فصل: (سورة يوسف: الآيات 50- 53)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة يوسف: الآيات 50- 53]

{وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (52) وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)}

.اللغة:

(خَطْبُكُنَّ): شأنكن وهو في الأصل مصدر خطب يخطب وإنما يخطب في الأمور العظام وفي المختار: الخطب الأمر تقول: ما خطبك قال الأزهري أي ما أمرك وتقول هذا خطب جليل وخطب يسير وجمعه خطوب وفي القاموس والتاج: الخطب مصدر وهو الشأن يقال: ما خطبك؟ أي ما شأنك وما الذي حملك عليه، وغلب استعماله للأمر المكروه العظيم.
(حَصْحَصَ): أي ثبت واستقر وقال الخليل: حصحص معناه تبين وظهر بعد خفاء وقال بعضهم هو مأخوذ من الحصة والمعنى بانت حصة الحق من حصة الباطل كما تتميز حصص الأراضي وغيرها، وقال الراغب: حصحص الحق وذلك بانكشاف ما يغمره وحص وحصحص نحو كفّ وكفكف وحصه قطعه إما بالمباشرة وإما بالحكم والحصة القطعة من الجملة وتستعمل استعمال النصيب وفي الصحاح: هو من حصحص البعير إذا ألقى ثفناته للاناخة قال:
فحصحص في صم الصفا ثفناته ** وناء بسلمى نوءة ثم صمما

والثفنات هي ما يقع على الأرض من أعضاء البعير إذا استناخ وغلظ كالركبتين وغيرهما. وقيل هو من الحص وهو ذهاب الشعر فتبين ما تحته والحاء الثانية مبدلة من صاد ثالثة وإذا اجتمع الأمثال في مثل هذا أبدلت العرب من الحرف الأوسط حرفا من الجنس السابق ومثله حثحثت ورقرقت أصلهما حثثت ورققت هذا قول الكوفيين وقال البصريون هما لغتان تقاربتا إذ لا يبدل الحرف إلا من مثله أو من مقاربه في المخرج وهذه الحروف متباعدة لا يصح إبدالها.

.الإعراب:

{وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ} معطوف على محذوف أي لما جاءه الرسول وأخبره بتأويلها فقال الملك، وجملة ائتوني به مقول القول، فلما: الفاء عاطفة ولما حينية ظرفية أو رابطة وجاءه الرسول فعل ومفعول به مقدم وفاعل. {قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} مهّد لتأويل الحلم بسؤال النسوة ليظهر براءة ساحته مما قرف به وسجن من أجله وفي الحديث عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: «لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره واللّه يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان ولو كنت مكانه ما أخبرتهم حتى أشترط أن يخرجوني» وارجع فعل أمر وفاعله أنت والى ربك جار ومجرور متعلقان بارجع، فاسأله معطوف على ارجع والهاء مفعول به وما اسم استفهام مبتدأ وبال خبر والجملة في محل نصب مفعول اسأله المعلقة عن العمل بالاستفهام والنسوة مضاف لبال واللاتي موصول صفة وجملة قطعن أيديهن صلة. {إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} ان واسمها وبكيدهن متعلقان بعليم وعليم خبر ان. {قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ} ما اسم استفهام مبتدأ وخطبكن خبر وإذ ظرف متعلق بخطبكن لأنه في معنى الفعل والمعنى ما فعلتن وما أردتن به في ذلك الوقت وجملة راودتن في محل جر باضافة الظرف إليها وراودتن فعل وفاعل ويوسف مفعول به وعن نفسه متعلقان براودتن. {قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ} حاش تقدم القول فيها أي تنزيها له عن أن يتصف بالعجز عن خلق بشر عفيف مثل هذا وللّه بيان وما نافية وعلمنا فعل وفاعل وعليه متعلقان بعلمنا ومن حرف جر زائد وسوء مجرور لفظا بمن منصوب محلا على انه مفعول علمنا {قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} قالت امرأة العزيز فعل وفاعل والآن ظرف زمان متعلق بحصحص والحق فاعل حصحص. {أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} أنا مبتدأ وجملة راودته خبر وهي فعل وفاعل ومفعول به وعن نفسه متعلقان براودته والواو حرف عطف وان واسمها واللام المزحلقة ومن الصادقين خبر انه.
{ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ} اختلف المفسرون في قائل هذا الكلام ومن الصعب البت في الأمر أو الترجيح فلنقل القولين قال بعضهم: من كلام يوسف أي ذلك التشمر والتثبت لظهور البراءة ليعلم العزيز اني لم أخنه، قال الفراء: ولا يبعد وصل كلام انسان بكلام انسان آخر إذا دلت القرينة الصارفة لكل منهما إلى ما يليق به والاشارة إلى الحادثة الواقعة منه وهي تثبته وتأنيه. وقال آخرون هو من كلام زنيخاء والمعنى ذلك الذي قلت ليعلم يوسف اني لم أخنه ومهما يكن من أمر فذلك مبتدأ، وليعلم اللام للتعليل ويعلم مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والجار والمجرور خبر ويجوز أن يراد هذا الكلام لعموم الأحوال فذلك عندئذ خبر لمبتدأ محذوف أي فالأمر ذلك وان وما بعدها في تأويل مصدر سد مسد مفعولي يعلم وجملة لم أخنه خبر اني وبالغيب في محل نصب حال من الفاعل أو المفعول ويجوز أن يكون ظرفا أي بمكان الغيب فيعلق بأخنه وأن اللّه عطف على أني وجملة لا يهدي خبر ان وكيد الخائنين مفعول به. {وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي} الواو حالية وما نافية وأبرئ نفسي فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به وإن النفس ان واسمها واللام المزحلقة وأمارة بالسوء خبرها وإلا أداة استثناء، وما يجوز أن تكون مصدرية وموضعها النصب والتقدير إن النفس لأمارة بالسوء إلا لمن رحم ربي، وانتصابه على الظرف، ويجوز أن تكون ما بمعنى من والتقدير ان النفس لتأمر بالسوء إلا لمن رحم ربي أو إلا نفسا رحمها ربي فانها لا تأمر بالسوء. وعبارة أبي حيان: والظاهر ان إلا ما رحم ربي استثناء متصل من قوله لأمارة بالسوء لأنه أراد الجنس بقوله: إن النفس فكأنه قال: إلا النفس التي رحمها ربي فلا تأمر بالسوء فيكون استثناء من الضمير المستكن في أمارة ويجوز أن يكون مستثنى من مفعول أمارة المحذوف إذ التقدير لأمارة بالسوء صاحبها إلا الذي رحمه ربي فلا تأمره بالسوء وجوزوا أن يكون مستثنى من ظرف الزمان المفهوم عمومه من ما قبل الاستثناء وما ظرفية إذ التقدير لأمارة بالسوء مدة بقائها إلا وقت رحمة اللّه العبد وذهابه بها عن اشتهاء المعاصي وجوزوا أن يكون استثناء منقطعا وما مصدرية، وذكر ابن عطية أنه قول الجمهور أي ولكن رحمة ربي هي التي تصرف الاساءة. {إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} ان واسمها وخبراها.

.البلاغة:

رجح البلاغيون أن يكون الكلام {ذلك ليعلم...} من قول زليخا، لأنه أقرب إلى المقام وأليق بمقام الغزل حيث يفدي المحب من يحب بنفسه، ألا ترى انه عند ما استحكمت المحنة وبلغت النهاية فدته بنفسها فقالت: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} وتقربت إلى قلبه بقولها {ذلك ليعلم اني لم أخنه بالغيب} وما أحسن قول كثير وقد رمق سماء هذا المعنى في التقرب إلى المحبوب وخلب قلبه بهذا التلطف:
يود بأن يمسي عليلا لعلها ** إذا سمعت شكواه يوما تراسله

ويهتز للمعروف في طلب العلا ** لتحمد يوما عند ليلى شمائله

ويثبت ذلك أيضا قولها للنسوة اللواتي سمعت بمكرهن: {فذلكن الذي لمتنني فيه} غير مكترثة لما فضحنها به. وقد رمق هذه السماء العالية أيضا جميل بن معمر الخزاعي فقال:
وما ذا عسى الواشون أن يتحدثوا ** سوى أن يقولوا: إنني لك عاشق

أجل صدق الواشون أنت حبيبة ** إليّ وإن لم تصف منك الخلائق

وقد رواهما صاحب الأغاني لمجنون بني عامر.
وقال عمرو بن ضبيعة الرقاشي أحد بني رقاش وهم منسوبون إلى أمهم:
ألا ليقل من شاء ما شاء إنما ** يلام الفتى فيما استطاع من الأمر

قضى اللّه حب المالكية فاصطبر ** عليه فقد تجري الأمور على قدر

وقد رمق أبو العتاهية بيتي جميل فقال:
قال لي أحمد ولم يدر ما بي ** أتحب الغداة عتبة حقا

فتنفست ثم قلت نعم حبـْ **-با جرى في العروق عرقا فعرقا

ولقد أربى عليه بهذا التنفس الذي تتبعه كل نفس لطيفة.

.الفوائد:

الآن:
الآن ظرف من ظروف الزمان معناه الزمن الحاضر وهو مبني على الفتح وفي علة بنائه اشكال فذهب قوم إلى أنه بني لأنه وقع في أول أحواله معرفة بالألف واللام وحكم الاسماء أن تكون منكورة شائعة في الجنس ثم يدخل عليها ما يعرفها من إضافة وألف ولام فلما خالفت أخواتها من الاسماء بأن وقعت معرفة بأول أحوالها ولزمت موضعا واحدا بنيت لذلك لأن لزومها بهذا الموضع ألحقها بشبه الحروف وهذا رأي أبي العباس المبرد وشايعه الزمخشري وغيره وقال الفراأ أصله آن من آن الشيء يئين إذا أنى وقته يقال آن لك أن تفعل كذا وأنى لك قال عمرو بن حسان:
تمخضت المنون له بيوم ** أنى ولكل حاملة تمام

وآن فعل ماض فلما أدخل عليه الألف واللام ترك على ما كان عليه من الفتح كما جاء في الحديث أنه صلى اللّه عليه وسلم نهى عن قيل وقال وقيل وقال فعلان ماضيان فأدخل الخافض عليهما وتركهما على ما كانا عليه وهناك تعليلات أخرى ضربنا عنها صفحا لأنه لا طائل تحتها.

.[سورة يوسف: الآيات 54- 57]

{وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (57)}

.الإعراب:

{وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} عطف على ما تقدم وقال الملك فعل وفاعل وجملة ائتوني به مقول القول واستخلصه فعل مضارع مجزوم لأنه وقع جوابا للأمر والاستخلاص خلوص الشيء من سوائب الشركة وقال ذلك لما كان يوسف نفيسا وعادة الملوك أن يجعلوا الأشياء النفيسة خالصة لهم دون غيرهم. {فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ} الفاء عاطفة على محذوف يمكن تقديره بما تتساوق معه مجريات القصة وحوادثها أي فجاء الرسول يوسف وقال أجب الملك فقام مودعا أهل السجن داعيا لهم لأنه كان مثابتهم وموضع ثقتهم ثم لبس ثيابه ودخل على الملك فلما... إلخ، ولما ظرفية حينية أو رابطة وكلمه فعل وفاعل مستتر ومفعول به وجملة قال جواب لما لا محل لها وان واسمها والظرف متعلق بمحذوف حال ولدينا متعلق بمكين ومكين خبر إن وأمين خبر ثان. {قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} اجعلني فعل أمر والنون للوقاية والفاعل مستتر تقديره أنت والياء مفعول به وعلى خزائن الأرض جار ومجرور متعلقان بالمفعول الثاني أي قيما على خزائن الأرض وان واسمها وحفيظ خبرها وعليم خبرها الثاني. {وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ} وكذلك نعت لمصدر محذوف أي ومثل ذلك التمكين الظاهر مكنا ليوسف ومكنا فعل وفاعل واللام متعلقة بمكنا ومفعول مكنا محذوف أي الأمور وفي الأرض حال وجملة يتبوأ جملة حالية من يوسف ومنها جار ومجرور متعلقان بيتبوأ وحيث ظرف ليتبوأ أو مفعول به له وجملة يشاء في محل جر بإضافة الظرف إليها ولابد من الاشارة إلى تتمة القصة التي اقتضى سياق الكلام حذفها أي فولاه مكان العزيز ثم هلك قطفير عزيز مصر فزوج الملك يوسف امرأة العزيز بعد هلاكه وكانت مفاجأة تجمع بين المتعة والدهشة حين دخل عليها يوسف وقال لها: أليس هذا خيرا مما تريدين قالت أيها الصديق لا تلمني فإني كنت امرأة غريرة حسناء بلهاء وكان صاحبي لا يأتي النساء وكنت بالمثابة التي أنت عليها من الوسامة والجمال فغلبتني نفسي وعصمك اللّه إلى آخر تلك القصة الرائعة التي استوفت جميع عناصر القصة ثم استولى على مقاليد الأمور ودان له القريب والبعيد. {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} الجملة استئنافية مسوقة إلى التصرف العادل الذي اختص اللّه تعالى به نفسه ونصيب فعل مضارع مرفوع والفاعل نحن وبرحمتنا متعلقان بنصيبو من مفعول به وجملة نشاء صلة ولا نضيع عطف على نصيب وأجر المحسنين مفعول به. {وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ} اللام لام الابتداء وأجر مبتدأ والآخرة مضاف إليه وخير خبر أجر وللذين متعلقان بخير وجملة آمنوا صلة وكانوا كان واسمها وجملة يتقون خبرها.

.الفوائد:

نسج أرباب السير حوادث حول هذه القصة الرائعة من نسج للخيال ولفّقوا روايات يبدو عليها البطلان لتفاهتها وركاكتها أو لا حالتها ومنافاتها للعقل فعلى المرء أن يمحص تلك الروايات البادية التلفيق ويشجب الأخذ بها والتوريك على نقلة هذه الزيادات بالبهت وذلك شأن المبطلة من كل طائفة.

.[سورة يوسف: الآيات 58- 62]

{وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58) وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ (60) قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ (61) وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62)}

.الإعراب:

{وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ} الكلام معطوف على كلام سابق يفهم من سياق القصة أي أصابت يعقوب وأولاده ضائقة وهم في فلسطين فقال لهم يعقوب بلغني أن بمصر ملكا صالحا يبيع الطعام فتجهزوا إليه واقصدوه لتشتروا ما نحن بحاجة إليه من الطعام فخرجوا حتى قدموا مصر... إلى آخر القصة. وجاء إخوة يوسف فعل وفاعل ولم ينصرف يوسف للعلمية والعجمة، فدخلوا عليه عطف على جاء أخوة يوسف. {فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} الفاء عاطفة وعرفهم فعل وفاعل مستتر ومفعول به والواو للحال وهم مبتدأ وله متعلقان بمنكرون ومنكرون خبر أي لم يعرفوه لطول العهد. {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ} الواو عاطفة والكلام معطوف على مقدر يفهم من سياق الحوار أي لما وصلوا إليه قال لهم لعلكم جئتم عيونا تنظرون عورة بلادي قالوا معاذ اللّه نحن قوم من أهل الشام رعاة أصابنا الجهد فجئنا نمتار فاستوضح منهم عن أمرهم فقال نحن أخوة بنو أب واحد وهو شيخ صديق نبي اسمه يعقوب وكنا اثني عشر فهلك منا واحد قال أنتم الآن عشرة فأين الأخ الحادي عشر قالوا هو عند أبيه يتسلى به من الهالك لأنه شقيقه قال فأتوني به أي بأخيكم الذي من أبيكم إن كنتم صادقين واتركوا أحدكم عندي رهينة حتى تأتوني به... إلى آخره، ولما حينية أو رابطة وجهزهم فعل وفاعل مستتر ومفعول به وبجهازهم متعلقان بجهزهم وقال جملة لا محل لها لأنها جواب لما وجملة ائتوني مقول القول وهو فعل أمر وفاعل ومفعول به وبأخ جار ومجرور متعلقان به ولكم صفة لأخ ومن أبيكم صفة ثانية.
{أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} الهمزة للاستفهام ولا نافية وترون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل وأن وما بعدها سدت مسد مفعولي ترون وجملة أو في الكيل خبر ان والواو عاطفة وأنا مبتدأ وخير المنزلين خبر أي وأنا للضيف خير المضيفين.
{فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ} الفاء عاطفة وان شرطية ولم حرف نفي وقلب وجزم وتأتوني مجزوم بلم وهو فعل الشرط والفاء رابطة ولا نافية للجنس وكيل اسمها ولكم خبرها وعندي طرف متعلق بمحذوف حال والواو عاطفة ولا ناهية وتقربون فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون وهذه النون نون الوقاية وحذفت ياء المتكلم تخفيفا ويحتمل أن تكون لا نافية وتقربون مجزوم نسقا على محل قوله فلا كيل لكم وهو الجزم لأنه جواب الشرط كأنه قيل فإن لم تأتوني تحرموا ولا تقربوا. {قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ} جملة سنراود مقول القول وعنه متعلقان بنراود وقد تقدمت معاني المراودة قريبا فجدد به عهدا وأباه مفعول به وإنا من عطف الجمل وان واسمها واللام المزحلقة وفاعلون خبر إنا. {وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ} لفتيانه متعلقان بقال وجملة اجعلوا مقول القول وبضاعتهم مفعول به وفي رحالهم في موضع المفعول الثاني وقد اختلف في معنى جعل البضاعة في الرحال وأقرب الأقوال انه أراد حملهم على الرجوع اليه أن يعرفوها إذا رجعوا إلى أهلهم فتحملهم على الرجوع وهو يعلم أن ديانتهم لا تحل لهم إمساكها فيرجعون لأجلها. {لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} لعل واسمها وجملة يعرفونها خبر لعل وإذا ظرف لما يستقبل من الزمن وجملة انقلبوا مضافة للظرف والجواب محذوف أي فلعلهم يرجعون والى أهلهم جار ومجرور متعلقان بانقلبوا ولعل واسمها وجملة يرجعون خبرها.