فصل: ومن فوائد الشيخ الشعراوي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.ومن فوائد الشيخ الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ}.
بعد أن تحدث الحق سبحانه وتعالى عن بني إسرائيل وكيف كفروا بنعمه.. أراد أن يعرض لنا حساب الأمم التي سبقت أمم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، ولقد وردت هذه الآية في سورة المائدة ولكن بخلاف يسير من التقديم والتأخير.. ففي سورة المائدة: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى} [المائدة: 69].
أي أنه في سورة المائدة تقدمت الصابئون على النصارى.. واختلف الإعْراب فبينما في البقرة و{الصابئين}.. وفي المائدة و{الصابئون}.. وردت آية أخرى في سورة الحج: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الحج: 17].
الآيات الثلاث تبدو متشابهة.. إلا أنَّ هناك خلافات كثيرة.. ما هو سبب التكرار الموجود في الآيات.. وتقديم الصابئين مرة وتأخيرها.. ومع تقديمها رفعت وتغير الإعراب.. وفي الآيتين الأوليين البقرة والمائدة تأتي: {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.. أما في الآية التي في سورة الحج فقد زاد فيها: {الْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ}.. واختلف فيها الخبر.. فقال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ}.
عندما خلق الله وأنزله ليعمر الأرض أنزل معه الهدى.. واقرأ قوله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى} [طه: 123].
مفروض أن آدم أبلغ المنهج لأولاده.. وهؤلاء أبلغوه لأولادهم وهكذا.. وتشغل الناس الحياة وتطرأ عليهم الغفلة.. ويصيبهم طمع الدنيا وجشعها ويتبعون شهواتهم.. فكان لابد من رحمة الله لخلقه أن يأتي الرسل ليذكروا وينذروا ويبشروا.
الآية الكريمة تقول: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ}.. أي إيمان الفطرة الذي نزل مع آدم إلى الأرض.. وبعد ذلك جاءت أديان كفر الناس بها فأبيدوا من على الأرض.. كقوم نوح ولوط وفرعون وغيرهم.. وجاءت أديان لها اتباع حتى الآن كاليهودية والنصرانية والصابئية، والله سبحانه وتعالى يريد أن يجمع كل ما سبق في رسالة محمد عليه الصلاة والسلام.. ورسول الله صلى الله عليه وسلم جاء لتصفية الوضع الإيماني في الأرض.
إذن الذين آمنوا أولا سواء مع آدم أو مع الرسل.. الذين جاءوا بعده لمعالجة الداءات التي وقعت.. ثم الذين تسموا باليهود والذين تسموا بالنصارى والذين تسموا بالصابئة.. فالله تبارك وتعالى يريد أن يبلغهم لقد انتهى كل هذا.. فمن آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.. فكأن رسالته عليه الصلاة والسلام جاءت لتصفية كل الأديان السابقة.
وكل إنسان في الكون مطالب بأن يؤمن بمحمد عليه الصلاة والسلام.. فقد دعى الناس كلهم إلى الإيمان برسالته.. ولو بقي إنسان من عهد آدم أو من عهد إدريس أو من عهد نوح أو إبراهيم أو هود.. وأولئك الذين نسبوا إلى اليهودية وإلى النصرانية وإلى الصابئية.. كل هؤلاء مطالبون بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والتصديق بدين الإسلام.. فالإسلام يمسح العقائد السابقة في الأرض.. ويجعلها مركزة في دين واحد.. الذين آمنوا بهذا الدين: {لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} والذين لم يؤمنوا لهم خوف وعليهم حزن.. وهذا إعلان بوحدة دين جديد.. ينتظم فيه كل من في الأرض إلى أن تقوم الساعة.. أما أولئك الذين ظلوا على ما هم عليه.. ولم يؤمنوا بالدين الجديد.. لا يفصل الله بينهم إلا يوم القيامة.. ولذلك فإن الآية التي تضمنت الحساب والفصل يوم القيامة.. جاء فيها كل من لم يؤمن بدين محمد عليه الصلاة والسلام.. بما فيهم المجوس والذين أشركوا.
والحق تبارك وتعالى أراد أن يرفع الظن.. عمن تبع دينا سبق الإسلام وبقي عليه بعد السلام.. وهو يظن أن هذا الدين نافعه.. نقول له أن الحق سبحانه وتعالى قد حسم هذه القضية في قوله تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85].
وقوله جل جلاله: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران: 19].
إذن التصفية النهائية لموكب الإيمان والرسالات في الوجود حسمت.. فالذي آمن بمحمد عليه الصلاة والسلام.. لا يخاف ولا يحزن يوم القيامة.. والذي لم يؤمن يقول الله تبارك وتعالى له {إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ} إذن الذين آمنوا هم الذين ورثوا الإيمان من عهد آدم.. والذين هادوا هم أتباع موسى عليه السلام.. وجاء الاسم من قولهم: {إنا هدنا إليك}- أي عدنا إليك.. والنصارى جمع نصراني وهم منسوبون إلى الناصرة البلدة التي ولد فيها عيسى عليه السلام.. أو من قول الحواريين نحن أنصار الله في قوله تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 52].
أما الصابئة فقد اختلف العلماء فيهم.. قال بعضهم هم أتباع نوح ولكنهم غيروا بعده وعبدوا من دون الله الوسائط في الكون كالشمس والقمر والكواكب.. أو الصابئة هم الذين انتقلوا من الدين الذي كان يعاصرهم إلى الدين الجديد.. أو هم جماعة من العقلاء قالوا ما عليه قومنا لا يقنع العقل.. كيف نعبد هذه الأصنام ونحن نصنعها ونصلحها؟.
فامتنعوا عن عبادة أصنام العرب.. فقالوا عنهم إنهم صبئوا عن دين آبائهم.. أي تركوه وآمنوا بالدين الجديد.. وأيا كان المراد بالصابئين فهم كل من مال عن دينه إلى دين آخر.
أننا نلاحظ أن الله سبحانه وتعالى.. جاء بالصابئين في سورة البقرة متأخرة ومنصوبة.. وفي سورة المائدة متقدمةً ومرفوعةً.. نقول هذا الكلام يدخل في قواعد النحو.. الآية تقول: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ} نحن نعرف أَنَّ {إِنَّ} تنصب الاسم وترفع الخبر.. فالذين مبني لأنه إسم موصول في محل نصب إسم لأن: {وَالَّذِينَ هَادُواْ} معطوف على الذين آمنوا يكون منصوبًا أيضًا.. والنصارى معطوف أيضا على إسم إن.. والصابئين معطوف أيضا ومنصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم.
نأتي إلى قوله تعالى: {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}. هذه مستقيمة في سورة البقرة إعرابا وترتيبا.
والصابئين تأخرت عن النصارى لأنهم فرقة قليلة.. لا تمثل جمهرة كثيرة كالنصارى.. ولكن في آية المائدة تقدمت الصابئون وبالرفع في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ} الذين آمنوا إسم إن والذين هادوا معطوف.. و{الصابئون} كان القياس إعرابيا أن يقال والصابئين.. وبعدها النصارى معطوفة.. ولكن كلمة {الصابئون} توسطت بين اليهود وبين النصارى.. وكسر إعرابها بشكل لا يقتضيه الظاهر.. وللعرب إذن مرهفة لغويا.. فمتى سمع الصابئين التي جاءت معطوفة على اسم إن تأتي بالرفع يلتفت لفتة قسرية ليعرف السبب.
حين تولى أبا جعفر المنصور الخلافة.. وقف على المنبر ولحن لحنة أي أخطأ في نطق كلمة.. وكان هناك إعرابي يجلس فآذت أُذنيه.. وأخطأ المنصور للمرة الثانية فحرك الإعرابي أُذنيه باستغراب.. وعندما أخطأ للمرة الثالثة قام الإعرابي وقال.. أشهد أنك وليت هذا الأمر بقضاء وقدر.. أي أنك لا تستحق هذا.. هذا هو اللحن إذا سمعه العربي هز أذنيه.. فإذا جاء لفظ مرفوعا والمفروض أن يكون منصوبا.. فإن ذلك يجعله يتنبه أن الله له حكمة وعلة.. فما هي العلة؟
الذين آمنوا أمرهم مفهوم والذين هادوا أمرهم مفهوم والنصارى أمرهم مفهوم.. أما الصابئون فهؤلاء لم يكونوا تابعين لدين.. ولكنهم سلكوا طريقا مخالفا.. فجاءت هذه الآية لتلفتنا أن هذه التصفية تشمل الصابئين أيضا.. فقدمتها ورفعتها لتلفت إليها الآذان بقوة.. فالله سبحانه وتعالى يعطف الإيمان على العمل لذلك يقول دائما: {آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} لأن الإيمان إن لم يقترن بعمل فلا فائدة منه.. والله يريد الإيمان أن يسيطر على حركة الحياة بالعمل الصالح.. فيأمر كل مؤمن بصالح العمل وهؤلاء لا خوف عليهم في الدنيا ولا هم يحزنون في الآخرة. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
و{هَادُوا} في ألفه قولان:
أحدهما: أنه من واو، والأصل هَادَ يَهُود أي: تاب؛ قال الشاعر: السريع::
إنِّي امْرُؤٌ مِنْ حُبِّهِ هَائِدُ

أي: تائب، منه سمي اليَهُود، لأنهم تابوا عن عبادة العِجْلِ، وقالوا: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [الأعراف: 156] أي: تُبْنَا ورجعنا. قاله ابن عباس.
وقيل: هو من التهويد، وهو النطق في سكون ووَقَارٍ؛ وأنشدوا: الطويل::
وَخُودٌ مِنَ اللاَّئِي تَسَمَّعْنَ بِالضُّحَى ** قَرِيضَ الرُّدَافَى بِالغِنَاءِ المُهَوِّدِ

وقيل: من الهَوَادَة، وهي الخضوع.
الثاني: أنها من ياء، والأصل: هَادَ يَهِيد، أي: تَحَرَّك، ومنه سمي اليهود؛ لتحركهم في دراستهم، قاله أبو عمرو بن العلاء.
وقيل: سموا يهودًا نسبة ليَهُوذَا بالذال المعجمة وهو ابن يَعْقُوب عليه الصلاة والسلام، فغيَّرته العرب بالدّال المهملة، جريًا على عادتها في التلاعب بالأسماء الأعجمية، فعرب ونسب الواحد إليه، فقيل يَهُودِيّ، ثم حذف الياء في الجمع، فقيل يَهُود.
وكل جمع منسوب إلى جنس، فهو بإسقاط ياء النسب؛ كقولهم في زِنْجِيّ: زَنْجٌ، وفي رُومِيّ: رُوم أيضًا.
وهيادا: إذا دخل في اليهودية، وتهوَّد إذا نسبه إليهم وهوّد إذا دعا إلى اليهودية.
والنَّصَارى جمع واحده نَصْرَان، ونَصْرَانة ك: نَدْمَان ونَدمانة ونَدَامَى، قاله سيبويه؛ وأنشد: الطويل::
فَكِلْتَاهُمَا خَرَّتْ وَأَسْجَدَ رَأْسُهَا ** كَمَا أَسْجَدَتْ نَصْرَانَةٌ لَمْ تَحَنَّفِ

وقال عليه الصلاة والسلام: «فَأبواه يُهَوِّدَانِهِ» وقرأ أبو السمال ومجاهد: {هادَوْا} بفتح الدال، وإسكان الواو كأنهما من المفاعلة، والأصل: هادَيُوا فأعلّ كنظائره.
وقيل: سُمُّوا يهودًا لميلهم عن دين الإسلام، وعن دين موسى، فعلى هذا إنما سموا يهودًا بعد أنبيائهم.
وقال ابن الأعرابي: يقال: هَادَ: إذا رجع من خير إلى شَرّ، ومن شَرّ إلى خير، وسمي اليهود بذلك لتخليطهم، وكثرة انتقالهم من مذاهبهم، نقله النووي في (التهذيب) عن الوَاحِديّ.
وأنشد الطبري على نَصْران قول الشاعر: الطويل::
يَضَلُّ إذَا دَارَ العِشَا مُتَحَفِّنًا ** وَيُضْحِي لَدَيْهِ وَهْوَ نَصْرانُ شَامِسُ

قال سيبويه: إلا أنه لم يستعمل في الكلام إلا بياء النَّسَب.
وقال الخليل: واحد النصارى نَصْرِيّ، كمَهْرِيٍّ ومَهَارَى.
وقال الزمخشريُّ: الياء في نَصْرانِيّ للمبالغة كالتي في أحَمَرِيّ ونَصَارَى نكرةٌ، ولذلك دخلت عليه آل، ووصف بالنكرة في قول الشاعر: البسيط::
صَدَّتْ كَمَا صَدَّ عَمَّا لاَ يَحِلُّ لَهُ ** سَاقِي نَصَارى قُبَيْلَ الفِصْحِ صُوَّامِ

وقال جاءت جموع على غير ما يستعمل واحدها، وقياسه النَّصَارنيون.
وسموا بذلك نسبة إلى قرية يقال لها: نَاصِرة كان ينزلها عيسى عليه الصلاة والسلام، قاله ابن عباس، وقَتَادة، وابن جُرَيْج.
فنسب عيسى إليها، فقيل: عيسى الناصري، فلما نسب أصحابه إليه قيل: النَّصَارَى.
قال الجوهري: ونَصْران قرية بالشَّام ينسب إليها النصارَى.
أو لأنهم كانوا يتناصرون؛ قال الشاعر: الرجز::
لَمَّا رَأَيْتُ نَبَاطًا أَنْصَارَا

شَمَّرْتُ عَنْ رُكْبَتي الإِزَارَا

كُنْتُ لَهُمْ من النَّصَارَى جَارَا

وقيل: لأن عيسى عليه الصلاة والسلام قال للحواريين: {مَنْ أنصاري إِلَى الله} [آل عمران: 52].
و{الصَّابئين} الجمهور على همزة، وقرأه نافع وشيبة والزهري بياء ساكنة غير مهموزة، وعن أبي جعفر بياءين خَالِصَتَيْنِ بدل الهمزة، فمن همزه جعله من صَبَأَ نابُ البعير أي: خرج، وصبأت النجوم: طلعت.
وقال أبو علي: صَبَأَتُ على القوم إذا طَرَأْتُ عليهم.
فالصَّابئ: التَّارك لدينه، كالصَّابئ الطارئ على القوم، فإنه تارك لأرضهن ومنتقل عنها.
ومن لم يهمز فإنه يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون مأخوذا من المهموز فَأَبْدَلَ من الهمزة حرف علّة إما ياء أو واوًا، فصار من باب المنقوص مثل: قاض أو غازٍ، والأصل: صاب، ثم جمع كما يجمع القاضي أو الغازي، إلا أن سيبويه لا يرى قلب هذه الهمزة إلاَّ في الشعر، والأخفش وأبو زيد يريان ذلك مطلقًا.
الثَّاني: أنه من باب صَبَا يَصْبُو إذا مال، ولذلك كانت العرب يسمون النبي صلى الله عليه وسلم صابئًا؛ لأنه أظهر دينًا خلاف أديانهم، فالصَّابي كالغازي أصله: صَابِوُا فأعلّ كإعلال غازٍ، وأسند أبو عبيد إلى ابن عباس: ما الصَّابون إنما هي الصابئون، والخَاطُون إنما هي الخاطئون.
فقد اجتمع في قراءة نافع همز {النبيين}، وترك همز {الصابئين}.
وقد عُلم أنّ العكس فيهما أفصح.
قوله: {مَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر وَعَمِلَ صَالِحًا} آمن: صدق.
و{من} في قوله: {مَنْ آمَنَ} في موضع نصب بدل من {الَّذِينَ آمَنُوا}.
والفاء في قوله: {فَلَهُمْ} داخلة بسبب الإبهام الذي في {مَنْ}.
وقيل: في موضع رفع بالابتداء، ومعناها الشرط، و{آمن} في موضع جزم بالشرط، و{الفاء} جواب و{لَهُمْ أَجْرُهُمْ} خير {من} والجملة كلها خبر {إن}، والعائد على {الذين} محذوف تقديره: من آمن منهم بالله، وحمل الضمير على لفظ {مَنْ} فأفرد، وعلى المعنى في قوله: {فَلَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} فجمع؛ كقوله: الطويل::
أَلِمَّا بِسَلْمَى عَنْكُمَا إنْ عَرَضْتُمَا ** وقُولاَ لَهَا: عُوجِي عَلَى مَنْ تَخَلَّفُوا

وقال الفرزدق: الطويل::
تَعَالَ فِإنْ عَاهَدْتَنِي لاَ تَخْونُنِي ** نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يَا ذِئْبُ يَصْطَحِبَانِ

فراعى المعنى وقد تقدم تحقيق ذلك عند قوله: {وَمِنَ الناس مَن يَقُولُ آمَنَّا} [البقرة: 8] والأجر في الأصل مصدر يقال: أجره الله يَأْجُرُه أَجْرًا، وقد يعبر به عن نفس الشيء المُجَازَى به، والآية الكريمة تحتمل المعنيين.
والمراد بهذه العِنْدِيَّةِ أن أجرهم متيقّن جارٍ مجرى الحاصل عندهم. اهـ. باختصار.