فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

ولما كان هذا مظنةً لسؤال سائل يقول: فما فعلوا بعد ذلك قبِلوا ذلك منه أو لا؟
أجيب بطريق الاستئناف على وجه أُدرج في تضاعيفه قبولُهم له بما سيجيء من قوله: {وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ في غَيَابَةِ الجب} فقيل: {قَالُواْ يا أَبَانَا} خاطبوه بذلك تحريكًا لسلسلة النسبِ بينه وبينهم وتذكيرًا لرابطة الأخوّة بينهم وبين يوسفَ عليه الصلاة والسلام ليتسببوا بذلك إلى استنزاله عليه السلام عن رأية في حفظه منهم لمّا أحس منه بأمارات الحسد والبغي فكأنهم قالوا: {مَا لَكَ} أي أيُّ شيء لك: {لاَ تَأْمَنَّا} أي لا تجعلنا أمناءَ: {على يُوسُفَ} مع أنك أبونا ونحن بنوك وهو أخونا: {وَإِنَّا لَهُ لناصحون} مريدون له الخيرَ ومشفقون عليه ليس فينا ما يُخلُّ بالنصيحة والمِقَة قطُّ والقراءة المشهورةُ بالإدغام والإشمام. وعن نافع رضي الله عنه تركُ الإشمام ومن الشواذ ترك الإدغام: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا} إلى الصحراء: {يَرْتَعْ} أي يتسعْ في أكل الفواكه ونحوها فإن الرتع هو الاتساعُ في الملاذ: {وَيَلْعَبْ} بالاستباق والتناضل ونظائرِهما مما يُعد من باب التأهّب للغزو، وإنما عبروا عن ذلك باللعب لكونه على هيئته تحقيقًا لما راموه من استصحاب يوسفَ عليه السلام بتصويرهم له بصورة ما يلائم حاله عليه السلام، وقرئ {نرتعْ ونلعبْ} بالنون، وقرأ ابن كثير {نرتِع} من ارتعى ونافع بالكسر والياء فيه وفي {يلعب} وقرئ {يُرتِعْ} من أرتع ماشيتَه و{يرتعِ} بكسر العين {ويلعبُ} بالرفع على الابتداء: {وَإِنَّا لَهُ لحافظون} من أن يناله مكروهٌ أكدوا مقالتَهم بأصناف التأكيدِ من إيراد الجملة اسميةً وتحليتها بإنّ واللام وإسنادُ الحفظ إلى كلهم وتقديمُ له على الخبر احتيالًا في تحصيل مقصدهم.
{قَالَ} استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال من يقول: فماذا قال يعقوبُ عليه السلام؟ فقيل: قال: {إِنّى لَيَحْزُنُنِى} اللامُ للابتداء كما في قوله عز وجل: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ}، {أَن تَذْهَبُواْ بِهِ} لشدة مفارقتِه عليّ وقلة صبري عنه: {و} مع ذلك: {أَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذئب} لأن الأرض كانت مَذأبة والحزنُ ألمُ القلب بفوت المحبوبِ والخوفُ انزعاجُ النفسِ لنزول المكروهِ ولذلك أُسند الأولُ إلى الذهاب به المفوِّتِ لاستمرار مصاحبتِه ومواصلتِه ليوسف والثاني إلى ما يُتوقع نزولُه من أكل الذئبِ، وقيل: رأى في المنام أنه قد شد عليه عليه السلام ذئبٌ وكان يحذَره فقال ذلك، وقد لقنهم للعلة: «إن البلاء موكل بالمنطق» وقرأ ابن كثير، ونافع، في رواية البزي بالهمزة على الأصل، وأبو عمرو به وقفًا. وعاصم، وابنُ عامر، وحمزةُ درجًا وقيل: اشتقاقه من تذاءبت الريحُ إذا هاجت من كل جانب، وقال الأصمعي: الأمرُ بالعكس وهو أظهر لفظًا ومعنى: {وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافلون} لاشتغالكم بالرتع واللِّعْب أو لقلة اهتمامِكم بحفظه.
{قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذئب وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} أي والحالُ أنا جماعةٌ كثيرةٌ جديرةٌ بأن تُعصَّب بنا الأمورُ العظام وتُكفى الخطوبُ بآرائنا وتدبيراتِنا واللام الداخلةُ على الشرط موطئةٌ للقسم وقوله: {إِنَّا إِذَا لخاسرون} جوابٌ مُجزئ عن الجزاء أي لها لكون ضعفًا وخوَرًا وعجزًا أو مستحقون للهلاك إذ لا غَناء عندنا ولا جدوى في حياتنا أو مستحقون لأن يدعى علينا بالخَسار والدمار ويقال: خسّرهم الله تعالى ودمّرهم حيث أكل الذئبُ بعضهم وهم حضور، وقيل: إن لم نقدِر على حفظه وهو أعزُّ شيء عندنا فقد هلكت مواشينا إذن وخسِرناها، وإنما اقتصروا على جواب خوف يعقوبَ عليه السلام من أكل الذئب لأنه السببُ القوي في المنع دون الحزن لِقصر مدّته بناء على أنهم يأتون به عن قريب: {فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ} أي أزمعوا: {أَن يَجْعَلُوهُ} مفعولٌ لأجمعوا يقال: أجمع الأمرَ ومنه: {فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ} ولا يستعمل ذلك إلا في الأفعال التي قوِيت الدواعي إلى فعلها: {فِى غَيَابَةِ الجب} قيل: هي بئرٌ بأرض الأردنّ، وقيل: بين مصرَ ومدينَ، وقيل: على ثلاثة فراسخَ من منزل يعقوبَ عليه السلام بكنعانَ التي هي من نواحي الأردنّ كما أن مدينَ كذلك، وأما ما يقال من أنها بئرُ بيتِ المقدس فيردّه التعليلُ بالتقاط السيارةِ ومجيئهم أباهم عشاءَ ذلك اليومِ فإن بين منزل يعقوبَ عليه السلام وبين بيت المقدس مراحل. وجوابُ لما محذوفٌ إيذانًا بظهوره وإشعارًا بأن تفصيلَه مما لا يحويه فلكُ العبارة، ومجملُه فعلوا به من الأذية ما فعلوا. يروى أنهم لما برزوا إلى الصحراء أخذوا يُؤْذونه ويضرِبونه حتى كادوا يقتلونه، فجعل يصيح ويستغيث، فقال يهوذا: أما عاهدتموني ألا تقتلوه، فأتَوا به إلى البئر فتعلق بثيايهم فنزعوها من يديه فدلّوه فيها فتعلق بشفيرها فربطوا يديه، ونزعوا قميصَه لِما عزموا عليه من تلطيخه بالدم احتيالًا لأبيه، فقال: يا إخوتاه ردوا عليّ قميصي أتوارى به فقالوا: ادعُ الشمسَ والقمرَ والأحدَ عشر كوكبًا تؤنسك، فدلوه فيها، فلما بلغ نصفها ألقَوْه ليموت وكان في البئر ماء فسقط فيه ثم أوى إلى صخرة فقام عليها وهو يبكي، فنادَوه وظن أنها رحمةٌ أدركتهم. فأجابهم فأرادوا أن يرضخوه فمنعهم يهوذا، وكان يأتيه بالطعام كلَّ يوم. ويروى أن إبراهيمَ عليه السلام حين ألقي في النار وجُرِّد عن ثيابه أتاه جبريلُ عليه السلام بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه فدفعه أبراهيمُ إلى إسحاقَ وإسحاقُ إلى يعقوبَ فجعله يعقوبُ في تميمة وعلقها في عنق يوسفَ، فجاءه جبريل عليه السلام فأخرجه من التميمة فألبسه إياه.
{وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ} عند ذلك تبشيرًا له بما يؤول إليه أمره وإزالةً لوحشته وإيناسًا له، قيل: كان ذلك قبل إدراكِه كما أوحي إلى يحيى وعيسى، وقيل: كان إذ ذاك مدركًا، قال الحسن رضي الله عنه: كان له سبعَ عشرةَ سنة: {لَتُنَبّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا} أي لتَتخَلّصن مما أنت فيه من سوء الحالِ وضيقِ المجال ولتُحدِّثن إخوتَك بما فعلوا بك: {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بأنك يوسفُ لتبايُن حالَيك: حالِك هذا وحالِك يومئذ لعلو شأنِك وكبرياءِ سلطانِك وبُعد حالِك عن أوهامهم، وقيل: لبعد العهد المبدِّلِ للهيئات المغيِّرِ للأشكال، والأولُ أدخلُ في التسلية، روي أنهم حين دخلوا عليه ممارين فعرفهم وهم له منكرون دعا بالصُّواع فوضعه على يده ثم نقره فطنّ، فقال: إنه ليُخبرني هذا الجامُ أنه كان لكم أخٌ من أبيكم يقال له يوسفُ وكان يُدْنيه دونكم أونكم انطلقتم به وألقَيتموه في غيابة الجب وقلتم لأبيكم أكله الذئبُ وبعتموه بثمن بخس، ويجوز أن يتعلق {وهم لا يشعرون} بالإيحاء على معنى أنا آنسناه بالوحي وأزلنا عن قلبه الوحشةَ التي أورثوه إياها وهم لا يشعرون بذلك ويحسبون أنه مرهَقٌ مستوحِشٌ لا أنيس له.
وقرئ {لننبئنّهم} بالنون على أنه وعيدٌ لهم فقوله تعالى: {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} متعلق بأوحينا لا غيرُ. اهـ.

.قال الألوسي:

{قَالُوا يَا أَبَانَا}
خاطبوه عليه السلام بذلك تحريكًا لسلسلة النسب وتذكيرًا لرابطة الأخوة ليتسببوا بذلك استنزاله عن رأيه في حفظه منهم لما أحس بحسدهم فكأنهم قالوا: {مالك} أي أيّ شيء: {لاَتَأْمَنَّا} لا تجعلنا أمناء: {دَخَلُواْ على يُوسُفَ} مع أنك أبونا ونحن بنوك وهو أخونا: {وَإِنَّا لَهُ لناصحون} مريدون له الخير ومشفقون عليه ليس فينا ما يخل بذلك، وجملة: {لاتأمنا} في موضع الحال، وكذا جملة: {يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لناصحون} والاستفهام بمالك فيه معنى التعجب، والكلام ظاهر في أنه تقدم منهم سؤال أن يخرج عليه السلام معهم فلم يرض أبوهم بذلك.
وقرأ الجمهور: {لاَ تَأْمَنَّا} بالادغام والإشمام، وفسر بضم الشفتين من انفراج بينهما إشارة إلى الحركة مع الادغام الصريح كما يكون في الوقف وهو المعروف عندهم وفيه عسر هنا، ويطلق على إشراب الكسرة شيئًا من الضمة كما قالوا في قيل، وعلى إشمام أحد حرفين شيئًا من حرف آخر كما قالوا في الصراط، وقرأ زيد بن علي رضي الله عنهما وأبو جعفر والزهري وعمرو بن عبيد بالادغام من غير إشمام، وإرادة النفي ظاهرة، وقرأ ابن هرمز بضم الميم مع الادغام، وهذه الضمة منقولة إلى الميم من النون الأولى بعد سلب حركتها.
وقرأ أبي والحسن وطلحة بن مصرف والأعمش {لا تأمننا} بالاظهار وضم النون على الأصل، وهو خلاف خط المصحف لأنه بنون واحدة، وقرأ ابن وثاب وأبو رزين {لا تيمنا} بكسر حرف المضارعة على لغة تميم؛ وسهل الهمزة بعد الكسرة ابن وثاب، ولم يسهل أبو رزين وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن عاصم أنه قرأ بذلك بمحضر عبيد بن فضلة فقال له: لحنت، فقال أبو رزين: ما لحن من قرأ بلغة قومه.
{أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا} نصب على الظرفية الزمانية وهو يطلق على اليوم الذي يلي يومك، وعلى الزمن المستقبل مطلقًا، وأصله غدو فحذفت لامه وقد جاء تاما أي ابعثه معنا غدًا إلى الصحراء: {يَرْتَعْ} أي يتسع في أكب الفواكه ونحوها، وأصل معنى الرتع أن تأكل وتشرب ما تشاء في خصب وسعة، ويقال: رتع أقام في خصب وتنعم، ويسمى الخصب رتعة بسكون التاء وفتحها، وذكر الراغب أن الرتع حقيقة في أكل البهائم ويستعار للإنسان إذا أريد به الأكل الكثير، وعلى ذلك قوله:
وإذ يخلو له الحمى رتع

{وَيَلْعَبْ} بالاستباق والانتضال ونحوهما مما يتدرب به لقتال العدو، وليس المراد لعب لهو وإلا لم يقرّهم عليه يعقوب عليه السلام وإنما عبروا عن ذلك به لكونه على هيئته تحقيقًا لما رموه من استصحاب يوسف عليه السلام بتصويرهم له بصورة ما يلائم حاله عليه السلام من صغر السن، وقرأ الجمهور: {يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} بالياء والجزم، والابنان.
وأبو عمرو بالنون والجزم، وكسر العين الحرميان، واختلف عن قنبل في إثبات الياء وحذفها، ويروى عن ابن كثير نرتع بالنون: {وَيَلْعَبْ} بالياء، وهي قراءة جعفر بن محمد، وقرأ العلاء بن سيابة: {يَرْتَعْ} بالياء وكسر العين مجزومًا محذوف اللام: {وَيَلْعَبْ} بالياء أيضًا وضم الباء على أنه مستأنف أو خبر مبتدأ محذوف أي وهو يلعب.
وقرأ مجاهد وقتادة وابن محيصن {نرتع} بنون مضمونة وعين ساكنة من أرتعنا ونلعب بالنون أيضًا، وكذلك أبو رجاء إلا أنه بالياء التحتية فيهما، والقراءتان على حذف المفعول أي نرتع المواشي أو غيرها، والفعلان في هذه القراآت كلها مبنيان للفاعل.
وقرأ زيد بن علي رضي الله عنهما: {يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ} بالياء والبناء للمفعول فيهما، وخرج ذلك على أن نائب الفاعل ضمير غد، والأصل يرتع فيه ويلعب فيه، ثم حذف الجار واتسع فعدى الفعل للضمير فصار يرتعه ويلعبه، ثم بنى للمفعول فاستتر الضمير الذي كان منصوبًا لكونه نائبًا عن الفاعل، ومن كسر العين من الفعل الأول فهو عنده من المراعاة على ما روي عن مجاهد أي يراعى بعضنا بعضًا ويحرسه.
وقال ابن زيد: من رعى الإبل أن نتدرب في الرعي وحفظ المال، أو من رعى النبات والكلأ، والمراد نرعى مواشينا إلا أنه أسند ذلك إليهم مجازًا، أو تجوز عن أكلهم بالرعي، وضعف ابن عطية القراءة بإثبات الياء، وقال: إن إثباتها في مثل هذا الموضع لا يجوز إلا في الشعر كقوله:
ألم يأتيك والأنباء تنمي ** بما لاقت لبون بني زياد

وقيل: إن تقدير حذف الحركة في الياء ونحوها للجازم لغة وليس من الضرورة في شيء، وأخرج أبو الشيخ عن مقاتل بن حيان أنه كان يقرأ نلهو ونعلب: {وَإِنَّا لَهُ لحافظون} أي من أن يناله مكروه، والجملة في موضع الحال والعامل فيها فعل الأمر أو الجواب وليس ذلك من باب الأعمال كما قال أبو حيان لاْن الحال لا تضمر، وذلك الباب لابد فيه من الإضمار إذا أعمل الأول، وقد أكدوا مقالتهم بأصناف التأكيد من إيراد الجملة اسمية وتحليتها بأن واللام، وإسناد الحفظ إلى كلهم وتقديم: {لَهُ} على الخبر احتيالًا في تحصيل مقصدهم.
{قَالَ} استئناف بياني كأن سائلًا يقول: فماذا قال أبوهم لهم؟ فقيل: قال: {إِنّى لَيَحْزُنُنِى أَن تَذْهَبُواْ بِهِ} لشدة مفارقته عليّ وقلة صبري عنه، واللام الداخلة على خبر إن إذا كان مضارعًا قيل: تقصره على الحال وهو ظاهر كلام سيبويه، وقيل: تكون له ولغيره، واستدلوا بقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة} [النحل: 124]، وقيل: إنها للحال إن خلت عن قرينة ومعها تكون لغيره، وجعلوا من ذلك ما في الآية، وبعضهم جعلها هنا للحال، واستشكل بأن الذهاب مستقبل فيلزم تقدم الفعل على فاعله وهو غير جائز لأنه أثره ولا يعقل تقدم الأثر على المؤثر.
وأجيب بأن التقدير قصد.
أو توقع أن تذهبوا به، فالكلام على تقدير المضاف وهو الفاعل وليس ذاك أمرًا مستقبلًا بل حال، ولا يمتنع في مثل ذلك حذف الفاعل لما صرحوا به أنه إنما يمتنع إذا لم يسدّ مسدّه شيء وهنا قد سدّ، ولا يجب أن يكون السادّ هو المضاف إليه كما ظن بل لو سدّ غيره كان الحذف جائزًا أيضًا، ومن هنا كان تقدير قصدكم أن تذهبوا صحيحًا، ويحتمل أن يكون ذلك تقدير معنى لا تقدير إعراب، وقال بعضهم: إنه يمكن دفع الاشكال من غير حاجة إلى تقدير المضاف بأن يقال: إن الذهاب يحزنه باعتبار تصوره كما قيل نظيره في العلة الغائية، وقال شهاب: ذلك التحقيق أظن أن ما قالوه في توجيه الاشكال مغلطة لا أصل لها فان لزوم كون الفاعل موجودًا عند وجود الفعل إنما هو في الفاعل الحقيقي لا النحوي واللغوي فإن الفعل قد يكون قبله سواء كان حالًا كما فيما نحن فيه.
أو ماضيًا كما أنه يصح أن يكون الفاعل في مثله أمرًا معدومًا كما في قوله:
ومن سره أن لا يرى ما يسوءه ** فلا يتخذ شيئًا يخاف له فقدًا

ولم يقل أحد في مثله إنه مجتاج إلى التأويل فان الحزن والغم كالسرور والفرح يكون بالشيء قبل وقوعه كما صرح به ابن هلال في فروقه، ولا حاجة إلى تأويل. أو تقدير. أو تنزيل للوجود الذهني منزلة الخارجي على القول به، أو الاكتفاء به فإن مثله لا يعرفه أهل العربية.
أو اللسان فإن أبيت إلا اللجاج فيه فليكم من التجوز في النسبة إلى ما يستقبل لكونه سببًا للحزن الآن. اهـ.