فصل: قال مجد الدين الفيروزابادي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله: {يا أبت} قرأ ابن عامر بفتح التاء، والباقون بكسرِها. وهذه التاءُ عوضٌ من ياء المتكلم، ولذلك لا يجوز الجمعُ بينهما إلا ضرورةً، وهذا يختصُّ بلفظتين. يا أبت، ويا أَمَتِ ولا يجوز في غيرهما من الأسماء لو قلت: يا صاحِبَتِ لم يَجُز البتة، كما اختصَّتْ لفظةُ الأمِّ والعمِّ بحكمٍ في نحو: {يا بن أُمّ}. ويجوز الجمعُ بين هذه التاءِ وبين كلٍ مِنَ الياءِ والألفِ ضرورةً كقوله:
يا أَبَتا عَلَّكَ أو عَساكا

وقول الآخر:
أيا أَبَتا لا تَزَلْ عندَنا ** فإنَّا نخافُ بأنْ نُخْتَرَمْ

وقول الآخر:
أيا أبتي لا زِلْتَ فينا فإنَّما ** لنا أَمَلٌ في العيشِ ما دُمْتَ عائِشا

وكلام الزمخشري يُؤْذِنُ بأنَّ الجمعَ بين التاءِ والألفِ ليس ضرورةً فإنه قال: فإن قلت: فما هذه الكسرةُ؟ قلت: هي الكسرةُ التي كانت قبل الياءِ في قولِك: يا أبي فَزُحْلِقَتْ إلى التاء لاقتضاءِ تاءِ التأنيثِ أن يكونَ ما قبلها مفتوحًا. فإن قُلْتَ: فما بالُ الكسرةِ لم تَسْقُطْ بالفتحة التي اقْتَضَتْها التاءُ، وتبقى التاءُ ساكنة؟ قلت: امتنع ذلك فيها لأنها اسمٌ، والأسماءُ حقُّها التحريكُ لأصالتِها في الإِعراب، وإنما جاز تسكينُ الياء وأصلُها أن تُحَرَّك تخفيفًا لأنها حرف لين، وأمَّا التاءُ فحرفٌ صحيحٌ نحو كاف الضمير، فلزم تحريكُها. فإنْ قلت: يُشْبه الجمعُ بين هذه التاءِ وبين هذه الكسرةِ الجمعَ بين العِوَضِ والمُعَوَّضِ منه؛ لأنها في حكم الياءِ إذا قلتَ: يا غلامِ، فكما لا يجوزُ يا أبتي لا يجوز يا أبتِ. قلت: الياء والكسرةُ قبلها شيئان، والتاءُ عوضٌ من أحد الشيئين وهو الياءُ، والكسرةُ غيرُ مُتَعَرَّضٍ لها، فلا يُجْمَعُ بين العِوَض والمُعَوَّض منه، إلا إذا جُمِعَ بين التاءِ والياءِ لا غير. ألا ترى إلى قولهم: يا أبتا مع كونِ الألفِ فيه بدلًا من الياء كيف جاز الجمعُ بينها وبين التاء، ولم يُعَدَّ ذلك جمعًا بين العوض والمعوض منه؟ فالكسرة أبعدُ من ذلك.
فإن قلتَ: قد دَلَّتِ الكسرةُ في يا غلامِ على الإِضافة لأنها قرينةُ الياءِ ولصيقتُها، فإن دَلَّت على مِثْلِ ذلك في: {يا أبت} فالتاء المعوَّضَةُ لَغْوٌ، وجودُها كعَدَمِها. قلت: بل حالُها مع التاءِ كحالِها مع الياءِ إذا قلت: يا أبي.
وكذا عبارة الشيخ فإنه قال: وهذه التاءُ عوضٌ من ياء الإِضافة فلا تجتمعان، وتجامعُ الألفَ التي هي بدلٌ من الياء قال:
يا أَبَتا عَلَّكَ أو عَسَاكا

وفيه نظرٌ من حيث إنَّ الألفَ كالياءِ لكونها بدلًا منها، فينبغي أن لا يُجْمَعَ بينهما.
وهذ التاءُ أصلُها للتأنيث قال الزمخشري: فإن قلت: ما هذه التاءُ؟ قلت: تاءُ تأنيثٍ وقعت عوضًا من ياء الإِضافة، والدليلُ على أنَّها تاءُ تأنيثٍ قَلْبُها هاءً في الوقف. قلت: وما ذَكَرَه مِنْ كونها تُقْلَبُ هاءً في الوقف قرأ به ابنُ كثير وابنُ عامر، والباقون وقفوا عليها بالتاء، كأنهم أَجْرَوْها مُجْرى تاء الإِلحاق في بنت وأخت، ومِمَّنْ نَصَّ على كونِها للتأنيث سيبويه فإنه قال: سألتُ الخليل عن التاء في: {يا أبت} فقال: هي بمنزلة التاء في تاء خالة وعمَّة يعني أنها للتأنيث، ويدلُّ على كونِها للتأنيث أيضًا كَتْبُهم إياها هاءً، وقياس مَنْ وَقَفَ بالتاءِ أن يكتَبها تاءً كبنت وأخت.
ثم قال الزمخشري: فإن قلت: كيف جاز إلحاق تاء التأنيث بالمذكر؟ قلت: كما جاز نحو قولك: حمامة ذَكَر وشاةٌ ذَكَر ورجلٌ رَبْعَة وغلام يَفَعَة. قلت: يعني أنها جِيْءَ بها لمجردِ تأنيث اللفظ كما في الألفاظِ المستشهد بها. ثم قال الزمخشري: فإن قلتَ: فلِمَ ساغ تعويضُ تاءِ التأنيث من ياءِ الإِضافة؟ قلت: لأنَّ التأنيثَ والإِضافةَ يتناسبان في أنَّ كلِّ واحدٍ منهما زيادةٌ مضمومةٌ إلى الاسم في آخره. قلت: وهذا قياسٌ بعيدٌ لا يُعمل به عند الحُذَّاق، فإنه يُسَمَّى الشَّبَه الطردي، يني أنه شَبَهٌ في الصورة.
وقال الزمخشري: إنه قرئ: {يا أَبَت} بالحركات الثلاث. فأمَّا الفتحُ والكسر فقد عَزَيْتُهما لقارئهما، وأمَّا الضمُّ فغريبٌ جدًا، وهو يُشْبِهُ مَنْ يَبْني المنادى المضافَ لياء المتكلم على الضم كقراءةِ مَنْ قرأ وستأتي إن شاء اللَّه: {قَالَ رَبُّ احكم} [الأنبياء: 112] بضم الباء، ويأتي توجيهها هناك، ولِمَ قُلْنا إنه مضافٌ للياء ولم نجعلْه مفردًا من غير إضافة؟.
وقد تقدَّم توجيهُ كَسْرِ هذه التاء بما ذكره الزمخشري من كونِها هي الكسرةَ التي قبل الياء زُحْلِقَتْ إلى التاء. وهذا أحد المَذْهَبَيْنِ، والمذهب الآخر: أنها كسرةٌ أجنبية جيء بها لتدلَّ على الياء المعوَّض منها، وليس بخلافٍ طائل.
وأمَّا الفتحُ ففيه أربعةُ أوجه، ذكر الفارسي منها وجهين، أحدهما: أنه اجْتَزَأَ بالفتحة عن الألف، يعني عن الألف المنقلبة عن الياء، كما اجتزأ عنها الآخر بقوله:
ولَسْتُ براجعٍ ما فاتَ منِّي ** بلَهْفَ ولا بلَيْتَ ولا لَوَنِّي

وكما اجتُرِئ بها عنها في يا ابن أمَّ، ويا ابنَ عمَّ كما تقدم. والثاني: أنَّه رُخِّم بحذف التاء، ثم أقحمت التاء مفتوحة، وهذا كما قال النابغة:
كِليْني لِهَمٍّ يا أُمَيمَةَ ناصِبِ ** وليلٍ أقاسِيه بطيءِ الكواكبِ

بفتح تاء أُمَيْمة على ما ذَكَرْت لك.
الثالث: ما ذكره الفراء وأبو عبيد وأبو حاتم وقطرب في أحد قوليه وهو أنَّ الألفَ في با أبتا للندبة، ثم حَذَفها مُجْتَزِئًا عنها بالفتحة. وهذا قد يَنْفَعُ في الجواب عن الجمع بين العِوَض والمُعَوَّض منه. وقد ردَّ بعضُهم هذا المذهبَ بأنَّ الموضع ليس موضعَ ندبة.
الرابع: أنَّ الأصلَ: يا أبةً بالتنوين، فحذف التنوين لأنَّ النداءَ بابُ حَذْفٍ، وإلى هذا ذهب قطرب في القول الثاني. وقد رُدَّ هذا عليه بأن التنوينَ لا يُحْذَفُ من المنادى المنصوب نحو: يا ضاربًا رجلًا.
وقرأ أبو جعفر {يا أبي} بالياء، ولم يُعَوِّض منها التاء.
وقرأ الحسن وطلحة بن سليمان: {أحدَ عْشر} بسكون العين، كأنهم قصدوا التنبيه بهذا التخفيفِ على أنَّ الاسمين جُعِلا اسمًا واحدًا.
وقوله: {والشمس والقمر} يجوز فيه وجهان، أحدهما: أن تكونَ الواوُ عاطفةً، وحينئد يحتمل أن يكون ذلك من باب ذِكْر الخاص بعد العام تفصيلًا؛ لأن الشمسُ والقمر دخلا في قوله: {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} فهو كقوله: {وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] بعد قوله: {وملائكتِه}، ويُحْتمل أن لا يكون كذلك، وتكون الواوُ لعطفِ المُغَاير، فيكون قد رأى الشمس والقمر زيادةً على الأحدَ عشرَ بخلاف الأول، فإنه يكون رأى الأحدَ عشرَ، ومِنْ جملتها الشمس والقمر، والاحتمالان منقولان عن أهل التفسير، وممَّنْ نَقَلهما الزمخشري.
والوجه الثاني: أن تكونَ الواوُ بمعنى مع، إلا أنه مرجوحٌ، لأنه متى أمكن العطفُ من غير ضعفٍ ولا إخلالِ معنىً رَجَح على المعيَّة، وعلى هذا فيكون كالوجه الذي قبله بمعنى أنه رأى الشمسَ والقمرَ زيادةً على الأحد عشر كوكبًا.
وقوله: {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} يحتمل وجهين، أحدهما: أنها جملةُ كُرِّرَتْ للتوكيد لمَّا طال الفصلُ بالمفاعيل كُرِّرَتْ كما كُررت: {أنكم} في قوله: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتٌّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظامًا أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ} [المؤمنون: 35] كذا قاله الشيخ، وسيأتي تحقيق هذا إن شاء اللَّه تعالى. والثاني: أنه ليس بتأكيدٍ، وإليه نحا الزمخشري: فإنه قال: فإن قُلْتَ: ما معنى تكرارِ: {رأيتُهم}؟ قلت: ليس بتكرارٍ، إنما هو كلامٌ مستأنفٌ على تقديرِ سؤالٍ وقع جوابًا له، كأنَّ يعقوبَ عليه السلام قال له عند قوله: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا والشمس والقمر} كيف رأيتها؟ سائلًا عن حال رؤيتها، فقال: {رأيتهم لي ساجدين}.
قلت: وهذا أظهرُ لأنه متى دار الكلامُ بين الحَمْل على التأكيد أو التأسيس فَحَمْلُه على الثاني أولى.
و{ساجدين} صفةٌ جُمِعَ جَمْعَ العقلاء. فقيل: لأنه لمَّا عامَلَهم معاملةَ العقلاء في إسنادِ فِعْلَهم إليهم جَمَعَهم جَمْعَهم، والشيءُ قد يُعامَلُ معاملةَ شيءٍ آخرَ إذا شاركه في صفةٍ ما.
والرؤيةُ هنا منامِيَّةٌ، وقد تقدَّم أنها تنصب مفعولين كالعِلْمية، وعلى هذا يكون قد حَذَفَ المفعولَ الثاني من قوله: {رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} ولكنَّ حَذْفَه اقتصارًا ممتنعٌ، فلم يَبْقَ إلا اختصارًا، وهو قليل أو ممتنع عند بعضهم.
قوله تعالى: {لاَ تَقْصُصْ}: قرأ العامَّة بفكِّ الصادّيْن وهي لغةُ الحجاز. وقرأ زيد بن علي بصادٍ واحدة مشدَّدة، والإِدغامُ لغةُ تميمٍ. وقد تقدَّم تحقيقُ هذا في المائدة عند قوله: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ} [المائدة: 54].
والرؤيا مصدرٌ كالبُقْيا. وقال الزمخشري: الرؤيا بمعنى الرؤية، إلا أنها مختصةٌ بما كان في النوم دون اليقظة، فرَّق بينهما بحَرْفَي التأنيث كما قيل القُرْبَةُ والقربى.
وقرأ العامَّة {الرُّؤْيا} بهمزٍ مِنْ غير إمالة، وقرأها الكسائي في رواية الدُّوري عنه بالإِمالة. وأمَّا الرؤيا ورؤياي الاثنتان في هذه السورة فأمالهما الكسائي من غير خلافٍ في المشهور، وأبو عمرو يُبْدِلُ هذه الهمزةَ واوًا في طريق السوسي. وقال الزمخشري: وسمع الكسائي {رُيَّاك} و{رِيَّاك} بالإِدغام وضم الراء وكسرها، وهي ضعيفةٌ لأنَّ الواو في تقدير الهمزة فلم يَقْوَ إدغامها كما لم يَقْوَ إدغام اتَّزر من الإِزار واتَّجَرَ من الأَجْر يعني أنَّ العارض لا يُعْتَدُّ به، وهذا هو الغالب. وقد اعتدَّ القُرّاءُ بالعارض في مواضع ستقف بها على أشياءَ إن شاء اللَّهُ نحو رِيَّا في قوله: {أَثَاثًا وَرِءْيًا} [مريم: 74] عند حمزة، و: {عَادًا الأولى} [النجم: 50].
وأمَّا كسرُ {رِيَّاك} فلئلاَّ يؤدِّي إلى ياء ساكنة بعد ضمة، وأمَّا الضمُّ فهو الأصل، والياءُ صد اسْتُهْلِكَتْ بالإِدغام.
قوله: {فَيَكِيدُواْ} منصوبٌ في جواب النهي وهو في تقدير شرط وجزاء، ولذلك قدَّره الزمخشري بقوله: إنْ قصصتها عليهم كادوك. و: {كَيْدًا} فيه وجهان، أحدهما: وهو الظاهر أنه مصدرٌ مؤكدٌ، وعلى هذا ففي اللام في قوله: {لك} خمسةُ أوجهٍ، أحدُها: أن يكون يكيد ضُمِّن معنى ما يتعدَّى باللام؛ لأنه في الأصل متعدٍّ بنفسه قال تعالى: {فَكِيدُونِي جَمِيعًا} [هود: 55] والتقدير: فيحتالوا لك بالكيد. قال الزمخشري مقررًا لهذا الوجه: فإنْ قلتَ: هلاَّ قيل: فيكيدوك كما قيل فكيدوني. قلت: ضُمِّن معنى فعلٍ يتعدى باللام ليفيدَ معنى فعلِ الكيد مع إفادة معنى الفعل المضمَّن فيكون آكدَ وأَبْلَغَ في التخويف وذلك نحو: فيحتالوا لك، ألا ترى إلى تأكيده بالمصدر.
الوجه الثاني من أوجهِ اللام: أن تكونَ مُعَدِّيةً، ويكون هذا الفعلُ ممَّا يتعدى بحرفِ الجر تارةً، وبنفسهِ أخرى كنصح وشكر، كذا قاله الشيخ وفيه نظرٌ، لأنَّ ذاك بابٌ لا يَنْقاس إنما يُقْتصر فيه على ما ذكره النحاةُ ولم يَذْكروا منه كاد.
الثالث: أن اللامَ زائدةٌ في المفعول به كزيادتها في قوله: {رَدِفَ لَكُم} قاله أبو البقاء وهو ضعيف؛ لأنَّ اللامَ لا تُزاد إلا بأحد شرطين: تقديم المعمولِ أو كونِ العاملِ فرعًا.
الرابع: أن تكونَ اللامُ للعلة، أي: فيكيدوا من أجلك، وعلى هذا فالمفعولُ محذوفٌ اقتصارًا أو اختصارًا.
الخامس: أن تتعلَّق بمحذوفٍ، لأنها حالٌ مِنْ: {كَيْدًا} إذ هي في الأصلِ يجوزُ أن تكونَ صفةً لو تأخَّرَتْ.
الوجه الثاني مِنْ وَجْهَيْ {كَيْدًا} أن يكونَ مفعولًا به، أي: فيصنعوا لك كيدًا، أي: أمرًا يكيدونَك به، وهو مصدرٌ في موضع الاسمِ ومنه: {فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ} [طه: 64]، أي: ما تكيدون به، ذكره أبو البقاء وليس بالبيِّن، وعلى هذا ففي اللامِ في {لك} وجهان فقط: كونُها صفةً في الأصل ثم صارَتْ حالًا، أو هي للعلة، وأمَّا الثلاثةُ الباقيةُ فلا تتأتى وامتناعُها واضح.
قوله تعالى: {وكذلك يَجْتَبِيكَ رَبُّك} الكاف في موضع نصبٍ أو رفعٍ، فالنصبُ: إمَّا على الحال من ضمير المصدر المقدَّر، وقد تقدم أنه رأيُ سيبويه، وإمَّا على النعتِ لمصدرٍ محذوف والمعنى: مثلَ ذلك الاجتباء العظيم يَجْتبيك. والرفعُ على خبر ابتداء مضمر أي: الأمرُ كذلك. وقد تقدَّم له نظائر.
قوله: {وَيُعَلِّمُكَ} مستأنفٌ ليس داخلًا في حَيِّز التشبيه، والتقدير: وهو يُعَلِّمك. والأحاديث: جمع تكسير، فقيل: لواحدٍ ملفوظٍ به وهو حديث ولكنه شَذَّ جمعُه على أحاديث، وله أخواتٌ في الشذوذ كأباطيل وأقاطيع وأعاريض في باطل وقطيع وعَرُوض. وزعم أبو زيد أن لها واحدًا مقدرًا وهو أُحْدُوثة ونحوه، وليس باسم جمعٍ؛ لأنَّ هذه الصيغةَ مختصة بالتكسير، وإذا كانوا قد التزموا ذلك فيما لم يُصَرَّح له بمفردٍ مِنْ لفظه نحو: عباديد وشماطيط وأبابيل ففي {أحاديث} أَوْلى، ولهذا رُدَّ على الزمخشري قولُه: وهي اسم جمعٍ للحديث وليس بجمعِ أُحْدوثة بما ذكرته، ولكنَّ قولَه ليس بجمعِ أُحْدوثة صحيحٌ؛ لأن مذهبَ الجمهور خلافُه، على أنَّ كلامَه قد يريد به غيرَ ظاهرِه مِنْ قوله اسم جمع.
وقوله: {عَلَيْكَ} يجوز أَنْ يتعلَّق ب {يُتِمَّ}، وأن يتعلَّقَ ب {نعمته}. وكرَّر على في قوله: {وعلى آل} ليمكنَ العطفُ على الضمير المجرور. هذا مذهبُ البصريين، وتقدَّم بيانه. وقوله: {مِنْ قبلُ} أي مِنْ قبلك.
قوله: {إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ} يجوز أن يكونَ بدلًا من {أبويك} أو عطف بيان، أو على إضمارِ أَعْني. اهـ.

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في كيد:
الكَيْد: المكر، تقول: كاد يكيد كَيْدا ومَكِيدة.
وقوله تعالى: {فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا} أَي فيحتالوا احتيالا.
وقوله تعالى: {فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى} أَي حيلته.
وقوله تعالى: {كَذلك كِدْنَا لِيُوسُفَ} أَي علَّمناه المكيدة على إِخوته.
والكَيْد أَيضًا: الحرب لاحتيال الناس فيها.
وقوله تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} فخص الخائنين تنبيها على أَنه قد يهدى كيد من لم يقصد بكيده خيانة؛ ككيد يوسف بإخوته.
وقوله: {لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} أَي لأُريدنَّ بهم سوءًا.
وكلّ شئ تعالجه فأَنت تكيده، يقال: هو يكيد، بنفسه أَي يجود بها.
وكاد وضعت لمقاربة الشئ فُعِل أَو لم يُفعل؛ فمجرَّدةً تنبئ عن نفى الفعل، ومقرونة بالحجد تنبئ عن وقوع الفعل.
وفى الحديث: «كاد الفقر أَن يكون كفرا»، «وكاد الحسد يغلب القدر».
وقال بعضهم في قوله تعالى: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} أَي أريد أخفيها.
قال وكما جاز أَن يوضع أُريد موضع كاد في قوله تعالى: {جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ} فكذلك أَكاد.
وأَنشد:
كادت وكِدْتُ وتلك خير إِرادة ** لو عاد من لَهْوِ الصبابة ما مضَى

وكلمة كاد يكون صلة للكلام، أَجاز ذلك الأَخفش وقُطْرُب وأَبو حاتم.
واحتجَّ قطرب بقول زيد الخيل الطائىّ رضى الله عنه:
سريع إِلى الهيجاءِ شاكٍ سلاحهُ ** فما إِن يكاد قِرْنُه يتنفَّس

وقال حسان بن ثابت رضى الله عنه:
وتكاد تكسل أَن تجئ فراشها ** في لين خرعبة وحسن قوام

معناه: وتكسل.
وقوله الله تعالى: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} معناه: لم يرها. اهـ.