فصل: (سورة يوسف: الآيات 21- 24)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة يوسف: الآيات 21- 24]

{وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)}

.اللغة:

(مَثْواهُ): مقامه يقال ثوى بالمكان وأثوى أقام وفلان أكرم مثواي وطال بي الثواء وهو أبو مثواي وهي أم مثواي لمن أنت نازل به قال:
أفي كل يوم أم مثوى تسوسني ** تنفّض أثوابي وتسألني ما اسسي

(أَشُدَّهُ): في الأشد ثلاثة أقوال أحدها قول سيبويه: انه جمع مفرده شدة نحو نغمة وأنعم، والثاني قول الكسائي: ان مفرده شد بوزن قفل، والثالث انه جمع لا واحد له من لفظه وهو قول أبي عبيدة وهو من الشد وهو الربط على الشيء والعقد عليه. وقال الراغب: وفيه تنبيه على أن الإنسان إذا بلغ هذا القدر يتقوّى خلقه الذي هو عليه فلا يكاد يزايله، وقيل في الأشد ثماني عشرة سنة وعشرون وثلاث، وثلاث وأربعون وقيل أقصاه ثنتان وستون.
{راوَدَتْهُ} المراودة مفاعلة من راد يرود إذا جاء وذهب كأن المعنى خادعته عن نفسه أي فعلت ما يفعل المخادع لصاحبه عن الشيء الذي لا يريد أن يخرجه من يده، يحتال أن يغلبه عليه ويأخذه منه، وهي عبارة عن التحيل لمواقعته إياها ومنه الرائد لطالب الماء والكلأ وهي مفاعلة من واحد نحو مطالبة الدائن ومماطلة المدين ومداواة الطبيب ونظائرها مما يكون من أحد الجانبين الفعل ومن الآخر سببه فإن هذه الأفعال وإن كانت صادرة عن الجانبين لكن لما كانت أسبابها صادرة عن الجانب الآخر جعلت كأنها صادرة عنهما وهذا باب لطيف المسلك مبني على اعتبار دقيق تحقيقه أن سبب الشيء يقوم مقامه ويطلق عليه اسمه كما في قولهم: كما تدين تدان أي كما تجزي تجرى فإن فعل البادي وان لم يكن جزاء لكونه سببا للجزاء أطلق عليه اسمها وكذلك إرادة القيام إلى الصلاة وارادة القرآن حيث كانتا سببا للقيام والقراءة عبر عنهما بهما فقيل إذا قمتم إلى الصلاة، فإذا قرأت القرآن وهذه قاعدة مطردة مستمرة. ويجوز أن يراد بصيغة المفاعلة مجرد المبالغة، وقيل الصيغة على بابها بمعنى أنها طلبت منه الفعل وهو طلب منها الترك، ويجوز أن تكون من الرويد وهو الرفق والتجمل وتعديتها بعن لتضمينها معنى المخادعة فالمعنى خادعه عن نفسه أي فعلت ما يفعل المخادع بصاحبه عن شيء لا يريد إخراجه من يده وهو يحتال أن يأخذه منه.
{هَيْتَ لَكَ}: اسم للفعل وفيه ضمير المخاطب كصه ومه ومسماه أسرع يقال هيت إذا دعاه، قال الشاعر:
أبلغ أمير المؤمنين ** أخا العراق إذا أتيتا

أن العراق وأهله ** سلم عليك فهيت هيتا

يريد أمير المؤمنين على بن أبي طالب وهو لازم لا يتعدى إلى مفعول كما أن مسماه كذلك وفيه ثلاث لغات هيت بالفتح وهيت بالضم وهيت بالكسر، ولك من قولك هيت لك تبيين للمخاطب جيء به بعد استغناء الكلام عنه كما كان كذلك في سقيا لك، ألا ترى أن سقيا غير محتاجة إلى لك لأن معناه سقاك اللّه سقيا وإنما جيء بلك تأكيدا وزيادة فهي في هيت لك كذلك. وقيل هيت اسم فعل ماض بمعنى تهيأت، وفي القاموس: وهيت لك مثلثة الآخر وقد يكسر أوله أي هلم، وقال العلامة الغنيمي: يحتمل أن يكون الضمير المستتر في تهيأت تقديره هي وقرئ {تهيأت} بسكون التاء وهذه حكاية لكلامها كما تقول: قال زيد واللّه ليفعلن، أي قال واللّه لأفعلن.
{مَعاذَ اللَّهِ}: هذا أحد مصادر عاذ يعوذ عوذا ومعاذا وعوذة وعياذة وعياذا ومعنى أعوذ باللّه أعتصم وأمتنع للّه من الشيطان الرجيم وينشد للراجز زيد بن عمرو بن نفيل أو لعبد المطلب:
أنفي لك اللهم عان راغم ** مهما تجشّمني فإني جاشم

عذت بما عاذ به ابراهم يريد به ابراهيم عليه السلام ومن العرب من يقول: ابراهام وكذلك قرأ ابن عامر وذلك أن ابراهيم اسم أعجمي فإذا عربته العرب فانها تخالف بين ألفاظه ومنهم من يقول إبراهم بغير ألف قال الشاعر:
نحن آل اللّه في كعبته لم ** يزل ذاك على عهد إبرهم

وعن الفراء قال: العرب تقول نعوذ باللّه من طئة الذليل أي أعوذ باللّه من أن يطأني ذليل وفي لسان العرب وطأة الذليل من استعاذته باللّه.

.الإعراب:

{وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ} عطف على محذوف أي دخلوا مصر وعرضوه للبيع فاشتراه عزيز مصر الذي كان على خزائن مصر واسمه قطفير. وقال فعل ماض والذي فاعل وجملة اشتراه صلة ومن مصر حال ولامرأته جار ومجرور متعلقان بقال وجملة أكرمي مثواه مقول القول وهي فعل وفاعل ومفعول وقد تقدم شرحها {عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} عسى من أفعال الرجاء واسمها مستتر وان وما في حيزها خبرها وقد تقدم القول فيها وأو حرف عطف ونتخذه فعل مضارع معطوف على ينفعنا والهاء مفعول به أول وولدا مفعول به ثان. {وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ} وكذلك نعت لمصدر أي مثل ذلك التمكين ومكنا فعل ماض وفاعل وليوسف متعلقان به فإن فعل مكن يتعدى بنفسه وباللام كما هنا وفي الأرض حال. {وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ} الواو عاطفة واللام للتعليل ونعلمه فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام والهاء مفعول به والجار والمجرور متعلقان بمحذوف أي ولنعلمه مكناه وقد سبق مثيله في: {ولتكملوا العدة} ومن تأويل الأحاديث متعلقان بنعلمه وأعرابها الجلال على زيادة الواو فهي متعلقة بمكنا المذكورة. {وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} واللّه مبتدأ وغالب خبر وعلى أمره جار ومجرور متعلقان بغالب والواو حالية ولكن واسمها وجملة لا يعلمون خبرها. {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} لما حينية أو رابطة وبلغ أشده فعل ماض وفاعل مستتر ومفعول به وآتيناه فعل وفاعل ومفعول به وحكما مفعول به ثان وعلما عطف عليه وكذلك نعت لمصدر محذوف ونجزي المحسنين فعل مضارع وفاعل ومفعول به. {وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ} الواو عاطفة وراودته فعل ومفعول به مقدم والتي فاعل وهو مبتدأ وفي بيتها خبر والجملة الاسمية صلة وعن نفسه جار ومجرور متعلقان براودته.
{وغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ} جمل معطوفة وتقدم اعراب هيت لك في باب اللغة واسم المرأة التي راودته زليخاء بفتح الزاي وكسر اللام. ولم يقل: وراودته زليخا أو امرأة العزيز إما لاستهجان التصريح بالاسم في حكم المراودة والاحتيال في طلب المواقعة وإما للإخفاء عن الآخرين لئلا يتهموها وإما لزيادة تقرير ثبوت المسند للمسند اليه فإن كونه في بيتها وتمكنها من مشاهدة جماله حينا فحينا مما يحقق مراودتها أو لزيادة تقرير المقصود لأن امتناعه منها مع كمال قدرتها عليه يدل على نزاهته وطهارة ذيله، وقيل اختار في الآية إذ يجوز الاشتراك في علمها وإرادة الجنس في امرأة العزيز بخلاف الموصول. {قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ} معاذ اللّه نصب على المصدر أي أعوذ باللّه معاذا وانه ربي ان واسمها وخبرها، والضمير يجوز أن يعود لطقفير الذي اشتراه ومعناه سيدي ومالكي يريد قطفير، وجملة أحسن مثواي حال ويجوز أن يعود الضمير إلى الشأن والحديث، وربي مبتدأ وجملة أحسن مثواي خبر والجملة خبر إن ويجوز أن تكون الهاء ضمير اللّه تعالى وقد استبعد بعضهم الأول وقالوا يبعد جدا أن يطلق نبي كريم على مخلوق انه ربه ولو بمعنى السيد لأنه ليس مملوكا في الحقيقة {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} إن واسمها وجملة لا يفلح الظالمون خبرها والضمير يعود للشأن هنا.
{ولَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ} اللام جواب للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق وهمت فعل ماض وهي فاعله وبه متعلقان بهمت، وهمّ فعل ماض وهو فاعله وبها متعلقان بهم ولولا حرف امتناع لوجود وأن وما في حيزها مبتدأ محذوف الخبر أي لولا رؤيته برهان ربه ماثل أمامه وجواب لولا محذوف أي لواقعها واختلف في البرهان الذي رآه، وللمفسرين فيه كلام طويل يرجع اليه في المطولات وحسبنا أن ننقل عبارة أبي حيان. قال: والذي اختاره أن يوسف عليه السلام لم يقع منه هم بها البتة بل هو منفي لوجود رؤية البرهان كما تقول: لقد قارفت لولا أن عصمك اللّه ولا تقول إن جواب لولا متقدم عليها وإن كان لا يقوم دليل على امتناع ذلك بل صريح أدوات الشرط العاملة مختلف في جواز تقديم أجوبتها عليها وقد ذهب إلى ذلك الكوفيون ومن أعلام البصريين أبو زيد الأنصاري وأبو العباس المبرد بل نقول إن جواب لولا محذوف لدلالة ما قبله عليه كما يقول جمهور البصريين في قول العرب أنت ظالم إن فعلت فيقدرونه إن فعلت فأنت ظالم ولا يدل قوله أنت ظالم على ثبوت الظلم بل هو مثبت على تقدير وجود الفعل وكذلك هنا التقدير: لولا أن رأى برهان ربه لهمّ بها فكان يوجد الهم على تقدير انتفاء رؤية البرهان لكنه وجد رؤية البرهان فانتفى الهم، وهذا كلام جيد يؤيد ما ذهبنا إليه في الاعراب فتدبره.
هذا ولا خلاف في أن يوسف عليه السلام لم يأت بالفاحشة وإنما الخلاف في وقوع الهم منه فمن المفسرين من ذهب إلى أنه همّ وقصد الفاحشة وأتى ببعض مقدماتها ولقد أفرط صاحب الكشاف في التشنيع على هؤلاء فارجع اليه. ومنهم من نزهه عن الهمّ أيضا وهو الصحيح كما تقدم في عبارة أبي حيان وللامام الرازي في تفسيره الكبير نكتة لا بأس بإيرادها قال: إن الذين لهم تعلق بهذه الواقعة هم يوسف عليه السلام والمرأة وزوجها والنسوة والشهود ورب العالمين وإبليس وكلهم قالوا ببراءة يوسف عليه السلام عن الذنب فلم يبق لمسلم توقف في هذا الباب: أما يوسف فلقوله: {هي راودتني عن نفسي} وقوله: {رب السجن أحب إلي مما يدعونني اليه}، وإما المرأة فلقولها: {ولقد راودته عن نفسه} وأما زوجها فلقوله: {انه من كيدكن ان كيدكن عظيم}، وأما النسوة فلقولهن: {امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين}، وقولهن: {حاشا للّه ما علمنا عليه من سوء} وأما الشهود فلقوله تعالى: {وشهد شاهد من أهلها} إلى آخره وأما شهادة اللّه تعالى فقوله عز من قائل: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين} وأما إقرار إبليس بذلك فلقوله: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين} فأقر إبليس بأنه لا يمكن إغواء العباد المخلصين وقد قال تعالى: {انه من عبادنا المخلصين} فقد أقر إبليس أنه لم يغوه وعند هذا نقول: هؤلاء الجهال الذين نسبوا إلى يوسف عليه السلام الفضيحة إن كانوا من أتباع دين اللّه فليقبلوا شهادة اللّه بطهارته وان كانوا من أتباع إبليس وجنوده فليقبلوا إقرار إبليس لطهارته.
{كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ} كذلك نعت لمصدر محذوف أي مثل ذلك التثبيت ثبتناه واللام متعلقة بذلك المحذوف ويصح أن تكون في محل رفع والتقدير الأمر مثل ذلك والنصب أجود وقد تقدمت نظائر لذلك والسوء مفعول به والفحشاء عطف على السوء.
{إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ} ان واسمها ومن عبادنا خبر والمخلصين صفة لعبادنا.

.البلاغة:

من مرجحات كون الاسم المسند إليه اسما موصولا تقرير الغرض المسوق له الكلام وذلك في قوله تعالى: {وراودته التي هي في بيتها عن نفسه} فإن الغرض المسوق له الكلام هو براءة يوسف عليه السلام فلو قيل راودته امرأة العزيز أو زليخا لم يفد ما أفاده الموصول باعتبار صلته فهو أدل على الغرض المسوق له وهو النزاهة لأنه إذا كان في بيتها وتمكن من نيل المراد منها أي مرادها لا مراده ومع ذلك عف عنها ولم يفعل كان ذلك غاية في النزاهة عن الفحشاء فكان في الموصول زيادة تقرير للغرض الذي هو النزاهة.
قول آخر:
وقيل: معناه زيادة تقرير المسند أي المراودة لما فيه من فرط الاختلاط والإلفة فلو قال زليخا أو امرأة العزيز لم يفد ما أفاده الموصول من ذكر السبب الذي هو قرينه في تقرير المراودة باعتبار كونه في بيتها.
قول آخر:
وقيل: هو تقرير للمسند اليه لإمكان وقوع الإبهام والاشتراك في امرأة العزيز أو زليخا ولو ذكر إحداهما ولا يتأتى ذلك في التي هو في بيتها لأنها واحدة معنية مشخصة.

.[سورة يوسف: الآيات 25- 29]

{واسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (25) قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (26) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ (29)}

.الإعراب:

{وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ} الواو عاطفة والجملة متصلة بقوله تعالى: {ولقد همت به وهمّ بها} وقوله: {كذلك لنصرف} إلخ اعتراض جيء به بين المتعاطفين تقريرا لنزاهته وبراءته والمعنى ولقد همّت به وأبى هو واستبقا إلى الباب الخارجي الذي هو المخلص ولذلك وحده بعد الجمع وحذف حرف الجر وأوصل الفعل إلى المجرور نحو وإذا كالوهم، واستبقا فعل ماض والألف فاعل والباب منصوب بنزع الخافض، وقدّت قميصه: قدّ فعل ماض وفاعله هي وقميصه مفعول به ومن دبر حال ويحتمل أن يكون {قدت} معطوفا على واستبقا، ويحتمل أن يكون حالا أي وقد قدت جذبته من خلفه بأعلى القميص من طوقه فانخرق إلى أسفله، والقد القطع والشق وأكثر استعماله فيما كان طولا. قال النابغة:
تقد السلوقي المضاعف نسجه ** وتوقد بالصفاح نار الحباحب

والقطّ يستعمل فيما كان عرضا. {وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ} وألفيا عطف على ما تقدم والألف فاعل وسيدها أي بعلها كانت تقول المرأة لبعلها يا سيدي لملكة التصرف فيها، وهي مفعول به ولدي ظرف في محل نصب مفعول به ثان. {قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ} ما اسم استفهام مبتدأ ويحتمل أن تكون ما نافية أي ليس جزاؤه إلا السجن أو العذاب الأليم، وجزاء خبر ومن مضاف إليه وجملة أراد صلة وبأهلك جار ومجرور متعلقان بأراد وسوءا مفعول به وإلا أداة حصر وان وما في حيزها بدل من جزاء أي إلا السجن ويجوز أن تكون ما نافية وجزاء مبتدأ وأن يسجن خبره وأو حرف عطف وعذاب عطف على المصدر المؤول وأليم صفة ومن يجوز فيها أن تكون موصولا أو نكرة موصوفة. {قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} قال فعل ماض وفاعله هو أي يوسف مدافعه عن نفسه معلنا براءته وهي مبتدأ وجملة راودتني خبر وعن نفسي متعلقان براودتني. {وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها} الواو عاطفة وشهد شاهد فعل وفاعل ومن أهلها صفة شاهد وهو ابن عمها وكان بصحبة زوجها.
{إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ} الشرط مقول قول محذوف أي فقال، وإن شرطية وكان قميصه كان واسمها وجملة قدّ أي شق بالبناء للمجهول خبر ومن قبل متعلقان بقدّ، فصدقت الفاء رابطة وصدقت فعل ماض والجملة جواب الشرط أي فقد ظهر صدقها، وهو الواو حالية وهو مبتدأ ومن الكاذبين خبر ولابد من تقدير قد ليصح دخول الفاء الرابطة وإلا فلو لم تقدر لم يصح دخول الفاء لأنه فعل ماض متصرف. {وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} عطف على الجملة الاولى وهي مماثلة لها في اعرابها.
{فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ} الفاء عاطفة ولما حينية أو رابطة ورأى قميصه فعل وفاعل مستتر ومفعول وجملة قدّ من دبر حالية، قال جواب لما وان واسمها وخبرها. {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} ان واسمها وخبرها. {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ} يوسف منادى محذوف منه حرف النداء وأعرض فعل أمر وفاعله أنت وعن هذا متعلقان بأعرض واستغفري فعل أمر والياء فاعله ولذنبك متعلقان باستغفري. {إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ} ان واسمها وجملة كنت خبرها ومن الخاطئين خبر كنت والجملة تعليل للاستغفار.