فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأنت تعلم أنهم صرحوا بأن فعل الفاعل الاصطلاحي إما قائم به أو واقع منه، وقيام الشيء بما لم يوجد بعد ووقوعه منه غير معقول، وحينئذ فالتأويل بما يصح القيام أو الوقوع في فاقد ذلك بحسب الظاهر واجب كذا قيل فتدبر، وقرأ ابن هرمز وابن محيصن {ليحزني} بالادغام، وبذلك قرأ زيد بن علي رضي الله عنهما، وقرأ أيضًا {تذهبوا به} من أذهب رباعيًا، ويخرج كما قال أبو حيان على زيادة الباء في: {بِهِ} كما خرج بعضهم: {تَنبُتُ بالدهن} [المؤمنون: 20] في قراءة من ضم التاء وكسر الباء الموحدة على ذلك أي ليحزني أن تذهبوه.
{وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذئب} هو يحوان معروف وخصه بالذكر لأن الأرض على ما قيل: كانت مذئبة، وقيل: لأنه سبع ضعيف حقير فنبه عليه السلام بخوفه عليه السلام عليه منه على خوفه عليه مما هو أعظم منه افتراسًا من باب أولى، ولحقارة الذئب خصه الربيع بن ضبع الفزاري في كونه يخشاه لما بلغ من السن ما بلغ في قوله:
والذئب أخشاه إن مررت به ** وحدي وأخشى الرياح والمطرا

وقيل: لأنه عليه السلام رأى في المنام أن ذئبًا قد شد عليه فكان يحذره، ولعل هذا الحذر لأن الأنبياء عليهم السلام لمناسبتهم التامة بعالم الملكوت تكون واقعاتهم بعينها واقعة، وإلا فالذئب في النوم يؤول بالعدو.
وادعى بعضهم أنه عليه السلام ورى بالذئب عن واحد منهم فانه عليه السلام أجل قدرًا من أن لا يعلم أن رأياه تلك من أي أقسام الرؤيا هي، فإن منها ما يحتاج للتعبير.
ومنها ما لا يحتاج إليه، والكامل يعرف ذلك.
وتعقب بأنه يحتمل أن يكون الأمر قد خفي عليه كما قد خفي مثل ذلك على جده إبراهيم عليه السلام وهو بناء على ما ذكره شيخنا ابن العربي قدس سره من أن رؤياه عليه السلام ذبح ولده من الرؤيا المعبرة بذبح كبش لكنه خفي عليه ذلك ولا يخفى ما فيه، والمذكور في بعض الروايات أنه عليه السلام رأى في منامه كأنه على ذروة جبل وكأن يوسف في بطن الوادي فإذا عشرة من الذئاب قد احتوشته تريد أكله فدرأ عند واحد ثم انشقت الأرض فتوارى يوسف فيها ثلاثة أيام، وأنا لم أجد لرواية الرؤيا مطلقًا سندًا يعول عليه ولا حاجة بنا إلى اعتبارها لتكلف الكلام فيها، وبالجملة ما وقع منه عليه السلام من هذا القول كان تلقينا للجواب من غير قصد وهو على أسلوب قوله سبحانه: {مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ الكريم} [الانفطار: 6] والبلاء موكل بالمنطق.
وأخرج أبو الشيخ وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تلقنوا الناس فيكذبوا فان بني يعقوب لم يعلموا أن الذئب يأكل الناس فلما لقنهم أبوهم كذبوا فقالوا: أكله الذئب» والحزن ألم القلب لفوت المحبوب.
والخوف انزعاج النفس لنزول المكروه، ولذلك أسند الأول إلى الذهاب به المفوت لاستمرار مصاحبته ومواصلته ليوسع عليه السلام، والثاني إلى ما يتوقع نزوله من أكل الذئب والذئب أصله الهمزة وهي لغة الحجاز، وبها قرأ غير واحد. وقرأ الكسائي. وخلف. وأبو جعفر. ووريش. والأعمش. وغيرهم بابدالها ياءًا لسكونها وانكسار ما قبلها وهو القياس في مثل ذلك، وذكر بعضهم أنه قد همزه على الأصل ابن كثير. ونافع في رواية قالون. وأبو عمرو وقفًا، وابن عامر. وحمزة درجًا وأبدلا وقفًا، ولعل ذلك لأن التقاء الساكنين في الوقف وإن كان جائزًا إلا أنه إذا كان الأول حرف مد يكون أحسن.
وقال نصر: سمعت أبا عمر ولا يهمزه، والظاهر أنه أراد مطلقًا فيكون ما تقدم رواية وهذه أخرى، ويجمع على أذؤب. وذئاب. وذؤبان، واستقاقه عند الزمخشري من تذاءبت الريح إذا هبت من كل جهة. وقال الأصمعي: إن اشتقاق تذاءبت من الذب لأن الذئب يفعله في عدوه، قيل: وهو أنسب ولذا عد تذاءبت الريح من المجاز في الأساس لكن قيل عليه: إن أخذ الفعل من الأسماء الجامعدة كابل قليل مخالف للقياس: {وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافلون} لاشتغالكم بالرتع واللعب أو لقلة اهتمامكم بحفظه.
{قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذئب وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} أي والحال أنا جماعة جديرة بأن تعصب بنا الأمور وتكفي بآرائنا وتدبيراتنا الخطوب، واللام الداخلة على الشرط موطئة للقسم، وقوله سبحانه: {إِنَّا إِذَا لخاسرون} جواب مجزئ عن الجزاء، والخسار إما بمعنى الهلاك تجوزًا عن الضعف.
أو استحقاقه، أو عن استحقاق الدعاء به أي بضعفاء عاجزون.
أو مستحقون للهلاك لاغناء عندنا ولا نفع في حياتنا، أو مستحقون لأن يدعى علينا بالخسار والدمار فيقال: خسرهم الله تعالى ودمرهم إذ أكل الذئب أخاهم وهم معه، وجوز أن يكون بمعناه الحقيقي أي إن لم نقدر على حفظه وهو أعز شيء عندنا فقد هلكت مواشينا وخسرناها وإنما اقتصروا على جواب خوف أبيهم عليه السلام من أكل الذئب مع أنه ذكر في وجه عدم مفارقته أمرين: حزنه لمفارقته.
وخوفه عليه من الذئب لأنه السبب القوي في المنع دون الحزن لقصر زمانه بناءًا على سرعة عودهم به، أو لأن حزنه بالذهاب به إنما هو للخوف عليه، فنفي الثاني يدل على نفي الأول، أو لكراهتهم لذلك لأنه سبب حسدهم له فلذلك أعاروه أذنًا صماء.
{فَلَمَّا ذَهَبُواْ به وَأَجْمَعُواْ} أي عزموا عزمًا مصممًا على: {أَن يَجْعَلُوهُ فِى} أي عزموا عزمًا مصممًا على: {غَيَابَةِ الجب} قيل: هو بئر على ثلاث فراسخ من مقام يعقوب عليه السلام بكنعان التي هي من نواحي الأردن، وقيل: هو بين مصر ومدين، وقيل: بنفس أرض الأردن، وزعم بعضهم أنها بئر بيت المقدس، وتعقب بأنه يرده التعليل بالتقاط بعض السيارة ومجيئهم عشاء ذلك اليوم فإن بين منزل يعقوب عليه السلام وبيت المقدس مراحل وجواب لما محذوف إيذانًا بظهوره وإشعارًا بأن تفصيله مما لا يحويه فلك العبارة ومجمله فعلوا ما فعلوا، وقدره بعضهم عظمت فتنتهم وهو أولى من تقدير وضعوه فيها، وقيل: لا حذف والجواب أوحينا، والواو زائدة وليس بشيء.
قال وهب وغيره من أهل السير والأخبار: إن إخوة يوسف عليه السلام قالوا: أما تشتاف أن تخرج معنا إلى مواشينا فنتصيد ونستبق؟ فقال عليه السلام: بلى قالوا: فسل أباك أن يرسلك معنا، فقال عليه السلام: أفعل فدخلوا بجماعتهم على يعقوب فقالوا: يا أبانا إن يوسف قد أحب أن يخرج معنا إلى مواشينا، فقال يعقوب: ما تقول يا نبي؟ قال: نعم يا أبت إني أرى من إخوتي من اللين واللطف فأحب أن تأذن لي وكان يعقوب يكره مفارقته ويحب مرضاته فأذن له وأرسله معهم فلما خرجوا به جعلوا يحملونه على رقابهم ويعقوب ينظر إليهم فلما بعدوا عنه وصاروا به إلى الصحراء ألقوه إلى الأرض وأظهروا له ما في أنفسهم من العداوة وبسطوا له القول وجعلوا يضربونه فجعل كلما جاء إلى واحد منهم واستغاث به ضربه فلما فطن لما عزموا عليه جعل ينادي يا أبتا لو رأيت يوسف وما نزل به من إخوته لا حزنك ذلك وأبكاك يا أبتاه ما أسرع ما نسوا عهدك وضيعوا وصيتك وجعل يبكي بكاءًا شديدًا فأخذخ روبيل فجلد به الأرض ثم جثم على صدره وأراد قتله، فقال له يوسف: مهلا يا أخي لا تقتلني، فقال له: يا ابن راحيل أنت صاحب الاحلام قل لرؤياك تخلصك من أيدينا ولوي عنقه فاستغاث بيهوذا وقال له: اتق الله تعالى فيّ وحل بيني وبين من يريد قتلي فأدركته رحمة الأخوة ورق له فقال: يا إخواتاه ما على هذا عاهدتموني ألا أدلكم على ما هو أهون لكم وأرفق به؟ قالوا: وما هو؟ قال: تلقونه في هذا الجب فإما أن يموت أو يلتقطه بعض السيارة فانطلقوا به إلى بئر هناك واسع الاسفل ضيق الرأس فجعلوا يدلونه فيها فتعلق بشفيرها فربطوا يديه ونزعوا قميصه فقال: يا إخوتاه ردوا على قميصي لأستتر به في الجب فلم يفعلوا ثم ألقوه فيها، فقال لهم: يا إخواتاه أتدعوني وحيدًا؟ قالوا: أدع الشمس والقمر والكواكب تؤنسك.
وقيل: جعلوه في دلو ثم أدلوه فلما بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت وكان في البئر ماء فسقط فيه ثم قام على صخرة فيها.
وروي أنهم لما ألقوه في الجب جعل يبكي فنادوه فظن أنها رحمة أدركتهم فأجابهم فأرادوا رضخه بصخرة ليقتلوه فمنعهم يهوذا وكان عند يعقوب قميص إبراهيم عليه السلام الذي كساه الله تعالى إياه من الجنة حين ألقى في النار وكان قد جعله في قصبة من فضة وعلقة في عنق يوسف لما خرج مع ءخوته فلما صار في البئر أخرجه ملك وألبسه أياه فأضاء له الجب، وعن الحسن أنه لما ألقى فيها عذب ماؤها وكان يغنيه عن الطعام والشراب ونزل عليه جبريل عليه السلام يؤنسه فلما أمسى نهض ليذهب فقال له: إني أستوحش إذا ذهبت، فقال: إذا رمت شيئًا فقل: يا صريخ المستصرحين ويا غوث المستغيثين ويا مفرج كرب المكروبين قد ترى مكاني وتعلم حالي ولا يخفى عليك شيء من أمري فلما قالها يوسف عليه السلام حفتة الملائكة عليهم السلام واستأنس بهم.
وقال محمد بن مسلم الطائفي: إنه عليه السلام لما ألقى في الجب قال: يا شاهدًا غير غائب ويا قريبًا غير بعيدو يا غالبا غير مغلوب اجعل لي فرجًا مما أنا فيه، وقيل: كان يقول: يا إليه إبراهيم وإسحق ويعقوب ارحم ضعفي وقلة حللتي وصغر سني، وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما ألقى يوسف في الجب أتابه جبريل عليه السلام فقال: يا غلام من ألقاك في هذا الجب؟ قال: إخوتي قال: ولم؟ قال: لمودة أبي إياي حسدوني، قال: تريد الخروج من ههنا؟ قال: ذاك إلى إله يعقوب، قال: قل: اللهم إني أسألك باسمك المكنون المخزون يا بديع السموات والأرض ياذا الجلال والإكرام أن تغفر لي وترحمني وأن تجعل من أمري فرجًا ومخرجًا وأن ترزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب فقالها فجعل الله تعالى له من أمره فرجًا ومخرجًا ورزقه ملك مصر من حيث لا يحتسب ثم قال عليه الصلاة والسلام: ألظوا بهؤلاء الكلمات فانهن دعاء المصطفين الاخيار» وروى غير ذلك، والروايات في كيفية إلفائه. وما قال. وما قيل له كثيرة، وقد تضمنت ما يلين له الصخر لكن ليس فيها ما له سند يعول عليه، والله تعالى أعلم: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ} الضمير ليوسف أي أعلمناه عند ذلك تبشيرًا له بما يؤول إليه أمره وإزالة لوحشته وتسلية له، وكان ذلك على ما روي عن مجاهد بالالهام؛ وقيل: بالالقاء في مبشرات المنام، وقال الضحاك وقتادة: بارسال جبريل عليه السلام إليه والموحى إليه ما تضمنه قوله سبحانه: {لَتُنَبّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا} وهو بشارة له بالخلاص أيضًا أي لتخلصن مما أنت فيه من سوء الحال وضيق المجال ولتخبرن إخوتك بما فعلوا بك: {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بأنك يوسف لتباين حاليك: حالك هذا.
وحالك يومئذ بعلو شأنك كوبرياء سلطانك وبعد حالك من أوهامهم، وقيل: لبعد العهد المبدل للهيآت المغير للاشكال والأول أدخل في التسلية، أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لما دخل إخوة يوسف على يوسف فعرفهم وهم له منكرون جيء بالصواع فوضعه على يده ثم نقره فطن، فقال: إنه ليخبرني هذا الجام أنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسف يدنيه دونكم وأنكم انطلقتم به فألقيتموه في غيابة الجب فأتيتم أباكم فقلتم: إن الذئب أكله وجئتم على قميصه بدم كذب، فقال بعضهم لبعض: إن هذا الجام ليخبره بخبركم، ثم قال ابن عباس: فلا نرى هذه الآية: {لَتُنَبّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ} الخ نزلت إلا في ذلك، وجوز أن يتعلق: {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بالايحار على معنى أنا آنسناه بالوحي وازلنا عن قلبه الوحشة التي أورثوه إياها وهم لا يشعرون بذلك ويحسبون أنه مستوحش لا أنيس له.
وروي ذلك عن قتادة، وكان هذا الإيحاء وهو عليه السلام ابن ست عند الضحاك.
واثنتي عشرة سنة أو ثماني عشرة سنة عند الحسن.
وسبع عشرة سنة عند ابن السائب وهو الذي يزعمه اليهود وقيل غير ذلك، ومن نظر في الآيات ظهر له أن الراجح كونه عليه السلام لم يبلغ الحلم إذ ذاك، وعلى جميع الأقوال أنه عليه السلام لم يكن بالغًا الأربعين عند الايحاء إليه، نعم أكثر الأنبياء عليهم السلام نبئوا في سن الأربعين وقد أوحى إلى بعضهم كيحيى وعيسى عليهما السلام قبل ذلك بكثير.
وزعم بعضهم أن ضمير: {إِلَيْهِ} يعود على يعقوب عليه السلام وليس بشيء كما لا يخفى، وقرأ ابن عمر رضي الله عنهما {لينبئنهم} بياء الغيبة وكذا في مصاحف البصرة.
وقرأ سلام بالنون على أنه وعيد لهم، فقوله سبحانه: {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} متعلق بأوحينا لا غير على ما قاله الزمخشري ومن تبعه، ونظر فيه بأنه يجوز أن يتعلق أيضًا بقوله تعالى: {لننبئنهم} وأن يراد بانباء الله تعالى إيصال فعلهم به عليه السلام وهم لا يشعرون بذلك، ودفع بأنه بناءًا على الظاهر وأنه لا يجتمع إنباء الله تعالى مع عدم شعورهم بما أنبأهم به إلا بتأويل كتقدير لنعلمنهم بعطيم ما ارتكبوه قبل وهم لا يشعرون بما فيه. اهـ.

.قال القاسمي:

{قَالُواْ} أي: لأبيهم: {يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ} أي: لم تخافنا عليه، ونحن نريد له الخير ونحبه ونشفق عليه؟ أرادوا بذلك استنزاله عن عادته في حفظه منهم. وفيه دليل على أنه أحس منهم بما أوجب أن لا يأمنهم عليه- كذا في الكشاف-.
{أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الرتع: الأكل والشرب والسعي والنشاط، حيث يكون الخضر والمياه والزروع. يريدون: أن إلزامك إياه أن يكون بمكانك، موجب لملاله القاطع لنشاطه على العبادة، واكتساب الكمالات.
{قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} يعني: وإن زعمتم أنكم له حافظون، فحفظكم إنما يكون ما دمتم ناظرين إليه، لكن لا يخلو الإنسان عن الغفلة، فأخاف غفلتكم عنه.
قال الزمخشري: اعتذر إليهم بشيئين:
أحدهما: أن ذهابهم به، ومفارقته إياه مما يحزنه؛ لأنه كان لا يصبر عنه ساعة.
والثاني: خوفه عليه من عدوة الذئب إذا غفلوا عنه برعيهم ولعبهم، أو قل به اهتمامهم، ولم تصدق بحفظه عنايتهم.
قال الناصر: وكان أشغل الأمرين لقلبه خوف الذئب عليه، لأنه مظنة هلاكه. وأما حزنه لمفارقته ريثما يرتع ويلعب ويعود سالمًا إليه عما قليل؛ فأمر سهل. فكأنهم لم يشتغلوا إلا بتأمينه وتطمينه من أشد الأمرين عليه. انتهى أي: فيما حكي عنهم بقوله: {قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} أي: جماعة أقوياء، يمكننا أن ننزعه من يد الذئب: {إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ} أي: هالكون ضعفًا وجبنًا. أو عاجزون، أو مستحقون لأن يدعى عليهم بالخسارة والدمار.
{فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ} أي: بعد مراجعة أبيهم في شأنه: {وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ} فيه تعظيم لما أزمعوا؛ إذ أخذوه ليكرموه، ويدخلوا السرور على أبيه، ومكروا ما مكروا: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا} أي: أعلمناه بإلقاء في روعه، أو بواسطة ملك عند ذلك تبشيرًا له، بأنك ستخلص مما أنت فيه، وتحدثهم بما فعلوا بك.
وقوله: {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} إما متعلق بـ {أوحينا} أي: أوحينا إليه ذلك وهم لا يشعرون؛ إيناسًا له، وإزالة للوحشة، أو حال من الهاء في {لتنبئنهم}، أي: لتحدثنهم بذلك وهم لا يشعرون أنك يوسف، لعلو شأنك، كما سيأتي في قوله تعالى: {فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [يوسف: من الآية 58].
روي أنهم نزعوا قميص يوسف الموشى الذي عليه، وأخذوه، وطرحوه في البئر، وكانت فارغة لا ماء بها، وجلسوا بعدُ يأكلون ويلهون إلى المساء.
وجواب (لما) في الآية محذوف، مثل فعلوا ما فعلوا، أو طرحوه فيها. وقيل: الجواب (أوحينا) والواو زائدة. اهـ.