فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وحكى الماورديّ أن في القميص ثلاث آيات: حين جاءوا عليه بدم كذب، وحين قُدّ قميصه من دبر، وحين ألْقيِ على وجه أبيه فارتدّ بصيرًا.
قلت: وهذا مردود؛ فإن القميص الذي جاءوا عليه بالدم غير القميص الذي قدّ، وغير القميص الذي أتاه البشير به.
وقد قيل: إن القميص الذي قدّ هو الذي أتى به فارتدّ بصيرًا، على ما يأتي بيانه آخر السورة إن شاء الله تعالى.
وروي أنهم قالوا له: بل اللصوص قتلوه؛ فاختلف قولهم، فاتهمهم، فقال لهم يعقوب: تزعمون أن الذئب أكله، ولو أكله لشق قميصه قبل أن يفضي إلى جلده، وما أرى بالقميص من شق؛ وتزعمون أن اللصوص قتلوه، ولو قتلوه لأخذوا قميصه؛ هل يريدون إلا ثيابه؟ فقالوا عند ذلك: {وما أنت بِمؤمِنٍ لنا ولو كنا صادِقِين} عن الحسن وغيره؛ أي لو كنا موصوفين بالصدق لاتهمتنا.
الثالثة:
استدل الفقهاء بهذه الآية في إعمال الأَمَارات في مسائل من الفقه كالقَسامة وغيرها، وأجمعوا على أن يعقوب عليه السلام استدل على كذبهم بصحة القميص؛ وهكذا يجب على الناظر أن يلحظ الأمارات والعلامات إذا تعارضت، فما ترجح منها قضى بجانب الترجيح، وهي قوة التهمة؛ ولا خلاف بالحكم بها، قاله ابن العربي.
قوله تعالى: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ}.
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: روي أن يعقوب لما قالوا له: {فَأَكَلَهُ الذّئْبُ} قال لهم: ألم يترك الذئب له عضوًا فتأتوني به استأنس به؟ ألم يترك لي ثوبًا أشم فيه رائحته؟ قالوا: بلى هذا قميصه ملطوخ بدمه؛ فذلك قوله تعالى: {وَجَاءُوا على قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} [يوسف: 18] فبكى يعقوب عند ذلك وقال لبنيه: أروني قميصه، فأروه فشمه وقبّله، ثم جعل يقلبه فلا يرى فيه شقًا ولا تمزيقًا، فقال: والله الذي لا إله إلا هو ما رأيت كاليوم ذئبًا أحكم منه؛ أكل ابني واختلسه من قميصه ولم يمزقه عليه؛ وعلم أن الأمر ليس كما قالوا، وأن الذئب لم يأكله، فأعرض عنهم كالمغضب باكيًا حزينًا وقال: يا معشر ولدي! دلوني على ولدي؛ فإن كان حيًا رددته إليّ، وإن كان ميتًا كفنته ودفنته، فقيل قالوا حينئذ: ألم تروا إلى أبينا كيف يكذبنا في مقالتنا تعالوا نخرجه من الجب ونقطعه عضوًا عضوا، ونأت أبانا بأحد أعضائه فيصدقنا في مقالتنا ويقطع يأسه؛ فقال يهوذا: والله لئن فعلتم لأكوننّ لكم عدوًا ما بقيت، ولأخبرنّ أباكم بسوء صنيعكم؛ قالوا: فإذا منعتنا من هذا فتعالوا نصطد له ذئبًا، قال: فاصطادوا ذئبًا ولطخوه بالدم، وأوثقوه بالحبال، ثم جاءوا به يعقوب وقالوا: يا أبانا إن هذا الذئب الذي يحل بأغنامنا ويفترسها، ولعله الذي أفجعنا بأخينا لا نشك فيه، وهذا دمه عليه؛ فقال يعقوب: أطلقوه؛ فأطلقوه، وتَبَصْبَصَ له الذئب، فأقبل يدنو (منه) ويعقوب يقول له: ادن ادن؛ حتى ألصق خدّه بخدّه فقال له يعقوب: أيها الذئب! لم فجعتني بولدي وأورثتني حزنًا طويلًا؟ ثم قال اللهم أنطقه، فأنطقه الله تعالى فقال: والذي اصطفاك نبيًا ما أكلت لحمه، ولا مزقت جلده، ولا نتفت شعرة من شعراته، ووالله! ما لي بولدك عهد، وإنما أنا ذئب غريب أقبلت من نواحي مصر في طلب أخ لي فقِد، فلا أدري أحي هو أم ميت، فاصطادني أولادك وأوثقوني، وإن لحوم الأنبياء حرمت علينا وعلى جميع الوحوش، وتالله! لا أقمت في بلاد يكذب فيها أولاد الأنبياء على الوحوش؛ فأطلقه يعقوب وقال: والله لقد أتيتم بالحجة على أنفسكم؛ هذا ذئب بهيم خرج يتبع ذِمَام أخيه، وأنتم ضيعتم أخاكم، وقد علمت أن الذئب بريء مما جئتم به.
{بَلْ سَوَّلَتْ} أي زينت.
{لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا} غير ما تصفون وتذكرون.
ثم قال توطئة لنفسه: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} وهي:
الثانية: قال الزجاج: أي فشأني والذي أعتقده صبر جميل.
وقال قُطْرُب: أي فصبري صبر جميل.
وقيل: أي فصبر جميل أولى بي؛ فهو مبتدأ وخبره محذوف.
ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الصبر الجميل فقال: «هو الذي لا شكوى معه».
وسيأتي له مزيد بيان آخر السورة إن شاء الله.
قال أبو حاتم: قرأ عيسى بن عمر فيما زعم سهل بن يوسف: {فصبرًا جميلًا} قال: وكذا قرأ الأشهب العُقَيْلي؛ قال وكذا في مصحف أنس وأبي صالح.
قال المبرّد: {فصبر جميل} بالرفع أولى من النصب؛ لأن المعنى: قال رب عندي صبر جميل؛ قال: وإنما النصب على المصدر، أي فلأَصبرنّ صبرًا جميلًا؛ قال:
شكا إليّ جَمَلي طُولَ السُّرَى ** صَبْرًا جميلًا فكِلاَنَا مُبْتَلَى

والصبر الجميل هو الذي لا جزع فيه ولا شكوى.
وقيل: المعنى لا أعاشركم على كآبة الوجه وعبوس الجبين، بل أعاشركم على ما كنت عليه معكم؛ وفي هذا ما يدل على أنه عفا عن مؤاخذتهم.
وعن حبيب بن أبي ثابت أن يعقوب كان قد سقط حاجباه على عينيه، فكان يرفعهما بخرقة؛ فقيل له: ما هذا؟ قال: طول الزمان وكثرة الأحزان؛ فأوحى الله إليه أتشكوني يا يعقوب؟ قال: يا رب! خطيئة أخطأتها فاغفر لي.
{والله المستعان} ابتداء وخبر.
{على مَا تَصِفُونَ} أي على احتمال ما تصفون من الكذب.
الثالثة: قال ابن أبي رفاعة: ينبغي لأهل الرأي أن يتهموا رأيهم عند ظن يعقوب صلى الله عليه وسلم وهو نبيّ؛ حين قال له بنوه: {إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذئب} [يوسف: 17] قال: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} فأصاب هنا؛ ثم قالوا له: {إِنَّ ابنك سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} [يوسف: 81] قال: {بل سوّلت لكم أنفسكم أمرًا} فلم يصب. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {وجاؤوا أباهم عشاء يبكون}
قال المفسرون: لما طرحوا يوسف في الجب رجعوا إلى أبيهم وقت العشاء ليكونوا في الظلمة أجرأ على الاعتذار بالكذب فلما قربوا من منزل يعقوب جعلوا يبكون ويصرخون فسمع أصواتهم ففزع من ذلك وخرج إليهم فلما رآهم قال بالله سألتكم يا بني هل أصابكم شيء في غنمكم قالوا لا قال فما أصابكم وأين يوسف: {قالوا يا أبنا إنا ذهبنا نستبق} قال ابن عباس: يعني ننتضل، وقال الزجاج: يسابق بعضنا بعضًا في الرمي الأصل في السبق الرمي بالسهم وهو التناضل أيضًا وسمي المتراميان بذلك يقال تسابقا واستبقا إذا فعلا ذلك ليتبين أيهما أبعد سهمًا.
وقال السدي: يعني نشتد ونعدو والمعنى نستبق على الأقادم ليتبين أينا أسرع عدوًا وأخف حركة، وقال مقاتل: نتصيد والمعنى نستبق إلى الصيد: {وتركنا يوسف عند متاعنا} يعني عند ثيابنا: {فأكله الذئب} يعني في حال استباقنا وغفلتنا عنه: {وما أنت بمؤمن لنا} يعني وما أنت بمصدق لنا: {ولو كنا صادقين} يعني في قولنا والمعنى إنا وإن كنا صادقين لكنك لا تصدق لنا قولًا لشدة محبتك ليوسف عند ثيابنا: {فأكله الذئب} يعني في حال استباقنا وغفلتنا عنه: {وما أنت بمؤمن لنا} يعني وما أنت بمصدق لنا: {ولو كنا صادقين} يعني في قولنا والمعنى إنا وإن كنا صادقين لكنك لا تصدق لنا قولًا لشدة محبتك ليوسف فإنك تتهمنا في قولنا هذا وقيل معناه إنا وإن كنا صادقين فإنك لا تصدقنا لأنه لم تظهر عندك أماة تدل على صدقنا: {وجاؤوا على قميصه} يعني قميص يوسف: {بدم كذب} أي مكذوب فيه قال ابن عباس: إنهم ذبحوا سخلة وجعلوا دمها على قميص يوسف ثم جاؤوا أباهم وفي القصة أنهم لطخوا القميص بالدم ولم يشقوه، فقال يعقوب لهم: كيف أكله الذئب ولم يشقّ قميصه فاتهمهم بذلك، وقيل إنهم أتوه بذئب وقالوا هذا أكله فقال يعقوب: أيها الذئب أنت أكلت ولدي وثمرة فؤادي؟ فأنطقه الله وقال والله ما أكلته ولا رأيت ولدك قط ولا يحل لنا أن نأكل لحوم الأنبياء، فقال يعقوب فكيف وقعت بأرض كنعان قال جئت لصلة الحم وهي قرابة لي فأخذوني وأتوا بي إليك فأطلقه يعقوب ولما ذكر إخوة يوسف ليعقوب هذا الكلام واحتجوا على صدقهم بالقميص الملطخ بالدم،: {قال} يعقوب: {بل سولت لكم أنفسكم أمرًا} يعني بل زينت لكم أنفسكم أمرًا، وأصل التسويل تقدير معنى في النفس مع الطمع في إتمامه، وقال صاحب الكشاف: سولت سهلت من السول وهو الاسترخاء أي سهلت لكم أنفسكم أمرًا عظيمًا ركبتموه من يوسف وهوّنتموه في أنفسكم وأعينكم فعلى هذا يكون معنى قوله بل رد لقولهم فأكله الذئب كأنه قال ليس الأمر كما تقولون أكله الذئب بل سولت لكم أنفسكم أمرًا آخر غير ما تصفون: {فصبر جميل} أي: فشأني صبر جميل، وقيل: معناه فصبري صبر جميل والصبر الجميل الذي لا شكوى فيه ولا جزع.
وقيل: من الصبر أن لا تتحدث بمصيبتك ولا تزكين نفسك: {والله المستعان على ما تصفون} يعني: من القول الكذب، وقيل: معناه والله المستعان على حمل ما تصفون. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَجَاءوا أَبَاهُمْ عِشَاء}
وعشاء نصب على الظرف، أو من العشوة.
والعشوة: الظلام، فجمع على فعال مثل راع ورعاء، ويكون انتصابه على الحال كقراءة الحسن عشا على وزن دجى، جمع عاش، حذف منه الهاء كما حذفت في مالك، وأصله مالكة.
وعن الحسن عشيًا على التصغير.
قيل: وإنما جاؤوا عشاء ليكون أقدر على الاعتذار في الظلمة، ولذا قيل: لا تطلب الحاجة بالليل فإنّ الحياء في العينين، ولا تعتذر في النهار من ذنب فتتلجلج في الاعتذار.
وفي الكلام حذف تقديره: وجاؤوا أباهم دون يوسف عشاء يبكون، فقال: أين يوسف؟ قالوا: إنا ذهبنا.
وروي أن يعقوب لما سمع بكاءهم قال: ما لكم، أجرى في الغنم شيء؟ قالوا: لا.
قال: فأين يوسف؟ قالوا: إنا ذهبنا نستبق فأكله الذئب، فبكى، وصاح، وخر مغشيًا عليه، فأفاضوا عليه الماء فلم يتحرك، ونادوه فلم يجب، ووضع يهوذا يده على مخارج نفسه فلم يحس بنفسه ولا تحرك له عرق فقال: ويل لنا من ديان يوم الدين الذي ضيعنا أخانا وقتلنا أبانا، فلم يفق لا ببرد السحر.
قال الأعمش: لا يصدق باك بعد أخوة يوسف.
ونستبق.
أي: نترامى بالسهام، أو نتجارى على الأقدام أينا أشد عدوًا، أو نستبق في أعمال نتوزعها من سقي ورعي واحتطاب، أو نتصيد.
أربعة أقوال.
عند متاعنا أي: عند ثيابنا، وما تجردنا له حالة الاستباق، وهذا أيضًا يدل على صغر يوسف، إذ لو كان ابن ثمان عشرة سنة أو سبع عشرة لكان يستبق معهم، فأكله الذئب قد ذكرنا أنهم تلقنوا هذا الجواب من قول أبيهم، وأخاف أن يأكله الذئب، لأن أكل الذئب إياه كان أغلب ما كان خاف عليه.
وما أنت بمؤمن لنا أي: بمصدق لنا الآن ولو كنا صادقين.
أو لست مصدقًا لنا على كل حال حتى في حالة الصدق، لما غلب عليك من تهمتنا وكراهتنا في يوسف، وإنا نرتاد له الغوائل، ونكيد له المكائد، وأوهموا بقولهم: ولو كنا صادقين أنهم صادقون في أكل الذئب يوسف، فيكون صدقهم مقيدًا بهذه النازلة.
أو من أهل الصدق والثقة عند يعقوب قبل هذه النازلة، لشدّة محبتك ليوسف، فكيف وأنت سيئ الظن بنا في هذه النازلة، غير واثق بقولنا فيه؟.
روي أنهم أخذوا سخلة أو جديًا فذبحوه، ولطخوا قميص يوسف بدمه، وقالوا: ليعقوب هذا قميص يوسف فأخذه، ولطخ به وجهه وبكى، ثم تأمله فلم ير خرقًا ولا ارتاب، فاستدل بذلك على خلاف ما زعموا وقال لهم: متى كان الذئب حليمًا يأكل يوسف ولا يخرق قميصه؟ قيل: كان في قميص يوسف ثلاث آيات، كان دليلًا ليعقوب على أن يوسف لم يأكله الذئب، وألقاه على وجهه فارتد بصيرًا، ودليلًا على براءة يوسف حين قدّ من دبر.
قال الزمخشري: فإن قلت: على قميصه ما محله؟ قلت: محله النصب على الظرف، كأنه قيل: وجاؤوا فوق قميصه بدم كما تقول: جاء على جماله بأحمال.
فإن قلت: هل يجوز أن يكون حالًا مقدمة؟ قلت: لا، لأن حال المجرور لا يتقدم عليه انتهى.
ولا يساعد المعنى على نصب على على الظرف بمعنى فوق، لأن العامل فيه إذ ذاك جاؤوا، وليس الفوق ظرفًا لهم، بل يستحيل أن يكون ظرفًا لهم.
وقال الحوفي: على متعلق بجاؤوا، ولا يصح أيضًا.
وأما المثال الذي ذكره الزمخشري وهو جاء على جماله بأحمال فيمكن أن يكون ظرفًا للجائي، لأنه تمكن الظرفية فيه باعتبار تبدله من جمل على جمل، ويكون بأحمال في موضع الحال أي: مصحوبًا بأحمال.
وقال أبو البقاء: على قميصه في موضع نصب حالًا من الدم، لأن التقدير: جاؤوا بدم كذب على قميصه انتهى.
وتقديم الحال على المجرور بالحرف غير الزائد في جوازه خلاف، ومن أجاز استدل على ذلك بأنه موجود في لسان العرب، وأنشد على ذلك شواهد هي مذكورة في علم النحو، والمعنى: يرشد إلى ما قاله أبو البقاء.
وقرأ الجمهور: {كذب} وصف لدم على سبيل المبالغة، أو على حذف مضاف أي: ذي كذب، لما كان دالًا على الكذب وصف به، وإن كان الكذب صادرًا من غيره.
وقرأ زيد بن علي: {كذبًا} بالنصب، فاحتمل أن يكون مصدرًا في موضع الحال، وأن يكون مفعولًا من أجله.
وقرأت عائشة، والحسن: {كدب} بالدال غير معجمة، وفسر بالكدر، وقيل: الطري، وقيل: اليابس، وقال صاحب اللوامح: ومعناه ذي كذب أي: أثر لأن الكذب هو بياض يخرج في أظافير الشبان ويؤثر فيها، كالنقش، ويسمى ذلك البياض الفوف، فيكون هذا استعارة لتأثيره في القميص، كتأثير ذلك في الأظافير.
قال: بل سولت هنا محذوف تقديره: لم يأكله الذئب، بل سولت.
قال ابن عباس: أمرتكم أمرًا، وقال قتادة: زينت، وقيل: رضيت أمرًا أي: صينعًا قبيحًا.
وقيل: سهلت.
فصبر جميل أي: فأمري صبر جميل، أو فصبر جميل أمثل.
وقرأ أبي، والأشهب، وعيسى بن عمر: {فصبرًا جميلًا} بنصبهما، وكذا هي في مصحف أبيّ، ومصحف أنس بن مالك.
وروي كذلك عن الكسائي.
ونصبه على المصدر الخبري أي: فاصبر صبرًا جميلًا.
قيل: وهي قراءة ضعيفة عند سيبويه، ولا يصلح النصب في مثل هذا إلا مع الأمر، وكذلك يحسن النصب في قوله:
شكا إلي جملي طول السرى ** صبرًا جميلًا فكلانا مبتلي

ويروى صبر جميل في البيت.
وإنما تصح قراءة النصب على أنْ يقدر أنّ يعقوب رجع إلى مخاطبة نفسه فكأنه قال: فاصبري يا نفسُ صبرًا جميلًا.
وفي الحديث: «أن الصبر الجميل أنه الذي لا شكوى فيه» أي: إلى الخلق.
ألا ترى إلى قوله: {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} وقيل: أتجمل لكم في صبري فلا أعاشركم على كآبة الوجه، وعبوس الجبين، بل على ما كنت عليه معكم.
وقال الثوري: من الصبر أنْ لا تحدث بما يوجعك ولا بمصيبتك ولا تبكي نفسك.
والله المستعان أي: المطلوب منه العون على احتمال ما تصفون من هلاك يوسف، والصبر على الرزية. اهـ.