فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا أقسامًا تغني عن قول كل قائل؛ روى عوف ابن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الرؤيا ثلاثة منها أهاويل الشيطان ليُحزِن ابن آدم ومنها ما يهتم به في يقظته فيراه في منامه ومنها جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوّة» قال قلت: سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السادسة:
قوله تعالى: {قَالَ يا بني لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ على إِخْوَتِكَ} الآية.
الرؤيا مصدر رأى في المنام، رؤيا على وزن فُعلى كالسُّقْيا والبُشْرى؛ وألفه للتأنيث ولذلك لم ينصرف.
وقد اختلف العلماء في حقيقة الرؤيا؛ فقيل: هي إدراكٌ في أجزاء لم تحلّها آفة، كالنوم المستغرق وغيره؛ ولهذا أكثر ما تكون الرؤيا في آخر الليل لقلة غلبة النوم؛ فيخلق الله تعالى للرائي علمًا ناشِئًا، ويخلق له الذي يراه على ما يراه ليصح الإدراك، قال ابن العربيّ: ولا يرى في المنام إلا ما يصح إدراكه في اليقظة، ولذلك لا يرى في المنام شخصًا قائمًا قاعدًا بحال، وإنما يرى الجائزات المعتادات.
وقيل: إن لله ملَكًا يعرض المرئيات على المحل المدرِك من النائم، فيمثل له صورًا محسوسة؛ فتارة تكون تلك الصور أمثلة موافقة لما يقع في الوُجُود، وتارة تكون لمعاني معقولة غير محسوسة، وفي الحالتين تكون مُبشّرةً أو مُنذرة؛ قال صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم وغيره: «رأيتُ امرأة سوداء ثائرةَ الرأسِ تَخرج من المدينة إلى مَهْيَعة فأوّلتها الحُمَّى» و «رأيت سيفي قد انقطع صدرُه وبَقَرًا تُنْحَر فأولتُهما رجلٌ من أهل بيتي يُقتل والبقر نفر من أصحابي يُقتلون» و «رأيت أني أدخلت يدي في دِرعٍ حصِينة فأولتها المدينة ورأيت في يديّ سُوَارين فأولتُهما كذابيّن يَخرجان بعدي» إلى غير ذلك مما ضربتْ له الأمثال؛ ومنها ما يظهر معناه أوّلًا (فأولا)، ومنها ما لا يظهر إلا بعد التفكر؛ وقد رأى النائم في زمن يوسف عليه السلام بقرًا فأولها يوسف السنين، ورأى أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر فأولها بإخوته وأبويه.
السابعة:
إن قيل: إن يوسف عليه السلام كان صغيرًا وقت رؤياه، والصغير لا حكم لفعله، فكيف تكون له رؤيا لها حكم حتى يقول له أبوه: {لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إخْوَتِكَ}؟ فالجواب أن الرؤيا إدراك حقيقةٍ على ما قدّمناه، فتكون من الصغير كما يكون منه الإدراك الحقيقي في اليقظة، وإذا أخبر عما رأى صدق، فكذلك إذا أخبر عما يرى في المنام؛ وقد أخبر الله سبحانه عن رؤياه وأنها وُجدت كما رأى فلا اعتراض؛ روي أن يوسف عليه السلام كان ابن اثنتي عشرة سنة.
الثامنة:
هذه الآية أصل في ألا تقص الرؤيا على غير شفيق ولا ناصح، ولا على من لا يحسن التأويل فيها.
روى أبو رَزِين العُقَيليّ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الرؤيا جزء من أربعين جزءًا من النبوّة» و «الرؤيا معلقة برجل طائر ما لم يحدّث بها صاحبها فإذا حدّث بها وقعت فلا تحدّثوا بها إلا عاقلًا أو مُحِبًا أو ناصحًا» أخرجه الترمذيّ وقال فيه: حديث حسن صحيح؛ وأبو رَزِين اسمه لَقِيط بن عامر.
وقيل لمالك: أيعبر الرؤيا كلّ أحد؟ فقال: أَبِالنبوّة يُلعب؟ وقال مالك: لا يعبّر الرؤيا إلا من يحسنها، فإن رأى خيرًا أخبر به، وإن رأى مكروهًا فليقل خيرًا أو ليصمت؛ قيل: فهل يعبّرها على الخير وهي عنده على المكروه لقول من قال إنها على ما تأوّلت عليه؟ فقال: لا ثم قال: الرؤيا جزء من النبوّة فلا يتلاعب بالنبوّة.
التاسعة:
وفي هذه الآية دليل على أن مباحًا أن يحذّر المسلم أخاه المسلم ممن يخافه عليه، ولا يكون داخلًا في معنى الغِيبة؛ لأن يعقوب عليه السلام قد حذّر يوسف أن يقص رؤياه على إخوته فيكيدوا له كيدًا، وفيها أيضًا ما يدلّ على جواز ترك إظهار النعمة عند من تخشى غائلته حسدًا وكيدًا؛ وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «استعينوا على (إنجاح) حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود» وفيها أيضًا دليل واضح على معرفة يعقوب عليه السلام بتأويل الرؤيا؛ فإنه علم من تأويلها أنه سيظهر عليهم، ولم يبال بذلك من نفسه؛ فإن الرجل يودّ أن يكون ولده خيرًا منه، والأخ لا يود ذلك لأخيه.
ويدلّ أيضًا على أن يعقوب عليه السلام كان أحسّ من بنيه حسد يوسف وبغضه؛ فنهاه عن قصص الرؤيا عليهم خوف أن تَغِلّ بذلك صدورهم، فيعملوا الحيلة في هلاكه؛ ومن هذا ومن فعلهم بيوسف يدلّ على أنهم كانوا غير أنبياء في ذلك الوقت، ووقع في كتاب الطبريّ لابن زيد أنهم كانوا أنبياء، وهذا يرده القطع بعصمة الأنبياء عن الحسد الدنيويّ، وعن عقوق الآباء، وتعريض مؤمن للهلاك، والتآمر في قتله، ولا التفات لقول من قال إنهم كانوا أنبياء، ولا يستحيل في العقل زلّة نبيّ، إلا أن هذه الزلّة قد جمعت أنواعًا من الكبائر، وقد أجمع المسلمون على عصمتهم منها، وإنما اختلفوا في الصغائر على ما تقدّم ويأتي.
العاشرة:
روى البخاريّ عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لم يبق من النبوّة إلا المبشِّرات قالوا: وما المبشِّرات؟ قال: الرؤيا الصالحة» وهذا الحديث بظاهره يدلّ على أن الرؤيا بشرى على الإطلاق وليس كذلك؛ فإن الرؤيا الصادقة قد تكون منذرة من قِبل الله تعالى لا تسر رائيها، وإنما يريها الله تعالى المؤمن رفقًا به ورحمة، ليستعد لنزول البلاء قبل وقوعه؛ فإن أدرك تأوّلها بنفسه، وإلا سأل عنها من له أهلية ذلك.
وقد رأى الشافعي رضي الله عنه وهو بمصر رؤيا لأحمد بن حَنْبل تدلّ على محنته فكتب إليه بذلك ليستعد لذلك، وقد تقدّم في يونس في تفسير قوله تعالى: {لَهُمُ البشرى فِي الحياة الدنيا} [يونس: 64] أنها الرؤيا الصالحة. وهذا وحديث البخاريّ مخرجه على الأغلب، والله أعلم.
الحادية عشرة:
روى البخاريّ عن أبي سَلَمة قال: لقد كنت أرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت أبا قَتَادة يقول: وأنا كنت لأرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الرؤيا الحسنة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدّث به إلا من يحب وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها وليتفل ثلاث مرات ولا يحدّث بها أحدًا فإنها لن تضره» قال علماؤنا: فجعل الله الاستعاذة منها مما يرفع أذاها؛ ألا ترى قول أبي قَتَادة: إني كنت لأرى الرؤيا هي أثقل عليّ من الجبل، فلما سمعت بهذا الحديث كنت لا أعدها شيئًا.
وزاد مسلم من رواية جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثًا وليتعوّذ بالله من الشيطان ثلاثًا وليتحوّل عن جنبه الذي كان عليه» وفي حديث أبي هُريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل» قال علماؤنا: وهذا كله ليس بمتعارض، وإنما هذا الأمر بالتحوّل، والصلاة زيادة، فعلى الرائي أن يفعل الجميع، والقيام إلى الصلاة يشمل الجميع؛ لأنه إذا صلى تضمن فعله للصلاة جميع تلك الأمور؛ لأنه إذا قام إلى الصلاة تحوّل عن جنبه، وإذا تمضمض تَفَل وبَصَق، وإذا قام إلى الصلاة تعوّذ ودعا وتضرع لله تعالى في أن يكفيه شرها في حال هي أقرب الأحوال إلى الإجابة، وذلك السَحَر من الليل.
قوله تعالى: {وكذلك يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ}.
الكاف في موضع نصب؛ لأنها نعت لمصدر محذوف، وكذلك الكاف في قوله: {كَمَا أَتَمَّهَا على أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ} وما كافّة. وقيل: {وَكَذَلِكَ} أي كما أكرمك بالرؤيا فكذلك يجتبيك، ويحسن إليك بتحقيق الرؤيا. قال مقاتل: بالسجود لك. الحسن: بالنبوّة. والاجتباء اختيار معالي الأمور للمجْتَبَى، وأصله من جَبَيْتُ الشيء أي حصّلته، ومنه جبيت الماء في الحوض؛ قاله النحاس.
وهذا ثناءٌ من الله تعالى على يوسف عليه السلام، وتعديد فيما عدده عليه من النعم التي أتاه الله تعالى؛ من التمكين في الأرض، وتعليم تأويل الأحاديث؛ وأجمعوا أن ذلك في تأويل الرؤيا.
قال عبد الله بن شدّاد بن الهاد: كان تفسير رؤيا يوسف صلى الله عليه وسلم بعد أربعين سنة؛ وذلك منتهى الرؤيا.
وعَنَى بالأحاديث ما يراه الناس في المنام، وهي معجزةٌ له؛ فإنه لم يلحقه فيها خطأ.
وكان يوسف عليه السلام أعلم الناس بتأويلها، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم نحو ذلك، وكان الصدّيق رضي الله عنه من أعبر الناس لها، وحَصَل لابن سيرين فيها التقدُّم العظيم، والطبع والإحسان، ونحوه أو قريب منه كان سعيد بن المسيّب فيما ذكروا.
وقد قيل في تأويل قوله: {وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأحاديث} أي أحاديث الأمم والكتب ودلائل التوحيد، فهو إشارة إلى النبوّة، وهو المقصود بقوله: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} أي بالنبوّة.
وقيل: بإخراج إخوتك إليك؛ وقيل: بإنجائك من كل مكروه.
{كَمَا أَتَمَّهَا على أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ} بالخلة، وإنجائه من النار.
{وَإِسْحَاقَ} بالنبوّة.
وقيل: من الذبح؛ قاله عِكرمة.
وأعلمه الله تعالى بقوله: {وعلى آلِ يَعْقُوبَ} أنه سيعطي بني يعقوب كلهم النبوّة؛ قاله جماعة من المفسرين.
{إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ} بِما يعطيك.
{حَكِيمٌ} في فعله بك. اهـ.

.قال الخازن:

{إذ قال يوسف لأبيه} أي اذكر يا محمد لقومك قول يوسف لأبيه يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلى الله عليه وعليهم أجمعين عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم» ويوسف اسم عبري ولذلك لا يجري فيه الصرف وقيل هو عربي سئل أبو الحسن الأقطع عن يوسف فقال الأسف أشد الحزن والأسيف العبد واجتمعا في يوسف فسمي به: {يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} معناه قال أهل التفسير: رأى يوسف في منامه كأن أحد عشر كوكبًا نزلت من السماء ومعها الشمس والقمر فسجدوا له وكانت هذه الرؤيا ليلة الجمعة وكانت ليلة القدر وكان النجوم في التأويل إخوته وكانوا أحد عشر رجلًا يستضاء بهم كما يستضاء بالنجوم والشمس أبوه والقمر أمه في قول قتادة، وقال السدي: القمر خالته لأن أمه راحيل كانت قد ماتت.
وقال قتادة وابن جريج: القمر أبوه والشمس أمه لأن الشمس مؤنثة والقمر مذكر وكان يوسف عليه السلام ابن اثنتي عشرة سنة، وقيل: سبع عشرة سنة وقيل سبع سنين وأراد بالسجود تواضعهم له ودخولهم تحت أمره وقيل أراد به حقيقة السجود لأنه كان في ذلك الزمان التحية فيما بينهم السجود.
فإن قلت: إن الكواكب جماد لا تعقل فكيف عبر عنها بكناية من يعقل في قوله رأيتهم ولم يقل رأيتها وقوله: ساجدين ولم يقل ساجدات.
قلت: لما أخبرنا عنها بفعل من يعقل وهو السجود كنى عنها بكناية من يعقل فهو كقوله: {يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم} وقيل إن الفلاسفة والمنجمين يزعمون أن الكواكب أحياء نواطق حساسة فيجوز أن يعبر عنها بكناية من يعقل وهذا القول ليس بشيء والأول أصح فإن قلت قد قال: {إني رأيت أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر} ثم أعاد لفظ الرؤيا ثانيًا فقال: {رأيتهم لي ساجدين} فما فائدة هذا التكرار.
قلت: معنى الرؤيا الأولى أنه رأى أجرام الكواكب والشمس والقمر ومعنى الرؤيا الثانية أنه أخبر بسجودها له وقال بعضهم.
معناه أنه لمَّا قال: {إني رأيت أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر} فكأنه قيل له: وكيف رأيت؟ قال: {رأيتهم لي ساجدين} وإنما أفرد الشمس والقمر بالذكر وإن كانا من جملة الكواكب للدلالة على فضلهما وشرفهما على سائر الكواكب قال أهل التفسير: إن يعقوب كان شديد الحب ليوسف فحسده إخوته لهذا السبب وظهر ذلك ليعقوب، فلما رأى يوسف هذه الرؤيا وكان تأويلها أن إخوته وأبويه يخضعون له فلهذا: {قال} يعقوب: {يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك} يعني لا تخبرهم برؤياك فإنهم يعرفون تأوليها: {فيكيدوا لك كيدًا} أي: فيحتالوا في إهلاكك فأمره بكتمان رؤياه عن إخوته لأن رؤيا الأنبياء وحي وحق واللام في فيكيدوا لك كيدًا تأكيدًا للصلة كقولك: نصحتك ونصحت لك وشكرتك وشكرت لك: {إن الشيطان للإنسان عدو مبين} يعني أنه بيّن العداوة، لأن عداوته قديمة فهم إن أقدموا على الكيد كان ذلك مضافًا إلى تزيين الشيطان ووسوسته عن أبي قتادة قال: كنت أرى الرؤيا تمرضني حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله: «الرؤيا الصالحة من الله والرؤيا السوء من الشيطان فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث بها إلا من يحب وإذا رأى أحدكم ما يكره فليتفل عن يساره ثلاثًا وليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم وشرها فإنها لن تضره».
عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنها من الله فليحمد الله عليها وليحدِّث بها وإذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنما هي من الشيطان فليستعذ بالله من الشيطان ومن شرِّها ولا يذكرها لأحد فإنها لن تضره» عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثًا وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاثًا وليتحول عن جنبه الذي كان عليه» عن أبي رزين العقيلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رؤيا المؤمن جزء من أربعين وفي رواية جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة وهي على رجل طائر ما لم يحدث بها فإذا حدث بها سقطت قال وأحسبه قال ولا يحدث بها إلا لبيبًا أو حبيبًا» أخرجه الترمذي، ولأبي داود نحوه قال الشيخ محيي الدين النووي قال المازري مذهب أهل السنة في حقيقة الرؤيا أن الله تعالى يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان وهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء لا يمنعه نوم ولا يقظة فإذا خلق هذه الاعتقادات فكأنه جعلها علمًا على أمور أخر يجعلها في ثاني الحال والجميع خلق الله تعالى ولكن يخلق الرؤيا والاعتقادات التي يجعلها علمًا على ما سر بغير حضرة الشيطان فإذا خلق ما هو علم على ما يضر يكون بحضرة الشيطان فينسب إلى الشيطان مجازًا وإن كان لا فعل له في الحقيقة فهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا من الله والحلم من الشيطان» لا على أن الشيطان يفعل شيئًا والرؤيا اسم للمحبوب والحلم اسم للمكروه، وقال غيره: إضافة الرؤيا المحبوبة إلى الله تعالى إضافة تشريف بخلاف الرؤيا المكروهة وإن كانتا جميعًا من خلق الله وتدبيره وإرادته ولا فعل للشيطان فيها ولكنه يحضر المكروهة ويرتضيها فيستحب إذا رأى الرجل في منامه ما يحب أن يحدث به من يحب وإذا رأى ما يكره فلا يحدث به وليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومن شرها وليتفل ثلاثًا وليتحول إلى جنبه الآخر فإنها لا تضره فإن الله تعالى جعل هذه الأسباب سببًا لسلامته من المكروه كما جعل الصدقة سببًا لوقاية المال وغيره من البلاء والله أعلم.
قوله تعالى: {وكذلك يجتبيك ربك} يعني يقول يعقوب ليوسف أي وكما رفع منزلتك بهذه الرؤيا الشريفة العظيمة كذلك يجتبيك ربك يعني يصطفيك ربك واجتباء الله تعالى العبد تخصيصه إياه بفيض إلهي تحصل له منه أنواع الكرامات بلا سعي من العبد وذلك مختص بالأنبياء أو ببعض من يقاربهم من الصديقين والشهداء والصالحين: {ويعلمك من تأويل الأحاديث} يعني به تعبير الرؤيا سمي تأويلًا لأنه يؤول أمره إلى ما رأى في منامه، يعني يعلمك تأويل أحاديث الناس فيما يرونه في منامهم وكان يوسف عليه السلام أعلم الناس بتعبير الرؤيا.
وقال الزجاج: تأويل أحاديث الأنبياء والأمم السالفة والكتب المنزلة.
وقال ابن زيد: يعلمك العلم والحكمة: {ويتم نعمته عليك} يعني بالنبوة، قاله ابن عباس لأن منصب النبوة أعلى من جميع المناصب وكل الخلق دون درجة الأنبياء فهذا من إتمام النعمة عليهم، لأن جميع الخلق دونهم في الرتب والمناصب: {وعلى آل يعقوب} المراد بآل يعقوب أولاده فإنهم كانوا أنبياء وهو المراد من إتمام النعمة عليهم: {كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق} بأن جعلهما نبيين وهو المراد من إتمام النعمة عليهما وقيل: المراد من إتمام النعمة على إبراهيم صلى الله عليه وسلم بأن خلصه الله من النار واتخذه خليلًا والمراد من إتمام النعمة على الأصح بأن إتمام النعمة عليهما بالنبوة لأنه لا أعظم من منصب النبوة فهو من أعظم النعم على العبد: {إن ربك عليم} يعني بمصالح خلقه: {حكيم} يعني أنه تعالى لا يفعل شيئًا إلا بحكمة، وقيل: إنه تعالى حكم بوضع النبوة في بيت إبراهيم صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس كان بين رؤيا يوسف هذه وبين تحقيقها بمصر واجتماعه بأبواه وإخوته أربعون سنة وهذا قول أكثر المفسرين، وقال الحسن البصري: كان بينهما ثمانون سنة فلما بلغت هذه الرؤيا إخوة يوسف حسدوه وقالوا ما رضي أن يسجد له إخوته حتى يسجد له أبواه. اهـ.