فصل: قال الإمام أبو البقاء العكبري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الإمام أبو البقاء العكبري:

سورة يوسف عليه السلام:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى {تلك آيات الكتاب} قد ذكر في أول يونس قوله تعالى {قرآنا} فيه وجهان أحدهما أنه توطئة للحال التي هي عربيا والثاني أنه حال وهو مصدر في موضع المفعول أي مجموعا أو مجتمعا وعربي صفة له على رأي من يصف الصفة أو حال من الضمير الذي في المصدر على رأي من قال يحتمل الضمير إذا وقع موقع ما يحتمل الضمير.
قوله تعالى {أحسن} ينتصب انتصاب المصدر بما أوحينا ما مصدرية وهذا مفعول أوحينا القرآن نعت له أو بيان ويجوز في العربية جره على البدل من ما ورفعه على إضمار هو والباء متعلقة بنقص ويجوز أن يكون حالا من أحسن والهاء في قبله ترجع على القرآن أو على هذا أو على الايحاء.
قوله تعالى {إذ قال} أي إذكر إذ وفي يوسف ست لغات ضم السين وفتحها وكسرها بغير همز فيهن وبالهمز فيهن ومثله يونس {يا أبت} يقرأ بكسر التاء والتاء فيه زائدة عوضا من ياء المتكلم وهذا في النداء خاصة وكسرت التاء لتدل على الياء المحذوفة ولا يجمع بينهما لئلا يجمع بين العوض والمعوض ويقرأ بفتحها وفيه ثلاثة أوجه أحدها أنه حذف التاء التي هي عوض من الياء كما تحذف تاء طلحة في الترخيم وزيدت بدلها تاء أخرى وحركت بحركة ما قبلها كما قالوا يا طلحة أقبل بالفتح والثاني أنه أبدل من الكسرة فتحة كما يبدل من الياء ألف والثالث أنه أراد يا ابتا كما جاء في الشعر:
يا ابتا علك أو عساك

فحذفت اللف تخفيفا وقد أجاز بعضهم ضم التاء لشبهها بتاء التأنيث فأما الوقف على هذا الاسم فبالتاء عند قوم لأنها ليست للتأنيث فيبقى لفظها دليلا على المحذوف وبالهاء عند آخرين شبهوها بهاء التأنيث وقيل الهال بدل من الألف المبدلة من الياء وقيل هي زائدة لبيان الحركة وأحد عشر بفتح العين على الأصل وبإسكانها على التخفيف فرارا من توالي الحركات وايذانا بشدة الامتزاج وكرر رأيت تفخيما لطول الكلام وجعل الضمير على لفظ المذكر لأنه وصفه بصفات من يعقل من السباحة والسجود ولذلك جمع الصفة جمع السلامة وساجدين حال لأن الرؤية من رؤية العين.
قوله تعالى {رؤياك} الأصل الهمز وعليه الجمهور وقرئ بواو مكان الهمز لانضمام ما قبلها ومن العرب من يدغم فيقول رياك فأجري المخففة مجرى الأصلية ومنهم من يكسر الراء لتناسب الياء فيكيدوا جواب النهي كيدا فيه وجهان أحدهما هو مفعول به والمعنى فيضعون لك أمرا يكيدك وهو مصدر في موضع الاسم ومنه قوله تعالى {فأجمعوا كيدكم} أي ما تكيدون به فعلى هذا يكون في اللام وجهان أحدهما هي بمعنى من أجلك والثاني هي صفة قدمت فصارت حالا والوجه الاخر أن يكون مصدرا مؤكدا وعلى هذا في اللام ثلاثة أوجه منها الاثنان الماضيان والثالث أن تكون زائدة لأن هذا الفعل يتعدى بنفسه ومنه {فإن كان لكم كيد فكيدون} ونظير زيادتها هنا {ردف لكم}.
قوله تعالى {وكذلك} الكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف أي اجتباء مثل ذلك ابراهيم واسحاق بدلان من أبويك.
قوله تعالى {آيات} يقرأ على الجمع لأن كل خصلة مما جرى آية ويقرأ على الافراد لأن جميعها يجري مجرى الشيء الواحد وقيل وضع الواحد موضع الجمع وقد ذكرنا أصل الآية في البقرة.
قوله تعالى {أرضا} ظرف لاطرحوه وليس بمفعول به لأن طرح لا يتعدى إلى اثنين وقيل هو مفعول ثان لأن اطرحوه بمعنى أنزلوه وأنت تقول أنزلت زيدا الدار.
قوله تعالى {غيابة الجب} يقرأ بألف بعد الياء وتخفيف الباء وهو الموضع الذي يخفى من فيه ويقرأ على الجمع اما أن يكون جمعها بما حولها كما قال الشاعر:
يزل الغلام الخف عن صهواته

أو أن يكون في الجب مواضع على ذلك وفيه قراءات أخر ظاهرة لم نطل بذكرها يلتقطه الجمهور على الياء حملا على لفظ بعض ويقرأ بالتاء حملا على المعنى إذ بعض السيارة سيارة ومنه قولهم ذهبت بعض أصابعه.
قوله تعالى {لا تأمنا} في موضع الحال والجمهور على الاشارة إلى ضمة النون الأولى فمنهم من يختلس الضمة بحيث يدركها السمع ومنهم من يدل عليها بضم الشفة فلا يدركها السمع ومنهم من يدغمها من غير اشمام وفي الشاذ من يظهر النون وهو القياس.
قوله تعالى {نرتع} الجمهور على أن العين آخر الفعل وماضيه رتع فمنهم من يسكنها على الجواب ومنهم من يضمها على أن تكون حالا مقدرة ومنهم من يقرؤها بالنون ومنهم من يقرؤها بالياء ويقرأ نرتع بكسر العين وهو يفتعل من رعى أي ترعى ما شيتنا أو نأكل نحن.
قوله تعالى {يأكله الذئب} الأصل في الذئب الهمز وهو من قولهم تذأبت الريح أسذا جاءت من كل وجه كما أن الذئب كذلك ويقرأ بالياء على التخفيف.
قوله تعالى {ونحن عصبة} الجملة حال وقرئ في الشاذ {عصبة} بالنصب وهو بعيد ووجهه أن يكون حذف الخبر ونصب هذا على الحال أي ونحن نتعصب أو نجتمع عصبة.
قوله تعالى {فلما ذهبوا} جواب لما محذوف تقديره عرفناه أو نحو ذلك وعلى قول الكوفيين الجواب أوحينا والوأو زائدة وأجمعوا يجوز أن يكون حالا معه قد مرادة وأن يكون معطوفا.
قوله تعالى {عشاء} فيه وجهان أحدهما هو ظرف أي وقت العشاء ويبكون حال والثاني أن يكون جمع عاش كقائم وقيام ويقرأ بضم العين والأصل عشاة مثل غاز وغزاة فحذفت الهاء وزيدت الألف عوضا منها ثم قلبت الألف همزة وفيه كلام قد ذكرناه في آل عمران عند قوله سبحانه {أو كانوا غزا} ويجوز أن يكون جمع فاعل على فعال كما جمع فعيل على فعال لقرب ما بين الكسر والضم ويجوز أن يكون كنؤام ورباب وهو شاذ.
قوله تعالى {على قميصه} في موضع نصب حالا من الدم لأن التقدير جاءوا بدم كذب على قميصه وكذب بمعنى ذي كذب ويقرأ في الشاذ بالدال والكذب النقط الخارجة على أطراف الاحداث فشبه الدم اللاصق على القميص بها وقيل الكذب الطري فصبر جميل أي فشأني فحذف المبتدأ وان شئت كان المحذوف الخبر أي فلى أو عندي.
قوله تعالى {بشراي} يقرأ بياء مفتوحة بعد اللف مثل عصاي وإنما فتحت الياء من أجل اللف ويقرأ بغير ياء وعلى الألف ضمة مقدرة لأنه منادى مقصور ويجوز أن يكون منصوبا مثل قوله {يا حسرة على العباد} ويقرأ {بشرى} بياء مشددة من غير ألف وقد ذكر في قوله تعالى {هدى} البقرة والمعنى يا بشارة احضري فهذا أوانك أسروه الفاعل ضمير الاخوة وقيل السيارة وبضاعة حال.
قوله تعالى {بخس} مصدر في موضع المفعول أي مبخوس أو ذي بخس و{دراهم} بدل من ثمن {وكانوا فيه من الزاهدين} قد ذكر مثله في قوله {وإنه في الاخرة لمن الصالحين} في البقرة {ونكون عليها من الشاهدين} في المائدة.
قوله تعالى {من مصر} يجوز أن يكون متعلقا بالفعل كقولك اشتريت من بغداد أي فيها أو بها ويجوز أن يكون حالا من الذي أو من الضمير في اشترى فيتعلق بمحذوف ولنعلمه اللام متعلقة بمحذوف أي ولنعلمه مكناه وقد ذكر مثله في قوله تعالى وغيره والهاء في أمره يجوز أن تعود على الله عز وجل وأن تعود على يوسف.
قوله تعالى {هيت لك} فيه قراءات إحداها فتح الهاء والتاء وياء بينهما والثانية كذلك الا أنه بكسر التاء والثالثة كذلك الا أنه بضمها وهي لغات فيها والكلمة اسم للفعل فمنهم من يقول هو خبر معناه تهيأت وبنى كما بنى شتان ومنهم من يقول هو اسم للأمر أي أقبل وهلم فمن فتح طلب الخفة ومن كسر فعلى التقاء الساكنين مثل جير ومنهم من ضم شبهه بحيث واللام على هذا للتبيين مثل التي في قولهم سقيا لك والقراءة الرابعة بكسر الهاء وهمزة ساكنة وضم التاء وهو على هذا فعل من هاء يهاء مثل شاء يشاء ويهيء مثل فاء يفيء والمعنى تهيأت لك أو خلقت ذا هيئة لك واللام متعلقة بالفعل والقراءة الخامسة هيئت لك وهي غريبة والسادسة بكسر الهاء وسكون الهمزة وفتح التاء والاشبه أن تكون الهمزة بدلا من الياء أو تكون لغة في الكلمة التي هي اسم للفعل وليست فعلا لأن ذلك يوجب أن يكون الخطاب ليوسف عليه السلام وهو فاسد لوجهين أحدهما أنه لم يتهيأ لها وإنما هي تهيأت له والثاني أنه قال لك ولو أراد الخطاب لكان هئت لي قال معإذ الله هو منصوب على المصدر يقال عذت به عوذا وعيإذا وعيإذة وعوذة ومعإذا انه الهاء ضمير الشأن والجملة بعده الخبر.
قوله تعالى {لولا أن} رأى جواب لولا محذوف تقديره لهم بها والوقف على هذا ولقد همت به والمعنى أنه لم يهم بها وقيل التقدير لولا أن رأى البرهان لواقع المعصية كذلك في موضع رفع اي الامر كذلك وقيل في موضع نصب أي نراعيه كذلك واللام في لنصرف متعلقة بالمحذوف والمخلصين بكسر اللام أي المخلصين أعمالهم وبفتحها أي أخلصهم الله لطاعته.
قوله تعالى {من دبر} الجمهور على الجر والتنوين وقرئ في الشواذ بثلاث ضمات من غير تنوين وهو مبني على الضم لأنه قطع عن الاضافة والأصل من دبره وقبله ثم فعل فيه ما فعل في قبل وبعد وهو ضعيف لأن الاضافة لا تلزمه كما تلزم الظروف المبنية لقطعها عن الاضافة.
قوله تعالى {يوسف أعرض} الجمهور على ضم الفاء والتقدير يا يوسف وقرأ الاعمش بالفتح والاشبه أن أخرجه على أصل المنادى كما جاء في الشعر:
يا عديا لقد وقتك الاواقي

وقيل لم تضبط هذه القراءة عن الاعمش والاشبه أن يكون وقف على الكلمة ثم وصل وأجرى الوصل مجرى الوقف فألقى حركة الهمزة على الفاء وحذفها فصار اللفظ بها يوسف أعرض وهذا كما حكى الله أكبر أشهد بالوصل والفتح وقرئ في الشاذ أيضا بضم الفاء وأعرض على لفظ الماضي وفيه ضعف لقوله واستغفري وكان الاشبه أن يكون بالفاء فاستغفري.
قوله تعالى {نسوة} يقرأ بكسر النون وضمها وهما لغتان وألف ألفتى منقلبة عن ياء لقولهم فتيان وألفتوة شاذ قد شغفها يقرأ بالغين وهو من شغاف القلب وهو غلافه والمعنى أنه أصاب شغاف قلبها وأن حبه صار محتويا على قلبها كاحتواء الشغاف عليه ويقرأ بالعين وهو من قولك فلان مشغوف بكذا أي مغرم به ومولع وحبا تمييز والأصل قد شغفها حبه والجملة مستأنفة ويجوز أن يكون حالا من الضمير في تراود أو من الفتى.
قوله تعالى {وأعتدت} هو من العتاد وهو الشيء المهيأ للأمر متكأ الجمهور على تشديد التاء والهمز من غير مد وأصل الكلمة موتكأ لأنه من توكأت ويراد به المجلس الذي يتكأ فيه فأبدلت الوأو تاء وأدغمت وقرئ شاذا بالمد والهمز والألف فيه ناشئة عن إشباع الفتحة ويقرأ بالتنوين من غير همز والوجه فيه أنه أبدل الهمزة ألفا ثم حذفها للتنوين وقال ابن جني يجوز أن يكون من أوكيت السقاء فتكون اللف بدلا من الياء ووزنه مفتعل من ذلك ويقرأ بتخفيف التاء من غير همز ويقال المتك الاترج حاشى لله يقرأ بألفين وهو الأصل والجمهور على أنه هنا فعل وقد صرف منه أحاشي وايد ذلك دخول اللام على اسم الله تعالى ولو كان حرف جر لما دخل على حرف جر وفاعله مضمر تقديره حاشى يوسف أي بعد من المعصية بخوف الله وأصل الكلمة من حاشيت الشيء فحاشا صار في حاشية أي ناحية ويقرأ بغير ألف بعد الشين حذفت تخفيفا واتبع في ذلك المصحف وحسن ذلك كثرة استعمالها وقرئ شاذا {حشا لله} بغير ألف بعد الحاء وهو مخفف منه وقال بعضهم هي حرف جر واللام زائدة وهو ضعيف لأن موضع مثل هذا ضرورة الشعر ما هذا بشرا يقرأ بفتح الباء أي انسانا بل هو ملك ويقرأ بكسر الباء من الشراء أي لم يحصل هذا بثمن ويجوز أن يكون مصدرا في موضع المفعول أي بمشترى وعلى هذا قرئ بكسر اللام في {ملك}.
قوله تعالى {رب السجن} يقرأ بكسر السين وضم النون وهو مبتدأ وأحب خبره والمراد المحبس والتقدير سكنى السجن ويقرأ بفتح السين على أنه مصدر ويقرأ رب بضم الباء من غير ياء والسجن بكسر السين والجر على الاضافة أي صاحب السجن والتقدير لقاؤه أو مقاساته.
قوله تعالى {بدا لهم} في فاعل بدا ثلاثة أوجه أحدها هو محذوف وليسجننه قام مقامه أي بدا لهم السجن فحذف وأقيمت الجملة مقامه وليست الجملة فاعلا لأن الجمل لا تكون كذلك والثاني أن الفاعل مضمر وهو مصدر بدا أي بدا لهم بداء فأضمر والثالث أن الفاعل ما دل عليه الكلام أي بدا لهم رأى أي فأضمر أيضا وحتى متعلقة بيسجننه والله أعلم.
قوله تعالى {ودخل معه السجن} الجمهور على كسر السين وقرئ بفتحها والتقدير موضع السجن أو في السجن وقال مستأنف لأنه لم يقل ذلك المنام حال دخوله ولا هو حال مقدرة لأن الدخول لا يؤدي إلى المنام فوق رأسي ظرف لأحمل ويجوز أن يكون حالا من الخبر وتأكل صفة له.
قوله تعالى {أم الله الواحد} {أم} هنا متصلة سميتموها يتعدى إلى مفعولين وقد حذف الثاني أي سميتموها آلهة وأسماء هنا بمعنى مسميات أو ذوي أسماء لأن الاسم لا يعبد أمر الا يجوز أن يكون مستأنفا وأن يكون حالا وقد معه مرادة وهو ضعيف لضعف العامل فيه.
قوله تعالى {منهما} يجوز أن يكون صفة لناج وأن يكون حالا من الذي ولا يكون متعلقا بناج لأنه ليس المعنى عليه.