فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور} فقال: جبل نزلوا بأصله فَرُفِعَ فوقهم، فقال: لتأخذن أمري أو لأرمينكم.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: الطور الجبل الذي أنزلت عليه التوراة، وكان بنو إسرائيل أسفل منه.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: الطور ما أنبت من الجبال، وما لم ينبت فليس بطور.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: الطور الجبل بالسريانية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: النبط يسمون الجبل الطور.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {خذوا ما آتيناكم بقوّة} قال: بجد.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية {واذكروا ما فيه} يقول: اقرأوا ما في التوراة واعملوا به.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس في قوله: {لعلكم تتقون} قال: لعلكم تنزعون عما أنتم عليه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه}.
وفي الآية الأخرى مما بعد: {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا} للسائل أن يقول: إن الخطاب في الآيتين لبنى إسرائيل وهم المخبر عنهم بما بعد والمقول لهم: {خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون} وهو بأعيانهم المقول لهم في الآية بعد: {واسمعوا}، فما وجه تخصيص كل من الآيتين بما أعقبت به؟ وهل كان يمكن تعقيب الأولى بقوله: {واسمعوا} وتعقيب الثانية بقوله: {واذكروا ما فيه} الآية؟
والجواب: أنه لا يناسب كل آية منهما إلا ما به أعقبت، ووجه ذلك أن الآية الأولى تقدم قبلها قوله تعالى: {وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان} والكتاب: التوراة وقد سمعوه وعنه قيل وإليه أشير بقوله تعالى: {خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه}، وقد زاد هذا إيضاحا قوله في سورة الأعراف: {وإذ نتقنا فوقهم الجبل كأنه ظلة وظنوا أنهم واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة} والإشارة بالقوة إلى عظيم تخويفهم برفع الجبل فوقهم كالظلة فقوله تعالى: {خذوا ما آتيناكم} عقب ذكر كتابهم أوضح شيء وأنسبه ولما تقدم قبل الآية الثانية قوله تعالى: {ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم} وهذا الكتاب هو الكتاب العزيز واليه الإشارة بقوله: {وإذ قيل لهم آمنوا بما أنزل الله} بدليل قولهم- حيدة عن إيمانهم: {نؤمن بما أنزل علينا} قال تعالى: {ويكفرون بما وراءه} أى يكفرون بالقرآن، قال تعالى: {وهو الحق} والاشارة للقرآن: {مصدقا لما معهم} أى من التوراة فلما تقدم هنا ذكر القرآن وخلف يهود المعاصرون لرسول الله صلى الله عليه وسلم معرضون الا القليل عن الإيمان وسماع القرآن فناسب إعراضهم عن سماعه تخصيصه هذا الموضع من المقول لسلفهم بقوله للخلف: {واسمعوا} ليكون إخبارا عن سلفهم وتعريضا لخلفهم، فوضح التناسب وأن العكس لا يناسب. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)}.
أخذ سبحانه ميثاقَ جميع المُكَلَّفِين، ولكنَّ قومًا أجابوا طوعًا لأنه تعرَّف إليهم فوَحَّدوه وقومًا أجابوه كرهًا لأنه ستر عليهم فجحدوه، ولا حُجَّة أقوى من عيان ما رفع فوقهم من الطور- وهو الجبل- ولكن عَدِموا نورَ البصيرة، فلا ينفعهم عيانُ البصر. اهـ.

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ}.
قال ابن عرفة: الواو إما عاطفة، والعامل فيه {اذْكُرُوا} المتقدم أو استئناف والعامل فيه {اذكروا} مقدر.
والَّذي قرره المفسرون عند قول الله عز وجلّ: {خُذُواْ مَا ءَاتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ} الآية.
وقدر الفخر ابن الخطيب وجه مناسبتها لما قبلها بأنها نعمة.
قال ابن عرفة: الصواب أنها وعظ، لأن قبلها {إنَّ الذين ءَامَنُواْ والذين هَادُواْ} إلى آخره، وهو وعظ ونعمة لجميع الملل.
ولما كانت بنو إسرائيل أقرب الناس إلى الإيمان والاتباع لوجهين: إما لأن ملّتهم أقدم من ملة النّصارى، وإما لأنهم كانوا أكثر أهل المدينة، فإيمانهم سبب في إيمان غيرهم وتعنتهم وفرارهم سبب في امتناع غيرهم أكّد ذلك بإعادة الوعظ لهم بخصوصيتهم في هذه الآية، ولذلك كررت قصّتهم في القرآن في غير ما سورة أكثر مما تكرر غيرها من القصص.
وقوله تعالى: {مِيثَاقَكُمْ} إما أن يريد ميثاق آبائكم، أو المراد المخاطبون الموحدون حين ما أنالوه، والمراد الجميع لأن أخذ الميثاق كان على آبائهم، وعلى من يأتي بعدهم من ذريتهم إلى قيام الساعة.
وضعف الثاني بقوله: {وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطور}.
وأجاب ابن عرفة: بأنّ المراد رفعنا فوق آبائكم وفوقكم.
قال أبو حيان: حال من الطور.
وضعف كونه حالا من الضمير في {رفعنا} لما يلزم عليه من إيهام كون الرافع في مكان.
فإن قلت: الفوقية تستلزم الرفع؟ قلنا: قد يكون إنسان فوق آخر بمقدار قامة فيقال رفعته عليه إذا علوت به عليه مقدار قامتين.
قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا}.
قال ابن عرفة: إما حال، أي أخذنا ميثاقكم في هذه الحالة أو المراد أخذنا عليكم الميثاق فلم تقبلوا، فرفعنا فوقكم الطور.
كما قال المفسرون في سبب نزول الآية.
قال ابن عطية: خلق الله وقت سجودهم الإيمان في قلوبهم، لأنهم آمنوا كرها وقلوبهم غير مطمئنة.
قال ابن عرفة: المذهب لاعتبار الإيمان الجبري، ولذا يجبر الكفار على الإيمان ويقاتلون عليه بالسيف، وإنّما تعتبر النية والإرادة في الثواب والقبول المرتب عليه، وكما قالوا في الزكاة: إنها تؤخذ من أربابها جبرا.
قال ابن عطية: الإيمان المتفق عليه الذي لا شبهة فيه ولا ريبة وليس قصده الإيمان المخرج من عهدة التكليف.
قوله تعالى: {واذكروا مَا فِيهِ}.
ابن عطية: أي تدبروه ولا تنسوه، وامتثلوا أوامره ووعيده.
قال ابن عرفة: أو اذكروه لغيركم وعلموه له.
قيل لابن عرفة: لا يناسب أن يعلل هذا بالتّقوى، فإنه قد يكون المعلم غير متَّقٍ لله؟
فقال: قد يكون تذكيره لغيره سببا في انزجاره هو، وتذكيره في نفسه. اهـ.

.من فوائد أبي حيان في الآية:

قال رحمه الله:
{وإذ أخذنا ميثاقكم}: هذا هو الإنعام العاشر، لأنه إنما أخذ ميثاقهم لمصلحتهم، وتقدّم الكلام في لفظة الميثاق في قوله تعالى: {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه} والميثاق: ما أودعه الله تعالى العقول من الدلائل على وجوده وقدرته وحكمته وصدق أنبيائه ورسله، أو المأخوذ على ذرية آدم في قوله: {ألست بربكم قالوا بلى}، أو إلزام الناس متابعة الأنبياء، أو الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، أو العهد منهم ليعملنّ بما في التوراة، فلما جاء موسى قرأوا ما فيها من التثقيل فامتنعوا من أخذها، أو قوله: {لا تعبدون إلا الله} أقوال ستة.
قال القفال: قال ميثاقكم ولم يقل مواثيقكم، لأنه أراد ميثاق كل واحد منكم، كقوله: {ثم يخرجكم طفلًا} أو لأن ما أخذه على واحد منهم، أخذه على غيره، فكان ميثاقًا واحدًا، ولو جمع لاحتمل التغاير.
انتهى كلامه ملخصًا.
{ورفعنا فوقكم الطور}: سبب رفعه امتناعهم من دخول الأرض المقدّسة، أو من السجود، أو من أخذ التوراة والتزمها.
أقوال ثلاثة.
روي أن موسى لما جاء إلى بني إسرائيل من عند الله بالألواح فيها التوراة قال لهم: خذوها والتزموها، فقالوا: لا، إلا أن يكلمنا الله بها، كما كلمك، فصعقوا ثم أحيوا.
فقال لهم: خذوها، فقالوا: لا.
فأمر الله تعالى الملائكة فاقتلعت جبلًا من جبال فلسطين طوله فرسخ في مثله، وكذلك كان عسكرهم، فجعل عليهم مثل الظلة، وأخرج الله تعالى البحر من ورائهم، وأضرم نارًا بين أيديهم، فاحتاط بهم غضبه، فقيل لهم: خذوها وعليكم الميثاق أن لا تضيعوها، وإلا سقط عليكم الجبل، وغرقكم البحر، وأحرقتكم النار، فسجدوا توبة لله، وأخذوا التوراة بالميثاق، وسجدوا على شق لأنهم كانوا يرقبون الجبل خوفًا.
فلما رحمهم الله قالوا: لا سجدة أفضل من سجدة تقبلها الله ورحم بها، فأمروا سجودهم على شق واحد.
وذكر الثعلبي أن ارتفاع الجبل فوق رءوسهم كان مقدار قامة الرجل، ولم تدل الآية على هذا السجود الذي ذكر في هذه القصة.
والواو في قوله: ورفعنا، واو العطف: على تفسير ابن عباس، لأن أخذ الميثاق كان متقدّمًا، فلما نقضوه بالامتناع من قبول الكتاب رفع عليهم الطور.
وأما على تفسير أبي مسلم: فإنها واو الحال، أي إن أخذ الميثاق كان في حال رفع الطور فوقهم، نحو قوله تعالى: {ونادى نوح ابنه وكان في معزل} أي وقد كان في معزل.
{خذوا ما آتيناكم}: هو على إضمار القول، أي: وقلنا لكم خذوا ما آتيناكم.
وقال بعض الكوفيين: لا يحتاج إلى إضمار قول، لأن أخذ الميثاق هو قول، والمعنى: وإذا أخذنا ميثاقكم بأن خذوا ما آتيناكم، وما موصول، والعائد عليه محذوف، أي: ما آتيناكموه، ويعني به الكتاب.
يدل على ذلك قوله: {واذكروا ما فيه}، وقرئ: {ما آتيتكم}، وهو شبه التفات، لأنه خرج من ضمير المعظم نفسه إلى غيره.
ومعنى قوله: {بقوة} بجدّ واجتهاد، قاله ابن عباس وقتادة والسدّي، أو بعمل، قاله مجاهد؛ أو بصدق وحق، قاله ابن زيد؛ أو بقبول، قاله ابن بحر؛ أو بطاعة، قاله أبو العالية والربيع؛ أو بنية وإخلاص، أو بكثرة درس ودراية؛ أو بجدّ وعزيمة ورغبة وعمل؛ أو بقدرة.
والقوة: القدرة والاستطاعة.
وهذه الأقوال كلها متقاربة المعنى، والباء للحال أو الاستعانة.
{واذكروا ما فيه}.
قرأ الجمهور: به أمرًا من ذكر، وقرأ أبيّ: واذكروا ما فيه: أمرًا من اذكر، وأصله: وإذتكروا، ثم أبدل من التاء دال، ثم أدغم الذال في الدال، إذ أكثر الإدغام يستحيل فيه الأول إلى الثاني، ويجوز في هذا أن يستحيل الثاني إلى الأول، ويدغم فيه الأول فيقال: اذكر، ويجوز الإظهار فتقول: إذ ذكر.
وقرأ ابن مسعود: تذكروا، على أنه مضارع انجزم على جواب الأمر الذي هو خذوا.
فعلى القراءتين قيل: هذا يكون أمرًا بالادكار، وعلى هذه القراءة يكون الذكر مترتبًا على حصول الأخذ بقوة، أي أن تأخذوا بقوّة تذكروا ما فيه.
وذكر الزمخشري أنه قرئ: {وتذكروا} أمرًا من التذكر، ولا يبعد عندي أن تكون هذه القراءة هي قراءة ابن مسعود، ووهم الذي نقلناه من كتابه تذكروا في إسقاط الواو، والذي فيه هو ما تضمنه من الثواب، قاله ابن عباس؛ أو احفظوا ما فيه ولا تنسوه وادرسوه، قاله الزجاج؛ أو ما فيه من أمر الله ونهيه وصفة محمد صلى الله عليه وسلم، أو اتعظوا به لتنجوا من الهلاك في الدنيا والعذاب في العقبى.
والذكر: قد يكون اللسان، وقد يكون بالقلب على ما سبق، وقد يكون بهما.
فباللسان معناه: ادرسوا، وبالقلب معناه: تدبروا، وبهما معناه: ادرسوا ألفاظه وتدبروا معانيه.
أو أريد بالذكر: ثمرته، وهو العمل، فمعناه: اعملوا بما فيه من الأحكام والشرائع.
والضمير في فيه يعود على ما.
وقال في المنتخب: لا يحمل على نفس الذكر، لأن الذكر الذي هو ضدّ النسيان من فعل الله تعالى، فكيف يجوز الأمر به؟. انتهى.
{لعلكم تتقون}: أي رجاء أن يحصل لكم التقوى بذكر ما فيه.
وقيل: معناه لعلكم تنزعون عما أنتم فيه.
والذي يفهم من سياق الكلام أنهم امتثلوا الأمر وفعلوا مقتضاه، يدل على ذلك: {ثم توليتم من بعد ذلك}.
فهذا يدل على القبول والالتزام لما أمروا به.
وفي بعض القصص أنهم قالوا، لما زال الجبل: يا موسى، سمعنا وأطعنا، ولولا الجبل ما أطعناك.
وفي بعض القصص: فآمنوا كرهًا، وظاهر هذا الإلجاء.
والمختار عند أهل العلم أن الله تعالى خلق لهم الإيمان والطاعة في قلوبهم وقت السجود، حتى كان إيمانهم طوعًا لا كرهًا. اهـ.