فصل: قال أبو حيان في الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان في الآيات:

{الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)}
هذه السورة مكية كلها.
وقال ابن عباس وقتادة: إلا ثلاث آيات من أولها.
وسبب نزولها أن كفار مكة أمرتهم اليهود أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السبب الذي أحل بني إسرائيل بمصر فنزلت.
وقيل: سببه تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما كان يفعل به قومه بما فعل إخوة يوسف به.
وقيل: سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحدثهم أمر يعقوب وولده، وشأن يوسف.
وقال سعد بن أبي وقاص: أنزل القرآن فتلاه عليهم زمانًا فقالوا: يا رسول الله لو قصصت علينا، فنزلت.
ووجه مناسبتها لما قبلها وارتباطها أن في آخر السورة التي قبلها: {وكلًا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك} وكان في تلك الأنباء المقصوصة فيها ما لاقى الأنبياء من قومهم، فاتبع ذلك بقصة يوسف، وما لاقاه من أخوته، وما آلت إليه حاله من حسن العاقبة، ليحصل للرسول صلى الله عليه وسلم التسلية الجامعة لما يلاقيه من أذى البعيد والقريب.
وجاءت هذه القصة مطولة مستوفاة، فلذلك لم يتكرر في القرآن إلا ما أخبر به مؤمن آل فرعون في سورة غافر.
والإشارة بتلك آيات إلى الر وسائر حروف المعجم التي تركبت منها آيات القرآن، أو إلى التوراة والإنجيل، أو الآيات التي ذكرت في سورة هود، أو إلى آيات السورة.
والكتاب المبين السورة أي: تلك الآيات التي أنزلت إليك في هذه السورة أقوال.
والظاهر أنّ المراد بالكتاب القرآن.
والمبين إما البين في نفسه الظاهر أمره في إعجاز العرب وتبكيتهم، وإما المبين الحلال والحرام والحدود والأحكام وما يحتاج إليه من أمر الدين، قاله: ابن عباس ومجاهد، أو المبين الهدى والرشد والبركة قاله قتادة، أو المبين ما سألت عنه اليهود، أو ما أمرت أن يسأل من حال انتقال يعقوب من الشام إلى مصر وعن قصة يوسف، أو المبين من جهة بيان اللسان العربي وجودته، إذ فيه ستة أحرف لم تجمع في لسان، روي هذا عن معاذ بن جبل.
قال المفسرون: وهي الطاء، والظاء، والضاد، والصاد، والعين، والخاء انتهى.
والضمير في إنا أنزلناه، عائد على الكتاب الذي فيه قصة يوسف، وقيل: على القرآن، وقيل: على نبأ يوسف، قاله الزجاج وابن الأنباري.
وقيل: هو ضمير الإنزال.
وقرآنًا هو المطعوف به، وهذان ضعيفان.
وانتصب قرآنًا، قيل: على البدل من الضمير، وقيل على الحال الموطئة.
وسمي القرآن قرآنًا لأنه اسم جنس يقع على القليل والكثير، وعربيًا منسوب إلى العرب.
والعرب جمع عربي، كروم ورومي، وعربة ناحية دار إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام.
قال الشاعر:
وعربة أرض ما يحل حرامها ** من الناس إلا اللوذعي الحلاحل

ويعني النبي صلى الله عليه وسلم أحلت له مكة.
وسكن راء عربة الشاعر ضرورة.
قيل: وإن شئت نسبت القرآن إليها ابتداء أي: على لغة أهل هذه الناحية.
لعلكم تعقلون ما تضمن من المعاني، واحتوى عليه من البلاغة والإعجاز فتؤمنون، إذ لو كان بغير العربية لقيل: {لولا فصلت آياته}
{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ}
القصص: مصدر قص، واسم مفعول إما لتسميته بالمصدر، وأما لكون الفعل يكون للمفعول، كالقبض والنقص.
والقصص هنا يحتمل الأوجه الثلاثة.
فإن كان المصدر فالمراد بكونه أحسن أنه اقتص على أبدع طريقة، وأحسن أسلوب.
ألا ترى أنّ هذا الحديث مقتص في كتب الأولين، وفي كتب التواريخ، ولا ترى اقتصاصه في كتاب منها مقاربًا لاقتصاصه في القرآن، وإن كان المفعول فكان أحسنه لما يتضمن من العبر والحكم والنكت والعجائب التي ليس في غيره.
والظاهر أنه أحسن ما يقص في بابه كما يقال للرجل: هو أعلم الناس وأفضلهم، يراد في فنه.
وقيل: كانت هذه السورة أحسن القصص لانفرادها عن سائرها بما فيها من ذكر الأنبياء، والصالحين، والملائكة، والشياطين، والجن، والإنس، والأنعام، والطير، وسير الملوك، والممالك، والتجار، والعلماء، والرجال، والنساء وكيدهن ومكرهن، مع ما فيها من ذكر التوحيد، والفقه، والسير، والسياسة، وحسن الملكة، والعفو عند المقدرة، وحسن المعاشرة، والحيل، وتدبير المعاش، والمعاد، وحسن العاقبة، في العفة، والجهاد، والخلاص من المرهوب إلى المرغوب، وذكر الحبيب والمحبوب، ومرأى السنين وتعبير الرؤيا، والعجائب التي تصلح للدين والدنيا.
وقيل: كانت أحسن القصص لأنّ كل من ذكر فيها كان مآله إلى السعادة.
انظر إلى يوسف وأبيه وإخوته وامرأة العزيز والملك أسلم بيوسف وحسن إسلامه.
ومعبر الرؤيا الساقي، والشاهد فيما يقال.
وقيل: أحسن هنا ليست أفعل التفضيل، بل هي بمعنى حسن، كأنه قيل: حسن القصص، من باب إضافة الصفة إلى الموصوف أي: القصص الحسن.
وما في بما أوحينا مصدرية أي: بإيحائنا.
وإذا كان القصص مصدرًا فمفعول نقص من حيث المعنى هو هذا القرآن، إلا أنه من باب الإعمال، إذ تنازعه نقص.
وأوحينا فاعمل الثاني على الأكثر، والضمير في من قبله يعود على الإيحاء.
وتقدمت مذاهب النحاة في أن المخففة ومجيء اللام في ثاني الجزءين.
ومعنى من الغافلين: لم يكن لك شعور بهذه القصة، ولا سبق لك علم فيها، ولا طرق سمعك طرف منها.
والعامل في إذ قال الزمخشري وابن عطية: اذكر.
وأجاز الزمخشري أن تكون بدلًا من أحسن القصص قال: وهو بدل اشتمال، لأن الوقت يشتمل على القصص وهو المقصوص، فإذا قص وقته فقد قص.
وقال ابن عطية: ويجوز أن يعمل فيه نقص كان المعنى: نقص عليك الحال، إذ وهذه التقديرات لا تتجه حتى تخلع إذ من دلالتها على الوقت الماضي، وتجرد للوقت المطلق الصالح للأزمان كلها على جهة البدلية.
وحكى مكي أنّ العامل في إذ الغافلين، والذي يظهر أن العامل فيه قال: يا بني، كما تقول: إذ قام زيد قام عمر، وتبقى إذ على وضعها الأصلي من كونها ظرفًا لما مضى.
ويوسف اسم عبراني، وتقدمت ست لغات فيه.
ومنعه الصرف دليل على بطلان قول من ذهب إلى أنه عربي مشتق من الأسف، وإن كان في بعض لغاته يكون فيه الوزن الغالب، لامتناع أن يكون أعجميًا غير أعجمي.
وقرأ طلحة بن مصرف بالهمز وفتح السين.
وقرأ ابن عامر، وأبو جعفر، والأعرج: {يا أبت} بفتح التاء، وباقي السبعة والجمهور بكسرها، ووقف الابنان عليها بالهاء، وهذه التاء عوض من ياء الإضافة فلا يجتمعان، وتجامع الألف التي هي بدل من التاء قال: يا أبتا علك أو عساكا.
ووجه الاقتصار على التاء مفتوحة أنه اجتزأ بالفتحة عن الألف، أو رخم بحذف التاء، ثم أقحمت قاله أبو علي.
أو الألف في أبتا للندبة، فحذفها قاله: الفراء، وأبو عبيد، وأبو حاتم، وقطرب.
ورد بأنه ليس موضع ندبة أو الأصل يا أبة بالتنوين، فحذف والنداء ناد حذف قاله قطرب، ورد بأنّ التنوين لا يحذف من المنادي المنصوب نحو: يا ضاربًا رجلًا، وفتح أبو جعفر ياء إني.
وقرأ الحسن، وأبو جعفر، وطلحة بن سليمان: {أحد عشر} بسكون العين لتوالي الحركات، وليظهر جعل الاسمين اسمًا واحدًا.
ورأيت هي حلمية لدلالة متعلقها على أنه منام، والظاهر أنه رأى في منامه كواكب الشمس والقمر.
وقيل: رأى إخوته وأبويه، فعبر عنهم بذلك، وعبر عن الشمس عن أمه.
وقيل: عن خالته راحيل، لأنّ أمه كانت ماتت.
ومن حديث جابر بن عبد الله: أن يهوديًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أخبرني عن أسماء الكواكب التي رآها يوسف، فسكت عنه، ونزل جبريل فأخبره بأسمائها، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهودي فقال: هل أنت مؤمن إن أخبرتك بذلك؟ فقال: نعم.
قال: جريان، والطارق، والذيال، وذو الكتفين، وقابس، ووثاب، وعمودان، والفليق، والمصبح، والضروح، والفرغ، والضياء، والنور.
فقال اليهودي: إي والله إنها لأسماؤها.
وذكر السهيلي مسندًا إلى الحرث بن أبي أسامة فذكر الحديث، وفيه بعض اختلاف، وذكر النطح عوضًا عن المصبح.
وعن وهب أن يوسف رأى وهو ابن سبع سنين أن إحدى عشرة عصًا طوالًا كانت مركوزة في الأرض كهيئة الدارة، وإذا عصا صغيرة تثب عليها حتى اقتلعتها وغلبتها، فوصف ذلك لأبيه فقال: إياك أن تذكر هذا لإخوتك، ثم رأى وهو ابن ثنتي عشرة سنة الشمس والقمر والكواكب سجودًا له فقصها على أبيه فقال له: لا تقصها عليهم فيبغوا لك الغوائل، وكان بين رؤيا يوسف ومسير إخوته إليه أربعون سنة، وقيل: ثمانون.
وروي أن رؤيا يوسف كانت ليلة القدر ليلة جمعة.
والظاهر أنّ الشمس والقمر ليسا مندرجين في الأحد عشر كوكبًا، ولذلك حين عدهما الرسول لليهودي ذكر أحد عشر كوكبًا غير الشمس والقمر، ويظهر من كلام الزمخشري أنهما مندرجان في الأحد عشر.
قال الزمخشري: فإن قلت: لم أخر الشمس والقمر؟ قلت: أخرهما ليعطفهما على الكواكب على طريق الاختصاص إثباتًا لفضلهما، واستبدادهما بالمزية على غيرهما من الطوالع، كما أخر جبريل وميكائيل عن الملائكة ثم عطفهما عليهما.
لذلك ويجوز أن تكون الواو بمعنى مع، أي: رأيت الكواكب مع الشمس والقمر انتهى.
والذي يظهر أن التأخير إنما هو من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى، ولم يقع الترقي في الشمس والقمر جريًا على ما استقر في القرآن من أنه إذا اجتمعا قدمت عليه.
قال تعالى: {الشمس والقمر بحسبان} وقال: وجمع الشمس والقمر: {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورًا} وقدمت عليه لسطوع نورها وكبر جرمها وغرابة سيرها، واستمداده منها، وعلو مكانها.
والظاهر أنّ رأيتهم كرر على سبيل التوكيد للطول بالمفاعيل، كما كرر إنكم في قوله: {إنكم مخرجون} لطول الفصل بالظرف وما تعلق به.
وقال الزمخشري: فإن قلت: ما معنى تكرار رأيتهم؟ قلت: ليس بتكرار، إنما هو كلام مستأنف على تقدير سؤال وقع جوابًا له، كان يعقوب عليه السلام قال له عند قوله: إني رأيت أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر، كيف رأيتها سائلًا عن حال رؤيتها؟ فقال: رأيتهم لي ساجدين انتهى.
وجمعهم جمع من يعقل، لصدور السجود له، وهو صفة من يعقل، وهذا سائغ في كلام العرب، وهو أنْ يعطى الشيء حكم الشيء للاشتراك في وصف ما، وإن كان ذلك الوصف أصله أن يخص أحدهما.
والسجود: سجود كرامة، كما سجدت الملائكة لآدم.
وقيل: كان في ذلك الوقت السجود تحية بعضهم لبعض.
ولما خاطب يوسف أباه بقوله: يا أبت، وفيه إظهار الطواعية والبر والتنبيه على محل الشفقة بطبع الأبوة خاطبه أبوه بقوله: يا بني، تصغير التحبيب والتقريب والشفقة.
وقرأ حفص هنا وفي لقمان، والصافات: {يا بني} بفتح الياء.
وابن كثير في لقمان: {يا بني لا تشرك} وقنبل يا بنيْ أقمْ بإسكانها، وباقي السبعة بالكسر.
وقرأ زيد بن علي: {لا تقص} مدغمًا، وهي لغة تميم، والجمهور بالفك وهي لغة الحجاز.
والرؤيا مصدر كالبقيا.
وقال الزمخشري: الرؤيا بمعنى الرؤية، إلا أنها مختصة بما كان في النوم دون اليقظة، فرق بينهما بحر في التأنيث كما قيل: القربة والقربى انتهى.
وقرأ الجمهور: {رؤياك} و{الرؤيا} حيث وقعت بالهمز من غير إمالة.
وقرأ الكسائي: بالإمالة وبغير الهمز، وهي لغة أهل الحجاز.
و{إخوة يوسف} هم كاذ، وبنيامين، ويهوذا، ونفتالي، وزبولون، وشمعون، وروبين، ويقال باللام كجبريل، وجبرين، ويساخا، ولاوي، وذان، وياشير، {فيكيدوا لك} منصوب بإضمار أنْ على جواب النهي، وعدي فيكيدوا باللام، وفي: {فكيدوني} بنفسه، فاحتمل أن يكون من باب شكرت زيدًا وشكرت لزيد، واحتمل أن يكون من باب التضمين، ضمّن فيكيدوا معنى ما يتعدى باللام، فكأنه قال: فيحتالوا لك بالكيد، والتضمين أبلغ لدلالته على معنى الفعلين، وللمبالغة أكد بالمصدر.