فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الأستاذ ابن خلدون: حقيقة الرؤيا مطالعة النفس الناطقة في ذاتها الروحانية لمحة من صور الواقعات. فإنها عندما تكون روحانية تكون صور الواقعات فيها موجودة بالفعل، كما هو شأن الذوات الروحانية كلها، وتصير روحانية بأن تتجرد عن المواد الجسمانية، والمدارك البدنية. وقد يقع لها ذلك لمحة بسبب النوم، كما نذكر، فتقتبس بها علم ما تتشوف إليه من الأمور المستقبلة، وتعود به إلى مداركها. فإن كان ذلك الاقتباس ضعيفًا، وغير جلي بالمحاكاة والمثال في الخيال لتخلطه؛ فيحتاج من أجل هذه المحاكاة إلى التعبير، وقد يكون الاقتباس قويًا يستغنى فيه عن المحاكاة، فلا يحتاج إلى تعبير لخلوصه من المثال والخيال، والسبب في وقوع هذه اللمحة للنفس؛ أنها ذات روحانية بالقوة، مستكملة بالبدن ومداركه، حتى تصير ذاتها تعقلًا محضًا ويكمل وجودها بالفعل، فتكون حينئذ ذاتًا روحانية مدركة بغير شيء من الآلات البدنية، إلا أن نوعها من الروحانيات دون نوع الملائكة أهل الأفق الأعلى، على الذين لم يستكملوا ذواتهم بشيء من مدارك البدن ولا غيره، فهذا الاستعداد حاصل لها ما دامت في البدن. ومنه خاص كالذي للأولياء. ومنه عام للبشر على العموم، وهو أمر الرؤيا. وأما الذي للأنبياء فهو استعداد بالانسلاخ من البشرية إلى الملكية المحضة التي هي أعلى الروحانيات. ويخرج هذا الاستعداد فيهم متكررًا في حالات الوحي، وهي عندما يعرج على المدارك البدنية، ويقع فيها ما يقع من الإدراك، شبيهًا بحال النوم شبهًا بينًا، وإن كان حال النوم أدون منه بكثير، فلأجل هذا الشبه عبر الشارع عن الرؤيا بأنها «جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة» وفي رواية «ثلاثة وأربعين»، وفي رواية «سبعين» وليس العدد في جميعها مقصودًا بالذات، وإنما المراد الكثرة في تفاوت هذه المراتب، بدليل ذكر السبعين في بعض طرقه، وهو للتكثير عند العرب، وما ذهب إليه بعضهم في رواية «ستة وأربعين» من أن الوحي كان في مبتدئه بالرؤيا ستة أشهر، وهي نصف سنة ومدة النبوة كلها بمكة والمدنية ثلاث وعشرون سنة، فنصف السنة منها جزء من ستة وأربعين؛ فكلام بعيد من التحقيق؛ لأنه إنما وقع ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، ومن أين لنا أن هذه المدة وقعت لغيره من الأنبياء؟ مع أن ذلك إنما يعطي نسبة زمن الرؤيا من زمن النبوة، ولا يعطي نسبة حقيقتها من حقيقة النبوة. وإذا تبين لك هذا مما ذكرناه أولًا، علمت أن معنى هذا الجزء نسبة الاستعداد الأول الشامل للبشر، إلى الاستعداد القريب الخاص بصنف الأنبياء الفطري لهم، صلوات الله عليهم؛ إذ هو الاستعداد البعيد، وإن كان عامًا في البشر، ومعه عوائق وموانع كثيرة من حصوله بالفعل. ومن أعظم تلك الموانع الحواس الظاهرة، ففطر الله البشر على ارتفاع حجاب الحواس بالنوم، الذي هو جبلي لهم، فتتعرض النفس عند ارتفاعه إلى معرفة ما تتشوف إليه في عالم الحق، فتدرك بعض الأحيان منه لمحة يكون فيها الظفر بالمطلوب. ولذلك جعلها الشارع من المبشرات، فقال: «لم يبق من النبوة إلا المبشرات» قالوا: وما المبشرات يا رسول الله، قال: «الرؤيا الصالحة، يراها الرجل الصالح، أو ترى له».
وأما السبب ارتفاع حجاب الحواس بالنوم، فعلى ما أصفها لك: وذلك أن النفس الناطقة إنما إدراكها وأفعالها بالروح الحيواني الجسماني، وهو بخار لطيف، مركزه بالتجويف الأيسر من القلب- على ما في كتب التشريح لجالينوس وغيره- وينبعث مع الدم في الشريانات والعروق فيعطي الحس والحركة، وسائر الأفعال البدنية، ويرتفع لطيفه إلى الدماغ، فيعدل من برده، وتتم أفعال القوى التي في بطونه. فالنفس الناطقة إنما تدرك وتعقل بهذا الروح البخاري، وهي متعلقة به، لما اقتضته حكمة التكوين في أن اللطيف لا يؤثر في الكثيف. ولما لطف هذا الروح الحيواني من بين المواد البدنية، صار محلًا لآثار الذات المباينة له في جسمانيته، وهي النفس الناطقة، وصارت آثارها حاصلة في البدن بواسطته.
وقد كنا قدمنا أن إدراكها على نوعين: إدراك بالظاهر وهو بالحواس الخمس، وإدراك بالباطن وهو بالقوى الدماغية. وأن هذا الإدراك كله صرف لها عن إدراكها ما فوقها من ذواتها الروحانية، التي هي مستعدة له بالفطرة. ولما كانت الحواس الظاهرة جسمانية، كانت معرضة للوسن والفشل، بما يدركها من التعب والكلال، وتغشى الروح بكثرة التصرف، فخلق الله لها طلب الاستجمام، لتجرد الإدراك على الصورة الكاملة. وإنما يكون ذلك بانخناس الروح الحيواني من الحواس الظاهرة كلها، ورجوعه إلى الحس الباطن. ويعين على ذلك ما يغشى البدن من البرد بالليل، فتطلب الحرارة الغريزية أعماق البدن، وتذهب من ظاهره إلى باطنه، فتكون مشيعة مركبها، وهو الروح الحيواني إلى الباطن. ولذلك كان النوم للبشر في الغالب إنما هو بالليل، فإذا انخنس الروح عن الحواس الظاهرة، ورجع إلى القوى الباطنة، وخفت عن النفس شواغل الحس وموانعه، ورجعت إلى الصورة التي في الحافظة؛ تمثل منها بالتركيب والتحليل صورة خيالية، وأكثر ما تكون معتادة، لأنها منتزعة من المدركات المتعاهدة قريبًا. ثم ينزلها الحسن المشترك، الذي هو جامع الحواس الظاهرة، فيدركها على أنحاء الحواس الخمس الظاهرة.
وربما التفتت النفس لفتة إلى ذاتها الروحانية، مع منازعتها القوى الباطنية، فتدرك بإدراكها الروحاني؛ لأنها مفطورة عليه، وتقتبس من صور الأشياء التي صارت متعلقة في ذاتها حينئذ، ثم يأخذ الخيال تلك الصور المدركة، فيمثلها بالحقيقة أو المحاكاة في القوالب المعهودة. والمحاكاة من هذه هي المحتاجة للتعبير، وتصرفها بالتركيب والتحليل في صور الحافظة، قبل أن تدرك من تلك اللمحة ما تدركه هي أضغاث أحلام.
وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الرؤيا ثلاث: رؤيا من الله، ورؤيا من الملك، ورؤيا من الشيطان» وهذا التفصيل مطابق لما ذكرناه، فالجلي من الله، والمحاكاة الداعية إلى التعبير من الملك، وأضغاث الأحلام من الشيطان؛ لأنها كلها باطل، والشيطان ينبوع الباطل.
هذه حقيقة الرؤيا، وما يسببها ويشيعها من النوم، وهي خواص للنفس الإنسانية، موجودة في البشر على العموم، لا يخلو عنها أحد منهم، بل كل واحد من الإنسان رأى في نومه ما صدر له في يقظته مرارًا غير واحدة، وحصل له القطع أنى النفس مدركة للغيب في النوم، ولابد. وإذا جاز ذلك في عالم النوم، فلا يمتنع في غيره من الأحوال؛ لأن الذات المدركة واحدة، وخواصها عامة في كل حال. انتهى.
وذكر رحمه الله عند بحث علم تعبير الرؤيا أن التعبير لها كان موجودًا في السلف، كما هو في الخلف، وأن يوسف الصديق، صلوات الله عليه، كان يعبر الرؤيا، كما وقع في القرآن، وكذلك ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر رضي الله عنه، والرؤيا مدرك من مدارك الغيب كما تقدم. وأما معنى التعبير فاعلم أن الروح العقلي، إذا أدرك مدركه، وألقاه إلى الخيال فصوره، فإنما يصوره في الصور المناسبة لذلك المعنى بعض الشيء. ومن المرئي ما يكون صريحًا لا يفتقر إلى تعبير لجلائها ووضوحها، أو لقرب الشبه فيها بين المدرك وشبهه. وللبحث تتمة سابغة، انظرها ثمة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{إذ قال} بدل اشتمال أو بَعْض من: {أحْسَن القصص} [سورة يوسف: 3] على أن يكون أحسن القصص بمعنى المفعول، فإنّ أحسن القصص يشتمل على قصَص كثير، منه قَصص زمان قول يوسفَ عليه السّلام لأبيه: {إني رأيت أحَدَ عَشَرَ كوكبًا} وما عقب قوله ذلك من الحوادث.
فإذا حمل: {أحسن القصص} [سورة يوسف: 3] على المصدر فالأحسن أن يكون {إذْ} منصوبًا بفعل محذوف يدلّ عليه المقام، والتّقدير: اذْكر.
ويُوسف اسم عبراني تقدم ذكر اسمه عند قوله تعالى: {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه} إلخ في سورة الأنعام (83). وهو يوسف بن يعقوب بن إسحاق من زوجه (راحِيل). وهو أحد الأسباط الذين تقدم ذكرهم في سورة البقرة. وكان يوسف أحب أبناء يعقوب عليهما السّلام إليه وكان فَرْط محبة أبيه إياه سَببَ غيرة إخوته منه فكادُوا له مكيدة فسألوا أباهم أن يتركه يخرج معهم.
فأخرجوه معهم بعلّة اللعب والتفسح، وألقَوْهُ في جبّ، وأخبروا أباهم أنّهم فقدوه، وأنهم وجدوا قميصه ملوّثًا بالدّم، وأروه قميصه بعد أن لطّخوه بدم، والتقطه من البئر سيارة من العرب الإسماعيليين كانوا سائرين في طريقهم إلى مصر، وباعوه كرقيق في سوق عاصمة مصر السفلى التي كانت يومئذٍ في حكم أمّة من الكنعانيين يعرفون بالعمالقة أو (الهكْصوص).
وذلك في زمن الملك (أبو فيس) أو (ابيبي).
ويقرب أن يكون ذلك في حدود سنة تسع وعشرين وسبعمائة وألف قبل المسيح عليه السّلام، فاشتراه (فوطيفار) رئيس شرطة فرعون الملقّبُ في القرآن بالعزيز، أي رئيس المدينة.
وحدثت مكيدة له من زوج سيّده ألقي بسببها في السجن.
وبسبب رؤيا رآها الملِكُ وعَبّرها يوسف عليه السّلام وهو في السِجن، قَرّبه الملك إليه زُلفى، وأولاه على جميع أرض مصر، وهو لقب العزيز وسَمّاه (صفنات فعنيج)، وزوّجه (أسنات) بنت أحد الكهنة وعمره يومئذٍ ثلاثون سنة.
وفي مدة حكمه جَلَب أباه وأقاربه من البريّة إلى أرض مصر، فذلك سبب استيطان بني إسرائيل أرض مصر.
وتوفي بمصر في حدود سنة خمس وثلاثين وستمائة وألف قبل ميلاد عيسى عليه السّلام.
وحنّط على الطريقة المصرية.
ووُضع في تابوت، وأوصى قبل موته قومه بأنهم إذا خرجوا من مصر يرفعون جسده معهم.
ولمّا خرج بنو إسرائيل من مصر رفعوا تابوت يوسف عليه السّلام معهم وانتقلوه معهم في رحلتهم إلى أن دفنوه في (شكِيم) في مدة يوشع بن نون.
والتاء في: {أبَت} تاء خاصّة بكلمة الأب وكلمة الأم في النداء خاصة على نية الإضافة إلى المتكلم، فمفادها مفاد: يا أبي، ولا يكاد العرب يقولون: يا أبي.
وورد في سَلام ابن عمر على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه حين وقف على قبورهم المنوّرة.
وقد تحيّر أئمّة اللغة في تعليل وصلها بآخر الكلمة في النداء واختاروا أن أصلها تاء تأنيث بقرينة أنهم قد يجعلونها هاء في الوقف، وأنها جعلت عوضًا عن ياء المتكلم لِعلة غير وجيهة.
والذي يظهر لي أنّ أصلها هاء السكت جلبوها للوقف على آخر الأب لأنّه نقص من لام الكلمة، ثم لما شابهت هاء التأنيث بكثرة الاستعمال عوملت معاملة آخر الكلمة إذا أضافوا المنادى فقالوا: يا أبتي، ثم استغنوا عن ياء الإضافة بالكسرة لكثرة الاستعمال.
ويدل لذلك بقاء الياء في بعض الكلام كقول الشاعر الذي لا نعرفه:
أيَا أبتي لا زلتَ فينا فإنّمَا ** لنا أملٌ في العيْش ما دمت عائشًا

ويجوز كسر هذه التّاء وفتحها، وبالكسر قرأها الجمهور، وبفتح التّاء قرأ ابن عامر وأبو جعفر.
والنداء في الآية مع كون المنادى حاضرًا مقصود به الاهتمام بالخبر الذي سيلقى إلى المخاطب فينزل المخاطب منزلة الغائب المطلوب حضوره، وهو كناية عن الاهتمام أو استعارة له.
والكوكب: النجم، تقدّم عند قوله تعالى: {فلمّا جن عليه الليل رأى كوكبًا} في سورة الأنعام (76).
وجملة: {رأيتهم} مؤكدة لجملة: {رأيتُ أحدَ عَشَرَ كوكبًا}، جيء بها على الاستعمال في حكاية المرائي الحلمية أن يعاد فعل الرؤية تأكيدًا لفظيًا أو استئنافًا بيانيًا، كأن سامع الرؤيا يستزيد الرائي أخبارًا عمّا رأى.
ومثال ذلك ما وقع في الموطّأ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أراني الليلة عند الكعبة فرأيت رجلًا آدم» الحديث.
وفي البخاري أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت في المنام أني أهاجر من مكّة إلى أرض بها نخل، ورأيت فيها بقرا تذبح، ورأيت.. واللّهُ خير».
وقد يكون لفظ آخر في الرؤيا غير فعلها كما في الحديث الطّويل «إنّه أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنّهما قالا لي: انطلق، وإنّي انطلقت معهما، وإنّا أتينا على رجل مضطجع» الحديث بتكرار كلمة (إنّ) وكلمة (إنّا) مرارًا في هذا الحديث. وقرأ الجمهور: {أحَدَ عَشَرَ} بفتح العين من: {عَشَرَ}. وقرأه أبو جعفر بسكون العين.
واستعمل ضمير جمع المذكر للكواكب والشمس والقمر في قوله: {رأيتهم لي ساجدين}، لأن كون ذلك للعقلاء غالب لا مطرد، كما قال تعالى في الأصنام: {وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون} [سورة الأعراف: 198]، وقال: {يا أيها النمل ادخلوا} [سورة النمل: 18].
وقال جماعة من المفسّرين: إنه لمّا كانت الحالة المرئية من الكواكب والشمس والقمر حالة العقلاء، وهي حالة السجود نزّلها منزلة العقلاء، فأطلق عليها ضمير (هم) وصيغة جمعهم. وتقديم المجرور على عامله في قوله: {لي ساجدين} للاهتمام، عبّر به عن معنى تضمّنه كلام يوسف عليه السّلام بلغته يدل على حالة في الكواكب من التعظيم له تقتضي الاهتمام بذكره فأفاده تقديم المجرور في اللغة العربيّة.
وابتداء قصة يوسف عليه السّلام بذكر رؤياه إشارة إلى أنّ الله هيّأ نفسه للنبوءة فابتدأه بالرؤيا الصّادقة كما جاء في حديث عائشة «أنّ أوّلَ ما ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة فكان لا يرى رؤيا إلاّ جاءت مثل فَلق الصبح».
وفي ذلك تمهيد للمقصود من القصة وهو تقرير فضل يوسف عليه السّلام من طهارة وزكاء نفس وصبر.
فذكر هذه الرؤيا في صدر القصّة كالمقدّمة والتّمهيد للقصّة المقصودة.
وجعل الله تلك الرؤيا تنبيهًا ليوسف عليه السّلام بعلو شأنه ليتذكرها كلما حلت به ضائقة فتطمئن بها نفسه أن عاقبتهُ طيبة.
وإنما أخبر يوسف عليه السّلام أباه بهاته الرؤيا لأنّه علم بإلهام أو بتعليم سابق من أبيه أن للرؤيا تعبيرًا، وعلم أنّ الكواكب والشّمس والقمر كناية عن موجودات شريفة، وأنّ سجود المخلوقات الشّريفة له كناية عن عظمة شأنه.
ولعلّهُ علم أنّ الكواكب كناية عن موجودات متماثلة، وأنّ الشمس والقمر كناية عن أصلين لتلك الموجودات فاستشعر على الإجمال دلالة رؤياه على رفعة شأنه فأخبر بها أباه.
وكانوا يعدّون الرؤيا من طرق الإنباء بالغيب، إذا سلمت من الاختلاط وكان مزاج الزائي غير منحرف ولا مضطرب، وكان الرائي قد اعتاد وقوع تأويل رؤياه، وهو شيء ورثوه من صفاء نفوس أسلافهم إبراهيم وإسحاق عليهم السّلام.
فقد كانوا آل بيت نبوءة وصفاء سريرة.
ولمّا كانت رؤيا الأنبياء وَحْيًا، وقد رأى إبراهيم عليه السّلام في المنام أنّه يذبح وَلَد فلمّا أخبره: {قال يا أبت افْعل ما تؤمَر} [سورة الصافات: 102].
وإلَى ذلك يشير قول أبي يوسف عليه السّلام: {ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق} [سورة يوسف: 6].
فلا جرم أن تكون مرائي أبنائهم مكاشفة وحديثًا ملكيًا.
وفي الحديث: «لم يَبق من المبشرات إلاّ الرؤيا الصّالحة يراها المسلم أو ترى له» والاعتداد بالرؤيا من قديم أمور النبوءة.
وقد جاء في التّوراة أن الله خاطب إبراهيم عليه السّلام في رؤيا رآها وهو في طريقه ببلاد شاليم بلد ملْكي صَادق وبشّره بأنه يهبه نسلًا كثيرًا، ويعطيه الأرض التي هو سائر فيها.