فصل: مقدمة أبي السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مقدمة أبي السعود:

قال رحمه الله:
سبحان من أرسل رسوله بالهدى ودين الحق وبين له من الشعائر الشرائع كل ما جل ودق أنزل عليه أظهر بينات وأبهر حجج {قرآنا عربيا غير ذي عوج مصدقا لما بين يديه من الكتاب ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب} ناطقا بكل أمر رشيد هاديا إلى الصراط العزيز الحميد آمرا بعبادة الصمد المعبود كتابا متشابها مثاني تقشعر منه الجلود تكاد الرواسي لهيبته تمور ويذوب منه الحديد ويميع صم الصخور حقيقا بأن يسير به الجبال وييسر به كل صعب محال معجزا أفحم كل مصقع من مهرة قحطان وبكت كل مفلق من سحرة البيان بحيث لو اجتمعت الإنس والجن على معارضته ومباراته لعجزوا عن الإتيان بمثل آيه من آياته نزل عليه على فترة من الرسل ليرشد الأمة إلى أقوم السبل فهداهم إلى الحق وهم في ضلال مبين فاضمحل دجى الباطل وسطع نور اليقين فمن أتبع هداه فقد فاز بمناه وأما من عانده وعصاه واتخذ إلهه هواه فقد هام في موامي الردى وتردى في مهاوي الزور ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور صلى الله عليه وعلى آله الأخيار وصحبه الأبرار ما تناوبت الأنواء وتعاقبت الظلم والأضواء وعلى من تبعهم بإحسان مدى الدهور والأزمان.
وبعد فيقول العبد الفقير إلى رحمة ربه الهادي أبو السعود محمد بن محمد العمادي إن الغاية القصوى من تحرير نسخة العالم وما كان حرف منها مسطورا والحكمة الكبرى في تخمير طينة آدم ولم يكن شيئا مذكورا ليست إلا معرفة الصانع المجيد وعبادة البارئ المبدئ المعيد ولا سبيل إلى ذاك المطلب الجليل سوى الوقوف على مواقف التنزيل فإنه عز سلطانه وبهر برهانه وإن سطر آيات قدرته في صحائف الأكوان ونصب رايات وحدته في صفائح الأعراض والأعيان وجعل كل ذرة من ذرات العالم وكل قطرة من قطرات العلم وكل نقطة جرى عليها قلم الإبداع وكل حرف رقم في لوح الاختراع مرآة لمشاهدة جماله ومطالعة صفات كماله حجة نيرة واضحة المكنون وآية بينة لقوم يعقلون برهانا جليا لا ريب فيه ومنهاجا سويا لا يضل من ينتحيه بل ناطقا يتلو آيات ربه فهل من سامع واع ومجيب صادق فهل له من داع يكلم الناس على قدر عقولهم ويرد جوابهم بحسب مقولهم يحاور تارة بأوضح عبارة ويلوح أخرى بألطف إشارة لكن الاستدلال بتلك الآيات والدلائل والاستشهاد بتلك الأمارات والمخايل والتنبيه لتلك الإشارات السرية والتفطن لمعاني تلك العبارات العبقرية وما في تضاعيفها من رموز أسرار القضاء والقدر وكنوز آثار التعاجيب والعبر مما لا يطيق به عقول البشر إلا بتوفيق خلاق القوى والقدر فإذن مدار المراد ليس إلا كلام رب العباد إذ هو المظهر لتفاصيل الشعائر الدينية والمفسر لمشكلات الآيات التكوينية والكاشف عن خفايا حظائر القدس والمطلع على خبايا سرائر الأنس وبه تكتسب الملكات الفاخرة وبه يتوصل إلى سعادة الدنيا والآخرة كما وأنه أيضا من علو الشأن وسمو المكان ونهاية الغموض والإعضال وصعوبة المأخذ وعزة المنال في غاية الغايات القاصية ونهاية النهايات النائية أعز من بيض الأنوق وأبعد من مناط العيوق لا يتسنى العروج إلى معارجه الرفيعة ولا يتأتى الرقى إلى مدارجه المنيعة كيف لا وأنه مع كونه متضمنا لدقائق العلوم النظرية والعملية ومنطوبا على دقائق الفنون الخفية والجلية حاويا لتفاصيل الأحكام الشرعية ومحيطا بمناط الدلائل الأصلية والفرعية منبئا عن أسرار الحقائق والنعوت مخبرا بأطوار الملك والملكوت عليه يدور فلك الأوامر والنواهي وإليه يستند معرفة الأشياء كما هي قد نسج على أغرب منوال وأبدع طراز واحتجبت طلعته بسبحات الإعجاز طويت حقائقه الأبية عن العقول وزويت دقائقه الخفية عن أذهان الفحول يرد عيون العقول سبحانه ويخطف أبصار البصائر بريقه ولمعانه.
ولقد تصدى لتفسير غوامض مشكلاته أساطين أئمة التفسير في كل عصر من الأعصار وتولى لتيسير عويصات معضلاته سلاطين أسرة التقرير والتحرير في كل قطر من الأقطار فغاصوا في لججه وخاضوا في ثبجه فنظموا فرائده في سلك التحرير وأبرزوا فوائده في معرض التقرير وصنفوا كتبا جليلة الأقدار وألفوا زبرا جميلة الآثار.
أما المتقدمون المحققون فاقتصروا على تمهيد المعاني وتشييد المباني وتبيين المرام وترتيب الأحكام حسبما بلغهم من سيد الأنام عليه شرائف التحية والسلام.
وأما المتأخرون المدققون فراموا مع ذلك إظهار مزاياه الرائقة وإبداء خباياه الفائقة ليعاين الناس دلائل إعجازه ويشاهدوا شواهد فضله وامتيازه عن سائر الكتب الكريمة الربانية والزبر العظيمة السبحانية فدونوا أسفارا بارعة جامعة لفنون المحاسن الرائعة يتضمن كل منها فوائد شريفة تقر بها عيون الأعيان وعوائد لطيفة يتشنف بها آذان الأذهان لاسيما الكشاف وأنوار التنزيل المتفردان بالشأن الجليل والنعت الجميل فإن كلا منهما قد أحرز قصب السبق أي إحراز كأنه مرآة لا جتلاء وجه الإعجاز صحائفهما مرايا المزايا الحسان وسطورهما عقود الجمان وقلائد العقبان ولقد كان في سوابق الأيام وسوالف الدهور والأعوام أوان اشتغالي بمطالعتهما وممارستهما وزمان انتصابي لمفاوضتهما ومدارستهما يدور في خلدي على استمرار آناء الليل وأطراف النهاران أنظم درر فوائدهما في سمط دقيق وأرتب غرر فرائدهما على ترتيب أنيق وأضيف إليها ما ألفيته في تضاعيف الكتب الفاخرة من جواهر الحقائق وصادفته في أصداف العيالم الزاخرة من زواهر الدقائق وأسلك خلالها بطريق الترصيع على نسق أنيق وأسلوب بديع حسبما يقتضية جلالة شأن التنزيل ويستدعيه جزالة نظمه الجليل ما سنح الفكر العليل بالعناية الربانية وسمح به النظر الكليل بالهداية السبحانية من عوارف معارف يمتد إليها أعناق الهمم من كل ماهر لبيب وغرائب رغائب ترنوا إليها أحداق الأمم من كل نحرير أريب وتحقيقات رصينة تقيل عثرات الأفهام في مداحض الإقدام وتدقيقات متينة تزيل خطرات الأوهام من خواطر الأنام في معارك أفكار يشتبه فيها الشؤن ومدارك أنظار يختلط فيها الظنون وأبرز من وراء أستار الكمون من دقائق السر المخزون في خزائن الكتاب المكنون ما تطمئن إليه النفوس وتقر به العيون من خفايا الرموز وخبايا الكنوز وأهديها إلى الخزانة العامرة الغامرة للبحار الزاخرة لجناب من خصه الله تعالى بخلافة الأرض واصطفاه سلطنتها في الطول والعرض ألا وهو السلطان الأسعد الأعظم والخاقان الأمجد الأفخم مالك الإمامة العظمى والسلطان الباهر وارث الخلافة الكبرى كابرا عن كابر رافع رايات الدين الأزهر موضح آيات الشرع الأنور مرغم أنوف الفراعنة والجبابرة معفر جباه القياصرة والأكاسرة فاتح بلاد المشارق والمغارب بنصر الله العزيز وجنده الغالب الهمام الذي شرق عزمه المنير فانتهى إلى المشرق الأسنى وغرب حتى بلغ مغرب الشمس أو دنا بخميس عرمرم متزاحم الأفواج وعسكر كخضم متلاطم الأمواج فأصبح ما بين أفقي الطلوع والغروب وما بين نقطتي الشمال والجنوب منتظما في سلك ولاياته الواسعة ومندرجا تحت ظلال راياته الرائعة فأصبحت منابر الربع المسكون مشرفة بذكر اسمه الميمون فيا له من ملك استوعب ملكه البر البسيط واستعرق فلكه وجه البحر المحيط فكأنه فضاء ضربت فيه خيامه أو نصبت عليه ألويته وأعلامه مالك ممالك العالم ظل الله الظليل على كافة الأمم قاصم القياصرة وقاهر القروم سلطان العرب والعجم والروم وسلطان المشرقين وخاقان الخافقين الإمام المقتدر بالقدرة الربانية والخليفة المعتز بالعزة السبحانية المفتخر بخدمة الحرمين الجليلين المعظمين وحماية المقامين الجميلين المفخمين ناشر القوانين السلطانية عاشر الخواقين العثمانية السلطان ابن السلطان السلطان سليمان خان بن السلطان المظفر المنصور والخاقان الموقر المشهور صاحب المغازي المشهورة في أقطار الأمصار والفتوحات المذكورة في صحائف الأسفار السلطان سليم خان بن السلطان السعيد والخاقان المجيد السلطان بايزيد خان لا زالت سلسلة سلطنته متسلسلة إلى انتهاء سلسلة الزمان وأرواح أسلافه العظام متنزهة في روضة الرضوان.
وكنت أتردد في ذلك بين إقدام وإحجام لقصور شأني وعزة المرام أين الحضيض من الذرى شتان بين الثريا والثرى وهيهات اصطياد العنقاء بالشباك واقتياد الجوزاء من بروج الأفلاك فمضت عليه الدهور والسنون وتغيرت الأطوار وتدلت الشئون فابتليت بتدبير مصالح العباد برهة في قضاء البلاد وأخرى في قضاء العساكر والأجناد فحال بيني وبين ما كنت أخال تراكم المهمات وتزاحم الأشغال وجموم العوارض والعلائق وهجوم الصوارف والعوائق والتردد إلى المغازي والأسفار والتنقل من دار إلى دار وكنت في تضاعيف هاتيك الأمور أقدر في نفسي أن أنتهز نهزة من الدهور ويتسنى لي القرار وتطمئن بي الدار وأظفر حينئذ بوقت خال أتبتل فيه إلى جناب ذي العظمة والجلال وأوجه إليه وجهتي وأسلم له سرى وعلانيتي وأنظر إلى كل شيء بعين الشهود وأتعرف سر الحق في كل موجود تلافيا لما قد فات واستعدادا لما هو آت وأتصدى لتحصيل ما عزمت عليه وأتولى لتكميل ما توجهت إليه برفاهة واطمئنان وحضور قلب وفراغ جنان فبينما أنا في هذا الخيال إذ بدا لي ما لم يخطر بالبال تحولت الأحوال والدهر حول فوقعت في أمر أشق من الأول أمرت بحل مشكلات الأنام فيما شجر بينهم من النزاع والخصام فلقيت معضلة طويلة الذيول وصرت كالهارب من المطر إلى السيول فبلغ السيل الزبى وغمرني أي غمر غوارب ما جرى بين زيد وعمرو فأضحيت في ضيق المجال وسعة الأشغال أشهر ممن يضرب بها الأمثال فجعلت اتمثل بقول من قال:
لقد كنت أشكوك الحوادث برهة وأستمرض الأيام وهي صحائح

إلى أن تغشتني وقيت حوادث تحقق أن السالفات منائح

فلما انصرمت عرى الآمال عن الفوز بفراغ البال ورأيت أن الفرصة على جناح الفوات وشمل الأسباب في شرف الشتات وقد مسني الكبر وتضاءلت القوى والقدر ودنا الأجل من الحلول وأشرفت شمس الحياة على الأفول عزمت على إنشاء ما كنت أنويه وتوجهت إلى إملاء ما ظلت أبتغيه ناويا أن أسميه عند تمامه بتوفيق الله تعالى وإنعامه إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم فشرعت فيه مع تفاقم المكاره على وتزاحم المشادة بين يدي متضرعا إلى رب العظمة والجبروت خلاق عالم الملك والملكوت في أن يعصمني عن الزيغ والزلل ويقيني مصارع السوء في القول والعمل ويوفقني لتحصيل ما أرومه وأرجوه ويهديني إلى تكميله على أحسن الوجوه ويجعله خير عدة وعتاد أتمتع به يوم المعاد فيا من توجهت وجوه الذل والابتهال نحو بابه المنيع ورفعت أيدي الضراعة والسؤال إلى جنابه الرفيع أفض علينا شوارق أنوار التوفيق وأطلعنا على دقائق أسرار التحقيق وثبت أقدامنا على مناهج هداك وأنطقنا بما فيه أمرك ورضاك ولا تكلنا إلى أنفسنا في لحظة ولا آن وخذ بناصيتنا إلى الخير حيث كان جئناك على جباه الاستكانة ضارعين ولأبواب فيضك قارعين أنت الملاذ في كل أمر هم وأنت المعاذ في كل خطب ملم لا رب وغيرك ولا خير إلا خيرك بيدك مقاليد الأمور لك الخلق والأمر وإليك النشور. اهـ.

.مقدمة الألوسي:

قال رحمه الله:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حمدا لمن جعل روح معاني الأكوان تفسيرا لآيات قدرته وصير نقوش أشباح الأعيان بيانا لبينات وحدته وأظهر من غيب هويته قرآنا غدا فرقانه كشافا عن فرق الكتب الإلهية الغياهب وأبرز من سجف ألوهيته نروا أشرق على مرايا الكائنات بحسب مزايا الاستعدادات فاتضحت من معالم العوالم المراتب وصلاة وسلاما على أول ذرة أضاءت من الكنز المخفي في ظلمة عماء القدم فأبصرتها عين الوجود وعلة إيجاد كل ذرة برأتها يد الحكيم إذ تردت في هوة العدم فعادت ترفل بأردية كرم وجود مهبط الوحي الشفاهي الذي أرتفع رأس الروح الأمين بالهبوط إلى موطئ أقدامه ومعدن السر الإلهي الذي أنقطع فكر الملأ الأعلى دون ذكر الوصول إلى أدنى مقامه فهو النبي الذي أبرزه مولاه من ظهور الكمون إلى حواشي متون الظهور ليكون شرحا لكتاب صفاته وتقريرا ورفعه بتخصيصه من بين العموم بمظهرية سره المستور وأنزل عليه قرآنا عربيا غير ذي عوج ليكون للعالمين نذيرا وشق له من أسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد وعلى آله وأصحابه مطالع أنوار التنزيل ومغارب أسرار التأويل الذين دخلوا عكاظ الحقائق بالوساطة المحمدية فما برحوا حتى ربحوا فباعوا نفوسا وشروا نفيسا وقطعوا أسباب العلائق بالهمم الحقيقية فما عرجوا حتى عرجوا فلقوا عزيزا وألقوا خسيسا فهم النجوم المشرقة بنور الهدى والرجوم المحرقة لشياطين الردى رضي الله عنهم وأرضاهم وإلى متبعيهم وأولاهم ما سرحت روح المعاني في رياض القرآن وسبحت أشباح المباني في حياض العرفان (أما بعد) فيقول عيبة العيوب وذنوب الذنوب أفقر العباد إليه عز شأنه مدرس دار السلطنة العلية ومفتي بغداد المحمية أبو الثناء شهاب الدين السيد محمود الألوسي البغدادي عفي عنه أن العلوم وإن تباينت أصولها وغربت وشرقت فصولها واختلفت أحوالها واتهمت وأنجدت أقوالها وتنوعت أبوابها وأشأمت وأعرقت أصحابها وتغايرت مسائلها وأيمنت وأيسرت وسائلها فهي بأسرها مهمة ومعرفتها على العلات، نعمة إلا أن أعلاها قدرا وأغلاها مهرا وأسناها مبنى وأسماها معنى وأدقها فكرا وأرقها سرا وأعرقها نسبا وأعرفها أبا وأقومها قيلا وأقواها قبيلا وأحلاها لسانا وأجلاها بيانا وأوضحها سبيلا وأصحها دليلا وأفصحها نطقا وأمنحها رفقا العلوم الدينية والفهوم اللدنية فهي شمس ضحاها وبدر دجاها وخال وجنتها ولعس شفتها ودعج عيونها وغنج جفونها وحبب رضابها وتنهد كعابها ورقة كلامها ولين قوامها على نفسه فليبك من ضاع عمره وليس له منها نصيب ولا سهم فلا ينبغي لعاقل أن يستغرق النهار والليل إلا في غوص بحارها أو يستنهض الرجل والخيل إلا في سبر أغوارها أو يصرف نفائس الأنفاس إلا في مهور أبكارها أو ينفق بدر الأعمار إلا لتشوف بدر أسرارها إذا كان هذا الدمع يجري صبابة على غير سمي فهو دمع مضيع وإن من ذلك علم التفسير الباحث عما أراده الله سبحانه بكلامه المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فهو الحبل المتين والعروة الوثقى والصراط المبين والوزر الأقوى والأوقى وإني ولله تعالى المنة مذ ميطت عني التمائم ونيطت على رأسي العمائم لم أزل متطلبا لإستكشاف سره المكتوم مترقبا لإرتشاف رحيقه المختوم طالما فرقت نومي لجمع شوارده وفارقت قومي لو صال خرائده فلو رأيتني وأنا أصافح بالجبين صفحات الكتاب من السهر وأطالع إن أعوز الشمع يوما على نور القمر في كثير من ليالي الشهر وأمثالي إذ ذاك يرفلون في مطارف اللهو ويرقلون في ميادين الزهو ويؤثرون مسرآت الأشباح على لذات الأرواح ويهبون نفائس الأوقات لنهب خسائس الشهوات وأنا مع حذاثة سني وضيق عطني لا تغرني حالهم ولا تغيرني أفعالهم كأن لبني لمبانتي ووصال سعدي سعادتي حتى وقفت على كثير من حقائقه ووفقت لحل وفير من دقائقه وثقبت والثناء لله تعالى من دره بقلم فكري درأ مثمنا ولا بدع فأنا من فضل الله الشهاب وأبو الثنا وقبل أن يكمل سني عشرين جعلت أصدح به وأصدع وشرعت أدفع كثيرا من إشكالات الأشكال وأدفع وأتجاهر بما ألهمنيه ربي مما لم أظفر به في كتاب من دقائق التفسير وأعلق على ما أغلق مما لم تعلق به ظفر كل ذي ذهن خطير ولست أنا أول من من الله تعالى عليه بذلك ولا آخر من سلك في هاتيك المسالك فكم وكم للزمان ولد مثلي وكم تفضل الفرد عز شأنه على كثير بأضعاف فضلي ألا إنما الأيام أبناء واحد وهذي الليالي كلها أخوات إلا أن رياض هذه الأعصار عراها إعصار وحياض تيك الأمصار أعتراها إعتصار فصار العلم بالعيوق والعلماء أعز من بيض الأنوق والفضل معلق بأجنحة النسور وميت حي الأدب لا يرجي له نشور كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامر ولكن الملك المنان أبقى من فضله الكثير قليلا من ذوي العرفان في هذه الأزمان دينهم إقتناص الشوارد وديدنهم إفتضاض أبكار الفوائد يروون فيروون ويقدحون فيورون لكل منهم مزية لا يستتر نورها ومرتبة لا ينتثر نورها طالما أقتطفت من أزهارهم وأقتبست من أنوارهم وكم صدر منهم أودعت علمه صدري وحبر فيهم أفنيت في فوائده حبري ولم أزل مدة على هذه الحال لا أعبأ بما عبالي مما قيل أو يقال كتاب الله لي أفضل مؤانس وسميري إذا أحلولكت ظلمة الحنادس نعم السمير كتاب الله إن له حلاوة هي أحلى من جنى الضرب به فنون المعاني قد جمعن فما تفتر من عجب إلا إلى عجب أمر ونهي وأمثال وموعظة وحكمة أودعت في أفصح الكتب لطائف يجتليها كل ذي بصر وروضة يجتنيها كل ذي أدب وكانت كثيرا ما تحدثني في القديم نفسي إن أحبس في قفص التحرير ما أصطاده الذهن بشبكة الفكر أو أختطفه بان الإلهام في جو حدسي فأتعلل تارة بتشويش البال بضيق الحال وأخرى بفرط الملال لسعة المجال إلى أن رأيت في بعض ليالي الجمعة من رجب الأصم سنة الألف والمائتين والاثنتين والخمسين بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم رؤية لا أعدها أضغاث أحلام ولا أحسبها خيالات أوهام إن الله جل شأنه وعظم سلطانه أمرني بطي السموات والأرض ورتق فتقهما على الطول والعرض فرفعت يدا إلى السماء وخفضت الأخرى إلى مستقر الماء ثم انتبهت من نومتي وأنا مستعظم رؤيتي فجعلت أفتفش لها عن تعبير فرأيت في بعض الكتب أنها إشارة إلى تأليف تفسير فرددت حينئذ على النفس تعللها القديم وشرعت مستعينا بالله تعالى العظيم وكأني إن شاء الله تعالى عن قريب عند إتمامه بعون عالم سري ونجواي أنادي وأقول غير مبال بتشنيع جهول هذا تأويل رؤياي وكان الشروع في الليلة السادسة عشرة من شعبان المبارك من السنة المذكورة وهي السنة الرابعة والثلاثون من سني عمري جعلها الله تعالى بسني لطفه معمورة وقد تشرف الذهن المشتت بتأليفه وأحكمت غرف مغاني المعاني بمحكم ترصيفه زمن خلافة الله الأعظم وظله المبسوط على خليقته في العالم مجدد نظام القواعد المحمدية ومحدد جهات العدالة الإسلامية (سورة الحمد) الذي أظهره الرحمن في صورة الملك لكسر (سورة الكافرين) وآية السيف الذي عوده الفاطر الفتح والنصر وأيده بمرسلات الذاريات في كل عصر فويل للمنافقين من نازعات أرواحهم إذا عبس صمصام عزمه المتين حضرة مولانا السلطان ابن السلطان سلطان الثقلين وخادم الحرمين المجدد الغازي محمود خان العدلي بن السلطان عبدالحميد خان أيده الرحمن وأبد ملكه ما دام الدوران آمين وبعد أن أبرمت حبل النية ونشرت مطوى الأمنية وعرا المخاض قريحة الأذهان وقرب ظهور طفل التفسير للعيان جعلت أفكر ما أسمه وبماذا أدعوه إذا وضعته أمه فلم يظهر لي اسم تهتشن له الضمائر وتبتش من سماعه الخواطر فرعضت الحال لدى حضرة وزير الوزراء ونور حديقة البهاء ونور حدقة الوزراء آية الله التي لا تنسخها آية ورب النهي الذي ليس له نهاية وصاحب الأخلاق التي ملك بها القلوب ومعدن الأذواق التي يكاد أن يعلم معها الغيوب مولانا علي رضا باشا لا زال له الرضا غطاء وفراشا فسماه على الفور وبديهة ذهنه تغنى عن الغور (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني) فياله اسم ما أسماه نسأل الله تعالى أن يطابقه مسماه وأحمد الله تعالى حمدا غضا وأصلي وأسلم على نبيه النبيه حتى يرضى وقد آن وقت الشروع في المقصود مقدما عليه فوائد يليق أن تكتب بسواد العيون على صفحات الخدود فأقول: