] أضيفت الدار إلى الآخرة وهى الآخرة وقد تضيف العرب الشيء إلى نفسه إذا اختلف لفظه كقوله: {إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ} والحقّ هو اليقين. ومثله أتيتك بارحة الأولى، وعام الأوّل وليلة الأولى ويوم الخميس. وجميع الأيّام تضاف إلى أنفسها لاختلاف لفظها. وكذلك شهر ربيع. والعرب تقول في كلامها- أنشدنى بعضهم-:
أتمدح فقعسا وتذمّ عبسا ** ألا للّه أمّك من هجين

ولو أقوت عليك ديار عبس ** عرفت الذلّ عرفان اليقين

وإنما معناه عرفانا ويقينا.
وقوله: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [110].
خفيف. وقرأها أهل المدينة بالتثقيل، وقرأها ابن عباس بالتخفيف، وفسّرها: حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يؤمنوا، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا جاءهم نصرنا. وحكيت عن عبد اللّه (كذّبوا) مشدّدة وقوله: {فنجى من نشاء} القراءة بنونين والكتاب أتى بنون واحدة. وقد قرأ عاصم {فنجّى من نشاء} فجعلها نونا، كأنه كره زيادة نون ف {من} حينئذ في موضع رفع. وأما الذين قرءوا بنونين فإن النون الثانية، تخفى ولا تخرج من موضع الأولى، فلمّا خفيت حذفت، ألا ترى أنك لا تقول فننجى بالبيان. فلمّا خفيت الثانية حذفت واكتفى بالنون الأولى منها، كما يكتفى بالحرف من الحرفين فيدغم ويكون كتابهما واحدا.
وقوله: {ما كانَ حَدِيثًا يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ} [111] منصوب، يراد به: ولكن كان تصديق ما بين يديه من الكتب: التوراة والإنجيل. ولو رفعت التصديق كان صوابا كما تقول: ما كان هذا قائما ولكن قاعدا وقاعد. وكذلك قوله: {ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ} و{رَسُولَ اللَّهِ} فمن رفع لم يضمر كان أراد: ولكن هو رسول اللّه. اهـ.

.قال بيان الحق الغزنوي:

سورة يوسف عليه السلام:
{نحن نقص عليك أحسن القصص} [3] نبين لك أحسن البيان. {بما أوحينا} أي: بإيحائنا.
{يا أبت} [4] أي: يا أبي، فحذفت ياء الإضافة. وهذه التاء للمبالغة، كالعلامة، والنسابة. أو للتفخيم كيوم القيامة، أو منقلبة عن الواو المحذوفة التي هي لام الفعل، مثل كلتا فإن أصلها كلوا. وإنما أعاد {رأيتهم} لأنها رؤية سجودهم له، والأولى رؤيته لهم.
والسجود: الخضوع، كما مر في غير موضع، ولما كان السجود من أفعال ذوي العقل، جاء ساجدين فيمن لا يعقل اعتبارًا لصنعة الفعل، كقوله: {يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم}. قال الجعدي:
توردتها والديك يدعو صباحه ** إذا ما بنو نعش دنو فتصوبوا

{فلما ذهبوا به} [15] جوابه محذوف.
{قال بل سولت لكم} [18] أي: زينت لكم. وقيل: أمرت.
{غيابت الجب} [15] أسفل البئر، حيث يغيب عن الأبصار.
{فأدلى دلوه} [19] أرسلها ليملأها. ودلاها: أخرجها. قال ابن هرمة:
ولم تريني إلا أخاملك أدلي إليه دلوي فيملؤها

سهل المحيا تلفى مواعده مثل وحي السلام يقرؤها

{يا بشراي} أضاف البشرى إلى نفسه كقوله: يا فرحتي، ويا دولتي. وموضع الألف فتح، لأن المنادى المضاف منصوب.
{وأسروه بضعة} [19] أي: الواردون أولًا أخفوه بضاعة، لئلا يشاركهم فيه باقي الأصحاب. وروي أن إخوته جاؤوا إلى البئر، ليبحثوا عن حاله، فإذا هم به قد أخرجوه الواردون، فقالوا: إنه عبدنا وبضاعتنا.
ثم شروه منهم، أي: باعوه. قال السنبسي:
فإن تبغضونا بغضة في صدوركم ** فإنا جدعنا منكم وشرينا

أي: سبيناكم فبعناكم.
{بثمن بخس} [20] ظلم، عن قتادة.
وقليل، عن مجاهد.
{وكانوا فيه من الزاهدين} لعلمهم بظلمهم، وحرمة ما أخذوا عليهم.
{وكذلك يجتبيك} [6] أي: هذه السبيل التي يصفها يجتبيك، ويعلمك التأويل، وهو عاقبة أمره، وما يصير إليه من العز بعد العبودة والوحدة.
وأول الأشد: أوان الحلم، وتمامه: أربعون سنة، وآخره: خمسون. كما قال سحيم الوائلي:
وماذا يدري الشعراء مني ** وقد جاوزت رأس الأربعين

أخو خمسين مجتمعًا أشدي ** ونجذني مداورة الشؤون

{وراودته} [23] طلبته بجد وميل، من الإرادة وإنما جاءت على المفاعلة، لأنها في موضع يكون من طماع صاحبه داعية إلى الإجابة. كما قال ابن أحمر:
إذا أنت راودت البخيل رددته ** إلى البخل واستمطرت غير مطير

متى تطلب المعروف في غير أهله ** تجد مطلب المعروف غير يسير

وقال الهذلي:
أجارتنا هل ليل ذي البث راقد ** أم الليل مني مانع ما أراود

{هيت لك} [23] هلم لك، أي: انزل إلى ما أريد. قال الشاعر:
أبلغ أمير المؤمنين أخا العراق إذا أتيتا

إن العراق وأهله عنق إليك فهيت هيتا

وهذه الكلمة وأمثالها نحو: هلا، وحوب، ودعدع، وإيه، وصه، ومه، كلها يجري مجرى الحروف والأصوات، لا يغير بتثنية وجمع، وأكثرها للزجر أو الحث، كما قال أبو دهبل الجمحي:
عجب ما عجب أعجبني ** من غلام حكمي أصلا

قلت خبر عن الناس نزلوا ** حضنًا أو غيره قال هلا

قلت بين ما هلا؟ هل نزلوا ** قال حوبًا ثم ولى عجلا

{ولقد همت به} [24] تقديره: ولولا أن رأى برهان ربه هم بها، بدلالة إخبار الله بصرف السوء والفحشاء عنه، وبدلالة أن قوله: {لولا أن رءا برهان ربه} شرط، فلا يجعل الكلام مطلقًا، والشرط حاصل، وكثيرًا ما يتقدم الجواب على الشرط، كما قال الشاعر:
ولا يدعني قومي صريحًا ** لحرة لئن كنت مقتولًا ويسلم عامر

وقال: فلا يدعني قومي صريحًا لحرة لئن لم أعجل طعنة أو أعجل.
وقيل: همه بها من قبل الشهوة التي جبل الإنسان عليها إلا بعلة، ومقدار الثواب على قمعها، في وزن قوتها وغلبتها. ومثل هذا الهم لا يكون من المغرم والإثم في شيء. وهو كما حكي في أخبار الأوائل: أن بعض أصحاب الفراسة قال لبقراط الحكيم: أنا أتخيل فيك الزنا، فقال: صدقت مخيلتك، أنا أشتهيه، ولكني لا أفعله.
وقيل لبعض الصوفية، في الصبي، فقال: ما على لص لم يسرق. وعن سليمان بن يسار، أن بعض نساء المدينة من صميم شرفها وحسنات دهرها علقته لحسنه الباهر، ودخلت عليه من كل مدخل، ففر من المدينة، ورأى يوسف في المنام، فقال له: أنت الذي هممت. فقال له يوسف: وأنت الذي لم تهم. فدل أن الهم كان من يوسف، ولكن على الوجه الذي ذكره.