فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ} فذكر على المعنى؛ ولو قال: فأرسلت واردها لكان على اللفظ، مثل {وجاءت}.
والوارد الذي يرد الماء يستقي للقوم؛ وكان اسمه فيما ذكر المفسرون مالك بن دعر، من العرب العاربة.
{فأدلى دَلْوَهُ} أي أرسله؛ يقال: أدلى دلوه إذا أرسلها ليملأها، ودَلاَها أي أخرجها: عن الأصمعي وغيره.
ودلا من ذات الواو يدلو دلوًا، أي جذب وأخرج، وكذلك أدلى إذا أرسل، فلما ثقل ردوه إلى الياء، لأنها أخف من الواو؛ قاله الكوفيون.
وقال الخليل وسيبويه: لما جاوز ثلاثة أحرف رجع إلى الياء، اتباعًا للمستقبل.
وجمع دَلْو في أقل العدد أَدْلٍ فإذا كثرت قلت: دُليّ ودلِيّ؛ فقلبت الواو ياء، إلا أن الجمع بابه التغيير، وليفرق بين الواحد والجمع؛ ودِلاء أيضا.
فتعلق يوسف بالحبل، فلما خرج إذا غلام كالقمر ليلة البدر، أحسن ما يكون من الغلمان.
قال صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء من صحيح مسلم: «فإذا أنا بيوسف إذا هو قد أعطي شطر الحسن» وقال كعب الأحبار: كان يوسف حسن الوجه، جعد الشعر، ضخم العينين، مستوي الخلق، أبيض اللون، غليظ الساعدين والعضدين، خميص البطن، صغير السرة، إذا ابتسم رأيت النور من ضواحكه، وإذا تكلم رأيت في كلامه شعاع الشمس من ثناياه، لا يستطيع أحد وصفه؛ وكان حسنه كضوء النهار عند الليل، وكان يشبه آدم عليه السلام يوم خلقه الله ونفخ فيه من روحه قبل أن يصيب المعصية.
وقيل: إنه ورث ذلك الجمال من جدته سارة؛ وكانت قد أعطيت سدس الحسن؛ فلما رآه مالك بن دعر قال: {يَا بُشْرَايَ هَذَا غُلاَمٌ} هذه قراءة أهل المدينة وأهل البصرة؛ إلا ابن أبي إسحق فإنه قرأ {يَا بُشْرَيَّ هَذَا غُلاَمٌ} فقلب الألف ياء، لأن هذه الياء يكسر ما قبلها، فلما لم يجز كسر الألف كان قلبها عوضًا.
وقرأ أهل الكوفة {يَا بُشْرى} غير مضاف؛ وفي معناه قولان: أحدهما: اسم الغلام، والثاني: معناه يا أيتها البشرى هذا حينك وأوانك.
قال قتادة والسديّ: لما أدلى المدلي دلوه تعلق بها يوسف فقال: يا بشرى هذا غلام؛ قال قتادة: بشر أصحابه بأنه وجد عبدا.
وقال السدي: نادى رجلًا اسمه بشرى قال النحاس: قول قتادة أولى؛ لأنه لم يأت في القرآن تسمية أحد إلا يسيرا؛ وإنما يأتي بالكناية كما قال عز وجل: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظالم على يَدَيْهِ} [الفرقان: 27] وهو عقبة بن أبي معيط، وبعده: {ياويلتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلًا} [الفرقان: 28] وهو أمية بن خلف؛ قاله النحاس.
والمعنى في نداء البشرى: التبشير لمن حضر؛ وهو أوكد من قولك تبشرت، كما تقول: يا عجباه! أي يا عجب هذا من أيامك ومن آياتك، فاحضر؛ وهذا مذهب سيبويه، وكذا قال السُّهيلي.
وقيل: هو كما تقول: واسروراه وأن البشرى مصدر من الاستبشار: وهذا أصحّ؛ لأنه لو كان اسما علما لم يكن مضافًا إلى ضمير المتكلم؛ وعلى هذا يكون {بُشْرَايَ} في موضع نصب؛ لأنه نداء مضاف؛ ومعنى النداء هاهنا التنبيه، أي انتبهوا لفرحتي وسروري؛ وعلى قول السُّدّي يكون في موضع رفع كما تقول: يا زيد هذا غلام.
ويجوز أن يكون محله نصبا كقولك: يا رجلًا، وقوله: {يا حسرة عَلَى العباد} [يس: 30] ولكنه لم ينون {بُشْرَى} لأنه لا ينصرف.
{وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً} الهاء كناية عن يوسف عليه السلام؛ فأما الواو فكناية عن إخوته.
وقيل: عن التجار الذين اشتروه، وقيل: عن الوارد وأصحابه.
{بِضَاعَةً} نصب على الحال.
قال مجاهد: أسرّه مالك بن دُعْر وأصحابه من التجار الذين معهم في الرفقة، وقالوا لهم: هو بضاعة استبضعناها بعضُ أهل الشام أو أهل هذا الماء إلى مصر؛ وإنما قالوا هذا خيفة الشركة.
وقال ابن عباس: أسرّه إخوة يوسف بضاعة لما استخرج من الجبّ؛ وذلك أنهم جاءوا فقالوا: بئس ما صنعتم! هذا عبد لنا أَبِق، وقالوا ليوسف بالعبرانية: إما أن تُقرّ لنا بالعبودية فنبيعك من هؤلاء، وإما أن نأخذك فنقتلك؛ فقال: أنا أقرّ لكم بالعبودية، فأقرّ لهم فباعوه منهم.
وقيل: إن يهوذا وصىّ أخاه يوسف بلسانهم أن اعترف لإخوتك بالعبودية فإنى أخشى إن لم تفعل قتلوك؛ فلعل الله أن يجعل لك مخرجا، وتنجو من القتل، فكتم يوسف شأنه مخافة أن يقتله إخوته؛ فقال مالك: والله ما هذه سمة العبيد!، قالوا: هو تَربَّى في حجورنا، وتخلق بأخلاقنا، وتأدّب بآدابنا؛ فقال: ما تقول يا غلام؟ قال: صدقوا! تربيت في حجورهم، وتخلقت بأخلاقهم؛ فقال مالك: إن بعتموه مني اشتريته منكم؛ فباعوه منه؛ فذلك {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20)}
فيه ست مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وَشَرَوْهُ} يقال: شريت بمعنى اشتريت، وشريت بمعنى بعت لغة؛ قال الشاعر:
وشَريْتُ بُرْدًا لَيْتَنِي ** مِن بَعْدِ بُرْدٍ كنتُ هَامَهُ

أي بعت.
وقال آخر:
فلما شَرَاها فاضتِ العينُ عَبرةً ** وفي الصَّدرِ حُزَّازٌ من اللَّوْمِ حَامِزُ

{بِثَمَنٍ بَخْسٍ} أي نقص؛ وهو هنا مصدر وضع موضع الاسم؛ أي باعوه بثمن مبخوس، أي منقوص.
ولم يكن قصد إخوته ما يستفيدونه من ثمنه، وإنما كان قصدهم ما يستفيدونه من خلوّ وجه أبيهم عنه.
وقيل: إن يهوذا رأى من بعيد أن يوسف أخرج من الجبّ فأخبر إخوته فجاؤوا وباعوه من الواردة.
وقيل: لا بل عادوا بعد ثلاث إلى البئر يتعرّفون الخبر، فرأوا أثر السيارة فاتبعوهم وقالوا: هذا عبدنا أبق منا فباعوه منهم.
وقال قتادة: {بَخْسٍ} ظلم.
وقال الضّحاك ومقاتل والسُّدي وابن عطاء: {بَخْسٍ} حرام.
وقال ابن العربي: ولا وجه له، وإنما الإشارة فيه إلى أنه لم يستوف ثمنه بالقيمة؛ لأن إخوته إن كانوا باعوه فلم يكن قصدهم ما يستفيدونه من ثمنه، وإنما كان قصدهم ما يستفيدون من خلوّ وجه أبيهم عنه؛ وإن كان الذين باعوه الواردة فإنهم أخفوه مقتطَعًا؛ أو قالوا لأصحابهم: أرسل معنا بضاعة فرأوا أنهم لم يُعطُوا عنه ثمنًا وأنّ ما أخذوا فيه ربح كلّه.
قلت: قوله وإنما الإشارة فيه إلى أنه لم يستوف ثمنه بالقيمة يدلّ على أنهم لو أخذوا القيمة فيه كاملة كان ذلك جائزًا وليس كذلك؛ فدلّ على صحة ما قاله السُّديّ وغيره؛ لأنهم أوقعوا البيع على نفس لا يجوز بيعها، فلذلك كان لا يحلّ لهم ثمنه.
وقال عِكرمة والشّعبي: قليلٍ.
وقال ابن حيان: زَيْف.
وعن ابن عباس وابن مسعود باعوه بعشرين درهمًا أخذ كل واحد من إخوته درهمين، وكانوا عشرة؛ وقاله قتادة والسّديّ.
وقال أبو العالية ومقاتل: اثنين وعشرين درهمًا، وكانوا أحد عشر أخذ كل واحد درهمين؛ وقاله مجاهد.
وقال عِكرمة: أربعين درهمًا؛ وما روي عن الصحابة أولى.
و{بخسٍ} من نعت {ثمنٍ}. {دَرَاهِمَ} على البدل والتفسير له. ويقال: دراهيم على أنه جمع دِرهام، وقد يكون اسمًا للجمع عند سيبويه، ويكون أيضًا عنده على أنه مدّ الكسرة فصارت ياء، وليس هذا مثل مدّ المقصور؛ لأن مدّ المقصور لا يجوز عند البصريين في شعر ولا غيره.
وأنشد النحويون:
تَنْفِي يداها الحَصَى في كلِّ هاجِرةٍ ** نَفْيَ الدّراهِيمِ تَنْقَادُ الصَّيَارِيفِ

{مَعْدُودَةٍ} نعت؛ وهذا يدل على أن الأثمان كانت تجري عندهم عدًّا لا وزنًا بوزن. وقيل: هو عبارة عن قلة الثمن؛ لأنها دراهم لم تبلغ أن توزن لقلتها؛ وذلك أنهم كانوا لا يزنون ما (كان) دون الأوقِية، وهي أربعون درهمًا.
الثانية: قال القاضي ابن العربي: وأصل النقدين الوزن؛ قال صلى الله عليه وسلم: «لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الفضة بالفضة إلا وزنًا بوزن من زاد أو ازداد فقد أربى» والزنة لا فائدة فيها إلا المقدار؛ فأما عينها فلا منفعة فيه، ولكن جرى فيها العدّ تخفيفًا عن الخلق لكثرة المعاملة، فيشق الوزن؛ حتى لو ضرب مثاقيل أو دراهم لجاز بيع بعضها ببعض عدًّا إذا لم يكن بها نقصان ولا رجحان؛ فإن نقصت عاد الأمر إلى الوزن؛ ولأجل ذلك كان كسرها أو قرضها من الفساد في الأرض حسب ما تقدّم.
الثالثة: واختلف العلماء في الدراهم والدنانير هل تتعين أم لا؟ وقد اختلفت الرواية في ذلك عن مالك: فذهب أشهب إلى أن ذلك لا يتعين، وهو الظاهر من قول مالك؛ وبه قال أبو حنيفة.
وذهب ابن القاسم إلى أنها تتعين، وحكي عن الكَرْخيّ؛ وبه قال الشافعي.
وفائدة الخلاف أنا إذا قلنا لا تتعيّن فإذا قال: بعتك هذه الدنانير بهذه الدراهم تعلقت الدنانير بذمة صاحبها، والدراهم بذمة صاحبها؛ ولو تعينت ثم تلفت لم يتعلق بذمتهما شيء، وبطل العقد كبيع الأعيان من العروض وغيرها.
الرابعة: رُوي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه قضى في اللّقيط أنه حر، وقرأ: {وَشَرَوْهُ بِثَمنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} وقد مضى القول فيه. الخامسة: قوله تعالى: {وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزاهدين} قيل: المراد إخوته.
وقيل: السيارة. وقيل: الواردة؛ وعلى أي تقدير فلم يكن عندهم غبيطًا، لا عند الإخوة؛ لأن المقصد زواله عن أبيه لا ماله، ولا عند السيارة لقول الأخوة إنه عبد أَبِق منا والزهد قلة الرغبة ولا عند الواردة لأنهم خافوا اشتراك أصحابهم معهم، ورأوا أن القليل من ثمنه في الانفراد أولى.
السادسة: في هذه الآية دليل واضح على جواز شراء الشيء الخطير بالثمن اليسير، ويكون البيع لازمًا؛ ولهذا قال مالك: لو باع درّة ذات خطر عظيم بدرهم ثم قال لم أعلم أنها درّة وحسبتها مَخْشَلَبَة لزمه البيع ولم يلتفت إلى قوله.
وقيل: {وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزاهدين} أي في حسنه؛ لأن الله تعالى وإن أعطى يوسف شَطْر الحسن صرف عنه دواعي نفوس القوم إليه إكرامًا له.
وقيل: {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} لم يعلموا منزلته عند الله تعالى. وحكى سيبويه والكسائي: زَهِدت وزَهَدت بكسر الهاء وفتحها. اهـ.

.قال الخازن:

قوله عز جل: {وجاءت سيارة}
وهم القوم المسافرون سمّوا سيارة لمسيرهم في الأرض، وكانوا رفقة من مدين يريدون مصر فأخطؤوا الطريق فنزلوا قريبًا من الجب الذي كان فيه يوسف وكان في قفرة بعيدة من العمارة ترده الرعاة والمارة وكان ماؤه ملحًا فلما ألقي يوسف فيه عذب فلما نزلوا أرسلوا رجلًا من أهل مدين يقال له مالك بن ذعر الخزاعي ليطلب لهم الماء فذلك قوله: {فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه} قال والوارد هو الذي يتقدم الرفقة إلى الماء فيهيئ الأرشية والدلاء يقال أدليت الدلو إذا أرسلتها في البئر ودلوتها إذا أخرجتها قال فتعلق يوسف بالحبال وكان يوسف عليه السلام أحسن ما يكون من الغلمان وذكر البغوي بسند متصل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعطي يوسف شطر الحسن» ويقال إنه ورث ذلك الجمال من جدته سارة وكانت قد أعطيت سدس الحسن قال محمد بن إسحاق: ذهب يوسف وأمه بثلثي الحسن، وحكى الثعلبي عن كعب الأحبار، قال: كان يوسف حسن الوجه جعد الشعر ضخم العينين مستوي الخلق أبيض اللوم غليظ الساعدين والعضدين والساقين خميص البطن صغير السرة وكان إذا تبسم رأيت النور في ضواحكه وإذا تكلم رأيت شعاع النور في ثناياه، ولا يستطيع أحد وصفه وكان حسنه كضوء النهار عند الليل وكان يشبه آدم يوم خلقه الله وصورته قبل أن يصيب الخطيئة.
قالوا فلما خرج يوسف ورآه مالك بن ذعر كأحسن ما يكون من الغلمان قال يعني الوارد وهو مالك بن ذعر: {يا بشراي} يعني يقول الوارد لأصحابه أبشروا: {هذا غلام} وقرئ {يا بشرى} بغير إضافة ومعناه أن الوارد نادى رجلًا من أصحابه اسمه بشرى كما تقول يا زيد ويقال أن جدران البئر بكت على يوسف حين خرج منها: {وأسروه بضاعة} قال مجاهد أسره: مالك بن ذعر وأصحابه من التجار الذين كانوا معهم وقالوا إنه بضاعة استبضعناه لبعض أهل المال إلى مصر وإنما قالوا ذلك خيفة أن يطلبوا منهم الشركة فيه، وقيل: إن إخوة يوسف أسروا شأن يوسف يعني أنهم أخفوا أمر يوسف وكونه أخًا لهم بل قالوا هو عبد لنا أبق وصدقهم يوسف على ذلك لأنهم توعدوه بالقتل سرًا من مالك ابن ذعر وأصحابه والقول الأول أصح لأن مالك بن ذعر هو الذي أسره بضاعة وأصحابه: {والله عليم بما يعملون} يعني من إرادة إهلاك يوسف فجعل ذلك سببًا لنجاته وتحقيقًا لرؤياه أن يصير ملك مصر بعد أن كان عبدًا قال أصحاب الأخبار: إن يهوذا كان يأتي يوسف بالطعام فأتاه فلم يجده في الجب فأخبر إخوته بذلك فطلبوه فإذا هم بمالك بن ذعر وأصحابه نزولًا قريبًا من البئر فأتوهم فإذا يوسف عندهم فقالوا لهم هذا عبدنا أبق معنا ويقال إنهم هددوا يوسف حتى يكتم حاله ولا يعرفها وقال لهم مثل قولهم ثم إنهم باعوه منهم.
قوله تعالى: {وشروه} أي باعوه وقد يطلق لفظ الشراء على البيع يقال شريت الشيء بمعنى بعته وإنما وجب حمل هذا الشراء على البيع لأن الضمير في وشروه وفي وكانوا فيه من الزاهدين يرجع إلى شيء واحد وذلك أن إخوته زهدوا فيه فباعوه وقيل إن الضمير في وشروه يعود على مالك بن ذعر وأصحابه فعلى هذا القول يكون لفظ الشراء على بابه: {بثمن بخس} قال الحسن والضحاك ومقاتل والسدي: بخس أي حرام لأن ثمن الحر حرام ويسمى الحرام بخسًا لأنه مبخوس البركة يعني منقوصها وقال ابن مسعود وابن عباس: بخس أي زيوف ناقصة العيار وقال قتادة: بخس أي ظلم والظلم نقصان الحق يقال ظلمه إذا نقصه حقه وقال عكرمة والشعبي: بخس أي قليل وعلى الأقوال كلها فالبخس في اللغة هو نقص الشيء على سبيل الظلم والبخس والباخس الشيء الطفيف: {دراهم معدودة} فيه إشارة إلى قلة تلك الدراهم لأنهم في ذلك الزمان ما كانوا يزنون أقل من أربعين درهمًا إنما كانوا يأخذون ما دونها عددًا فإذا بلغت أربعين درهمًا وهي أوقية وزنوها واختلفوا في عدد تلك الدراهم فقال ابن مسعود وابن عباس وقتادة: كانت عشرين درهمًا فاقتمسوها درهمين درهمين فعلى هذا القول لم يأخذ أخوه من أمه وأبيه شيئًا منها، وقال مجاهد: كانت اثنين وعشرين درهمًا فعلى هذا أخذ أخوه منها درهمين لأنهم كانوا أحد عشر أخًا وقال عكرمة كانت أربعين درهمًا: {وكانوا فيه من الزاهدين} يعني وكان إخوة يوسف في يوسف من الزاهدين وأصل الزهد قلة الرغبة يقال زهد فلان في كذا إذا لم يكن له فيه رغبة والضمير في قوله وكانوا فيه من الزاهدين إن قلنا أنه يرجع إلى أخوة يوسف كان وجه زهدهم فيه أنهم حسدوه وأرادوا إبعاده عنهم ولم يكن قصدهم تحصيل الثمن وإن قلنا إن قوله وشروه وكانوا فيه من الزاهدين يرجع إلى معنى واحد وهو أن الذين شروه كانوا فيه من الزاهدين كان وجه زهدهم فيه إظهار قلة الرغبة فيه ليشتروه بثمن بخس قليل.
ويحتمل أن يقال: إن إخوته لما قالوا إنه عبدنا وقد أبق أظهر المشتري قلة الرغبة فيه لهذا السبب قال أصحاب الأخبار ثم إن مالك بن ذعر وأصحابه لما اشتروا يوسف انطلقوا به إلى مصر وتبعهم إخوته يقولون استوثقوا منه لا يأبق منكم فذهبوا به حتى قدموا مصر فعرضه مالك على البيع فاشتراه قطفير قاله ابن عباس، وكان قطفير صاحب أمر الملك وكان على خزائن مصر وكان يسمى العزيز وكان الملك بمصر ونواحيها اسمه الريان بن الوليد بن شروان وكان من العماليق، وقيل: إن هذا الملك لم يمت حتى آمن بيوسف واتبعه على دينه ثم مات ويوسف حي.
قال ابن عباس: لما دخلوا مصر لقي قطفير مالك بن ذعر فاشترى يوسف منه بعشرين دينارًا وزوج نعل وثوبين أبيضين، وقال وهب بن منبه: قدمت السيارة بيوسف مصر ودخلوا به السوق يعرضونه للبيع فترافع الناس في ثمنه حتى بلغ وزنه ذهبًا ووزنه فضة ووزنه مسكًا وحريرًا وكان وزنه أربعمائة رطل وكان عمره يومئذ ثلاث عشرة سنة أو سبع عشرة سنة فابتاعه قطفير بهذا الثمن فذلك. اهـ.