فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَتَقُولُ: أَبَانَ الرَّجُلُ كَذَا إِذَا أَظْهَرَهُ وَفَصَلَهُ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا شَأْنُهُ أَنْ يُشْتَبَهَ بِهِ، وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا هُنَا كَمَا قُلْنَا آنِفًا.
{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} أَيِ الْكِتَابَ عَلَى رَسُولِنَا النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ حَالَ كَوْنِهِ {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} أَيْ بَيَّنَ لَكُمْ بِلُغَتِكُمُ الْعَرَبِيَّةِ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ مِنَ الدِّينِ وَأَنْبَاءِ الرُّسُلِ وَالْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ وَالْأَدَبِ وَالسِّيَاسَةِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ مَعَانِيَهُ أَيُّهَا الْعَرَبُ، وَمَا تُرْشِدُ إِلَيْهِ مِنْ مَطَالِبِ الرُّوحِ وَمَدَارِكِ الْعَقْلِ، وَتَزْكِيَةِ النَّفْسِ، وَتَثْقِيفِ مَدَارِكِ الْوِجْدَانِ وَالْحِسِّ، وَإِصْلَاحِ الِاجْتِمَاعِ الْعَامِّ، الْمُرَادُ بِهَا صَلَاحُ الْحَالِ، وَسَعَادَةُ الْمَآلِ، وَالْقُرْآنُ اسْمُ جِنْسٍ يُطْلَقُ عَلَى بَعْضِهِ كَالسُّورَةِ الْوَاحِدَةِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ الْمُرَادُ هُنَا، وَعَلَى جُمْلَتِهِ كُلِّهَا.
{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} أَيُّهَا الرَّسُولُ الْمُصْطَفَى {أَحْسَنَ الْقَصَصِ} أَيْ نُحَدِّثُكَ أَحْسَنَ الِاقْتِصَاصِ وَالتَّحْدِيثِ بَيَانًا وَأُسْلُوبًا وَإِحَاطَةً، أَوْ أَحْسَنَ مَا يُقَصُّ وَيُتَحَدَّثُ عَنْهُ مَوْضُوعًا وَفَائِدَةً، وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ، فَالْقَصَصُ مَصْدَرٌ أَوِ اسْمٌ مِنْ قَصَّ الْخَبَرَ إِذَا حَدَّثَ بِهِ عَلَى أَصَحِّ الْوُجُوهِ وَأَصْدَقِهَا، لِأَنَّهُ مَنْ قَصَّ الْأَثَرَ وَاقْتَصَّهُ إِذَا تَتَبَّعَهُ وَأَحَاطَ بِهِ خَبَرًا، كَأَنَّهُ قَالَ نَقُصُّهُ عَنِ اقْتِصَاصٍ وَإِحَاطَةٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ، فَيَكُونُ الْقَصَصُ بِمَعْنَى الْمَقْصُوصِ مِنَ الْأَخْبَارِ وَالْأَحَادِيثِ: {بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ} أَيْ بِإِيحَائِنَا إِلَيْكَ هَذِهِ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ، إِذْ هُوَ الْغَايَةُ الْعُلْيَا فِي حُسْنِ فَصَاحَتِهِ وَبَلَاغَتِهِ وَتَأْثِيرِهِ وَحُسْنِ مَوْضُوعِهِ،: {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} أَيْ وَإِنَّ الشَّأْنَ وَحَقِيقَةَ مَا يَتَحَدَّثُ عَنْهُ مِنْ قِصَّتِكَ أَنْتَ، أَنَّكَ كُنْتَ مِنْ قَبْلِ إِيحَائِنَا مِنْ جَمَاعَةِ الْغَافِلِينَ عَنْهُ مِنْ قَوْمِكَ الْأُمِّيِّينَ، الَّذِينَ لَا يَخْطُرُ فِي بَالِهِمُ التَّحْدِيثَ بِأَخْبَارِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَقْوَامِهِمْ، وَبَيَانِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ دِينٍ وَتَشْرِيعٍ كَيَعْقُوبَ وَأَوْلَادِهِ فِي بَدَاوَتِهِمْ، وَلَا مَا كَانَتِ الْأُمَمُ فِيهِ مِنْ تَرَفٍ وَحَضَارَةٍ كَالْمِصْرِيِّينَ الَّذِينَ وَقَعَ يُوسُفُ بَيْنَهُمْ، وَحَدَثَ لَهُمْ مَا حَدَثَ فِي بَعْضِ بُيُوتَاتِهِمُ الْعُلْيَا، ثُمَّ فِي بَيْتِ الْمَلِكِ وَإِدَارَةِ نِظَامِ الدَّوْلَةِ.
{إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
هَذِهِ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ فِي بَيَانِ مَا وَقَعَ بَيْنَ يُوسُفَ فِي طُفُولَتِهِ، وَأَبِيهِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فَاسْتَدَلَّ أَبُوهُ بِرُؤْيَاهُ، عَلَى أَنَّهُ سَيَكُونُ لَهُ شَأْنٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ النَّاسِ، فَتَعَلَّقَ بِهِ أَمَلُهُ، وَشَغَفَ بِهِ قَلْبُهُ، فَكَانَ مَبْدَأً لِكُلِّ مَا حَدَثَ لَهُ مِنَ الْوَقَائِعِ الْمُحْرِقَةِ، وَمِنَ الْعَاقِبَةِ الْمُشْرِقَةِ، فَهَذِهِ الرُّؤْيَا لَا يَظْهَرُ تَأْوِيلُهَا إِلَّا فِي آخِرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَأَصْحَابُ الْقَصَصِ الْمُنْتَحَلَةِ فِي عَصْرِنَا يَحْتَذُونَ أُسْلُوبَ قِصَّةِ يُوسُفَ فِي سُورَتِهِ هَذِهِ بِوَضْعِ خَبَرٍ مُشْكَلٍ خَفِيٍّ يَشْغَلُ فِكْرَ الْقَارِئِ فِي أَوَّلِهَا، وَيَظَلُّ يَنْتَظِرُ وُقُوعَ مَا يَحِلُّ إِشْكَالَهُ، وَيُفَسِّرُ مَآلَهُ، فَلَا يُصِيبُهُ إِلَّا فِي آخِرِ الْقِصَّةِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْكَرِيمَ ابْنَ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَفِي رِوَايَةٍ «الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ» إِلَخْ.
{إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ} هَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ أَحْسَنِ الْقَصَصِ فَهُوَ بَدَلٌ مِنْهُ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ. وَالْأَكْثَرُونَ يُعِدُّونَهُ بَدْءَ كَلَامٍ جَدِيدٍ يُقَدِّرُونَ لَهُ مُتَعَلِّقًا: اذْكُرْ أَيُّهَا الرَّسُولُ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِلَخْ. وَالتَّاءُ هُنَا بَدَلٌ مِنْ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ وَهُوَ مَسْمُوعٌ مِنَ الْعَرَبِ فِي نِدَاءِ الْأَبِ وَالْأُمِّ، وَالْفَصِيحُ كَسَرُهَا وَسَمِعَ فَتَحَهَا وَضَمَّهَا أَيْضًا: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} فِي الْمَنَامِ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي بَعْدُ، ثُمَّ بَيْنَ الصِّفَةِ الَّتِي رَأْي عَلَيْهَا هَذِهِ الْجَمَاعَةَ السَّمَاوِيَّةَ بِقَوْلِهِ: {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} وَالسُّجُودُ: التَّطَامُنُ وَالِانْحِنَاءُ الَّذِي سَبَبُهُ الِانْقِيَادُ وَالْخُضُوعُ أَوِ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّعْظِيمِ، وَأَصْلُهُ قَوْلُهُمْ: سَجَدَ الْبَعِيرُ؛ إِذَا خَفَضَ رَأْسَهُ لِرَاكِبِهِ عِنْدَ رُكُوبِهِ، وَكَانَ مِنْ عَادَاتِ النَّاسِ فِي تَحِيَّةِ التَّعْظِيمِ فِي بِلَادِ فِلَسْطِينَ وَمِصْرَ وَغَيْرِهِمَا وَاسْتُعْمِلَ فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَى انْقِيَادِ تَعَالَى- وَتَسْخِيرِهِ وَهَذَا سُجُودٌ طَبِيعِيٌّ غَيْرُ إِرَادِيٍّ، وَلَا يَكُونُ السُّجُودُ عِبَادَةً إِلَّا بِالْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ مِنَ السَّاجِدِ لِلتَّقْرِيبِ إِلَى مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ سُلْطَانًا ذَاتِيًّا غَيْبِيًّا فَوْقَ سُلْطَانِ الْأَسْبَابِ الْمَعْهُودَةِ. وَكَانَ الْأَصْلُ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ سُجُودِ هَذِهِ الْكَوَاكِبِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا إِرَادَةٌ أَنْ يَقُولَ: رَأَيْتُ كَذَا وَكَذَا سَاجِدَةً لِي، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُخْبِرَ وَالِدَهُ أَنَّهُ رَآهَا سَاجِدَةً سُجُودًا، كَأَنَّهُ عَنْ إِرَادَةٍ وَاخْتِيَارٍ كَسُجُودِ الْعُقَلَاءِ الْمُكَلَّفِينَ، فَأَعَادَ فِعْلَ: {رَأَيْتُ} وَجَعَلَ مَفْعُولَهُ ضَمِيرَ الْعُقَلَاءِ وَجَمَعَ صِفَةَ هَذَا السُّجُودِ جَمْعَ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ، فَعَلِمَ أَبُوهُ أَنَّ هَذِهِ رُؤْيَا إِلْهَامٍ، لَا يُمْكِنُ أَنْ تُعَدَّ مِنْ أَضْغَاثِ الْأَحْلَامِ، الَّتِي تُثِيرُهَا فِي النَّوْمِ الْخَوَاطِرُ وَالْأَفْكَارُ، وَلاسيما خَوَاطِرُ غُلَامٍ صَغِيرٍ كَيُوسُفَ يَخَافُ أَبُوهُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ، وَفِي سِفْرِ التَّكْوِينِ أَنَّهُ كَانَ قَدْ بَلَغَ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ، وَهُوَ بَعِيدٌ.
{قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ} {يَا بُنَيَّ}: تَصْغِيرٌ لِكَلِمَةِ ابْنٍ فِي نِدَاءِ الْعَطْفِ وَالتَّحَبُّبِ، وَقَصَّ الرُّؤْيَا عَلَى فُلَانٍ كَقَصَّ الْقِصَّةَ مَعْنَاهُ أَخْبَرَهُ بِهَا عَلَى وَجْهِ الدِّقَّةِ وَالْإِحَاطَةِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا، وَقَدْ يَفْهَمُ مِنْهُ الْمُعَبِّرُ الْبَصِيرُ الْمَعْنَى الْمُنَاسِبَ لِلرَّائِي الْقَاصِّ، أَوِ الْمَعْنَى الَّذِي تُؤَوِّلُ إِلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، إِذَا كَانَتْ رُؤْيَا حَقٍّ كَمَا يَقَعُ لِلْأَنْبِيَاءِ- عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- قَبْلَ وَحْيِ التَّكْلِيمِ وَمُقَدِّمَاتِهِ، وَقَدْ فَهِمَ هَذَا يَعْقُوبُ وَاعْتَقَدَ أَنَّ يُوسُفَ سَيَكُونُ نَبِيًّا عَظِيمًا ذَا ظُهُورٍ وَسُلْطَانٍ يَسُودُ بِهِ أَهْلَهُ حَتَّى أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَإِخْوَتَهُ، وَخَافَ أَنْ يَسْمَعَ إِخْوَتُهُ مَا سَمِعَهُ وَيَفْهَمُوا مَا فَهِمَهُ فَيَحْسُدُوهُ وَيَكِيدُوا لِإِهْلَاكِهِ، فَنَهَاهُ أَنْ يَقُصَّ رُؤْيَاهُ عَلَيْهِمْ، وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ: فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا أَيْ: إِنْ تَقْصُصْهَا عَلَيْهِمْ يَحْسُدُوكَ فَيُدَبِّرُوا وَيَحْتَالُوا لِلْإِيقَاعِ بِكَ تَدْبِيرًا شَيْطَانِيًّا يُحَكِّمُونَهُ بِالتَّفْكِيرِ وَالرَّوِيَّةِ، كَمَا يَفْعَلُ الْأَعْدَاءُ فِي الْمَكَايِدِ الْحَرْبِيَّةِ، يُقَالُ: كَادَهُ إِذَا وَجَّهَ إِلَيْهِ الْكَيْدَ مُبَاشَرَةً، وَكَادَ لَهُ إِذَا دَبَّرَ الْكَيْدَ لِأَجْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ لِمَضَرَّتِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، أَوْ لِمَنْفَعَتِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي تَدْبِيرِ يُوسُفَ لِإِبْقَاءِ أَخِيهِ بَعْدَهُ: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} 76 وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذِهِ الْمُقَابَلَةِ: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} ظَاهِرُ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهَا، لَا تَفُوتُهُ فُرْصَةٌ لَهَا فَيُضَيِّعُهَا. هَذَا بَيَانٌ مُسْتَأْنِفٍ لِلسَّبَبِ النَّفْسِيِّ لِهَذَا الْكَيْدِ، وَهُوَ أَنَّهُ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ فِي النَّزْغِ بَيْنَ النَّاسِ عِنْدَمَا تَعَرَّضَ لَهُ دَاعِيَةٌ مِنْ هَوَى النَّفْسِ، وَشَرِّهَا الْحَسَدُ الْغَرِيزِيُّ فِي الْإِنْسَانِ، كَمَا عَبَّرَ عَنْهُ يُوسُفُ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَسُوءِ تَأْثِيرِهِ وَحُسْنِ عَاقِبَتِهِ بِقَوْلِهِ: {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} 100 وَفِي قِصَّتِهِ مِنْ سِفْرِ التَّكْوِينِ أَنَّ يُوسُفَ قَصَّ رُؤْيَاهُ عَلَى أَبِيهِ وَإِخْوَتِهِ جَمِيعًا مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ. وَمَا قَصَّهُ اللهُ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي رُوِيَ بِالتَّوَاتُرِ الْقَطْعِيِّ، وَسِفْرُ التَّكْوِينِ غَيْرُ مَرْوِيٍّ بِالْأَسَانِيدِ الْمُتَّصِلَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّ أَصْلَهُ وَحْيٌ مِنَ اللهِ- تَعَالَى-، وَلَكِنَّهُ كِتَابٌ قَدِيمُ التَّارِيخِ لَهُ قِيمَةٌ لَا تَعْصِمُهُ مِنَ الْخَطَأِ.
{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} أَيْ وَمِثْلُ ذَلِكَ الشَّأْنِ الرَّفِيعِ وَالْمَجْدِ الْبَدِيعِ الَّذِي تَمَثَّلَ لَكَ فِي رُؤْيَاكَ {يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} لِنَفْسِهِ وَيَصْطَفِيكَ عَلَى آلِكَ وَغَيْرِهِمْ فَتَكُونُ مِنْ عِبَادِهِ الْمُخْلَصِينَ (بِفَتْحِ اللَّامِ كَمَا وَصَفَهُ اللهُ فِيمَا يَأْتِي قَرِيبًا) فَالِاجْتِبَاءُ افْتِعَالٌ مِنْ جَبَيْتَ الشَّيْءَ إِذَا خَلَّصْتَهُ لِنَفْسِكَ، وَالْجِبَايَةُ جَمْعُ الشَّيْءِ النَّافِعِ كَالْمَاءِ فِي الْحَوْضِ وَالْمَالِ لِلسُّلْطَانِ وَلِيِّ الْأَمْرِ: {وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} أَيْ يُعَلِّمُكَ مِنْ عِلْمِهِ اللَّدُنِّيِّ تَأْوِيلَ الرُّؤَى وَتَعْبِيرَهَا، أَيْ تَفْسِيرَهَا بِالْعِبَارَةِ وَالْإِخْبَارِ بِمَا تَئُولُ إِلَيْهِ فِي الْوُجُودِ، وَهُوَ تَأْوِيلُهَا كَمَا سَيَأْتِي حِكَايَةً لِقَوْلِ يُوسُفَ لِأَبِيهِ: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} [12: 100] أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ مِنْ مَعَانِي الْكَلَامِ، وَسُمِّيَتِ الرُّؤَى أَحَادِيثَ بِاعْتِبَارِ حِكَايَتِهَا وَالتَّحْدِيثِ بِهَا، وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ: إِنَّ الرُّؤْيَا حَدِيثُ الْمَلَكِ إِنْ كَانَتْ صَادِقَةً، وَحَدِيثُ الشَّيْطَانِ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً، وَهَذَا الْقَوْلُ يُخَالِفُ الْوَاقِعَ فَإِنَّ رُؤْيَا يُوسُفَ لَيْسَ فِيهَا حَدِيثٌ، وَكَذَا رُؤْيَا صَاحِبَيْهِ فِي السِّجْنِ وَرُؤْيَا مَلِكِ مِصْرَ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ رُؤْيَا لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَمَّا يُرَى فِي النَّوْمِ، كَمَا أَنَّ الرُّؤْيَةَ اسْمٌ لِمَا يُرَى فِي الْيَقَظَةِ، فَهُمَا كَالْقُرْبَةِ وَالْقُرْبَى وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا لِلتَّمْيِيزِ، وَقَدْ يَسْمَعُ رَائِيهَا أَحَادِيثَ رَجُلٍ يُحَدِّثُهُ، وَلَكِنَّ تَأْوِيلَ رُؤْيَاهُ يَكُونُ لِجُمْلَةِ مَا رَآهُ وَسَمِعَهُ لَا لِمَا سَمِعَهُ فِيهَا فَحَسْبٌ، كَمَا يَقُصُّهُ بِحَدِيثِهِ عَلَى مَنْ يَعْبُرُهُ لَهُ، أَيْ يُعَبِّرُ بِهِ مِنْ مَدْلُولِ حَدِيثِهِ اللَّفْظِيِّ إِلَى مَا يَؤُولُ إِلَيْهِ، وَقَدْ يَكُونُ قَرِيبًا كَرُؤْيَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ وَرُؤْيَا الْمَلِكِ، وَقَدْ يَكُونُ بَعِيدًا كَتَأْوِيلِ رُؤْيَا يُوسُفَ نَفْسَهُ، وَلَفْظُ الْأَحَادِيثِ اسْمُ جَمْعٍ سَمَاعِيٍّ كَالْأَبَاطِيلِ. وَالرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ ضَرْبٌ مِنْ إِدْرَاكِ نَفْسِ الْإِنْسَانِ أَحْيَانًا لِبَعْضِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُقُوعِهَا بِاسْتِعْدَادِهَا الْفِطْرِيِّ، إِمَّا بِعَيْنِهَا وَهُوَ قَلِيلٌ، وَإِمَّا بِمِثَالٍ عَلَيْهَا وَهُوَ الْمُحْتَاجُ إِلَى التَّأْوِيلِ، وَسَنُبَيِّنُ الْفَرْقَ بَيْنَ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةِ وَبَيْنَ أَضْغَاثِ الْأَحْلَامِ، وَرَأْيُ عُلَمَاءِ الْإِفْرِنْجِ وَمُقَلِّدِيهِمْ فِيهَا فِي خُلَاصَةِ السُّورَةِ الْإِجْمَالِيَّةِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى وَتَعْلِيمُ اللهِ التَّأْوِيلَ لِيُوسُفَ إِيتَاؤُهُ إِلْهَامًا وَكَشْفًا لِلْمُرَادِ مِنْهَا أَوْ فِرَاسَةً خَاصَّةً فِيهَا، أَوْ عِلْمًا أَعَمَّ مِنْهَا، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي لِصَاحِبَيِ السِّجْنِ: {لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} 37 رُوِيَ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ: تَأْوِيلُ الْعِلْمِ وَالْحُلْمِ وَكَانَ يُوسُفُ مِنْ أَعْبَرِ النَّاسِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ، تَأْوِيلُ أَحَادِيثِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ.
زَعَمَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَتَبِعَهُ مُقَلِّدُوهُ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي حُكْمِ التَّشْبِيهِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَهُوَ يُعَلِّمُكَ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ، وَبَنَى هَذَا عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ دَلَالَةِ الرُّؤْيَا عَلَى الِاجْتِبَاءِ فَقَطْ، وَمَا هَذَا الْفَهْمُ إِلَّا مِنْ تَأْثِيرِ قَوَاعِدِ النَّحْوِ، وَالَّذِي نَجْزِمُ بِهِ أَنَّ يَعْقُوبَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَهِمَ مِنْ هَذِهِ الرُّؤْيَا فَهْمًا مُجْمَلًا كُلَّ مَا بُشِّرَ بِهِ ابْنُهُ رَائِيهَا، وَأَمَّا كَيْدُ إِخْوَتِهِ لَهُ إِذَا قَصَّهَا عَلَيْهِمْ فَقَدِ اسْتَنْبَطَهُ اسْتِنْبَاطًا مِنْ طَبْعِ الْإِنْسَانِ، وَعَدَاوَةَ الشَّيْطَانِ. فَلَمَّا حَذَّرَهُ مِنَ الِاسْتِهْدَافِ لِذَلِكَ بِإِثَارَةِ حَسَدِهِمْ، قَفَّى عَلَيْهِ بِبِشَارَتِهِ بِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الرُّؤْيَا مِنِ اجْتِبَاءِ رَبِّهِ الْخَاصِّ بِهِ، وَمِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ، وَهُوَ الَّذِي سَيَكُونُ وَسِيلَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ إِلَى رَفْعِهِ قَدْرَهُ وَعُلُوِّ مَقَامِهِ، فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الِاجْتِبَاءِ مَعَهُ فِي الْبِشَارَةِ.
ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَالْمُلْكِ وَالرِّيَاسَةِ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ وَهُمْ أَبَوَاهُ وَإِخْوَتُهُ وَذُرِّيَّتُهُمْ (وَأَصْلُ الْآلِ أَهْلٌ بِدَلِيلِ تَصْغِيرِهِ عَلَى أُهَيْلٍ، وَهُوَ خَاصٌّ فِي الِاسْتِعْمَالِ بِمَنْ لَهُمْ شَرَفٌ وَخَطَرٌ فِي النَّاسِ كَآلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَآلِ الْمَلِكِ، وَيُقَالُ لِغَيْرِهِمْ: أَهْلٌ) بِإِخْرَاجِهِمْ مِنَ الْبَدْوِ، وَتَبَوُّئِهِمُ الْمَقَامَ الْكَرِيمَ بِمِصْرَ، ثُمَّ بِتَسَلْسُلِ النُّبُوَّةِ فِي أَسْبَاطِهِمْ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ {كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ} أَيْ مِنْ قَبْلِ هَذَا الْعَهْدِ أَوْ مِنْ قَبْلِكَ {إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} هَذَا بَيَانٌ لِكَلِمَةِ {أَبَوَيْكَ} وَهُمَا جَدُّهُ وَجَدُّ أَبِيهِ، وَقِدَمُ الْأَشْرَفِ مِنْهُمَا، وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ مَأْلُوفٌ عِنْدَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ، وَكَانُوا يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: يَابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، بَلْ قَالَهَا هُوَ أَيْضًا. وَهَذَا التَّشْبِيهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا كَانَ يَعْلَمُهُ يَعْقُوبُ مِنْ وَعْدِ اللهِ لِإِبْرَاهِيمَ بِاصْطِفَاءِ آلِهِ، وَجَعْلِ النُّبُوَّةِ وَالْكِتَابِ فِي ذُرِّيَّتِهِ، وَإِنَّمَا عَلِمَ مِنْ رُؤْيَا يُوسُفَ أَنَّهُ هُوَ حَلْقَةُ السِّلْسِلَةِ النَّبَوِيَّةِ الِاصْطِفَائِيَّةِ بَعْدَهُ مِنْ أَبْنَائِهِ، فَلِهَذَا عَلَّلَ الْبِشَارَةَ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أَيْ عَلِيمٌ بِمَنْ يَصْطَفِيهِ حَكِيمٌ بِاصْطِفَائِهِ، وَبِإِعْدَادِ الْأَسْبَابِ وَتَسْخِيرِهَا لَهُ، وَكَانَ هَذَا الْعِلْمُ مِنْ يَعْقُوبَ بِمَا بَشَّرَ اللهُ بِهِ أَبَوَيْهِ لَهُمَا وَلِذَرِّيَّتِهِمَا، وَبِدَلَالَةِ رُؤْيَا يُوسُفَ عَلَى أَنَّهُ هُوَ حَلْقَةُ السِّلْسِلَةِ الذَّهَبِيَّةِ لَهُمْ، هُوَ السَّبَبُ كَمَا قُلْنَا لِزِيَادَةِ حُبِّهِ لَهُ وَعَطْفِهِ وَحِرْصِهِ عَلَيْهِ، الَّذِي هَاجَ مَا كَانَ يَحْذَرُهُ إِخْوَتُهُ وَكَيْدُهُمْ لَهُ، وَلِكَوْنِهِ لَمْ يُصَدِّقْ مَا زَعَمُوهُ مِنْ أَكْلِ الذِّئْبِ لَهُ، وَلَمْ يَنْقَطِعْ أَمَلُهُ مِنْهُ، بَلْ لَمْ يَنْقُصْ إِيمَانُهُ بِمَا أَعَدَّهُ اللهُ لَهُ وَلَهُمْ بِهِ، وَلَكِنَّ عِلْمَهُ بِذَلِكَ كَانَ إِجْمَالِيًّا لَا تَفْصِيلِيًّا، وَقَدْ جَاءَتْ قِصَّتُهُ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا مُفَصِّلَةٌ لِهَذَا الْإِجْمَالِ، تَفْصِيلًا هُوَ مِنْ أَبْدَعِ بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ، وَزَادَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي التَّشْبِيهِ إِنْجَاءُ إِبْرَاهِيمَ مِنَ النَّارِ وَإِنْجَاءُ إِسْحَاقَ مِنَ الذَّبْحِ، وَلَكِنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الذَّبِيحَ إِسْمَاعِيلُ لَا إِسْحَاقُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَ قِصَّتِهِ مِنْ سُورَةِ الصَّافَّاتِ: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ} [37: 112] وَكَوْنُ الْقِصَّةِ كَانَتْ فِي الْحِجَازِ وَهِيَ الْأَصْلُ فِي أَضَاحِي مِنًى هُنَاكَ، وَإِنَّمَا الَّذِي نَشَأَ فِي الْحِجَازِ إِسْمَاعِيلُ لَا إِسْحَاقُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ بِالتَّوَاتُرِ. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)}
أخرج أحمد والبخاري عن ابن عمر رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وابن مردوية عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {إني رأيت أحد عشر كوكبًا} قال رؤيا الأنبياء وحي.
وأخرج سعيد بن منصور والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والعقيلي وابن حبان في الضعفاء، وأبو الشيخ والحاكم وصححه، وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معًا في دلائل النبوة، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: جاء بستاني يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا محمد، أخبرني عن الكواكب التي رآها يوسف عليه السلام ساجدة له، ما أسماؤها؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجبه بشيء. فنزل جبريل عليه السلام فأخبره بأسمائها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البستاني اليهودي فقال: هل أنت مؤمن إن أخبرتك بأسمائها؟ قال نعم. قال: حرثان والطارق والذيال وذو الكفتان وقابس ودثان وهودان والفيلق والمصبح والضروح والفريخ والضياء والنور، رآها في أفق السماء ساجدة له، فلما قص يوسف على يعقوب قال: هذا أمر مشتت يجمعه الله من بعد، فقال اليهودي: أي والله، أنها لأسماؤها».
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أحد عشر كوكبًا} قال: إخوته. والشمس قال امه، والقمر: قال أبوه، ولأمه راحيل ثلث الحسن.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر} قال: الكواكب إخوته، والشمس والقمر أبواه.
وأخرج ابن جرير عن السدي رضي الله عنه في قوله: {إني رأيت أحد عشر كوكبًا} الآية. قال: رأى أباه وإخوته سجودًا له.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد رضي الله عنه في الآية قال: قال إخوته- وكانوا أنبياء- ما رضي أن يسجد له إخوته حتى سجد له أبواه حين بلغهم.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن منبه عن أبيه قال: كانت رؤيا يوسف عليه السلام ليلة القدر.
{قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ}
أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما: {وكذلك يجتبيك ربك} قال يصطفيك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة مثله.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ويعلمك من تأويل الأحاديث} قال: عبارة الرؤيا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله: {ويعلمك من تأويل الأحاديث} قال: تأويل العلم والحلم. قال: وكان يومئذ أعبر الناس.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحق} قال: فنعمته على إبراهيم نجاه من النار، وعلى إسحق أن نجاه من الذبح. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال السمين:

{إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)}
قوله تعالى: {إِذْ قَالَ}: في العاملِ فيه أوجهٌ، أظهرها: أنه منصوبٌ ب: {قَالَ يابني} [يوسف: 5]، أي: قال يعقوب: يا بُنَيَّ، وقتَ قولِ يوسفَ له كيت وكيت، وهذا أسهلُ الوجوهِ، إذ فيه إبقاءُ: {إذ} على كونِه ظرفًا ماضيًا. وقيل: الناصبُ له: {الغافلين} قاله مكي. وقيل: هو منصوبٌ ب: {نَقُصُّ}، أي: نَقُصُّ عليك وقتَ قولِه كيت وكيت، وهذا فيه إخراجُ: {إذ} عن المضيِّ وعن الظرفية، وإن قَدَّرْتَ المفعولَ محذوفًا، أي: نَقُصُّ عليك الحالَ وقتَ قولِه، لزم إخراجها عن المُضِيّ. وقيل: هو منصوبٌ بمضمر، أي: اذكر. وقيل: هو منصوب على أنه بدلٌ مِنْ: {أَحْسَنَ القصص} بدلُ اشتمال. قال الزمخشري: لأنَّ الوقتَ يَشْمل على القصص وهو المقصوص.